مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية

تقرير حول ندوة: « مفاهيم لسانيات النص وتحليل الخطاب في قراءة التراث اللغوي والبلاغي»

نظمت كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان التابعة لجامعة عبد المالك السعدي بتعاون مع فرقة البحث الأدبي والسيميائي ندوة بعنوان « مفاهيم لسانيات النص وتحليل الخطاب في قراءة التراث اللغوي والبلاغي: قضايا الاستثمار وإشكالاتها» وذلك يومي الأربعاء والخميس 7-8 نوفمبر 2018 الموافق لـ 28-29 صفر 1440 هـ، بقاعة محمد الكتاني.

وقد افتتحت أشغال الندوة بتلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم، ثم تلتها كلمة السيد عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية الدكتور محمد سعد الزموري مرحبا بالحضور الكريم من أساتذة وطلبة وباحثين ومنوِّها بفريق البحث الأدبي والسيميائي على تنظيمه مثلَ هذه الملتقيات العلمية الرصينة، مقترحا في الآن ذاته إمكانيةَ إشراك مجموعات بحث وشُعَب أخرى في الكلية، وانفتاح الشعب بعضها على بعض، في إطار التكامل والتلاقح والانسجام المعرفي، لما في ذلك من إغناء للموضوع من جهة وتعميم الاستفادة بين كافة باحثي الكلية من جهة أخرى.

وتضمنت الجلسةُ الافتتاحية أيضا كلمةَ السيد رئيس شعبة اللغة العربية الدكتور محمد عبد الواحد العسري الذي رحب بالضيوف الكرام، مهنئا فرقة البحث الأدبي والسيميائي على تنظيم هذه الندوة، شاكرا لأهل العلم صنيعَهم، مضيفا أن موضوعا كهذا يحتاج إلى أمرين: الاطلاع الواسع على العلوم الحديثة، والتمكن القوي من علوم التراث ومصادره المعروفة والمتداولة وكذلك المجهولة.

وباسم فريق البحث الأدبي والسيميائي ألقى الكلمة الدكتور محمد الحافظ الروسي، وأهم ما جاء فيها أن الحديث عن الخطاب ليس بأمر حديث وليس مفهومه عند متأخري القدماء ببعيد عما نفهمه منه اليوم. وإنما الجديد استثمار المفاهيم الحديثة في فهم التراث القديم وإعادة قراءته، واستخراج ما يمكن استخراجه منه من مضامين متجددة وإعادة ترتيب ما فيه وفق ما يقتضيه تقدم العلوم والمناهج. وأضاف الدكتور في كلمته أنه اقتضى النظرُ أن تقامَ الندوةُ في موضوع « مفاهيم لسانيات النص وتحليل الخطاب في قراءة التراث اللغوي والبلاغي: قضايا الاستثمار وإشكالاتها» خدمةً للغة العربية وتجديدا للأدوات التي تجعلُها لغةً قادرة على مُجاراة اللغات القوية في هذا العصر. وقد قام بذلك أحسنَ قيام فضيلةُ الأستاذ الدكتور عبد الرحمن بودرع قائلا «فكان أمةً وحدَه في الإعداد لهذه الندوة، والسعي في إنجاحها واستكتاب جملةٍ من أهل العلم ممن حضروا»، شاكرا له ولكل من بذل جهدا في تنظيم هذه الندوة.

ثم تلتها كلمة رئيس اللجنة المنظمة الدكتور عبد الرحمن بودرع الذي ذكر أن نشأةَ فرقة البحث الأدبي والسيميائي نشأةٌ قديمة تنتهي إلى سنة 1987م، وتاريخها طويل حافل بالإنجازات والندوات والأيام الدراسية و المنشورات، فقد نشأت من رحم الاجتهاد والعمل الدؤوب، ذاكرا في هذا السياق إنجازاتها التي ميزتها عن باقي الفرق منذ نشأتها، وعرَّج في كلمته على بيان أن المؤتمراتِ والندواتِ في اختيار موضوعات البحث والمشاركة بها أصناف أهمها صنفان اثنان: نسق الأعلام ونسق المواضيع والإشكالات والقضايا، ولكل نسق قيمتُه في تاريخ العلم والمعرفة، وتدخلُ هذه الندوةُ في نسق القضايا والنماذج والإشكالات لأنها تنتقي من كل فن أو كتاب أو علم رؤيتَه في قضية معينة ومنهجَه فيها ونظريتَه التي صاغها، والأمر الثاني في هذه الكلمة أن تنظيم ندوة علمية في موضوع استثمار مفاهيم لسانيات النص وتحليل الخطاب في قراءة التراث وفهمه وتأويله لتحديث أفكاره واستخراج قيمه التركيبية والبنائية والفكرية والبلاغية ثم لتقريبه من القراءات المعاصرة لحسن استثماره والإفادة منه في وضع القواعد والتفسير والتأويل للنصوص قديمها وحديثها، شاكرا في ختام كلمتِه باسم اللجنة المنظمة كلَّ من أسهم في تنظيم هذه الندوة.

وعقب ذلك انطلقت الجلسةُ الأولى برئاسة الدكتور عبد الهادي امحرف وكان محور هذه الجلسة «قضايا اللغة والبلاغة في النص العربي القديم»، وأولى المداخلات في هذه الجلسة مداخلة الدكتور محمد الأمين المؤدب بعنوان: « السياق مبدأً إجرائياً في تحليل الخطاب الشعري»، وأكد أن بحثه يقوم على مفهومين كبيرين أولهما مفهوم السياق وثانيهما تحليل الخطاب الشعري، كما أكد أن النص يلتقي مع الخطاب في كثير من الحالات وأن النص حين ننظر إليه في سياقه الاجتماعي فإنه يكون خطابا عند اللسانيين. وإذا كان الخطاب أنواعا وأشكالا أو تندرج تحته أشياء؛ فإن القصيدةَ العربية تندرج أصالة ضمن هذه الأشكال. وبيَّن أنه سيدرس خطابا هو عبارة عن نص شعري قديم في إطار علاقته بالواقع الاجتماعي والثقافي وما إلى ذلك. ثم انتقل إلى بيان مفهوم السياق في بُعده الثاني بصفته موقفا، ووقف على السياق من حيث أثره في عملية الفهم والتأويل، كما تناول فاعلية السياق في التحليل النصي منظورا إلى هذا النص من الوجهة السياقية التاريخية والثقافية. وقد تناول بالتحليل نصا شعريا قديما من منظور لسانيات النص وهو حائيةُ جرير التي قالها في عبد الملك بن مروان ومطلعها:

أتصحو أم فؤادُك غيرُ صاح ***  عشيةَ هم صحبك بالرواح

مستندا في ذلك إلى أهم المفاهيم الواردة في تحليل الخطاب ولاسيما مفهوم السياق الخارجي مستثمرا الإشاراتِ النقديةَ ذات الصلة بالتراث العربي وفق خطة تسير في اتجاهين؛ اتجاه نظري وآخر تطبيقي؛ فالاتجاه النظري مدخل ضروري لتناول النص، وقد وقف فيه عند فكرة أساس عنونها بتشكيل الخطاب وإعادة التشكيل. والآخر تطبيقي تناوَلَ فيه القصيدةَ المذكورة، وخلص إلى أن هذه القصيدة حسب قيمها المديحية وحسب نسيبها هي قصيدةٌ مستخلَصة من واقع العصر، وقراءتها حسب قوله على هذا النحو قد تعطينا فهما آخر لعله يكون أحد الفهوم الأقرب للصواب.

ثم انتقلت الكلمة بعد ذلك للدكتور محمد مشبال بمحاضرة  عنوانها:« في تأويل الوجوه البلاغية دراسة في مرتكزات التأويل عند البلاغيين العرب القدامى». وكان محور كلمته حول إمكانية تحويل البلاغة من نظرية إلى تأويل وتفعيل للنصوص، وكيفية البحث عن الجوانب الخفية فيها وإبرازها، وذكر أن البلاغة تشتغل على المجاز والاستعارة والكناية ومجموعة من طرائق القول، كما أكد على ضرورة الخروج من الجانب التعليمي للبلاغة والبحث عن استدلالات يكون من خلالها التأويل البلاغي حاضرا وليس صارما. وقد كشف المحاضر في ورقته عن الجوانب الخفية في التراث لإستثمارها وتوظيفها، حيث بحث في التأويل وكيفية تلقي الوجوه البلاغية التي تتجلى في مظهرين: الأول تحديدُ الوجوه البلاغية والتعرفُ عليها وإدراكها، والثاني إعطاؤُها معنى، حيث يجب أن يكون مستدَلا عليها، مبينا أن التحليل البلاغي ينطلق من اختيارات يراد منها توصيل معنى إلى المتلقي، وأضاف الدكتور محمد مشبال أن بحثه هذا هومحاولة استخراج الاستدلالات والمرتكزات التي يقوم عليها التأويل البلاغي، اعتمادا على مجموعة من المرتكزات قسمها إلى قسمين: استدلالات خطابية: ذكر فيها أن  السياق النصي أحد مرتكزاتها، مقترحا في ذلك مصطلح تآزر النظم والاستعارة انطلاقا من الجرجاني؛ أي إن الاستعارة لا يجب أن ننظر إليها دلاليا فقط، بل تركيبا أيضا، فمصطلح النظم وتوخي معاني النحو عند الجرجاني يؤازر الاستعارة، وهذه الآلية تساعد في إنتاج تأويلات جديدة.

استدلالات موسوعية: وهي استدلالات تنتمي إلى موسوعة ومعرفة وكفاية المتلقي، وهي كفاية لغوية، وكفاية بلاغية: مبينا في عرضه أنه يجب أن يكون عند المتلقي ذوق وقريحة واستعداد لتذوق وجوه الكلام، من أجل استنطاق الوجه البلاغي واستخراجه. بعد ذلك تحدث عن الكفاية الموضوعية: شارحا أن المؤول يجب أن يكون له معرفة موسوعية، والجرجاني يتسم بذلك، حيث وقف على السياق الخارجي الخاص لأبيات البحتري:

شجو حساده وغيظ عداه*** أن يرى مبصر ويسمع واع

ومعان بالنصر راعي الأعادي*** بفتوح في الخالعين تباع

قد لعمري أعطيتك سارية الذل*** وكانت عزيزة الامتناع

وفي تعليقه على هذه الأبيات بيَّنَ أنه إذا كان السياقُ العام هو المدح، فإن الجرجاني وقف على السياق الخارجي الخاص وهو مدح الخليفة والتعريض بآخر، مشيرا في هذا المعنى إلى صراع حول الخلافة.

ثم انتقلَ إلى الحديث عن الكفاية الشعرية النوعية: والتي تعد من الكفايات المهمة التي يجب أن يعتمد عليها المؤول أثناء تأويل النصوص مستشهدا في ذلك بابن جني، وقد اصطلح على ما أتى به بسمة التصوير النسيبي، أي إن الأبيات ليست من النسيب لكنها استعارت منه سمة الغزل، وخلص إلى أن ابن جني استطاع أن يكشف عن ذلك بفضل كفايته الشعرية النوعية.

وقد أشار المحاضر إلى أن الغاية من هذا العرض يكمن في فحص هذه البلاغة وفحص بعض ما تختزله من إمكانات تسمح لنا بتطويرها وإعادة بنائها حتى تستجيب لحاجياتنا، لتكون لنا بلاغة عربية لتعريف الخطاب.

وختم الدكتور محمد مشبال ورقته بقوله:« لقد شكل التأويل في خطاب كثير من البلاغيين القدامى جزءا من تحديد القيمة البلاغية يكسب من خلالها الوجه البلاغي مزية، حتى وإن اكتفى هؤلاء بتفسير فعلية هذه القيمة دون تأويل ما تنطوي عليه من معاني ترفع من رتبتها، يحدث ذلك عند البلاغيين في سياق تحديد مسائل البلاغة وتوضيحها مثل صنيع الجرجاني عند اهتمامه بقيمة النظم ووجوه النحو، والبلاغة معنية بالأساس بتحليل تقنيات الخطاب البليغ وليس بتأويلها في سياقاتها التواصلية…».

ثم انطلقت الجلسة العلمية الثانية برئاسة الدكتور محمد الأمين المؤدب وكان محور ها «قضايا التماسك اللغوي في النص العربي». وأُولى المداخلات فيها كانت للدكتورة فاطمة السلامي الأستاذة بكلية اللغة العربية بجامعة القاضي عياض بمراكش، وقد تحدثت في موضوع: «مباحث التمييز في كتب النحاة: دراسة لسانية مقارنة». وقد عُنيَت الباحثةُ بالبحث عن التعالقات التي يقيمها التمييز داخل الجملَة، ذلك أن التمييز ظاهرة تنفرد بها اللغة العربية على حسب افتراضها، مركِّزة خاصة على التمييز الذي يزيل الإبهام و هو تمييز الجملة أو التمييز الملحوظ، حيث استقت نماذج كثيرة في هذا السياق نذكر منها مثلا:(اشتعل الرأس شيبا أي: اشتعل الرأس وشاب الرأس) فكل من التمييز والمحمول رأس التمييز يعبر عن الحدث ويشتركان في الموضوع نفسه أي الفاعل؛ فالرأس يمكن أن يكون محور الاشتعال و الشيب، ورأت في ذلك أن المحمول رأس البنية و التمييز يتقاسمان الحدث نفسه.

ثم تحدثت عن افتراض الصَّهْر والإفراغ في اللغة العربية، مثلا الفعل العربي يعبر عن الزمن وقد يعبر عن الجهة، وقد تلتصق به بعض الصور الأخرى داخل مكون واحد على عكس اللغات الأخرى، ذلك أن التعبير عن الحدث لا بد من بيان هل هو تام أم غير تام، وفي هذا الصدد أشارت إلى أنه في اللغة العربية يوجد الزمن الماضي والحاضر، عكس اللغات الأخرى فيها عدة أنواع في الماضي والمضارع وكل هذا يُعبَّر عنه بلواصقَ معينةٍ، في حين أن الفعلَ الماضي العربي أحادي الشكل في صيغة فَ عَ لَ، فما يُمكن أن تعبر عنه لغات كثيرةٌ في جملة يمكن أن تعبر عنه اللغة العربية في كلمة واحدة، ويمكن أن تشكل نصا مثلت له بعبارة: «زوجتكها» حيث تتكون من فعل وفاعل ومفعول به، ومن ثَم يمكن تحليل النص انطلاقا من كلمة فيها مجموعة من الكلمات مصهرة في بنية واحدة، ومن جهة ثانية تحدثت عن الإفراغ مبينة فيه أنه يمكن أن نعبر عن الحدث بأكثر من عبارة، مثلا: دخل الشهر في أول الليلة وأبرأ الشهر، واشتعل الرأس شيبا واشيب الرأس… 

ثم ختَمت ورقتَها موضحة  كيفية تعالق التمييز بالمميز، مبينة أن بينهما علاقة قصدية وعلاقة احتواء وتماثل واتصال وملابسة كما بيَّن الجرجاني. وأن البحثَ في هذه العلائق يساعد في حصر التمييز والتفريق بينه وبين باقي المنصوبات خاصة الحال.

ثم أُعْطِيَ الكلمةَ الدكتور عبد الرحمن إكيدر أستاذ بجامعة القاضي عياض بمراكش، فتحدثَ في مداخلته : «الربط الإحالي عند عبد القاهر الجرجاني» عن الإحالة وأنها تُعد الوسيلة الأبرز لتحقيق التماسك النصي وربط النص بسياقه الخارجي، ثم أشار إلى أن العنصر الإشاري هو الذي يكتفي بذاته ولا يحتاج إلى عنصر آخر يفسره، والعنصر الإحالي هو الذي يحتاج إلى عنصر آخر يفسره، وذكر أن الإحالة تنقسم إلى إحالة نصية داخلية قد تكون قبلية أو بعدية، وإحالة مقامية خارجية، وفي معرض حديثه بين المحاضر مظاهر الربط الإحالي عند عبد القاهر الجرجاني، والتي تتمثل في الربط الإحالي الضميري في سياق تمييزه بين الإظهار والإضمار.

وجاء بحث الدكتور عبد الرحمن إكيدر كمحاولة لتفعيل المقولات اللغوية والمبهمات التي لها طاقة إحالية واسعة، فهي تربط العالم اللغوي الداخلي بعالم الشاعر و الكاتب. 

وختم المحاضر بحثه ببيان أن الإحالة تحقق الاختصار وتجعل الجمل مترابطة سواء أكانت إحالة نصية أم كانَت مقامية تسهم في ربط النص، فهي تضمن استمراريته وتتحقق في الضمائر وأسماء الإشارة والموصول، وإذا كان تحليل الجرجاني في الأسرار والدلائل يعتمد على الشواهد إلا أنه يستحضر النص والمتكلم والمتلقي.

وانطلقت أشغال الندوة في اليوم التالي وكان محورها «قضايا النص بين القديم والحديث»، برئاسة الدكتور عبد الكريم المرابط الطرماش، حيث افتتحها مرحبا بالضيوف أساتذة وطلبة وحضورا عاما.

وكان أول المتحدّثينَ الدكتور عبد الرحمن بودرع الذي قدم بحثه تحت عنوان: «نحوُ النص وعلم أدوات التماسك والانسجام»، وقد استهل الباحثُ بحثه ببيان أثر الروابط في دلالة النص، مشيرا إلى أن النص المؤلف من كلمات هو إعادة توزيع للغة، وأن الغاية من نحو النص هي إخراجُ الظواهر التي كانت تعالَج بمعزل عن سياقها، منبها على أن الذي يتحكم في بناء النص هو قواعدُ داخليةٌ تحقق التماسك، وقواعدُ سياقيةٌ وتواصليةٌ تحقق الانسجام.

بعد ذلك شرع الأستاذ في محاور البحث، وهي:

1/  نحو النص ومناسبة المنهج للمادة. بين فيه أن تمامَ المنهج يكون ببناء وجه المناسبة بين القضية والمنهج، وأن المناسبة والتوافق شرط في تنزيل المنهج على النص، باعتبار المنهج فنا دقيق المسلك وبناءً يُركّب وطريقا يُطلب.

2/ الانتقال من النحو إلى النص: نبه فيه على أن الحديث عن نحو النص هو حديث عن القيود التي تقيد إطلاق دلالات الألفاظ وتراكيبها.

3/ مدار أمر النص المنسوج على الرباط الناظم: ذكر فيه ما يقوم عليه الكلام، وهو ثلاثة أشياء: لفظ حامل، ومعنى به قائم، ورباط لهما ناظم. (قاله أبو سليمان الخطابي في بيان رسالة القرآن، ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن). لأن عناصر اللغة العربية من أسماء وحروف وأصوات هي أوعية وأظرفة للمعاني.

4/ من قضايا النص واللغة وعلوم الآلة: ذكر منها طائفة من الأمور، وهي:

– بلاغة الترتيب، وفوائدها إما صوتية أو معنوية.

– المقابلة بين الألفاظ والتناسب في المعاني.

– توالي المنصوبات.

– الاختلاف بين مقتضى الإعراب ومقتضى المعنى البليغ.

– تقييد المطلق في الظروف وحروف الجر.

وفي كل ذلك يورد الشاهد والمثل من القرآن الكريم.

5/ علاقة النص بالمعجم: بحيث لا يقوم النص إلا على المعجم الذي يغترف الثقافة والألفاظ والمعاني، لأن النص يتألف من عناصر متفاوتة.

6/ شروط نصية النص: ذكر الأستاذ في المبحث مسائلَ تقيم أَوَدَ النص حتى يستويَ قائما متماسكا، منها:

– تلاؤم الحروف والأصوات وانسجامها على أساس تباعد مخارجها.

– السبك المعجمي واقتران الألفاظ ومناسبتها لمعانيها.

7/ المفاهيم المتعلقة بالتماسك النصي: أكد الأستاذ في هذا المبحث على أن الانسجام يتحقق بعلاقات الربط داخل النص، ومنها:

– التمام وسياق الاتصال.

– توزيع الضمائر في النص، وذكر بواعث ذكر الضمير مكان الاسم الظاهر، كالإيجاز والإحالة وغيرهما.

8/ القرائن النحوية وأثرها في تماسك النص: ذكر فيه أن الانتقال من المبنى إلى المعنى يقتضي الاستعانة بقرائن نصية كالرتبة والإسناد النحوي وقرينة الإعراب وقرينة وزن الكلمة لأن الوزن مبينٌ للمعنى.

وبهذا ختم المحاضر بحثه، ليعطي رئيسُ الجلسة الكلمةَ بعده الدكتور عدنان أجانة الذي قدم بحثه بعنوان: «من قضايا نحو النص في كتب إعراب القرآن الكريم». وأول ما افتتح به الأستاذ بحثَه هو الحديث عن علاقة النحو العربي بنحو النص. وقد جعل بحثه ثلاثَة مباحث:

1/ منزلة النحو العربي من نحو النص: أشار فيه إلى أن الباحثين يصنفون النحو العربي ضمن نحو الجملة، باعتبار تفكيره قاصرا عن مجاراة نحو النص مفهوما وموضوعا ومنهجا ومصطلحا، لأن عنايتهم إنما كانت بالمفردات ووجه انتظامها في الكلام. ثم أشار إلى أنهم كانوا يجردون الشواهد من سياقها.

ثم ذكر أن مُعْرِبِي القرآن الكريم كانوا أقرب صلة من نحو النص لتعاملهم المباشر مع الخطاب القرآني.

2/ نحو النص أفقًا للدرس النحوي العربي: ذكر فيه مناحيَ ثلاثة:

– المنحى المفهومي: حيث صار النص مفهوما مركزيا في التحليل.

– المنحى الاصطلاحي: حيث ظهرت مجموعة من المصطلحات الجديدة الواصفة للنص والمتعلقة به.

– المنحى المنهجي: حيث ظهرت تطبيقات منهجية في التنظير للنص، تنزل مقولات نصية على نحو النص وفق المنهج.

3/ نحو تصور منهجي لنحو نص عربي: ذكر فيه أمورا، منها:

– الاستعانة بنحو النص للكشف عن النسق الثاوي في كتب إعراب القرآن الكريم.

– الإفادة مما ذكره البلاغيون وغيرهم مما يتصل بمباحث نحو النص.

– الانتقال من مستوى النظر في الجملة إلى مستوى النظر في النص والخطاب موجب لضروب من النظرالمنهجي والمعرفي والاصطلاحي ليتناسب مع شمولية النص وكليّته.

وفي الأخير ختم الأستاذ بحثه ببعض المقترحات في توظيف مقولات نحوِ النص، وقد أدرجها في ثلاثة مناح:

* المنحى النظري:

– الاستعانة بتصور نحو النص الذي يعد أعلى وحدة مختصة بالتحليل اللغوي.

– تجميع المباحث الإعرابية في كتاب نظري يعتمد التبويب النحوي للنص، مع الاهتمام بباب الروابط وباب الجمل.

– تصنيف الكتاب ضمن علم من علوم القرآن.

* المنحى المنهجي:

– الاستعانة بالنظر المنهجي لنحو النص في دراسة الخطاب القرآني.

– تقسيم النص إلى بنيات صوتية وصرفية وتركيبية ودلالية وتداولية تتعالق فيما بينها.

– وصف الجمل وصفا مبنيا على مواقعها وعلاقاتها في الخطاب، وليس تشبيهها بالمفردة.

– التدقيق في علاقات الجمل في الخطاب القرآني ثم تصنيفها إلى علاقات جزئية، ومن أهمها: علاقة التفصيل، وعلاقة التدليل، وعلاقة التذييل، وعلاقة التكميل، وعلاقة التعليل، وعلاقة التميثيل.

* المنحى الاصطلاحي:

– تأطير المصطلحات النصية الواردة في التراث العربي، ويكون ذلك بأمرين:

1- الحفاظ على هذه المصطلحات مع تهذيبها فقط.

2- اقتراح مصطلحات جديدة تصف لنا المستويات التي أُغفلت في النص.

وبهذا انتهى الأستاذ أجانة من بحثه ليعطي رئيس الجلسة الكلمة للأستاذ نور الدين الشرقاوي ليقدم بحثه الذي أنجزه في موضوع: «قيمة المناهج اللسانية النصية المعاصرة في دراسة النص والخطاب». وقد قام بحث الأستاذ الشرقاوي على طرح إشكالات مركزية تتصل بصميم نحو النص. فقد بدأ بإشكال كيفية الانتقال من مستوى الجملة إلى مستوى النص، مبرزا في خلال ذلك أن قيمة المناهج في دراسة الموضوع يبقى بحاجة إلى إعادة النظر. ثم انتهى بإشكالين يدوران حول المصطلحات اللسانية، وهما:

هل نأخذ المصطلحات الغربية ونسقطها على التراث اللغوي العربي أم نعيد إنتاج مصطلحات جديدة؟ وكيف نستفيد من النظريات الغربية وفق مناهج لسانية معاصرة؟

وقد حاول الأستاذ الشرقاوي في بحثه أن يجيب عن هذه الإشكالات مبينًا نظرة الدرس اللغوي العربي إلى نحو النص وكيف يمكن أن يتآلفا بينهما.

وفي الأخير خُتمت الجلسة بكلمة ادكتورة آسية بودرع، مقدمة بحثها في موضوع: «القراءة والتلقي والنص التفاعلي: دراسة نظرية». تعرضت الأستاذة في بحثها إلى مسلك في علم النص دقيقٍ، هو مكانة القارئ من النص، وهذا يمكن سَلْكُهُ ضمن نظرية التلقي التي تهتم بالمتلقي المخاطَب الذي يقرأ النص أو يُلقى عليه الخطاب.

وقد أضافت الأستاذة في كلامها مبحث النص التفاعلي، وذلك بالحديث عن دور الحاسوب والقراءة الإلكترونية في هذا المجال.

وقد جعلت الأستاذة من القارئ محورَ بحثها، حيث قدمت رؤية جديدة للقارئ في سياق النص التفاعلي، إذ جعلته على ثلاثة أضرب: القارئ الكريم، والقارئ الجوّال، ثم القارئ المشارك.

وفي كل ذلك تطرح الإشكالات حول دور القارئ في إنشاء النص والمشاركة في تقديم تأويل له، ففي نظرها أن القارئ هو الذي يعطي الحياة للنص، وهو الذي يقدم رؤية جديدة للنص، باعتبار النص من إنشاء القارئ. وفي تعريفها للأدب التفاعلي، قالت: هو مجموعة من الإبداعات التي ظهرت مع الحاسوب.

وبذلك خُتمت أعمال الجلسة الأخيرة من هذه الندوة تخللتها أسئلة ومناقشات كشفت الغموض عن بعض القضايا والإشكالات، تلتها توصيات تمثلت فيما يلي:

– مواصلة عَقْدِ مثل هذه الندوات الجادة مع إشراك الشعب الأخرى قصد تلاقح الأفكار.

– تشجيع طلبة الدكتوراه على المشاركة وخاصة المميزين منهم.

– أن تتحول هذه الندوة إلى مؤتمر سنوي يضم فعاليات متعددة.

– الانفتاح على بعض المقاربات المنهجية الحديثة، وعلى تخصصات علمية داخل الكلية وخارجها.

– استثمار أعمال هذه الندوة في رسم معالم المؤتمر المقبل. 

– طبع توصيات الندوة ضمن أعمال الندوة المطبوعة.

– طبع المداخلات التي تفضل بها الأساتذة والباحثون عُروضاً ومناقَشاتٍ 

– استثمار مقترحات الندوة في توجيه بحوث الدكتوراه والماستر لتعميق البحث في هذه المقترحات.

– استثمار توصيات الندوة في صياغة مشاريع علمية تخدم مقاصدَ الندوة وأغراضها.

– ضرورة التفكير في مشروع علمي يشرف على إعداد معجم للمصطلحات النصية المبثوثة في التراث العربي يكون دليلا أوليا للدراسات اللسانية في التراث العربي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق