مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعين

تقرير عن اللقاء العلمي: إرثنا المخطوط في زمن العولمة

بسم الله الرحمن الرحيم

تقرير عن اللقاء العلمي:

إرثنا المخطوط في زمن العولمة

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خير الخلق، خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله الغر الميامين، وصحبه أجمعين، أما بعد:

فبمناسبة يوم المخطوط العربي نَظَّم معهد المخطوطات، التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بمصر، ومركز عقبة بن نافع الفهري للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعين بطنجة، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالمغرب، لقاءً علميا تحت شعار: “إرثنا المخطوط في زمن العولمة“، وذلك يوم الاثنين: 11 شعبان 1443هـ/ الموافق لـ 14 مارس 2022م، ابتداء من الساعة الخامسة والنصف مساء.

وقد جرت فعاليات هذا اللقاء العلمي المتميز، بقاعة الندوات بمقر المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بمدينة طنجة، واشتمل اللقاء على جلستين؛ شارك فيهما عدد من الأساتذة الباحثين، من أهل الاختصاص في التاريخ الإسلامي، والأدب العربي، والعلوم الشرعية، من جامعات ومعاهد علمية من المغرب.

اسْتُهِلَّ هذا اللقاء بتلاوة قرآنية مباركة، بصوت القارئ المُتْقِن: أحمد خَرُّوب.

بعدها رحَّب رئيس المركز الدكتور بدر العمراني بالسيد النائب الجهوي للمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، بطنجة، وبالسادة الأساتذة المشاركين، وبالحضور الكريم، وعبَّر عن فخر الأُمَّة بتراثها الخالد، وتمسُّكها به، وخدمته عبر العصور والأزمنة، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

وقد دأب معهد المخطوطات العربية بمصر على لَفْتِ الأنظار للاحتفال بهذا التراث سنويا في يوم المخطوط العربي، مع تحفيز المؤسسات العلمية بالعالم العربي على احتذاء نَهْجِهِ في التذكير بالتراث المخطوط؛ ومنها الرابطة المحمدية للعلماء، التي ما فتئت خادمة لهذا التراث عَبْرَ مراكزها ووحداتها البحثية، وهذه السنة آثَرَتْ أن يكون الاحتفال بطنجة؛ مدينة العلم والعلماء، عَبْرَ مركزها: عقبة بن نافع الفهري للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعين، وَتَمَثَّلَ ذلك في ندوة وتكريم؛ ندوة حَاضَرَ فيها باحثون متخصصون في المجال التراثي، وتكريم احْتُفِي فيه بشخصية من أعلام مشهود لهم بخدمة التراث المغربي والأندلسي، وهو الأستاذ الدكتور عبد السلام شقُّور.

بعد ذلك أعطى رئيس المركز الكلمة لمُسْتَضِيفِ وَمُحْتَضِنِ هذا اللقاء العِلْمِي: النائب الجهوي للمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير: السيد شاكر الموسوي، الذي عبَّر عن حبُوره وسعادته لاحتضانه هذا اللقاء العلمي الهام بمقر المندوبية التي يَرْأَسُهَا، مُرَحِّباً بالجميع: أساتذة، وحضورًا كرامًا، سائلا المولى، عز وجل، للجميع؛ التوفيق والسداد في هذه المهمة العلمية، خدمة لوطننا العزيز.

إثر ذلك أعطى رئيس المركز الكلمة للأستاذ الدكتور السيد عبد اللطيف شهبون، الذي تَسَلَّم رئاسة الجلسة العلمية الأولى، الموسومة بــ”التراث المخطوط في زمن العولمة“، فابتدأ حديثه بتحية السادة العلماء، والأساتذة الأفاضل، والحضور الكريم، وعبَّر عن سعادته الكبيرة لِتَلَقِّيهِ دعوة كريمة من مركز عقبة بن نافع الفهري للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعين بطنجة، التابع للرابطة المحمدية للعلماء، الذي يَضْطَلِعُ بأدوار بالغة الأهمية في الدفاع عن هُوِّيتنا، وثوابتنا.

وبعد هذا الحديث الموجز، أعطى مُسَيِّرُ الجلسة الكلمة للأستاذ الدكتور عدنان أجانة، الذي عبَّر عن سعادته للمشاركة في هذا اللقاء العلمي، وَمُرَحِّباً بجميع الحضور، مُسْتَفْتِحاً مداخلته، التي عنونها بــ“المخطوط والهُوية” بأبيات شعرية، لصفي الدين الحِلِّي، فَرَحاً بالمخطوط، وَفَرَحاً بِالأُنْسِ به في زمن كانت كل أمة تفخر بمآثرها، وذخائرها.

ثم انتقل إلى الحديث عن المخطوط في زمن العولمة، وقال: إنه حديثٌ ذو شجون تتنازعه جهات من النظر، وتقتسمه أَفَانِين من القول، كلها ترتبط بتاريخنا وثقافتنا وحضارتنا وَهُوِّيَتِنَا ارتباطا متيناً، وَتُعْرِب عن مدى صلة أكيدة بين حاضر الأمة وماضيها.

ولا شك أن المخطوط له أَثَرٌ كبير في حياتنا المعاصرة قد نُدْرِكُه وقد لا نُدْرِكُه، ولكنه أَثَرٌ حاضر في قُوَّةِ وَعْيِنَا.

كما أبرز قيمة المخطوط الذاتية في موضوعه، وأسلوبه، وأغراضه؛ وذلك بكونه لا زال يُحَقِّقُ إقبالا كبيرا في المعارض والمكتبات، وأنه لا زال يتصدر قائمة المشتريات، رغم التحديات الكبيرة التي يَتَعَرَّضُ لها، وأن الحديث عن المخطوط هو فرعٌ عن الحديث عن الكتاب، وعن الثقافة بشكل عام؛ وقيمته تتجلى في كل زمان ومكان، وتتناقله الأجيال بعد الأجيال؛ فكان بذلك محفوظا مُصاناً.

والحديث عن المخطوط هو حديثٌ أيضا عما يَحْتَكُّ بالمخطوط من جملة المعارف التي كان يُتقِنُهَا من يُصاحب المخطوط؛ من مَعْرِفَةِ أنواع الخطوط وأساميها، ومعرفة طبقات النُسَّاخ، وأوضاعهم واصطلاحاتهم، وَحَالِ النَّسخ وما يَعْرِضُ له، وقليلٌ جِدّاً من يُحسن هذا العِلْم، وهو أيضا بابٌ من العِلْم قد كَثُرت فيه الدَّعْوى، وقلَّ فيه التحصيل.

أَمَّا في بُعْدِه الرَّمزي؛ فَيُعَدُّ المخطوط تراثاً للأُمَّة جمْعاء، ومن ثم كان التواصي به وبحفظه، وبنسخه في كل عصر، والمخطوط تَرْتَفِعُ قيمته زمن الوَعْي بالذات، في فترة الاعتزاز بالهُوِّيَّة.

وللمخطوط في زمن العولمة أحوالٌ، تتقلَّبُ به بين المحاسن والمَضَارّ، فَمِنْ محاسنه انتشارُه بين المُعْتَنِينَ به بسبب الأنترنيت، وَتَعْمِيمُ المؤسسات لمخطوطاتها، وبسبب تَسْوِيقِهِ؛ حيث وَصَلَتْ نُسَخُهُ للقَاصِي والدَّاني، ومن أسوأ أحواله عند عامة الناس؛ أنه في غَمْرة زمن العولمة، ترى المخطوط منظوراً إليه بنظر النَّقْصِ، والبَخْسِ، والازْدِرَاء، وذلك بسبب انتشار العالمية في زمن العولمة، وهي ثقافة سطحية بين الناس.

فالمخطوط في زمن العولمة يمكن له أن يُسْهم إسهاما إيجابيا، إذا أُتيحت له الفرصة المناسبة، وذلك من خلال ما يلي:

1-  أن المخطوط يمكن له أن يُحصِّن الناشئة من الأفكار الطارئة المنحرفة؛ رغم اختلاف أنواعه، وتباين أحوال مضمونه.

2- تطمين الناشئة إلى الخطاب الموجود في المخطوط بشكل عام؛ لأنه في زمن العولمة قد كَثُر الخطاب وتَشَعَّبَ، وصار لكل مُتكلِّم كيفما كان، منبرٌ يَدْعُو فيه، وَيَدْعُو إليه، وأُعجب فيه كل ذي رأي برأيه.

3- حفظ الهُوِّية؛ فقد تعرَّضت الهُوِّيَّة في زمن العولمة إلى اختراق قوي؛ بحيث انسلَّت ثقافة العولمة إلى خصوصيات الأمم، وانْسابت في هُوِّيَّاتِ الأشخاص، فتحلَّلُوا من مُقَوِّمات هُوِّياتهم، واستبدلوا ما عندهم بما عند غيرهم.

والمخطوط في بُعْده التواصلي يَمْنَحُ لقارئه خطابا مُتجدِّداً عَبْرَ العصور.

4- أن المخطوط يُسْهِمُ في ربط الأحفاد بالأجداد، وربط الفروع بالأصول؛ لأن المخطوط في بُعده الحضاري والتاريخي يُعدُّ سنداً  رئيساً في سَيْرُورَةِ المعارف في الأمة، وانتقالها من جيل إلى جيل، وتعريف الأحفاد بتراث الأجداد.

بعد ذلك أعطى مُسير الجلسة الدكتور عبد اللطيف شهبون الكلمة للدكتور عدنان الوهابي، الذي عبَّر هو أيضا عن سعادته للمشاركة في هذا اللقاء، والدَّعْوة الكريمة التي وُجِّهت له من طرف مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعين بطنجة، فتحدَّث في موضوع وسمه بــ”رقمنة المخطوط المغربي في عصر العولمة، المكتبة الوطنية نموذجا“؛ وعَلَّل ذلك بقوله: إن التراث يُعْتَبَرُ أساساً للهُوِّيَّة؛ وهي تُعَبِّرُ عن التراث، وناقلة عنه، وأن الأمم تُعْرَفُ بهُوِّيَّتها التراثية التي تُجسِّدُها الحضارة والثقافة، والمحافظة على التراث بأشكاله وأنماطه، وتجلِّياته المتعدِّدة، واجبٌ ومسؤوليةٌ، ورسالةٌ؛ باعتبار أن التراث رصيدٌ إنساني متراكم، يُعدُّ من ثروة الأمة ورصيدها الذي لا يَنْضَب، والتراث مصدرٌ معرفيٌّ، وحضاري يُنْهل منه، وَيُبْنى عليه.

إن مضمون التراث الإسلامي، والحفاظ عليه، وَتَمَثُّلِهِ، يُمثِّل عاملا من عوامل وُجُودِنا.

ويمكن للتكنولوجيا أن تسهم بدور فعَّال ورئيس في الحفاظ على هذه المخطوطات، وخصوصا ما يتعلق برقمنتها؛ إذيعتبر مشروع رقمنة التراث إحدى المشروعات الهامَّة، والتَّحدِّيات الكبرى التي أصبحت تَفْرِضُ نفسها على المكتبات ومراكز التوثيق والمعلومات.

ومن أهداف الرَّقمنة:

1- الحفاظ على التراث الوثائقي من التَّلف والضَّياع.

2- التواصل، ونشر المعرفة، والتبادل الثقافي، عبر شبكات المعلومات.

3- إبراز القيمة العلمية، أو الفنية، أو التاريخية لبعض المجموعات المكتبية.

4- تحسين الخدمات المكتبية، وتوفير أَوْعِيَةٍ مختلفة لمستعمليه، وتحسين صورة المكتبة على المستوى المحلِّي، أو الوطني، أو الدَّولي.

وتحدث الأستاذ المحاضر عن أسباب رقمة المخطوطات في المغرب؛ بِكَوْنِهِ يتوفر على مراكز كثيرة جدا للمخطوطات، من أهمها:

الخزانة الحَسَنية بالرِّباط، والمجموعة الزَّيدانية؛ لعبد الرحمن بن زيدان، وخزانة المنوني، وخزانة القرويين بفاس التي أسهم في إغناء رصيدها من المخطوطات ملوك وأمراء المغرب عبر التاريخ، وخزانة الجامع الكبير بمكناس التي تأسست في العهد المُوَحِّدِي، وطوَّرها المولى إسماعيل، وأحفادُه من بعده، والخزانة الناصرية، التي تأسست في القرن العاشر على ضفة وادي دَرْعَة، وتسمَّى خزانة تَمَكْرُوت، والخزانة الحمزاوية، التي يرجع تاريخ تأسيسها إلى الرَّحَّالة أبي سالم العياشي، وحفيده حمزة، وخزانة المعهد الإسلامي بتارودانت التي تأسَّست في عصر السَّعديين، ومكتبة العلاَّمة عبد الله كنون بطنجة، وغيرها.

كما تحدَّث الأستاذ المحاضر عن المكتبة الوطنية بالرباط؛ وَعَدَّهَا من المكتبات الرَّائدة في مجال رقمنة المخطوطات بالمغرب؛ حيث قامت بإنشاء البوابة الإلكترونية؛ قصد تيسير الوصول إلى المعلومة بطريقة سهلة سلسة، كما قامت برقمنة المجلات والوثائق، وإبرام مجموعة من الشراكات مع مجموعة من المكتبات والمؤسسات الدولية؛ كالمكتبة الوطنية الفرنسية، والمكتبة الوطنية بكندا، وغيرهما؛ فكان القصد من هذه الرقمنة هو: الحفاظ على تراث الأمة من التَّلَفِ والضَّيَاع.

وبعد الانتهاء من الجلسة الأولى فَسَحَ مُسَيِّر الجلسة المجال للنقاش والتعقيب، فتدخَّل الأستاذ الدكتور عبد السلام شقور؛ وأثنى على العَرْضَيْنِ المُقَدَّمَيْنِ.

بعدها افتتح الدكتور بدر العمراني الجلسة الثانية التي ترأَّس تَسْيِيرَهَا، وَخُصِّصَتْ للاحتفاء بالمسار العلمي لأستاذ الأجيال الدكتور عبد السلام شقور، حيث عرَّف بِسِيرَتِهِ، وَمَسَارِهِ العلمي.

إثر ذلك أعطى مُسَيِّر الجلسة الكلمة بالتتابُع لكل من الأستاذ الدكتور عبد اللطيف شهبون، والأستاذ الدكتور محمد سعيد الصمدي، والأستاذ الدكتور عبد السلام المنصوري، الذين أَثْنَوا على الأستاذ المُكرَّم الثناء الجميل، بشهاداتهم الحيَّة حول مساره المِهْنِي وَالعِلْمِي.

وكان مِسك ختام هذه الجلسة التكريمية قصيدة شعرية بعنوان: “ذِكْرَى“؛ للدكتور بدر العمراني، احتفاء بالأستاذ الدكتور عبد السَّلام شقُّور.

ثُمَّ سُلِّم الدِّرْع التَّكْريمي للأستاذ المُكَرَّم مَقْرُوناً بِهَدِيَّة تقديراً لجهوده في خدمة العلم.

وإِثْرَ ذلك ألقى كلمة عبَّر فيها عن شُكْرِهِ، وامتنانه، وتقديره للمؤسَّسَتَيْن العِلْميتين المُنَظِّمَتَيْنِ لهذا اللقاء العلمي المبارك، ولكافة الأساتذة المشاركين والحضور الكرام.

ثُمَّ تَلاَ الباحث بمركز عقبة بن نافع الفهري للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعين بطنجة، التابع للرابطة المحمَّدية للعلماء: الدكتور نافع الخياطي، البيان الختامي.

وَاخْتُتِمَ هذا اللقاء العلمي المفيد بآيات بينات من الذِّكر الحكيم تلاها القارئ المُتْقِن: أحمد خَرُّوب.

وأُسْدِلَ السِّتار على هذا اللقاء، بحفلة شاي على شرف الحضور الكرام، في الساعة الثامنة مساء، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق