مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية

تقرير حول ندوة « مركزية ابن جني في الدرس اللغوي العربي»

نظمت شعبة اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان التابعة لجامعة عبد المالك السعدي ندوة دولية حول « مركزية ابن جني في الدرس اللغوي العربي» يومي الأربعاء والخميس 6- 7 ربيع الأول 1440 هـ، الموافق لـ 14- 15 نوفمبر 2018م، بقاعة العميد محمد الكتاني.

الجلسة الافتتاحية:

وقد افتتحت أعمال الندوة بتلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم، ثم تلتها كلمة السيد رئيس الشعبة محمد عبد الواحد العسري الذي رحب في البداية بالضيوف الكرام وكذلك بالأساتذة الحاضرين والطلبة الباحثين، وقد تحدث في كلمته عن نسب ابن جني ومولده وحياته ومصنفاته الكثيرة. وختم كلمته بشكر المشاركين والحاضرين على حجهم إلى هذه الندوة، وشُكرِ الذين أسهموا في تنظيمها وعملوا على إنجاحها من أساتذة وإداريين.

وتناول الكلمة أيضا في الجلسة الافتتاحية السيد نائب العميد  المكلف بالبحث العلمي الدكتور مصطفى الغاشي، نيابةً عن العَميد، فرحب بالحضور الكرام الوافدين من خارج المغرب ومن داخله، على مشاركتهم، وأشار إلى أن هناك مشروعاً علمياً أكاديمياً يشتغل فيه الأساتذة منذ مدة طويلة، وبدأ يُؤتي ثمارَه ونتائجه المهمة، وأكد في كلمته أيضا على أن التراث العربي تراث غني وينبغي للطلبة أن يتوجهوا إليه.

ثم  تحدثَ الدكتور عبد الرحمن بودرع رئيس اللجنة العلمية والتنظيمية، فألقى كلمة باسم اللجنتَيْن، بين فيها أن هذه الندوة هي الحلقة الرابعة في سلسلة الأعلام الذين حَظُوا بالمركزية في العلم، بدءاً بمركزية الجاحظ (2011) ثم مركزية سيبويه (2016) ثم مركزية حازم (2017) ثم مركزية ابن جني (2018)، وحُقّ لهؤلاء الأعلام أن تُعقَد لهم المجالس العلمية للمدارسة لأنهم تركوا آثارا علمية كبرى أثرت في الدرس اللغوي وفي تطوره اليوم، ذلك أن ابن جني إمامُ العربية في النحو والصرف، وقد ذاع صيته وعُرف بغزارة علمه وسعة أفقه وفضله، وقد سرد الدكتور عبدالرحمن بودرع بعض مصنفاته وعلق على ذلك بقوله « كأننا أمام موسوعة لغوية عربية متعددة الجهات»، كما تساءل هل يستحق المركزية؟ وأجاب الإيجاب، معللاً ذلكَ بأنه مازال نسقا فكريا في زماننا هذا، وبَيَّن أنه اختير موضوع المركزية نظرا لحضور نسق ابن جني اللغوي في مصادر الأدب والنقد واللغة والقراءات ومراجع الدرس اللغوي الحديث أيضاً. فقد ترك تراثا ثريا ومنهجا دقيقا ورؤية نسقية عميقة تستعصي على التلاشي وتقوى على البقاء والثبات.   

الجلسة الأولى:

محور هذه الجلسة « قيمة كتب ابن جني في تاريخ علوم العربية بوصفها متونا لغوية رئيسة»، وقد ترأس هذه الجلسة الدكتور محمد الحافظ الروسي.

وأولى مداخلات هذه الجلسة تقدم بها الدكتور عبد العالي المسؤول بعنوان: «ابن جني ناقدا للقراءات القرآنية»، بين المتحدثُ أن ابن جني بَحَثَ في القراءات وألَّفَ فيها من حيث الدراية لا من حيث الرواية، وقد رَجَعَ أسبابَ نقد ابن جني للقراءات إلى أن القراء تغلب عليهم الرواية في مقابل الدراية، وإلى ضعف العدة اللغوية عند المقرئين وإلى وهم الرواة عن القراء، وقد تساءل عن المرجعية المذهبية لابن جني وصلتها بنقده للقراءات وذكر أن ابن جني كان يميل إلى مذهب الاعتزال مما أثر في تفكيره اللغوي، وختم مداخلته بقوله إن ابن جني في نقده للقراءات ما كان يروم الحض من قيمة قرائها وإنما كان يدافع عن عربيتها ولغويتها إذ هو لغوي، وبين ان القراءات الشاذة والصحيحة يعز خروجها عن العربية من جميع أوجهها وأن النقد للمقرئين والقراءات ينبغي أن لا يتوقف شرط صدوره عن أهله بآلياته وقواعده وأدبه. وأضاف أن ابن جني إلى جانب نقده لقراءات قرآنية فإنه اهتم بالدرس الصوتي القرائي وخاصة في كتابه «سر صناعة الإعراب» قاصدا من ذلك صون اللفظ القرآني من اللحن بنوعيه: الخفي والجلي. 

وثاني مداخلات هذه الجلسة ألقاها الدكتور نصر الدين وهابي بعنوان « مركزية ابن جني في مشروع توثيق القراءات القرآنية: دراسة في المحتسب»، وقد أشار في البداية إلى أركان القراءة الصحيحة وبين أن سقوط ركن من هذه الأركان يجعل القراءة شاذة، غير أن منطق النحاة أضاف وجها آخر للتشذيذ وهو ما خرج عن القياس، كما أشار إلى الاصطدام الذي وقع بين فريق القراء والنحاة، وكيف أن ابن مجاهد زاد وجها آخر للشذوذ وهو ما جاء بعد السبعة، وبين الدكتور أن أول من فكر في المشروع التكميلي لابن مجاهد هو أبو علي الفارسي لكن عاجلته المنية ثم جاء تلميذه ابن جني الذي يستحق المركزية من أجل ذلك فألف المحتسب وأفلح في تصحيح مفهوم التشذيذ من الجانب اللغوي وهو بذلك وطأ للعمل الذي جاء بعده وهو التعشير على يد الجزري في كتابه «النشر». 

وثالث مداخلة في هذه الجلسة تقدم بها الدكتور عادل فائز وعنوانها «ردود ابن جني على ابن مجاهد: جمع ومدارسة»، وقد خصص المبحث الأول للردود النحوية والثاني للردود الصرفية والثالث للردود البلاغية، ثم خصص المبحث الرابع لبواعث هذه الردود، وقد مثل للردود النحوية والصرفية والبلاغية بأمثلة من القرآن الكريم رد فيها ابن جني على ابن مجاهد وأسهب المتدخل في شرحها، وأشار الباحث في سياق حديثه إلى مصطلح «الاشتباك» وإلى وجود تشابك في العربية بين علومها، وختم مداخلته بالحديث عن بواعث هذه الردود ولخصها في باعثين اثنين وهما: قاعدة ابن جني وهي أن الوجه إذا كان ضعيفا في العربية وكان غيره أقوى منه لا ينبغي الحكم عليه بالغلط وبالرد، وقد سمى الباعث الثاني بالهيمنة السيبويهية عند ابن جني.

وختمت هذه الجلسة بمداخلة الدكتور عبد الواحد الصمدي وعنوانها: «مشروع ابن جني في توجيه شواذ القراءات: منهجه وقواعده وآفاقه»، وبحثه هذا يتكون من مقدمة وأربعة مطالب، تناول في أولها مفهوم الشاذ عند ابن جني، وفي الثاني منهج ابن جني في توجيه القراءات، وفي الثالث قواعد التوجيه عند أبي الفتح ، وتساءل في آخر هذه المطالب عن استمرار مشروع ابن جني أو اندثاره، وخلاصة ما وصل إليه في هذا البحث أن مشروع ابن جني قام على الدفاع عن الحروف الشاذة وأن مصطلح الشاذ عند ابن جني مقابل للمُجْمَع عليه وأن الشاذ عنده قد يكون صحيحا من حيث الرواية وموافقة العربية لرسم المصحف إلا أنه يسمى شاذا باعتباره لمخالفته للسبعة. وبين أن من منهج ابن جني عزو القراءات إلى أصحابها مع ضبطها وأنه لا يوجه إلا ما لطفت صنعته وخفي توجيهه، ومن منهجه أيضا الحكم على القراءة نقلا أو اختيارا والاستشهاد بالشعر العربي في توجيه القراءات، والكشف عن المعاني الجديدة والاحتفاء بالتوجيه الصرفي، ثم عرج إلى بيان قواعد التوجيه في «المحتسب» ومن بينها: القرآن يتخير له ولا يتخير عليه، وأن العرب إذا نطقت بالأعجمي خطأت فيه، وختم بحثه ببيانه أن مشروع ابن جني ما زال بحاجة إلى إحياء.

الجلسة الثانية:

ومحور هذه الجلسة « علوم العربية ومصادرها وحدودها في الكشف عن مشروع ابن جني»، وقد ترأس هذه الجلسة الدكتور عبد الهادي أمحرف.

 وأول مداخلة في هذه الجلسة تقدمت بها الدكتورة ربيعة العمراني الإدريسي بعنوان «من ملامح التفكير العلمي في النحو العربي، كتاب سيبويه وخصائص ابن جني أنموذجين»، وذكرت في البداية على أن في الكتابين معا ملامح التفكير العلمي في النحو العربي وقد عمل البحث على تجليتها، وقد قسمت بحثها إلى أربعة مباحث تحدثت في أولها عن خطوات التفكير العلمي في النحو العربي بين الاستقراء والتعليل ولخصت هذه الخطوات في أربعة وهي: الملاحظة ووضع الفرضية والتجربة وصياغة القاعدة، وفي المحور الثاني تحدثت عن الاستقراء عند سيبويه وابن جني، وفي المحور الثالث تحدثت عن القياس عند سيبويه وابن جني أيضا وعن علمية هذا القياس عندهما معا، وتحدثت في الأخير عن علمية التعليل عندهما أيضا.  

ثم تلتها مداخلة الدكتورة السعدية ماجدولي وعنوان مداخلتها: «أثر ابن جني في حركة التأليف في أصول النحو، كتاب الاقتراح للسيوطي أنموذجا» وأهم ما توصلت إليه الدكتورة أن كتاب ابن جني هو كتاب في الأصول العامة للغة العربية على كافة المستويات، ومن خلال استقرائها للنصوص والإحالات في كتاب «الاقتراح» خلصت إلى بعض النتائج منها: أن السيوطي كان حريصا على عزو ما أخذه من ابن جني إلى صاحبه بصيغ مختلفة ومتعددة، بالإضافة إلى وجود فصول مجتزأة بأكملها من كتاب «الخصائص»، مع بيانها السياقات التي وظف فيها السيوطي كلام ابن جني، وهي: التعريف والشرح والتوضيح، وبينت أيضا أن كتاب الخصائص كان له حضور في حركة التأليف ودعت إلى تكثيف الجهود للاشتغال على نصوص أخرى في هذا المجال للكشف فعلا عن مركزية ابن جني في هذا الإطار.

وقد عَقَبَت هذه  المداخلةَ مداخلةُ الدكتور رشيد الخلادي بموضوع: « مصطلح القراءات الشاذة عند ابن جني من خلال كتابي المحتسب والخصائص»، وقد بين في بداية مداخلته أن أن بحثه هذا يميط اللثام عن كثير من القضايا في البحث القرآني من ذلك مصطلح الشذود عند ابن جني، وقد قسم بحثه إلى تمهيد وأربعة مباحث، الأول في مفهوم الشذوذ وتطوره التاريخي، والثاني في المقاييس اللهجية لتعدد اللهجات، والثالث في المقاييس النحوية والرابع في المقاييس الصرفية، وبين أن مصطلح الشذوذ في اللغة العربية يدور حول الندرة والتفرد، وأشار إلى أن هذا المصطلح مر بمراحل عديدة وأنه لم يكن يخرج عن أصله اللغوي ثم أصبح يطلق على القراءة التي يخالف بها القارئ ما أجمع عليه القراء. ونبه إلى أن أبا الفتح لم يكن مقتنعا بإطلاق مصطلح الشذوذ على كثير من القراءات، ثم انتقل في المبحث الثاني إلى الحديث عن المقاييس اللهجية التي تعني تعدد اللغات، وبين أن القراءات القرآنية هي المرآة الصادقة التي تعكس الواقع اللغوي الذي كان سائدا في شبه الجزيرة العربية وذكر أن ابن جني وجه العديد من القراءات اعتمادا على وجوه الاختلاف بين اللهجات، ثم انتقل إلى المبحث الثالث وهو مبحث المقاييس الصرفية وذكر فيه أن ابن جني يعد خاتمة الصرفيين، وختم مداخلته ببيانه أن ابن جني لم يقتصر على توجيه القراءات الشاذة بل وجه غيرها من القراءات السبعة.  

وختمت هذه الجلسة بمداخلة الدكتور عدنان أجانة التي عنونها بـ: « أصول النحو عند ابن جني في الخصائص: قراءة في معالم المشروع وآفاقه»، وقد ذكر في البداية أن النحو في عصر ابن جني كان قد استوى أبوابا ومصطلحاتٍ ومفاهيمَ إلا أنه كان محتاجا إلى تأصيل مباحثه وهو العمل الذي قام به ابن جني في كتاب «الخصائص»، وقد أكد على أن قواعد التوجيه في هذا الكتاب تمثل القسم الأكبر منه وهي المقصود الأعظم من أصول النحو، وأشار إلى أن الأصول على نوعين؛ أصول لها خاصية البناء للقواعد ومخرجات هذا النوع قواعد جزئية، وأصول لها خاصية التوجه داخل النسق النحوي ومخرجات هذا النوع قواعد كلية، وبين الدكتور أن أصول النحو في الكتاب على مستويات؛ أولها مستوى تأصيل الدليل النحوي، وثانيها مستوى توجيه التركيب النحوي، وختم مداخلته بالدعوة إلى إعادة إحياء مشروع ابن جني في أصول النحو.

وختمت فعاليات اليوم الأول بمناقشة جادة بين الأساتذة المتدخلين والحضور الكريم من طلبة وباحثين. 

الجلسة الثالثة:

استؤنفت الجلسة الثالثة في اليوم الثاني من الندوة وكان محورها:« منهج ابن جني اللغوي بين الدراسات العربية القديمة والدرس اللساني الحديث»، وقد ترأسها الدكتور نصر الدين وهابي.

افتتحت الجلسة بمداخلة الدكتور عبد الرحيم بودلال وعنوانها: «ابن جني صرفيا»، وقد قدم بمقدمة عامة ربط فيها المركزية بأصول النشأة أولا ووضع مقدمة تحدث فيها عن أن كتاب سيبويه كان بالنسبة للتاريخ اللغوي مرحلة حاسمة، وبين أن ابن جني تحدث عن موضوع إرادة العرب في كلامها وهي من أقوى العلل، وخلص إلى أن النص العربي هو أساس التعليل، ثم تحدث عن النموذج الصرفي وهو نموذج متكامل ويهدف إلى المزج بين الوصف والتوليد، وأهم ما ذكره في مداخلته هو أن النظام الصرفي عند ابن جني قائم على أصول وقواعد يبدأ أولا من بنية الكلمة وينطلق بعد ذلك إلى معالجتها ثم إلى التغيير لنصبح أمام نموذج متكامل.

وتلت هذه المداخلة كلمة الدكتور أحمد بان وموضوع ورقته: « حضور ابن جني لدى من كتبوا عن شعر المتنبي ابن وكيع وابن فورجة أنموذجا» وقد تحدث في البداية عن علاقة ابن جني بالمتنبي، وذكر أن كل من شرح ديوان المتنبي كان ابن جني حاضرا فيه واختار من هؤلاء ابن وكيع وابن فورجة، وبين أنه أسس هذا الاختيار على أن الرجلين يشتركان في أنهما كانا صدى مباشرا لما كتبه ابن جني، وان إنتاجهما جاء ردا على آرائه ومواقفه من شعر المتنبي وإن تفاوتا في طبيعة الرد، وقد قسم بحثه إلى ثلاثة فصول تحدث في الأول عن عبقرية الرجلين أي المتنبي وابن جني، وتحدث في الثاني عن ابن وكيع وكيف طبخ المتنبي في مرجل ابن جني ومن الأمور التي انتقدها ابن وكيع على ابن جني إفراطه في مدح المتنبي وتكلفه في تأويل الشعر، وفي الفصل الثالث وهو عن ابن فورجة المنفق عمره في تتبع ابن جني ذكر أن كتابا ابن وكيع وهما «التجني على ابن جني» و«الفتح على أبي الفتح» من المرجح أن يكون المؤلف ألف التجني في شبابه لعدة اعتبارات وأن يكون ألف الفتح بعد سن الشباب. 

وآخر مداخلة في هذه الجلسة ألقاها الدكتور عبد الرزاق صالحي بعنوان: « جهود ابن جني في علمي العروض والقافية»، وقد جعل الدكتور كلمته في ثلاثة مباحث أولها عنونه بالمدخل المرجعي وجعله في قسمين: المرجعية العلمية والمرجعية المذهبية، ثم عنون المبحث الثاني بمدخل التحصيل والاستيعاب وجعله في ستة مطالب، أولها: في المكون العروضي عند ابن جني، والثاني: في المصطلح العروضي عند ابن جني، والثالث: في الاستشهاد بالشعر للعروض، والرابع: في المكون القافوي، والخامس: في المصطلح القافوي، والسادس: في الاستشهاد بالشعر للقافية، أما المبحث الثالث فجعله بعنوان الشرح والنقد والتمايز وهو في مبحثين اثنين: أولهما في الشرح والنقد، والثاني في التمايز ومسائل النقد العروضي عند ابن جني، وخلاصة ما ذكره الدكتور في هذه المباحث أن ابن جني كان منتخبا مقلدا لا يعدو ما كتبه الخليل وما ذكره الأخفش وعلى مستوى المصطلحات فابن جني مجرد مختصر، وفي باب الشرح ذكر الدكتور أن النظر الكلي في أعمال ابن جني على المستوى العروضي يختلف من كتاب إلى كتاب، وذكر أن لابن جني في شرحه مجموعة من التعريفات لمصطلحات العروض والقافية وقد يتجاوز غيره من الشراح إلى بيان العلاقة بين المعنى الاصطلاحي والمعنى اللغوي، ومما أكد عليه أن القارئ لابن جني يجد أنه تغلب عليه ثقافته اللغوية والنحوية فينساق إليها في كتبه متغافلا سياق المجال الذي يكتب فيه.

الجلسة الرابعة:

كان محور هذه الجلسة: « نحو إعادة بناء نظرية ابن جني اللغوية بما يجعل منها مصدرا لبناء لغويات عربية جديدة»، وقد ترأسها الدكتور عبد الرحمن بودرع.

افتتحت الجلسة بمداخلة الدكتور عبد الواحد بن محمد الحربي بعنوان: « الفكر اللغوي عند ابن جني في فوائت الكتاب لسيبويه، مظهرا ومنهجا»، وقد عرض الدكتور لهذه المظاهر وأبرزها أن ابن جني كثيرا ما يورد الأسئلة والأمثلة الافتراضية أو يرد عليها، ومنها أيضا اعتباره للقياس، وتعليله للأحكام وتوجيهها بالإضافة إلى عنايته بالرواية والإسناد وعنايته بالاشتقاق، أما ما يتعلق بمنهجه فقد ذكر الدكتور أن ابن جني في تناوله فوائت الكتاب لم يظهر له أنه سار على منهج ثابت في دراسته هذه لأنه يعالج كل فائتة بما يناسبها من نهج، وأرجع السبب في ذلك إلى أن ابن جني عندما عالج هذه الفوائت نظر إليها نظر المتأمل ابتداء. 

وثاني المداخلات في هذه الجلسة تقدم بها الدكتور حسن بن إبراهيم قابور، وعنوانها «أثر اللهجات في توجيه ابن جني للقراءات القرآنية في كتابه «المحتسب» المستوى الصرفي نموذجا»، وقد عد الدكتور اللهجات العربية قاعدة من قواعد التوجيه لدى ابن جني، وذكر أيضا أن ابن جني كان له في تناوله لللهجات العربية طريقتان، أولهما كان ينسب بها القراءة، والثانية هي عدم نسبة القراءة لقبيلة معينة، وبين الدكتور أن كتاب «المحتسب» وإن كان يحمل في عنوانه لفظة الشواذ إلا أن ابن جني أورد فيه قراءات متواترة. وقد تطرق في مداخلته هذه إلى نماذج تطبيقية من أثر ابن جني في توجيه القراءات بالاستناد إلى اللهجات العربية في مسائل متعددة كالاتباع والهمز والتسهيل وغيرها.

ثم تلتها مداخلة الدكتور أحمد بوعود التي وسمها بـ: « الأبعاد الفلسفية للنظرية اللغوية عند ابن جني»، وتساءل في البداية عن وجود نظرية لغوية عند ابن جني فعلا فأكد وجود نسق فكري لابن جني في تراثه اللغوي، وبَيَّنَ أن بحثَه ينطلق من تعريف ابن جني للغة وهو «اللغة أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم» وانطلق منه لصياغة مجموعة من الأسئلة الفلسفية بالأساس، وقد سلك في بحثه منهجا ثلاثي الأبعاد يقوم على استقراء متن كتاب «الخصائص» باحثا عن الأبعاد الفلسفية، ثم قام بتحليل هذه الأبعاد وشرحها وتبيين مرتكزاتها وأصولها المعرفية، وقام أخيرا بمقارنة مضامين هذه الأبعاد الفلسفية عند ابن جني بمضامين غيره من الفلاسفة واللغويين من خلال ثلاثة أبعاد أولها في تعريف اللغة وأهم ما خلص إليه في هذا المبحث أن تعريف ابن جني للغة جامع وشامل، وفي البعد الثاني وهو في نشأة اللغة ووضعها وخلص إلى أن ابن جني كان يرى أن أصل اللغة هو موقف مزدوج، فهي توفيق من الله تعالى وهي وحي أيضا. وفي ثالث هذه الأبعاد وهو في علاقة اللغة بالدين ذكر أن ابن جني يرى أن هذا المبحث هو مبحث شريف وبحاجة إلى البحث.  

وآخر مداخلة في هذه الجلسة تقدمت بها الدكتورة سميرة حيدا وعنوان مداخلتها: « من مَثارات الفَرادة في فكر ابن جني النحوي»، وقد تحدثت في البداية عن ملازمة ابن جني لأبي علي الفارسي وعن أثره في الفكر اللغوي العربي، كما تحدثت عن عناية ابن جني بالقياس، وأهم ما جاءت به في كلمتها علاقة الدرس النحوي بالدرس الصرفي عند العلماء وأن علم الصرف ينبغي أن يسبق درس النحو، وأشارت في هذا السياق لأهمية الأصوات والصرف والنحو وأن الصرف علم وسط بين الأصوات والنحو، ذلك أن الكلام يتركب أولا من أصوات لتصير كلمات دالة وتتركب الكلمات لتصير جملا وكلاما مفيدا، ثم انتهت الدكتورة إلى الحديث عن إشكالات دقيقة عند ابن جني منها التعليق وتعلق أشباه الجمل وكذلك حكم الواو العاطفة عنده أيضا وغيرها من الإشكالات التي تطرقت إليها واستشهدت بها على فرادة الفكر النحوي عند ابن جني.

الجلسة الختامية: 

وقد تليت في هذه الجلسة التوصيات التي تقدم بها السادة الأساتذة المشاركون وهي على النحو التالي:

1- ضرورة التنسيق مع بعض المراكز المتخصصة في الدراسات اللغوية من أجل تطوير مشاريع علمية مشتركة.

2- اختيار بعض العناصر وبعض المقترحات في هذه الندوة والاستعانة بها في إعداد الملتقيات القادمة.

3- توجيه الدراسات العليا إلى العناية بالدرس اللغوي القائم على الفكر عوض الدراسات الحالية القائمة على معرفة الأحكام ووصفها.

4- إنشاء وحدات دراسية في الماستر عن أئمة اللغة.

5- إنشاء مركز علمي يهتم بدراسة تراث ابن جني وآثاره.

6- إنشاء منتدى إلكتروني حول شخصية ابن جني وأفكاره وآثاره وعلمه.

7- الاهتمام بفكر ابن جني وخصوصا فيما يتعلق بأصول النحو والتوصية بتدريس المادة وجعلها مقررا من المقررات التي يتدارسها الطلاب في الجامعة.

8- طبع بحوث هذه الندوة.

9- إقامة ندوة حول علم من أعلام الثقافة العربية كابن سيدة، والأعلم الشنتمري، والخليل بن أحمد، وابن هشام، والزمخشري.

10- طبع بحوث الندوات المقبلة قبل انعقادها واقتراح من يعقب عليها قبل قراءتها حتى تتكامل الرؤية عند الباحثين والمناقشين.

11- تكليف أحد الباحثين بجرد وتتبع واستقصاء ما كتب حول ابن جني.

12- التنسيق بين المشاركين بعد انتهاء الندوة وذلك من أجل التفكير في استثمار المشاريع العلمية التي تمت الإشارة إليها في هذه الندوة.

13- توجيه البحوث الأكاديمية في الماستر والدكتوراه لتعميق النظر في الجوانب الصوتية والصرفية والمعجمية وغيرها عند ابن جني.

14- إعداد موقع إلكتروني يضم أعمال هذه الندوة ويضم أيضا بحوثا من الأعمال السابقة كندوة مركزية الجاحظ ومركزية سيبويه ومركزية حازم لتحسين الاطلاع عليها والاستفادة منها.

15- الاعتناء بالجانب المصطلحي عند ابن جني لأهميته في الكشف عن مشروعه وآفاقه.

وختمت الندوة بتلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم والتقاط صور تذكارية لتوثيق هذا الحفل العلمي البهيج.  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق