مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث

تقرير خصوصيات المدرسة المالكية بالمغرب الأقصى

اختتمت يوم الخميس 18 ربيع الثاني 1429 هـ الموافق ل 24 أبريل 2008م أشغال الدورة التكوينية   التي نظمت لفائدة طلبة الماستر في موضوع: “المدرسة المالكية بالمغرب الأقصى:(جذورها ـ أعلامها ـ تراثها)” في رحاب كلية الشريعة بأكادير، والتي نظمها ماستر المذهب المالكي: تراثه وأصوله وآفاق الاجتهاد فيه، التابع لكلية الشريعة أكادير، بتعاون وتشارك مع ماستر المذهب المالكي ومقتضيات العصر في المغرب بكلية الآداب والعلوم الإنسانيةـ المحمدية، ومركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

  وقد عرفت الجلسة الافتتاحية حضور العديد من الأساتذة والباحثين من داخل  كلية الشريعة وخارجها، بالإضافة إلى الطلبة المشاركين. وألقيت فيها كلمات للمساهمين في تنظيم هذه الدورة، والتي عبروا خلالها عن التطلعات والآمال المعقودة على أمثال هذه اللقاءات، كما أجزلوا الشكر للمشاركين والفاعلين في إنجاح هذا اللقاء العلمي الهام

  ففي كلمة الافتتاح أكد الدكتور الحسين أفا عميد كلية الشريعة بأيت ملول ـ أكادير، أهمية موضوع الدورة التكوينية، وما له من دور كبير في  النهوض بمستوى الدراسات في مجال الفقه المالكي ليتبوأ المذهب المالكي مكانته الريادية في المجتمع. كما تسعى الدورة ـ في نظره ـ إلى مد جسور التواصل بين الطلبة والباحثين، وذوي الاختصاص في المذهب للاستفادة من تجارب الآخرين، وتعميق النظر في تاريخ المذهب، وتوسيع البحث في أعلامه وتراثه، وكشف جهود العلماء وإسهاماتهم في هذا المجال، وصولا إلى مشروع علمي يخدم المجتمع من خلال التعامل مع الواقع الحضاري المعيش  وما يواجهه من تحديات العولمة والانبهار الحضاري.

من جهته أكد الدكتور عبد اللطيف الجيلاني، رئيس مركز الأبحاث والدراسات وإحياء التراث التابع للرابطة المحمدية للعلماء، أهمية موضوع الدورة، فهوـ في نظره ـ محور علمي متشعب الموضوعات، متعدد الأبعاد، يفتح المجال للباحثين المتخصصين  لمعالجة عدد من القضايا العلمية والمباحث المعرفية التي تحتاج إلى بحث ودراسة عميقين، وكشف لحقائقها، وهذا ـ حسب قوله ـ من آكد المهمات وأوجب الواجبات التي يحملها العلماء وطلبة العلم على السواء كل من زاويته.

  وفي كلمته بالمناسبة أعرب الدكتور محمد الزوين، منسق ماستر المذهب المالكي ومقتضيات العصر بالمحمدية، عن أمله في أن تحقق الدورة التكوينية المأمول، وتفتح الأبواب أمام  الطلبة والباحثين للنهوض بتراث المذهب المالكي وإبراز خصوصياته بالمغرب الأقصى، كما دعا إلى ضرورة تكثيف عقد مثل هذه الدورات لما سيكون لها من أثر كبير في خدمة المذهب المالكي ،والاستفادة من خصائصه ومزاياه.

وفي نفس السياق أكد الدكتور مولاي الحسين ألحيان، منسق ماستر المذهب المالكي تراثه وأصوله وآفاق الاجتهاد فيه بكلية الشريعة أكادير، أهمية عقد هذه  الدورة؛ فهي  ـ في نظره ـ تساهم في تكوين الطالب الباحث، وترسيخ ثقافته في الفرع العلمي الذي يتخصص فيه، كما أنها تعد  من الروافد الداعمة للوحدات الأساسية في التكوين المطلوب. فإذا كانت الوحدات تستهدف التكوين الموضوعي والمعرفي للمكوَّن، فإن هذه الدورة تبصره بالجوانب الصالحة لإنشاء بحوث ودراسات جديدة، وتفتح أمامه مجالات خصبة للبحث والنظر.

  وقد عرفت أشغال الدورة التكوينية إلقاء عشر محاضرات علمية، موزعة على أربع جلسات، لثلة من الأساتذة الباحثين، حاولوا خلالها تعميق النظر في تاريخ المذهب المالكي بالمغرب الأقصى، وتوسيع البحث في أعلامه وفي تراثه، وإماطة اللثام عن جهود علمائه، وإسهاماتهم في خدمة المذهب تعليما ودرسا ومذاكرة وتأليفا.

وذلك وفق ثلاثة محاور أساسية، هي:

المحور الأول: جذور المدرسة المالكية بالمغرب الأقصى.

ـ الإرهاصات الأولى للنشأة والتأسيس .

ـ جهود الرواد الأوائل في ترسيخ المذهب. 

المحور الثاني: أعلام المدرسة المغربية وتراثهم.

  ـ في القرآن والسنة.

ـ في الفقه والأصول والمقاصد.

ـ في العقيدة والكلام.

ـ في اللغة والأدب.

ـ في المنطق والفلسفة والتصوف.

المحور الثالث: إنتاج المدرسة المغربية: قراءة وتقويم.

ـ الأصالة والتجديد.

ـ الخصائص والمميزات.

ـ النقد والتقويم.
 

ففي الجلسة العلمية الأولى: افتتح الدكتور محمد شرحبيلي مداخلته بالحديث عن البوادر الأولى لنشوء المدرسة المالكية بالمغرب الأقصى، وعن الظروف التي صاحبت هذه النشأة، وقد حاول أن يلامس المراحل الأولى التي ارتقى فيها المذهب وازدهر وبلغ أوجه، فقدم العوامل المساهمة في هذا الازدهار، فكان من بينها عوامل نابعة من أصول المذهب وقواعده، وأخرى خارجية تمثلت في الجهود الجبارة المبذولة من قبل أهل الغرب الإسلامي علماء وسلاطين.

وقد حاول الأستاذ شرحبيلي أن يقدم تأريخا للجذور الأولى للمدرسة المالكية بالمغرب الأقصى، تأريخا علميا متكاملا، ينطلق من الداخل من خلال أمهات المصادر، ولا يكتفي بالسرد التاريخي للأحداث والوقائع، بل يرصد التوجهات الأساسية والمناهج المختلفة.

  أما الدكتور مولاي الحسين ألحيان فقد أشار في عرضه حول “كتاب المدونة في الدراسات المغربية (مناهج التحصيل للرجراجي نموذجا)” إلى أن وجود المذهب بالمغرب الأقصى، كان حاضرا قبل القرن الرابع من خلال الرحلات العلمية، والوفود القادمة من الأندلس والقيروان ومصر، وأن الذي تأخر هو تكوين مدرسة مالكية بصبغة مغربية، هذه المدرسة التي كتبت لها الريادة في العناية بالمصدرين الأساسيين للمذهب ( الموطأ و المدونة ). إذ لاشك أن حامل أول رواية للموطأ يحيى بن يحيى مغربي مصمودي الأصل، وأن المدونة إنما عرفت تصحيح روايتها، وتحقيق نصها، وضبط لغتها وأعلامها، واستخراج فقهها على يد أعلام المغرب الأقصى، بدءا بأبي عمران الفاسي، وعياض، والرجراجي، والزرويلي الصغير، وابن غازي… ثم انتقل بعد ذلك للحديث عن العلامة المغربي أبي الحسن سعيد الرجراجي وكتابه: مناهج التحصيل، مبينا قيمة الكتاب العلمية، وما توفر له من منهج قويم، واستنباط دقيق، وبيان لأسباب الخلاف والاحتمالات،…مما يرفع إسهام المغاربة في خدمة المذهب والدفع بتراثه إلى الأمام…

  وفي الجلسة العلمية الثانية: استهل الدكتور جميل مبارك عرضه حول “القاضي عياض وجهوده في تذليل صعاب الأصل الثاني للمذهب (المدونة)”، بالحديث عن الإشكالات التي كان نص المدونة يطرحها في الفهم والتأويل، وإن كان الكتاب ـ في نظر الباحث ـ يطرق أكثر من مجال علمي، كالرواية واللغة والاصطلاحات ثم الفقه والأصول. وقد حاول ثلة من العلماء تذليل هذه الصعاب، ومنهم القاضي عياض في تنبيهاته.

وقد أعان القاضي عياض على الإبداع في ذلك، وحل كثير من الإشكالات، تكوينه الموسوعي الفقهي والحديثي واللغوي… مع إحاطته بالمنهجين العراقي والمغربي، بل ومزجه بين الطريقتين.

ثم خلص المحاضر إلى عرض أساسيات منهج القاضي عياض في كتابه، والمتمثلة في صياغة مداخل منهجية للأبواب الفقهية، كقواعد هامة تضبط أمهات مسائل الباب، والوقوف عند بعض الكلمات أو الحروف والضمائر، ودراسة احتمالات معانيها ومراجعها، وأثر ذلك على الحكم الفقهي.

  وفي قراءته وتقويمه للتصنيف الفقهي في المذهب المالكي، قدم الدكتور محمد العلمي فوائد علمية لهذا  التصنيف، لخصها في ثلاثة أغراض، هي:

ـ الغرض الفكري، والمتمثل في التأريخ الصحيح للمذهب، وتجاوز الأحكام الجاهزة، والمقولات المأخوذة من كتب التراجم والتاريخ.

ـ الغرض المنهجي، والذي يتجلى في التفصيل بين الأساسيات والثانويات، وبين الأمهات وملح العلم…

ـ الغرض الفقهي، والمتمثل في التمييز بين المصادر المعتمدة وغيرها.

  أما مداخلة الدكتور عبد الهادي حميتو فقد ركزت على إسهام المغاربة في مجال القراءات وعلوم القرآن وانعكاس ذلك على الدرس الفقهي، مبرزا الارتباط الوثيق بين القراءات والفقه، وتبادل التأثير والتأثر انطلاقا من العلاقة الحميمة التي جمعت بين الإمام مالك والإمام نافع المدني، فكان من أخذ عن أحدهما يتشوف إلى الأخذ عن الآخر، مما وطأ لنقل قراءة نافع إلى المغرب الأقصى، واحتضان المغاربة لها مع المذهب في وقت واحد.

وفي الجلسة العلمية الثالثة التي افتتحت بمداخلة حول “الفقهاء المالكية الرواد في المغرب الأقصى وقبس من آثارهم” تحدث فيها الدكتور عبد اللطيف الجيلاني عن انتشار المذهب في مصر، وفي القيروان، وفي الغرب الإسلامي(المغرب الأقصى والأندلس)، والعراق وبلاد ما وراء النهر، وما صاحب ذلك من حركة علمية كبيرة، ثم أشار إلى الدور الذي لعبه القاضي عياض في الدفع بالمدرسة المالكية في الغرب الإسلامي؛ فقبل القاضي عياض كان المغاربة يتتلمذون في القيروان، لكن بعد مجيئه أرسى دعائم المذهب بسبتة، وصارت فاس هي دار فقه المغرب الأقصى.

  أما الدكتور الناجي لمين فقد حاول إبراز خصوصيات المدرسة الفقهية المالكية بالمغرب الأقصى في القرنين 8 و9  الهجريين، حيث اعتبر هذه الفترة فترة نضج في تاريخ المذهب، عرفت بروز مجموعة من الأعلام، الذين تركوا بصماتهم العلمية داخل المذهب عموما، وفي مدارس الغرب الإسلامي خصوصا، أمثال ابن آجروم الصنهاجي الفاسي، وأبي الحسن الطنجي، وابن عبد الرحمان التسولي، وأبي عبد الله السطي، وأبي زيد عبد الرحمان الجزولي، وغيرهم.

  أما الدكتور محمد الزوين فقد تناول في كلمته موضوع تعليل الأحكام في المدرسة المالكية المغربية، ويقصد بذلك ربط الأحكام بأدلتها، وقدم على ذلك نموذجين هما: الإمام السهيلي و الرجراجي اللذين عرفا باعتماد  الدليل والاحتجاج به في اختياراتهم الفقهية.

  وفي حديثه عن النقد الأصولي في المدرسة المالكية المغربية وقف الدكتور عبد المجيد محب مع مضامين كتاب “تحرير مسألة القبول للسجلماسي” وقفة تحليلية، بدءا من مقدمته إلى فصوله العشرة، ثم عرج على الخصائص المنهجية للمؤلف ومؤلَّفه، مع التركيز على التحليل العلمي المعتمد على قوة الدليل، وتحقيق بعض القواعد الأصولية، والاستدلال العلمي الرصين، والنقد العلمي الهادف…

  وفي الجلسة العلمية الرابعة عرض الدكتور مصطفى المسلوتي في مداخلته جوانب من عناية علماء سوس بالفقه المالكي، مع الإشارة إلى الطريقة التي عرفها تدريس الفقه المالكي في المدارس العتيقة، والتي ترتكز على جملة من كتب المذهب، مثل: رسالة ابن أبي زيد القيرواني، والمختصر بشرح الدردير، وتحفة الحكام بشرح ميارة، والتسولي. أما منهجية التدريس فاتخذت أشكالا، منها:

•سرد المتن مع بعض التعاليق: محاولة ضبط المتن.

•الغوص في ثنايا الشروح، وجلب النقول المختلفة، كل ذلك من أجل تكوين ملكة فقهية عميقة لدى الطالب.

بعد ذلك تطرق إلى الألقاب العلمية المستعملة في بلاد سوس، كالطالب، والفقيه، والمفتي، وبين معانيها المتعارف عليها في هذا القطر.

ومن خلال المناقشات التي أعقبت المحاضرات العشر، تمت بلورة التوصيات التالية:

ـ  إحداث مركز لتوثيق التراث المالكي بالمغرب الأقصى.

ـ تنظيم دورات لتقريب علوم الموطأ و المدونة.

ـ تنظيم مسابقة لحفظ الموطأ.

ـ دراسة مناهج التصنيف الفقهي في المغرب الأقصى.

ـ الاعتناء بالدراسات الأصولية والمقاصدية في المغرب الأقصى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق