مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية

«تقرير اليوم الدراسي في موضوع: البحث الجامعي وسؤال المنهج»

شهدت كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة عبد المالك السعدي في إطار أنشطتها التكوينية للموسم الجامعي 2022-2023 يوما دراسيا في موضوع: «البحث الجامعي وسؤال المنهج». وذلك يوم الخميس 27 جمادى الأولى 1444هـ الموافق 22 دجنبر 2022م، بقاعة الندوات رقم46، نظمَته فرقة البحث الأدبي والسيميائي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان، وفرقة البحث في العلوم الشرعية قضايا التأصيل والتجديد بتنسيق مع مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

الجلسة العلمية الأولى:

انطلَقَت أعمال هذا اليوم الدراسي بجلسة افتتاحية ترأسها الدكتور عبد الهادي امحرف الذي استهل كلمته بالترحيب بالأساتذة المشاركين، ثم ألقى كلمة بالنيابة عن رئيس شعبة اللغة العربية الدكتور أحمد هاشم الريسوني تحدث فيها عن أهمية الاشتغال بالمنهج في البحث العلمي، وفائدة هذا اليوم الدراسي في التكوين التطبيقي للطلبة، وبين أن منهج البحث الجامعي هو علم قائم بذاته وبأدواته وتقنياته، وبأصوله وفروعه وبتقويماته، وذكر أن هذه الورشة التكوينية هي ورشة مكاشفة، والتي سيحاول فيها مجموعة من الأساتذة من خلال تجاربهم الذاتية، ومن خلال بحوثهم تقديم النصح والتوجيه للطلبة لمساعدتهم على اكتساب القدرة على البحث والوصف والتحليل، وهذه مهارات يكتسبها الباحث أثناء مصيره البحثي.

ثم أحال الكلمة إلى الدكتور عدنان أجانة باسم اللجنة المنظمة أبرز فيها دواعي تنظيم هذا اليوم الدراسي وأسباب تخصيص موضوعه للحديث عن سؤال المنهج في البحث الجامعي، ذلك أن هذا الموضوع يكتسب أهميته مما شهده البحث الجامعي في العالم العربي من طفرة كبيرة في بنائه وموضوعه و منهجه وإخراجه، وهي أوضاع وأدبيات ارتبطت بسياق التكوين الأكاديمي للتحصيل العلمي والانفتاح على مجمل المعارف العربية والغربية التي يتردد صداها في الجامعات، كما أشار إلى أن المنهج هو جملة الطرق والأساليب التي يتوسل بها إلى نتائج معينة من قوام البحث العلمي الرصين، وأكد المحاضر في هذا السياق  أن البحث هو المنهج؛ وهو الذي يرفعه أو يضعه، وهو الذي يتعلق به الاستحسان وتناط به الإجادة، وقد تمكن كثير من الطلبة الباحثين  هذا السبيل وصار الطالب قلما يحفل بتجويد المنهج وإقامته، وهو إذا حاول أن يتمثل المنهج تمثلا صحيحا ضاع بين الكثير من التفاصيل المتعلقة به، ولذلك أصبحت البحوث تكتب على أوضاع مختلفة ومناهج مختلطة، وظهرت من عيوب البحوث  قضية المنهج بارزة  ودليلا على أهمية المنهج وخطورته في البحث العلمي، وقد أسفرت المناقشات الكثيرة بربوع هذه الكلية العامرة وفي غيرها من الكليات عن إشكالات منهجية حقيقة بالاعتبار، وقضايا  تتكرر من بحث إلى بحث  وعادات سيئة اتخذها الطلبة في كل بحث، ومن تم اقتضى نظر فرقة البحث الأدبي والسيميائي بتنسيق مع شركائها أن يتم تنظيم يوم دراسي في هذا الموضوع يعالج فيه قضية البحث الجامعي وأسئلة المنهج، ويخصص بجملة من المداخلات المنهجية المؤكدة التي تضع الطالب في سياق هذا الموضوع وتعرفه بأصوله وفروعه وتشرف به على حدوده وضوابطه، وقد خصصت جلستين في هذا اللقاء، في كل جلسة مداخلات مختارة مضبوطة تعالج كل مداخلة فيها جهة من الجهات التي تستشهد في قضية المنهج في البحث العلمي. وختم الدكتور عدنان أجانة ورقته بشكره كل من ساهم في إعداد هذا اللقاء، وفي طليعتهم أعضاء الفرقة الذين ساهموا في إخراج هذا اليوم الدراسي من القول  إلى الفعل ومن الفكرة إلى العمل.

افتتحت هذه  الجلسة العلمية برئاسة فضيلة الدكتور محمد الحافظ الروسي  رئيس مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية، للحديث عن «قضايا منهجية في العلوم الإنسانية»

وضمت هذه الجلسة مجموعة من مداخلات الأساتذة المشاركين، والتي كانت أولها: مداخلة فضيلة الدكتور عبد الرحمن بودرع تحت عنوان: «كلمة في  منهج البحث العلمي الجامعي» ذكر فيها أن حديث المنهج لم يعد خطاب الفلاسفة قديما كما كان عند اليونان وعصور النهضة الأوربية، بل أصبح المنهج علامة بارزة على الطرق والقوانين المتبعة في العلوم، وأنه لا يدخل في دائرة البحث العلمي الممنهج إلا ما كان ملتزما بمعايير التثمير العلمي والتوسع في وسائل الكتابة الأكاديمية المنظمة، فتدل كلمة منهج منذ عهد اليونان على معنى البحث أو النظر أو المعرفة، والمنهج في العربية الطريق المؤدي إلى الغرض المطلوب،  كما يدل في المعاجم العربية على النهج أو الطريق البيِّن الواضح، ويأتي وصفا ويأتي اسما، أما المنهاج فهو كالمنهج يدل على الطريق«لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا»[المائدة:48]، وأنهج الطريق واستنهج وضح واستبان، وتوصف الطريق بأنها نهجة وناهجة أي واضحة بينة، ثم تطور مصطلح المنهج في العلوم الدقيقة والعلوم الإنسانية ولم يأخذ معناه الراهن، فقد عني المناطقة بمسألة المنهج بوصفه جزءا من أجزاء المنطق، ثم اشتهر في القرن السادس عشر والسابع عشر ووصف المنهج بأنه استدلال، ثم بدأت تتكون فكرة المنهج بالمعنى الاصطلاحي المستعمل ابتداءا من ذلك التاريخ، مبينا ما جاء به الدكتور عبد الرحمن بدوي في كتابه «مناهج البحث العلمي» وهو من أبرز من كتب في هذا الباب، وقد كتب في منهج البحث العلمي كثير من المؤلفين، وصيغت كثير من البحوث وألقيت محاضرات كثيرة، ووضعت برامج للمنهج في الجامعات وكل ذلك لرعاية هذا الكائن بالنسبة للمنهج، وفي كتاب: «مناهج البحث العلمي» تحدث فيه بدوي عن المنهج ونشأته وعن علم المناهج وأنواع المناهج، ووقف عند المنهج التاريخي والمنهج التجريبي، وكذلك كتب كثير من الكتاب منهم الدكتور تمام حسان في كتابه المشهور «مناهج البحث في اللغة» وذهب إلى فكرة استقلال المنهج اللغوي، وذكر أنه إذا أردنا أن نضع التعريف الاصطلاحي للبحث العلمي الجامعي فيمكننا القول بأنه عبارة عن عملية معرفية تهدف إلى الإحاطة بالظواهر والمشكلات وزيادة الإدراك عند الناس، وأشار إلى أن  البحث العلمي الجامعي عبارة عن سلوك تنفيذي إجرائي يعنى فيه بعملية التخطيط وجمع المعلومات، ودراسة العينات وصولا إلى تحصيل النتائج، وهو عبارة عن عمل متكامل فيه مدخلات وإجراءات تنفيذية، أجملها الدكتور في:

1- مدخلات البحث العلمي الجامعي وهي عبارة عن معلومات المادة الأساسية المكونة بالكامل من محتوى البحث العلمي.

2- العمليات الإجرائية في البحث العلمي: ويضم عمليات معرفية تهدف إلى جمع المعلومات وتحليلها.

3- مخرجات البحث العلمي وهي المعلومات التي توصل إليها الباحث؛ وهي عبارة عن استنتاجات وخلاصات.

ثم عرج الدكتور عبد الرحمن بودرع على ذكر العناصر المؤلفة للبحث العلمي، وفي هذا السياق عرض المحاضر بالتفصيل لعناصر  البحث، فذكر أولا فلسفة المنهج أو مناهج البحث العلمي، وثانيا: يحسن في كل بحث في المنهج التمييز بين المصطلحات التي تشترك اشتقاقيا في أصل واحد كعلم المناهج وهو العلم الباحث في المناهج، وثالثا تصحيح الخطأ السائد وهو الخلط بين مصطلح المنهج في البحث العلمي الجامعي وبين طرقه وأدواته، ثم ذكر الموازنة  التي يشبه بعضها بعضا واستخراج أوجه الفرق منها وأسباب اختلافها، رابعا الإحصاء وهو أداة تدل على أن الأرقام لغة دالة يعتمد عليها وبرهان شاهد، خامسا: من طرق البحث أيضا تقدير موقف تستدعيه مشكلات طارئة، أو تدبير أزمة. ثم أشار الدكتور إلى المفاهيم الأساسية التي يضعها الباحث نصب عينيه في جميع مراحل البحث؛ ومنها المصطلحات والمفاهيم البحثية، الأساس والمنهج، التحليل والوصف والتفسير والحصر والاستنباط والاستدلال والاستقراء والاستقصاء، هذه كلها تدور وتدخل في عملية ممارسة البحث ولا تغيب عن ذهن الباحث وهو يكتب، ومنها عناصر البحث الرئيسة ومنها مشكلات البحث، والثوابت والمتغيرات والروابط والعلاقات،  ومصادر المادة ومراجعها، وذكر أن من مفردات البحث وأبجديته تعدد المبادئ الأخلاقية للبحث؛ كالأمانة والموضوعية والنزاهة والتجرد والتحري والتثبت وعدم النقل السريع وعدم الادعاء، ومن أساسيات البحث كذلك تصميم البحث وعلاقة مكوناته بعضها ببعض، وجمع المادة والبيانات والمدونات والملاحظة والتأمل والافتراض وترتيب المواد في المسودة اليدوية، ومنها منهج الكتابة؛ كالضبط والإحكام والتحليل والتركيب بعد التحليل والاستنباط بعد الاستقراء. وختم المحاضر كلمته ببعض الآراء بخصوص الباحثين المعنيين بالكتابة في مناهج  البحث العلمي في الدراسات والبحوث العلمية الحديثة، والتي عدها فضيلة الدكتور  من أكثر المصطلحات إشكالا وإثارة للجدل في الأدبيات الأكاديمية.

ثم أعطي الكلمة للدكتور عبد الكريم المرابط الطرماش فكانت ورقته تحت عنوان: «أسئلة حول المنهج»حاول المحاضر في موضوعه أن يرسم خطة للحديث حول النقط التالية: أولا المنهج، ثم خطوات المنهج، ثم بعد ذلك سؤال المنهج، وبعده المعايير الأساسية للمنهج، ففي البداية حدد الدكتور المصطلح من خلال التعاريف التي قدمت لمفهوم المنهج؛ فهو محدد بمجموعة من الإجراءات والطرق الدقيقة المتبناة من أجل الوصول إلى نتيجة، والمنهج في العلم مسألة جوهرية حيث إن الإجراءات المستخدمة أثناء البحث هي التي تحدد النتائج، فهو أحد أشكال التحليل والتفسير العلمي المنظم لوصف ظاهرة وتصنيفها وإخضاعها للدراسة، وهو مجموع القواعد التي تسمح بتعلم تقنية البحث، وهو مجموع الأدوات والوسائل والعمليات التحويلية التي اختارها الباحث لعمله والتي فرضها عليه البحث من أساليب وتقنيات مثل الملاحظة والتجربة التي تستخدم في كثير من المعطيات. ثم بين المحاضر خطوات المنهج مشيرا  أنه يعتمد على  خطوات تراتبية؛ فهو عبارة عن أسلوب بناء وممارسة وتفعيل، يقوم  على الاستقراء الظاهر العام، فالمنهج يتمثل في عدة خطوات إجرائية ذكر أهمها:

– تحديد الإشكالية والطريقة التي صيغت بها مع  ملاحظة أولية للظاهرة ككل.

– افتراض بعض الحقائق والفروض وإجراء التجارب عليها وطرح أسئلة تقييمية تؤسس لما سيأتي من معطيات مع التمثل لها.

– التحقق من صحة هذه الفروض أو خطئها لأدوات منطقية ثابتة.

– وضع قوانين عامة تربط بيم الظواهر  وتوحد العلاقات بينها.

– استنباط النتائج وتقييمها على مستوى الظاهرة المدروسة.

وأكد المحاضر على أن كل منهج يختلف في معالجته للموضوع، فإن لكل منهج طريقته الخاصة لأن أسئلته وأدواته تختلف في تأسيس خصوصيته، كما أن كل منهج له تطبيقاته يتميز بها عن الأصناف الأخرى من المناهج، فالسؤال هو سلطة توجيهية تقوم باستدعاء الأسئلة النوعية والكيفية التي يقوم عليها البحث، والسؤال هو صيغة منطقية ينطوي على معلومات قاعدية يتأسس عليها الموضوع، ثم ذكر السؤال المركزي الذي مثله بالإحساس في النظر إلى الموضوع واستشكاله، والسؤال الموالي هو سؤال المرحلة ما قبل الإجرائية تتوزعها أسئلة دقيقة تؤسس من خلالها رؤية تصورىة للموضوع، والسؤال الثالث هو المرحلة الإجرائية التي تكشف عن الأدوات المنهجية المتبعة من خلال النموذج التحليلي، والأسئلة تتطور بتطور النماذج والنظريات العلمية، والغاية من وضع السؤال هو الوصول إلى الفهم الموضوعي لماهية الموضوع والكشف عن الملامح العامة والخاصة لهذا الموضوع، فالمنهج يعمل على تحديد مجال الموضوع وأصل موضوعه من خلال هذه الأسئلة، وختم ورقته بذكر المعايير الأساسية للمنهج  حددها في ثمان نقط أساسية: أولا: إعداد هذه الأسئلة، ثانيا: التصنيف، ثالثا: الاختبار رابعا: التوازن من خلال إجراء عملية التحليل وفق البناء المنهجي،  خامسا: الملاءمة،  سادسا:  التنوع الواسع لهذه الأهداف، سابعا: التراكم وثامنا: التقويم.

وكانت المداخلة الثالثة بعنوان: «مناهج البحث العلمي وطرق استخدامها » ألقاها فضيلة الدكتور أحمد بوعود تطرق فيها إلى أقسام التأليف وحددها في أقسام سبعة: شيء لم يسبق إليه فيخترعه، وشيء ناقص يتممه، وشيء مغلق يشرحه، وشيء طويل يختصره دون أن يخل بشيء من معانيه، وشيء متفرق يجمعه، وشيء مختلط يرتبه، وأخيرا شيء أخطأ فيه مصنفه فيصلحه، هذه الإمكانات السبعة بين أنها ممكن أن تكون مفاتيح المواضيع في بحوثنا سواء كانت بحوثا جامعية أو  بحوثا في مؤتمرات وندوات، ثم بين المحاضر مفهوم المنهج عند أفلاطون الذي يستعمله بمعنى البحث والنظر وكذلك المعرفة، وأرسطو الذي يستعمله بمعنى البحث، وفي عصر النهضة الأوربية التي كان فيها المنهج عبارة عن مجموعة من القواعد العامة المصوغة من أجل الوصول إلى الحقيقة في العلم وهذا التعريف هو الذي استقرت عليه المعاجم الفرنسية وحتى الإنجليزية، وذكر أن البحث العلمي يكون على أنواع؛ إما أن يكون كتابة موضوع مستقل، أو تحقيق مخطوط ودراسته، أو ترجمة مخطوط أو كتاب وكذلك دراسته، كما تطر ق المحاضر إلى شروط البحث العلمي، وتطرق إلى ثلاثة مناهج التي سنحتاجها دائما في بحوثنا أولها:المنهج الوصفي، ثم المنهج المقارن، ثم المنهج التاريخي، مع ذكر خطواتهم.

أما المداخلة الرابعة في هذه الجلسة فكانت تحت عنوان: «منهجية البحث اللساني» ألقاها فضيلة الدكتور عبد الإله حجاج حيث أشار في بداية حديثه  أنه لكي يصبح طالب العلم باحثا يجب أن لا يكتفي فقط بترك المعرفة واستهلاكها بل يتوجب عليه تجاوز ذلك إلى إنتاج المعرفة، وذلك بتقديم أجوبة لبعض الإشكالات المطروحة، من خلال إنجاز بحوث علمية، وهو أمر يتطلب إنجاز منهجية واضحة توخيا للدقة والتنظير، و رسم المحاضر في ورقته الخطوات الأساسية التي يمكن أن يسلكها الباحث في اللغة لإنجاز بحث لساني، وفي البداية أجاب على سؤالين مركزيين؛ هما: ما هو البحث؟ ولماذا نبحث؟، وبعد ذلك قدم تصورا عاما لسيرورة البحث، ثم تطرق بالتفصيل لطريقة البحث بدءا بمرحلة التخطيط التي يتم فيها تحديد الموضوع وقراءة الأدبيات اللسانية وطرح الإشكالية، مرورا بمرحلة الكتابة الفعلية التي يتم فيها وضع تصميم ومراجعة الدراسات السابقة وتحديد المنهج المعتمد في تحديد المعطيات وتقديم استنتاجات، وفي حديثه كذلك أشار إلى طريقين أساسيين للقراءة؛ قراءة الاستكشاف التي تهدف إلى تقديم موثوقية المصدر من حيث أهميته ومدى ملائمة مضمونه بالنسبة لموضوع البحث، وقراءة الدراسة وهي القراءة الفعلية التي يقوم فيها الباحث بقراءة ما انتقاه خلال قراءة الاستكشاف قراءة متأنية، والذي يستحسن خلال القراءة أن ينظم الباحث حصيلة قراءته بملاحظات أو نقط أو بطاقات يتسنى له العودة لاحقا لها، واعتبر المحاضر هذه الخطوة مهمة بشأن كتابة أكثر سلاسة، وفي آخر كلمته اعتبر المحاضر أن  الاستنتاجات تعتبر قسما أساسيا في البحث؛ إذ يقوم فيه الباحث بتقييم حصيلة البحث ليرى إلى أي حد استطاع أن يجيب على الأسئلة المطروحة والفرضيات التي قدمها.

بعد ذلك تناول الكلمة الدكتور هشام بحيري وكان موضوع مداخلته: «المشكلة البحثية بين البناء والتقويم» وفي حديثه تطرق إلى مفهوم المشكلة البحثية، ثم انتقل مباشرة  للحديث عن مصادر بناء وصياغة  المشكلة البحثية وشروط بناءها، والتي من أهمها القراءة المستفيضة الواعية والاطلاع الواسع على أحدث ما كتب في مجال البحث من بحوث ودراسات وما نشر من كتب ومقالات علمية، ثم بين شروط المشكلة البحثية وذكر من بينها وجود الحافز والمقصود بذلك أن تكون مشكلة البحث محل اهتمام الباحث واختصاصه، وله رغبة حقيقية لدراستها وبحثها، ومن الشروط التي يجب أن تتوفر في المشكلة البحثية قابلية الإنجاز، وكذلك الآصرة والجدة، والدقة التي تشمل المصطلحات التي يوظفها الباحث  في صياغة مشكلة البحث التي يجب أن تختار بعناية بالغة، وختم المحاضر كلمته بذكر الأخطاء الشائعة التي قد يقع فيها الباحث أثناء صياغته مشكلة البحث؛ ذكر منها غياب التحديد الدقيق للمشكلة البحثية، والذي قد يتجه الباحث لصياغة مشكلات عامة لا تشكل إضافة للبحث العلمي واختيار مشكلة عريضة المجال لا يمكن لبحث واحد أن يغطيها ويوفيها حقها تحتاج لتضافر عدة تخصصات، ومن الأخطاء كذلك اختيار الباحث لمشكلة غير مقتنع بها أو لا تدخل ضمن اهتماماته، والتحمس المفرط والعجلة في اختياره لموضوعه دون أن يعطي لنفسه فرصة الانفتاح على مواضيع أخرى، وغياب العلاقة بين المشكلة البحثية وأهداف البحث ونتائجه، وأخيرا ذكر أن قيمة البحث  تتحدد بقيمة مشكلته أساسا وتنقص قيمته بأهمية هذه المشكلة، وقيمة البحث تتحدد بالحرص على الصياغة السليمة والدقيقة لمشكلة البحث.

وفي ختام الجلسة قدم الدكتور عبد الهادي أمحرف تعقيبا بين فيه  أن فرقة البحث لها دور مهم في توجيه الطلبة مقترحا  السير على هذا المنوال، و تتمة لهذه الدورات التكوينية محاولة تنظيم أيام تكوينية أخرى على شكل ورشات تأطيرية من طرف السادة الأساتذة بحيث سيقوم الطلبة بعرض تجاربهم وتوجيههم من قبل الأساتذة حول كيفية إنجاز هذه البحوث.

الجلسة العلمية الثانية:

أما الجلسة العلمية الثانية فخصص موضوعها لقضايا منهجية في العلوم الشرعية، سيرها فضيلة الدكتور محمد الصمدي، وضمت أربع مداخلات علمية:

المداخلة العلمية الأولى، بعنوان: «منهجية البحث في النص التفسيري، معالم ومقترحات»

عرض فيها فضيلة الدكتور سعيد بوعصاب  مكانة التفسير أولا وخصائص  نص تفسير القرآن الكريم، ممثلا لذلك بنص الراغب الأصفهاني، الذي جمع مقاصد التفسير ومكانته وأهميته، كما بيَّن خصوصية نص التفسير في ذاته، والذي يختلف عن بقية النصوص الأخرى بمميزات مهمة أهمها، أن النص التفسيري إنما هو مرتبط بكلام الله، وتطرق إلى أمر ثان وهو منتج هذا النص التفسيري ذو طبيعة خاصة، وهذه الصفة هي التي تصطلح على صاحبها بالوزن المفسر وهو وصف ذو قيود وشروط محددة، مشيرا إلى كتابي« البرهان في علوم القرآن» و«الإتقان في علوم القرآن» لمن أراد التوسع في  هذا المجال، وذكر أن نص التفسير يكتنز في ذاته طائفة من العلوم؛ فقد نجد في النص الواحد علم الحديث والفقه والنحو والصرف والبلاغة والأصول وعلوم القرآن… وكذلك يدخل في النص التفسيري  ما ينتمي إلى حقل الاستنباط بمختلف أنواعه وأشكاله، ويدخل فيه كذلك ما يصطلح عليه باللطائف والنكت التي تنتهي بعلوم شتى، ومن خصائصه كذلك  أن هذه العلوم تحدث عنها من جهة التطبيق والتفعيل والتنزيل وهذا هو الجديد في النص التفسيري، فالنصوص التفسيرية هي مصادر تطبيقية لنصوص سابقة، كما تحدث عن طريقة التعامل مع النص التفسيري بالنسبة للباحث، وذكر مناهج مقترحة أجملها في مستويات ثلاثة: المنهج الوصفي، والمنهج التحليلي، والمنهج المقارن، ومن جهته شدد المحاضر على الاستعانة  بقراءة النص التفسيري على المتخصصين، والتعامل معه على أنه كائنا حيا، كما أشار إلى مكونات النص التفسيري، واعتبرها مسألة في غاية الأهمية وعلى الباحث أن يفرز تلك العلوم ويخرجها من بعضها ويفككها  داخل النص التفسيري وعزلها عن بعضها حتى يفهم كل علم على حده، كما وقف على ترتيب مكونات النص التفسيري التي تترتب وفق منهجية دقيقة محددة، ممثلا لذلك بنص للإمام الزركشي وهو يتحدث  عن نمط ترتيب المعلومات التفسيرية داخل النص التفسيري.

وتلا ذلك مداخلة للدكتور مصطفى الزكاف اختار لها عنوان:«منهجية في تحقيق أصول الألفاظ في القرآن الكريم» حاول أن يقترب  في ورقته من مسألة جديدة وهو منهج تحقيق أصول الألفاظ، ولخص إشكال القضية في أمرين متلازمين مثَّل للإشكال الأول بالتقريب اللغوي والاتفاق بالشرح في مختلف المعاجم اللغوية، وللإشكال الثاني بغياب الأصل الاشتقاقي في أغلب معاجم اللغة التي لم تهتم بالتأصيل الاشتقاقي واكتفت بألوان من التقريب، وحاول المتدخل في هذا الموضوع إبراز منهج تحقيق أصول المعاني مستفيدا من السابقين، واستقام بحثه في مدخل المصطلح الذي تتحدد فيه الألفاظ الدائرة فيه، وحاول معالجة الأمر  في ثلاثة محاور أوله: مبادئ القول في  تأصيل ألفاظ اللسان العربي، الثاني: المسالك المنهجية في تحقيق  أصول الألفاظ عند العلماء،  والثالث: أثر تأصيل ألفاظ اللسان العربي في وظيفة البيان.

بعد ذلك  أعطي الكلمة الدكتور هشام تهتاه بمداخلة تحت عنوان:«منهجية البحث في الدرس الأصولي» مبينا في البداية استقرار رأيه على تغيير هذا العنوان إلى منهج  التعامل مع الدرس الأصولي من التلقي إلى التنقير، وهنا تحدث عن ثنائية؛ الأولى تخص مسالك تسديد طرق التلقي والثانية مسالك تسديد طرق البحث وذكر مجموعة من المداخل  محاولا فيها توسيع وعاء الخطاب، حيث أوردها متسلسلة:

المدخل الأول: الذي لابد منه من أجل إتقان البحث العلمي عموما والدرس الأصولي خصوصا، وأن يدرك الباحث ماهية علم الأصول ومقصوده قبل الخوض فيه، وأن يدرك في بداية الطلب أن أعز مقاصد هذا العلم هو امتلاك منهج النظر الصحيح للأدلة الشرعية بالقدرة على اقتناص الأحكام، وعدم الانتباه إلى ماهية العلم المطلوب عموما في الأصول وفي غيره يوقع في أعطاب.

أما المدخل الثاني: من مداخل التجويد في مسلك التلقي في علم الأصول بين فيه المتدخل أنه لابد للباحث أن يلم قبل اقتحامه عتبة البحث فيه، والمراد هنا الإلمام المخصوص الذي لا تكفي معه الإحاطة الإجمالية بالمسائل الأصولية، بل لابد من تدقيق النظر في معانيها وإدراك سياقتها ومعرفة أمثلتها، وبذلك يستطيع الباحث في هذا الفن أن يبلغ خمس مراتب مأمولة، الأولى: أن يميز ماهو من صلب العلم مما ليس منه، والثانية أن يتخذ المادة الأصولية وسيلة لا غاية، والمسألة الثالثة أن يقدر على استشكال القضايا الأصولية بعلم، والرابعة أن يخوض في القضايا الأصولية بعلم، والخامسة أن يخرج منها بنفع، وفي هذا السياق أكد المحاضر أنه لا ينبغي على الطالب أن يقتحم عتبة بحث في أصول الفقه أو غيره حتى يكون أهلا للغوص فيه، وبين المحاضر جملة مسائل لتحقيق الإلمام بدقائق العلم المطلوب أجملها في أربعة مسائل: أولا: مجالسة أهل ذلك ذلك الفن، ثانيا: مذاكرة النبغاء، ثالثا: إدمان المادة الأصولية وقراءتها، ورابعا: مراعاة مسائل الترقي في ذلك الفن والاستعانة بالمختصرات والمطولات.

أما المدخل الثالث أشار فيه المحاضر أنه على الطالب أن لا يحمل قواعد علم الأصول ومسائله على وجه الإقرار والتسهيم.

و المدخل الرابع، أن لا يقتحم الطالب عتبة علم الأصول حتى تترسخ  داعيته في الذهن. والمدخل الخامس، أن يحسن الطالب اختيار المناهج المناسبة لدراسة إشكال بحثه.

أما المدخل السادس والأخير أن يترك الباحث سبيل التكلف والتعسف في التعريفات.

وكان مسك ختام هذه الجلسة العلمية الدكتور عبد الواحد الصمدي بمداخلة تحت عنوان«منهج التعامل مع الشاهد القرآني في البحوث العلمية» استهل فيها حديثه عن البحث العلمي الذي مهما كانت طبيعته يحتاج إلى شواهد مختلفة لإقامة الحجة والبرهان على الأحكام والمصطلحات ووجهات النظر، ومن شأن الشواهد العلمية أن تقنع المتلقي أو المستقبل أو تفند رأيا صحيحا، حيث كان الشاهد ولا يزال المعيار الذي اعتمد عليه العلماء في تقعيد القواعد، ودليل الحكم وسند القاعدة الذي يركز عليه العالم لإثبات صحة ما يستطيع الوصول لإثباته، حيث يعتبر الشاهد القرآني أفصح الكلام العربي على الإطلاق، ويعد في مقدمة الشواهد النحوية واللغوية والشواهد الشرعية، وهو المصدر الأول من مصادر الاستشهاد عند اللغويين، وعلماء العربية يجمعون على حُجِيَّة القرآن الكريم وصحة الاستشهاد به فهو حجة لا تضاهيها حجة، وهذا معلوم لدى الباحثين، فالشاهد القرآني له أهميته وله خصائصه التي تميزه وله قدسيته، وفي هذا السياق أجمل المحاضر مسائل مهمة ينبغي للباحث أن يراعيها في التعامل مع الشاهد القرآني؛ أولها: اختياره الشاهد وانتقاؤه، ثانيها: توثيقه، ثالثا: تحليله وحسن توظيفه، ورابعا توثيقه.

و تخللت هذه الجلسات مناقشات جادة شارك فيها الأساتذة المتدخلون والطلبة الباحثون.

 

تعليق واحد

  1. تقرير جامع مانع أجادت فيه الباحثة و أفادت بارك الله فيكم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق