مركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة

تقرير عن الندوة العلمية الوطنية: القرآن الكريم وفقه الأحكام الشرعية: «أنظار في وجوه الاستدلال ومناهج الاستنباط»

بسم الله الرحمن الرحيم

تقرير مفصل عن وقائع الندوة العلمية الوطنية التي نظمها مركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة بشراكة مع ماستر فقه النوازل المعاصرة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة القاضي، أيام 14-15-16 ذو القعدة 1442هـ الموافق 25-26-27 يونيو 2021م، تحت عنوان: “القرآن الكريم وفقه الأحكام الشرعية: «أنظار في وجوه الاستدلال ومناهج الاستنباط»”

 

تقرير الجلسة الافتتاحية المنعقدة يوم الجمعة 14 ذي القعدة (1442ه) الموافق 25 يونيو(2021م)

إعداد الأستاذ الباحث: مراد قدرة، (خريج ماستر فقه النوازل المعاصرة، وباحث بسلك الدكتوراه).

افتتحت الجلسة بتلاوة مباركة لآيات بينات من سورة الحجرات برواية رويس عن يعقوب، للدكتور المقرئ محمد صالح المتنوسي.

-كلمة افتتاحية لرئيس الجلسة : الأستاذ الدكتور: ميمون باريش.

رحب فيها بعميد “كلية الآداب والعلوم الإنسانية” الأستاذ الدكتور عبد الرحيم بنعلي، وبالأستاذ الدكتور توفيق العبقري، وكذلك بالأستاذ الدكتور عبد اللطيف آيت عمي، وأشار إلى أن هذه الندوة العلمية المباركة أريد بها مد جسور التواصل بين الكلية والمؤسسات العلمية، وهذا دأب جامعة القاضي عياض في الانفتاح على محيطها العلمي، ونظمت هذه الشراكة بين كلية الآداب ممثلة في “ماستر فقه النوازل المعاصرة” ومركز أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة، ثم ختم رئيس الجلسة كلمته بتلاوة برنامج الندوة.

-كلمة السيد عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية: الأستاذ الدكتور عبد الرحيم بنعلي.

تضمنت النقاط التالية:

– الترحيب بالأساتذة والضيوف والطلبة والمستفيدين من هذه الندوة المباركة، متمنيا لهم التوفيق في هذه المبادرة العلمية المتميزة.

  • تأتي هذه الندوة المعنونة بـ:القرآن الكريم وفقه الأحكام الشرعية: «أنظار في وجوه الاستدلال ومناهج الاستنباط»، والمنظمة من طرف ماستر”فقه النوازل المعاصرة” ومركز أبي عمرو الداني؛ دعما لتطوير البحث العلمي الجاد من خلال تبني مشاريع متنوعة، وانفتاحا من الكلية على محيطها الاجتماعي والوطني.
  • تأتي هذه الندوة في سياق تعزيز منظومة أخلاقية حرصا على تهيئة البيئة العلمية والبحثية.
  • موضوع الندوة : القرآن الكريم باعتباره المصدر الأول للتشريع، ولا تخفى مرجعية القرآن التشريعية للانكباب عليه مدارسة وبحثا.
  • إبراز حرص الكلية في المجال الأكاديمي وغيره، على مثل هذه الندوات.

-كلمة المشرف على البحث العلمي بمركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة: الأستاذ الدكتور توفيق العبقري، والتي تضمنت:

  • الترحيب بالعميد ورئيس الجلسة ومنسق ماستر “فقه النوازل المعاصرة” وأعضاء مركز الإمام أبي عمرو الداني والطلبة الباحثين في الماستر والدكتوراه، والحضور الكريم.
  • الندوة روض معرفي مخصب زاهر.
  • إحكام مناهج التباحث تنظيرا وتنزيلا انطلاقا من كتاب الله تعالى.
  • تبيين أهمية القرآن الكريم في التشريع الإسلامي.
  • شعار مركز أبي عمرو الداني مخلص للدرس القرائي التخصصي، وفق ما يروم به مشروع التنزيل.
  • العلم القرائي في فروعه المعرفية والشرعية يحمل ما تهتز له أوتار الدلالات الشرعية.
  • المعرفة الشرعية على اختلافها إنما هي هبة القرآن الكريم.
  • التمسك بروح القرآن الكريم في مركزية مرجعيته، والتفاعل الحقيقي مع محكم آياته.
  • الشكر والامتنان لكل من قام على هذه الندوة : من إدارة الكلية متمثلة في شخص السيد العميد الدكتور عبد الرحيم بنعلي، والمتفاني الخدوم السيد نائب العميد الدكتور عبد الجليل الكريفة، وكذا السيد الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء الدكتور أحمد عبادي، والشكر موصول لكل من شارك في هذه الندوة العلمية، وللأساتذة الفضلاء، راجيا من الله تعالى أن يجعل هذه الندوة خالصة لوجهه الكريم وينفع بها، وأن يرزقنا فهما في كتابه والحمد لله رب العالمين.

-كلمة منسق ماستر ” فقه النوازل المعاصرة” الأستاذ الدكتور عبد اللطيف آيت عمي.

– رحب بالحضور وفي مقدمتهم السيد عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية، والأساتذة الفضلاء والحضور الكريم.

– أهمية موضوع الندوة، والذي لا شك فيه أن له أهمية كبيرة جدا.

– الباحث في النوازل المعاصرة لا يمكنه أن يستغني عن القرآن الكريم.

– من المعلوم أن الأدلة الشرعية على مراتب، وأولها القرآن الكريم، ومن هنا جاء التعاون بين ماستر” فقه النوازل المعاصرة” ومركز أبي عمرو الداني.

– الحمد لله الذي وفقنا لتأسيس ماستر”فقه النوازل المعاصرة” ونشكر عمادة الكلية وإدارتها وأساتذة شعبة الدراسات الإسلامية.

– مما يثلج الصدر أن نرى ثمرة خريجي هذا الماستر منهم الدكاترة والطلبة الباحثون، من المشاركين في هذه الندوة العلمية.

– نسأل الله قبول هذا العمل وأن يرفع عنا وباء “كورونا” ، وفي الختام أجدد الشكر لكل من ساهم في إنجاح هذه الندوة المباركة.

– كلمة اللجنة المنظمة في شقها القرائي وشقها النوازلي:

– عن مركز أبي عمرو الداني: الباحث عبد الجليل الحوريشي.

– افتتح كلمته بالبسملة والحمدلة والصلاة والسلام على النبي الكريم، والترحيب بالعميد والأساتذة والطالبات والطلبة والحضور الكريم.

– استمساكا بحبل كتاب الله المتين وتمييزا لصلوحيته؛ ينظم مركز أبي عمرو الداني بالتنسيق مع ماستر” فقه النوازل المعاصرة” ندوة وطنية بعنوان: القرآن الكريم وفقه الأحكام الشرعية: «أنظار في وجوه الاستدلال ومناهج الاستنباط» يسهم فيها أساتذة كرام وعلماء أجلاء، ويشارك فيها بحثة مركز أبي عمرو الداني وطلبة ماستر “فقه النوازل المعاصرة”.

– أشار إلى المحاور الثلاثة للندوة، والتي تغرف من عذب زلال القرآن الكريم، ومناهج نخب المفسرين، وثلة من الفتاوى القرآنية مُعرِّجا على منهج القرآن الكريم في معالجة كثير من القضايا الفقهية، فهي مأدبة تنوعت فيها الأنظار.

– إماطة اللثام عن إسهامات الرعيل الأول في خدمة كتاب الله عز وجل.

– على قدر العكوف على الكتاب يخلص إلى الأنوار والأسرار صدورا وورودا إليه.

– الإشارة إلى تعذر إجراء الندوة على منوال أخواتها من المشافهة لعارضٍ أَلَمَّ بالناس بسبب وباء “كورونا”.

– الإشادة باللجنة المنظمة التي سهرت وتعبت في الإعداد والإمداد، وبخاصة الأستاذ الدكتور توفيق العبقري، والشكر موصول لمنسق ماستر”فقه النوازل المعاصرة” الأستاذ الدكتور عبد اللطيف آيت عمي، وشكر خاص للسيد أمين الرابطة المحمدية للعلماء د.أحمد عبادي.

– وختاما: التوجه بخالص الدعاء لأمير المؤمنين صاحب الجلالة محمد السادس حفظه الله وولي عهده وصنوه الرشيد، وسائر الأسرة الملكية الشريفة.

– عن ماستر ” فقه النوازل المعاصرة” : الطالبة نعيمة بنشليح.

– الترحيب بالسيد العميد، والأستاذ الدكتور عبد اللطيف آيت عمي منسق ماستر ” فقه النوازل المعاصرة” ، والأستاذ الدكتور توفيق العبقري، ورئيس الجلسة الأستاذ الدكتور ميمون باريش، والأساتذة والباحثين والطلبة الكرام.

– التعريف بوسم الندوة ومواضيعها.

– تسعى الندوة إلى تعميق النظر وترسيخ وتصويب الطلبة الباحثين، ومدِّهم بمناهج الإفادة من علم الكتاب.

– الاستفادة من أدلة التشريع وفي مقدمتها كتاب الله تعالى.

– مهدت الندوة سبل مشاركة طلبة ماستر”فقه النوازل المعاصرة” لتعينهم على الاهتداء بسبل الاسترشاد في مسارهم الأكاديمي.

– الختم بالشكر للحضور الكريم وللجنة التنظيمة للندوة.

– كلمة الأستاذ الدكتور أحمد غاوش نيابة عن أساتذة الماستر.

– الترحيب بالحضور الكريم.

– بيان عظيم أهمية الندوة من ثلاث جهات:

-أولا: موضوعها الذي هو كتاب الله عز وجل، فهو الأصل المرجوع إليه في الاستنباط والاستدلال لكل مسلم.

– ثانيا: المؤسسات المشرفة على تنظيم هذه الندوة، فالجامعة محضن البحث العلمي، ولكي يتحقق هذا المقصد لا بد من انفتاحها على محيطها الثقافي والعلمي.

– ثالثا: المشاركون في الندوة: فبهم يتحقق تلاقح أفكار الأجيال، والتي تتميز بمشاركة الطلبة الشباب وتنوع المشاركين من أساتذة وطلبة وباحثين.

– وختم كلمته بالشكر للجنة المنظمة والأساتذة الكرام الذين ساهموا في تكوين هؤلاء الطلبة الباحثين، وهي خير جائزة يحصل عليها الأستاذ.

–  كلمة ختامية لرئيس الجلسة الأستاذ الدكتور ميمون باريش.

رحب فيها بقامتين علميتين من خيرة الأساتذة الذين درسوا في الكلية وهما : الدكتور عباس أرحيلة، والدكتور أحمد عمالك، ثم ختم بالشكر والدعاء لجميع الحاضرين.

 

تقرير عن الجلسة العلمية الأولى

إعداد: د.محمد صالح المتنوسي (باحث بمركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة)

انطلقت أشغال الجلسة الثانية من أعمال الندوة العلمية: “القرءان الكريم وفقه الأحكام الشرعية، أنظار في وجوه الاستدلال ومناهج الاستنباط” يومه الجمعة 14/11/1442ه‍ الموافق 25/6/2021م مع الساعة 18:15 بكلمة استهلالية لرئيس الجلسة أ.د.زكرياء المرابط، عرف فيها بالسادة المشاركين في وقائع هذه الجلسة العلمية الثانية.

ثم أعطى الكلمة إلى الباحث عبد الفتاح الخزرجي ومداخلته بعنوان: “آيات الأحكام بين ضبط المفهوم وإشكالية العدد”، وقد قسم كلمته إلى تمهيد مدخلي للموضوع، ومبحثين رئيسين، ثم خاتمة.

وقد بين في التمهيد أن أحكام القران أو فقه آيات الأحكام، يتخذ من القرءان الكريم مرجعا لاستنباط الأحكام الشرعية منه، وهو ثمرة عدة علوم، وملتقى علمين كبيرين، هما: علم التفسير، وعلم الفقه.

وتناول في المبحث الأول مفهوم ءايات الأحكام وتعريفها، ثم وقف وقفة مع هذه التعريفات وبين سبب الاختلاف بينها.

وذكر في المبحث الثاني قيمة البحث في عدد ءايات الأحكام وتحديدها، وسرد أقوال العلماء -تاريخيا- في بيان تحديد عددها، ثم وجه القولين المختلفين؛ من حصرها بعدد، ومن لم يحصرها بعدد، وختم مبحثه بذكر أسباب الاختلاف بين الحاصرين والمانعين.

ثم انتقلت الكلمة بعده إلى الباحث الأستاذ عبد الباري الكور، وعنوانها: “أحكام القرءان تاريخا وتصنيفا”، واستهلها بالتعريف بمشكلة بحثه، ثم ذكر في المبحث الأول من مداخلته نشأة أحكام القرءان (التفسير الفقهي) ومسيرته عبر التاريخ، ابتداء بالعصر النبوي، ثم عصر الصحابة، ثم عصر التابعين، وختما بعصر التدوين، ثم تناول في المبحث الثاني من مداخلته التصنيف في أحكام القرآن الكريم، بدءا من القرن الثاني الهجري إلى العصر الحديث الذي طبع التأليف فيه بالطابع الأكاديمي،  وما صاحب ذلك كله عبر العصور من تطور وخفوت، ثم ختم بخاتمة جمع فيها مقاصد بحثه ومسائله.

ثم أخذ الكلمة الباحث الأستاذ الحسين لكحيلي، وعنوان مداخلته: “خواص الاستدلال بالخطاب القرءاني بين الأصوليين والفقهاء، الإمام الشافعي أنموذجا”، وقد ابتدأها ببيان أن هذه الترجمة مع ما تجمله من دعوى الاختلاف في  الاستدلال بخطاب القرآن  في الفقه والأصول، تثير إشكالا تصوريا؛ لما يقتضيه كل من العلمين في الآخر إمدادا وتأصيلا، وأن اختياره الإمام  الشافعي أنموذجا إن هو إلا لدرك خاصية هذا الإمام وإمامته في العلمين، ثم إلى أن متنه الواضع لعلم الأصول الموسومَ بـ”الرسالة”، مبرز بجلاء جانبه الاستدلالي؛ لما عهد من غلبته في كُتب الوضع.

ثم اقتحم غمار بحثه ببيان القصد من الاستدلال، وارتباط الأصول بالفقه تأصيلا واستمدادا، من جهة تصورها وجهة إشكالها، ثم تطرق إلى بيان الاستدلال بالخطاب القرآني في كلام الشافعي رحمه الله، وذكر أوجها خمسة ودلل لها.

ثم تلته كلمة د.محمد نافع بعنوان: “المنهج الشمولي لمقاربة آيات الأحكام”، تحدث فيها عن التصور العام الذي ينبغي أن يكون لدى المشتغل بآيات الأحكام، وذكر ثلاثة جوانب عليها يبنى التصور العام والجانب التقعيدي وجانب تعليل الأحكام، ثم ختم بالجانب المقاصدي، وبهذه الأمور يمكن للمجتهد أن يصل إلى بيان أحكام القرآن كما يجب أن يكون البيان.

وتناول د.الطيب شطاب في كلمته “البعد الأخلاقي في آيات الأحكام -دراسة لصلة الأحكام الفقهية بالأخلاقية-” من أربع محاور:

الأول: تأسيس الوصل بين الفقه والأخلاق من حيث الدلالة القرآنية.

وجلى فيه هذا الوصل من نقطتين اثنتين؛ دلالة الفقه في القرآن، ومفهوم الأخلاق في القرآن، فبين في النقطة الأولى أن الفقه ينبغي حمله واستعماله فيما كان عليه في اصطلاح القرآن وعلى لسان السلف الأول؛ على الفهم للدين والمعرفة بأحكامه على نحو يكسب العبد خشية الله تعالى، ويحببه في طريق الآخرة، من الترقي في مقامات التزكية والأخلاق الحسنة، وهذا المدلول يشمل بالالتزام المعنى الذي خص به من طرف المصنفين؛ إذ الاستقامة الأخلاقية لا تتم إلا بالعبادة الظاهرة والباطنة، الناشئة عن معرفة الأحكام الشرعية العملية والقلبية معا.

وأوضح في النقطة الأخرى أن المفهوم قد اعترى دلالته ما اعتراها من ضيق الدلالة العلمية، التي جُلبت من الفكر الموروث الفلسفي، حتى أغرقها في التجريد الذي لم تشرع له، وكان من ثمار ذلك تهوين أمرها واستحلال حدودها في المجتمع الغربي ذي المرجعية الفلسفية، ولم يلبث ذلك التضييق أن انتقل إلى المجتمع الإسلامي بشكل آخر؛ حين كان عكوف أهله على الفروع وغلبة التصنيف المجزئ للعلوم عليهم، فصنفت لذلك مرتبة الأخلاق ضمن شعبة الفضائل وأعمال جزئية، فعرفوها بمجموعة من السلوكات والعادات الحسنة، مما يعد فرعا من المسألة الأخلاقية، فكان لابد من تصور الأخلاق كما يدل عليها المصدر الأصل القرآن الكريم.

المحور الثاني: صلة الأحكام الأخلاقية بالفقهية في مقاصد القرآن العامة:

وفيه أن المقصد الأكبر من نزول القرآن الكريم هو كونه هداية للناس أجمعين بإصلاح حالهم وتحقيق ما به سعادتهم في الحال والمآل، وهو المعنى الذي تتأتى به العبادة، واستظهر على ذلك بنصوص لأربعة أعلام، هم العز بن عبد السلام، وأبو إسحاق الشاطبي، ورشيد رضا، ومحمد الطاهر بن عاشور.

ثم انتقل إلى المحور الثالث: صلة الأحكام الفقهية بمبادئ الأخلاق في آيات الأحكام، وبين فيه أن القصد بالأحكام الفقهية في القرآن ارتباطها بالعمل؛ فكما أن روحها هو ما تحققه من غايات وما تثمره من صلاح عام وخاص، كذلك حقيقتها هو ما تتم به كيفيتها، غير أن القرآن الكريم في عرضه للأحكام الفقهية ركز على روحها دون تفاصيلها، وتلك سنة القرآن في إرشاداته، ومن هاهنا فالواجب على الفقيه والمتفقه في هذه الأحكام أن يجمع بين خلة الروح فيها والعمل، والصحة وما به القبول، ولا يغرق جهده في القوانين المجردة وقواعد الأحكام الظاهرة ناسيا أبعادها الباطنة، وضرب لذلك ستة أمثلة.

وأما المحور الرابع فقد بناه تتمةً عمليةً للرؤية المراد تأصيلها في القرآن من الأحكام، وحصر نظره في السورة الثانية في القرآن سورة البقرة، وذكر ستا وعشرين آية معتمدا على ابن العربي في أحكامه.

ثم أخذ الكلمة د.محمد البخاري، وكان عنوان مداخلته “مفهوم الإنساء في القرءان وعلاقته بالنسخ”، وانطلق من قراءة الإمام ابن كثير المكي والإمام أبي عمرو البصري: (أَوْ نَنْسَأْها) مبينا معنى الإنساء وهو التأخير، أي: تأخير حكم الآية وتعليقه، وبين أنه نوع من النسخ، وهو نسخ معلق، في مقابل النسخ المطلق، وعرض لبعض النماذج التي استعمل فيها السلف مصطلح النسخ وأرادوا به معنى الإنساء، الذي يرتفع فيه الحكم بارتفاع علته، ويعود بعودها، وأبرز المحاضر أهمية هذا المفهوم وتحريره في تجاوز كثير من الإشكالات المرتبطة بالناسخ والمنسوخ في القرآن، ومن ذلك دعاوى نسخ آيات الموادعة والسلم بآية السيف، مستدلاً بقول الزركشي رحمه الله: «ما أُمر به لسبب ثم يزول السبب كالأمر حين الضعف والقلة بالصبر وبالمغفرة للذين يرجون لقاء الله، ونحوه من عدم إيجاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد ونحوها، ثم نسخه إيجاب ذلك، وهذا ليس بنسخ في الحقيقة وإنما هو نسء، كما قال تعالى ﴿أَوْ نَنسَأْهَا﴾ فالـمُنسأ هو الأمر بالقتال إلى أن يقوى المسلمون، وفي حال الضعف يكون الحكم وجوب الصبر على الأذى، وبهذا التحقيق تبين ضعف ما لهج به كثير من المفسـرين في الآيات الآمرة بالتخفيف أنها منسوخة بآية السيف، وليست كذلك بل هي من الـمُنسأ، بمعنى أن كل أمر ورد؛ يجب امتثاله في وقت ما لعلة توجب ذلك الحكم، ثم ينتقل بانتقال تلك العلة إلى حكم آخر، وليس بنسخ، إنما النسخ الإزالة حتى لا يجوز امتثاله أبدا».

ثم تلته مداخلة الباحثة الأستاذة مهجة الخرشي بعنوان: “بصائر من أم الكتاب في ضبط مسالك الاجتهاد”، مهدت له بذكر فضائل سورة الفاتحة، ثم توزع الكلام بعد ذلك على مبحثين اثنين، المبحث الأول بصائر من أم الكتاب، وذكرت فيه ثلاث بصائر، المعرفة، وحقيقة المآل، والاهتداء بأنور الأنبياء، وشرحت البصائر الثلاث ودللت لكل واحدة من سورة الفاتحة، ثم انتقلت للمحور الثاني: استثمار البصائر في ضبط مسالك الاجتهاد، وفيه نزلت واستثمرت تيكم البصائر الثلاثة السالفة الذكر على الاجتهاد ومسالكه، معرفةً ومآلا واهتداء.

ثم تبعها الأستاذ الباحث معاذ المساوي بمداخلة بعنوان: “منهج القرآن الكريم في تعريف الأحكام والإبانة عنها، وكيفية استفادة الفقيه النوازلي المجتهد منها”، وقد حصر الكلام عنها في أربعة مباحث؛ المبحث الأول: بيان محال الأحكام المبثوثة في الكتاب وأنواعها، وتكلم فيه عن محال الأحكام من مشمول التنزيل، وذكر لها أربعة أمثلة، ثم ذكر بيان أقسام الأحكام المتضمنة في الكتاب، وهي ترجع إلى ثلاثة: أحكام إيمانية، وأحكام خلقية، وأحكام عملية، والمتقصد من هذه الأنواع كلها هو القسم الأخير، وذكر أنواعه الستة.

ثم انتقل إلى المبحث الثاني: بعض من معالم المنهج القرآني في عرض الأحكام وبيانها، ونص فيه على سبعة معالم، مع ذكر مسالكها وبعض تمثيلاتها وشواهدها.

ثم انتقل إلى المبحث الثالث: دلالة الكتاب على ما اشتمل عليه من الأحكام، وهي نوعان؛ دلالة قطعية، ودلالة ظنية، وكل واحدة منهما ذكر لها من أمثلتها من القرآن ما يكفي ويشفي.

ثم ذكر في المبحث الرابع: اهتداء الفقيه النوازلي بمعالم المنهج القرآني في معالجته لنوازل عصره، وفيه بين المداخل أن المجتهد المفتي قائم في الأمة مقام النبي صلى الله عليه وسلم، فتعين عليه الأوب إلى الكتاب لترسم معالمه، والاهتداء بمناراته، والسير على نهجه، طلبا للحق، وخدمة للخلق.

ثم أعقبه مداخلة الأستاذة الباحثة نعيمة بنشليح وعنوانها: “الوقف والابتداء وأثره في معاني الأحكام”، وقد صدرته بمدخل لتعريف الوقف لغة واصطلاحا، ولبيان أقسامه وتعريفها.

ثم دلفت إلى موضوع مداخلتها المقصود؛ أثر الوقف والابتداء في تقرير الأحكام الفقهية، وتناولته من أربعة أنحاء؛، أحكام العبادات وذكرت فيها آيتين مع الحكم المفهوم من وقف الواقف على اختلافه، ثم أحكام المعاملات، واستدلت فيها بآية واحدة، ثم أحكام الأحوال الشخصية، واستدلت كذلك بآية واحدة، ثم أحكام العقوبات واستدلت فيها بآية واحدة كذلك.

وكانت مدخلة د.م.مصطفى بوهلال: “تخريج الدلالات السمعية على ما في اختلاف القراء والفقهاء من الأحكام الشرعية”، وابتدأها بتمهيد مطول طوف فيه على بيان سبب الاختلاف العارض في الأحكام الشرعية المتعلقة بأفعال المكلفين، ثمت أوضح ضوابط الفتوى واختلافها من مذهب لآخر، مستدلا من مذهب الأحناف ومذهب المالكية ومن كتبهم.

ثم عقد مبحثا لبيان العلاقة المتغايرة بين القرآن والقراءات، وأن الإمام الزركشي صاحب الريادة في بيان هذا الفرق الدقيق حتى أصبح متبوعا في هذا الباب، وصارت كلمته المرجع والمأرز الذي منها وإليها الورود والصدور.

ثم عقد مبحثا ثانيا لبيان أوجه الاختلاف في القراءات وأتى بقول ابن قتيبة الذي عدها سبعة أوجه، وعضده برأي ابن الجزري الذي يفيد أن كل نوع من أنواع الاختلاف القرائي لا يخرج عنها البتة.

ثم ختم بمبحث ثالث وهو أس المداخلة، وهو تمييز الفرق بين اختلاف الفقهاء واختلاف القراء، وأتى فيه بمثالين وضح فيهما الخلاف القرائي والخلاف الحكمي الفقهي تبعا له.

وبعدها رفع السيد الرئيس الجلسة لصلاة المغرب بمقدار ربع ساعة ثم عادت الجلسة لتختتم بمداخلة الأستاذ الباحث عبد الجليل حيمود، وعنوانها: “منهج القرآن في تعريف أحكام الأسرة”، وكان كلامه فيه على ثلاثة مباحث، المبحث الأول: المنهج العام للقرآن في تعريف الأحكام، ويتلخص في كونه ينص على الأصول، ويترك للسنة أو لاجتهاد علماء الأمة، ويترك التفصيل في الأمور النابعة من الذات، وتتعدد صيغه في الدلالة على الأحكام، ويربط الحكم بالحكمة.

وأما المبحث الثاني فخصصه لبيان منهج القرآن في تعريف أحكام الأسرة، وهذا المنهج متسم بالبيان والتوضيح، والشرح والتفصيل، والشمولية، وربط الأحكام بالرجال غالبا دون النساء، وإشراك أطراف الأسرة مع إغفال دور القضاء، وترك الأمر للنفوس، إذ لم يترتب عنه مفسدة دينية أو دنيوية، والتفنن في عرض الأحكام.

وأما المبحث الثالث فكان لبيان أسلوب القرآن في تعريف أحكام الأسرة، فهو يستعمل النهي الصريح والأمر الصريح، ويستعمل لفظ الحل والتحريم في مسائل الفروج، ويستعمل نفي الجناح في الأمور التي يظن أن فيها منقصة أو تحط من الكرامة، ويستعمل الجمل الخبرية للدلالة على الأمر، ويعل الأحكام التي قد يكون للنفس فيها أخذ ورد.

ثم أعطى السيد الرئيس الكلمة لمن يريد المطارحة والمناقشة، فتدخل الأستاذ نحو أولعيد، وتوجه بسؤال للدكتور محمد نافع حول قاعدة تفسيرية ذكرها في بحثه لم تتضح للسائل، وطلب مزيد بيان لها.

ثم تدخل الأستاذ الحسين لمغاري وتوجه بسؤاله إلى د.محمد نافع أيضا طلبا لبيان معنى ذكره، وهو أن اختلاف العلماء في عد الآي تابع لمعرفة معنى الآية عندهم.

ثم طلب الأستاذ توفيق الغدويني الكلمة، وسأل د.الطيب شطاب عن قضية اعتبار التداخل بين الأحكام الفقهية بالأخلاقية، هل هو اعتبار بالأصالة، أم هي مسألة تقصد للمقاصد في مرامي الأحكام الفقهية.

وقد أجاب د.الطيب شطاب باستيفاض عن سؤال الأستاذ الباحث توفيق الغدويني، وحيث إن د.محمد نافع لم يتيسر له الالتحاق للإجابة عن السؤالين، فقد رفع السيد الرئيس الجلسة شاكرا مركز الإمام أبي عمرو الداني وماستر فقه النوازل على تنظيم هذه الندوة العلمية الكريمة.

 

تقرير عن الجلسة العلمية الثانية

إعداد: الأستاذ سمير بلعشية (باحث بمركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة)

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، وبعد:

فقد نظّم مركزُ الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة التابع للرابطة المحمدية للعلماء بشراكة مع ماستر «فقه النوازل المعاصرة» بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة القاضي عياض ندوة علمية بعنوان: «القرآن الكريم وفقه الأحكام الشرعية: أنظار في وجوه الاستدلال ومناهج الاستنباط»، أيام 14 و15 و16 من ذي القعدة 1442هـ، الموافق لـ25 و26 و27 يونيوه 2021م، وقد تمحورت مداخلات الجلسة الثانية حول «أحكام القرآن في مدونات الفقه والتفسير وعلوم القراءات»، وترأس هذه الجلسة د. أحمد غاوش أستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمراكش، وقد تميزت بحوث هذا اليوم بالجِدّة، وقد توافقت كلمات جميع المتدخلين على الشكر الجزيل لكل القائمين على تنظيم هذا المحفل العلمي بامتياز.

اشتملت هذه الجلسة على اثنتي عشرة مداخلة؛ أولاها كانت بعنوان «القراءة الشاذة وأثرها في استنباط الأحكام الفقهية عند أبي بكر الجصاص ت370هـ»، أعدها الباحث: ذ. عبد الرزاق أعويش، وقد ذكر الباحث في مداخلته اعتناء العلماء بالقراءات القرءانية عموما والقراءات الشاذة خصوصا استدلالا واستنباطا؛ لاستخراج الأحكام الفقهية منها وفروعها، والتأصيل بها لما أشكل من غوامض الفقه وفروعه على سبيل البيان لما أُجمل والتقييد لما أُطلق، والتخصيص لما تبدى عمومه، وذكر أن عرضه جاء لاستكناه مفهوم القراءة الشاذة واستجلاء نشأتها، وأثرها في الاستنباط الفقهي والتقعيد الأصولي عند الإمام أبي بكر الجصاص الحنفي من خلال كتابيه «الفصول في الأصول»، و«أحكام القرآن»، وقد قسم بحثه إلى أربعة محاور:

المحور الأول: القراءة الشاذة تعريفا ونشأة.

المحور الثاني: حجية القراءة الشاذة في الدرس الفقهي.

المحور الثالث: مفهوم وحجية القراءة الشاذة عند أبي بكر الجصاص.

المحورالرابع: محامل الاستنباط الفقهي من القراءة الشاذة عند أبي بكر الجصاص.

تناول في المحور الأول تعريف القراءات لغة واصطلاحا، وذكر ثلاث تعريفات اصطلاحية لابن الجزري والقسطلاني وعبد الفتاح القاضي، واقتصر على تعريف مكي بن أبي طالب القيسي للقراءة الشاذة، ثم ذكر الشروط التي جعلها العلماء لقبول قراءة ما، وهي: صحة السند وموافقة الرسم وموافقة العربية، ثم تطرق الباحث بعد ذلك إلى نشأة القراءات الشاذة، وذكر أن بدايتها كانت مع الجمع البكري، وذكر المراحل التي مرت بها، إلى أن استقر الأمر على قبول القراءات العشر المعروفة في يومنا هذا، وقد كان ابن مهران من أوائل المصنفين للعشر.

ثم ذكر حجية القراءة الشاذة في الدرس الفقهي في المحور الثاني؛ فسرد مذاهب أصحاب الأربعة المشهورة: الأحناف والمالكية والشافعية والحنابلة.

وذكر في المحور الثالث مفهوم وحجية القراءة الشاذة عند أبي بكر الجصاص، وذكر الشروط التي اعتمدها في الاستدلال بالقراءة الشاذة. كما ذكر في المحور الرابع تخصيص العموم بما ورد في خبر الآحاد ومن ذلك القراءة الشاذة، كما ذكر بعض الآيات التي نسخت تلاوتها وبقي حكمها. وختم بحثه بخاتمة ذكر فيها ما خلص إليه.

ثم أخذ الكلمة بعده الباحث ذ. توفيق الغدويني، وكان عنوان موضوعِ مداخلته: « خَبْرُ مناهج المفسرين في تغيي الأحكام الشرعية من خلال آيات الأحكام الفقهية : منهج الإمام الكيا الهراسي ت 504هـ نموذجا» وقد قسم بحثه إلى محورين؛ محور خصصه للمؤلِّف، وآخر للمؤلَّف، وقد تكلم عن المحور الثاني في مداخلته، فكان عنوان كتاب الهراسي ومقدمته وبواعث تأليفه من المباحث التي فصل فيها القول، وذكر أهمية الكتاب وأنه صار من المراجع في المذهب الشافعي، واعتمد فيه مؤلفه بعد الكتاب والسنة على أقوال الصحابة، وعلى أقوال الإمام الشافعي، هذا الأخير الذي ارتضى مذهبَه دون غيره من المذاهب. وذكر أن الذهبي في كتابه «التفسير والمفسرون» اعتبر كتاب الهراسي من تفاسير الفقهاء، ثم ذكر الباحث منهج الكيا في كتابه، فبعد ما يسوق الآية، يُبين ما تدل عليه، وما يستنبط منها، ومثل لذلك بنماذج؛ آيات الرضاعة والطواف وغيرها، ويعتمد على الأحاديث الصحيحة أو الحسنة في كتابه، وقد يعتمد أيضا على الأحاديث الضعيفة لكن مع التنبيه على ضعفها. كما أنه يعتمد على أقوال السلف «التفسير بالمأثور»، ومثل الباحث لذلك بأمثلة من القرآن مثل آيات الحج وغيرها.

وكان لأسباب النزول حظٌّ وافر أيضا في كتابه، وكذلك الناسخ والمنسوخ، والاستشهاد بالقراءات القرآنية، واللغة والنحو والبلاغة والبيان وأشعار العرب، والقواعد الأصولية والفقهية. ثم ختم بحثة بتوصيات قيمة.

وكان موضوع المداخلة الثالثة أيضا حول أحكام القرآن لالكيا الهراسي لكن بالموازنة مع أحكام القرآن لابن العربي، ووُسِم البحث بـ: «أحكام القرآن بين الكيا الهراسي ت504هـ وابن العربي543هـ قراءة في الوضع والمنهج» من إعداد الباحثة ذة. مريم المصنف، فصدرت مداخلتها بذكر منزلة القرآن الكريم عند عامة الناس وعند العلماء خاصة، وذكرت البواعث التي جعلتها تختار هذين الكتابين، وتوازن بينهما؛ من ذلك أنهما من المصادر الأصيلة في بابها، وأن موضوعهما واحد، كما أن حجمهما متقارب، وقد قسمت بحثها إلى مقدمة بعدها ثلاثة مباحث؛ ذكرت في الأول سيرة المؤلِّفَين، وذكرت في الثاني منهجهما في التفسير، والمبحث الأخير خصص للموازنة بينهما، ثم اقتصرت في مداخلتها على ذكر ما يتعلق بالموازنة بين هذين العلَمين، وكان سبب اختيار هذه الموازنة: المعاصرة التي كانت بينهما حيث أنهما اشتركا في شيخ من شيوخهما، كما أن موضوع كتابيهما واحد، و اتفق أن تولى كل منهما مهمة القضاء،وغير ذلك من الأسباب.

كما ذكرت الباحثة أن منهجَهما في كتابيهما متقارب رغم اختلافهما المذهبي؛ فذكرت منهجهما في عرض الأحكام، وفي التفسير بالمأثور؛ التفسير بالقرآن وبالسنة وبأقوال الصحابة، وذكرت استدلالهما باللغة والقراءات، واهتمامهما بالجانب البلاغي والبياني في الآيات، كما أن كتابيهما خلا من ذكر الأحاديث الإسرائيلية؛ فذكرت الباحثة أوجه الشبه وأوجه الخلاف بينهما. كما نصت على القيمة العلمية لكتاب الهراسي، وختمت بحثها بذكر نتائج بحثها.

وكان تفسير ابنِ عطية «المحرر الوجيز» موضوع المداخلة الرابعة بقلم الباحث ذ. آيت بلخير باحث بسلك الدكتوراه حيث إنه ذكر منهج ابن عطية في مدارسة آيات الأحكام من خلال تفسيره، وكان سبب اختيار هذا التفسير: قوتَه وأصالته في عرض كثير من المسائل على تنوع مجالاتها وفق تأليف ومنهج فريد، والمكانة العلمية التي تبوأها مما جعل كثيرا من المفسرين بعده يعتمدونه كالقرطبي وأبي حيان وغيرهما.

وقد قسم البحث إلى مبحثين، تناول الباحث في مداخلته بعض ما يتعلق بالمبحث الثاني؛ فذكر منهجه مجملا ثم مفصلا، فذكر أنه يربط بين الآية ونظيراتها ومثل لذلك، كما أنه اهتم بالمعجم اللغوي وأعمله، وكذلك يذكر أسباب النزول والقراءات الواردة في الأحرف القرآنية صحيحها وشاذها ويوجهها، ومثل الباحث لذلك بأمثلة، كما أنه اعتمد في تفسيره على إعمال أصول الفقه، ويذكر اختياراته الفقهية في المسائل الخلافية. ثم ختم الباحث بحثه بذكر المكانة التي تبوأها هذا التفسير من خلال تميزه وفرادته عن باقي التفاسير.

ثم بعد ذلك تولى د. عادل فائز إلقاء مداخلته بفصاحته المعهودة، وكان عنوان مداخلته: «المدارك اللغوية عند القاضي ابن العربي ت543هـ وأثرها في استنباط الأحكام» فذكر في صدر مداخلته أنه من المقطوع به في شرعة المفسرين أن رائم القول في كتاب الله يلزمه الأخذ بناصية علوم شتى، تعصمه من الزلل، وتقيه منازل الخطل. وإن لعلوم العربية مقام الصدر من تلك العلوم، ثم ذكر قول ابن تيمية: «إن الله لما أنزل كتابه باللسان العربي، وجعل رسوله مبلغا عنه الكتاب والحكمة بلسانه العربي، وجعل السابقين إلى هذا الدين متكلمين به، ولم يكن سبيل إلى ضبط الدين ومعرفته إلا بضبط هذا اللسان، صارت معرفته من الدين، وأقرب إلى إقامة شعائر الدين».

وقد قسمه بحثه إلى أربعة محاور: خصص المحور الأول لبيان صدارة الفهم السليقي، وتبعية الفهم الصناعي عند القاضي ابن العربي، وخصص المحور الثاني لبيان أثر المكوِّن المعجمي في الاستنباط عند القاضي، بينما خصص المحور الثالث للمكون النحوي، والرابع للمكون البلاغي.

مثل لما ورد في المحور الأول بما ورد في آية الإيلاء وأخذ الزينة عند المساجد..وذكر في المحور الثاني أن ابن العربي أولى في كتابه أحكام القرآن المكونَ المعجمي بالغَ العناية والاهتمام، فلا تكاد تمر به مفردة محوجة إلى بيان إلا أبانها، بل لربما يوحي صنيعه في بعض الأحيان أنه يعد بيان بعض المفردات من صميم القول في الأحكام. ثم ذكر المكون النحوي وذكر منهج ابن العربي في إيراد المسائل النحوية ومثل لذلك، وذكر أيضا تعدد الحكم الفقهي بتعدد الوجه النحوي، وتعدد المعنى بتعدد الإعراب، ومثل لذلك كله بأمثلة تجلي هذا الأمر.

وقد تناول أيضا الباحث د. أحمد فاضل بالدرس أحكام القرآن لابن العربي ببحث وسمه بـ«منهج الإمام ابن العربي ت543هـ في مدارسة آيات الأحكام من خلال كتابه أحكام القرآن» وقد انبنى بحثه على: مقدمة، ومدخل، ومحوين اثنين، وخاتمة؛ أما المقدمة فحاول من خلالها تقريب معالم الموضوع وبيان القصد من جمع مادته. وأما المدخل: فخصصه للتعريف بالعلامة الفقيه أبي بكر ابن العربي رحمه الله، تعريفا موجزا مختصرا لشهرته. وأما المحور الأول: فعنونه بــ«كتاب أحكام القرآن وأهم دعاماته المنهجية» عرف من خلاله تعريفا موجزا بالكتاب، وذكرت أهم دعاماته المنهجية التي يقوم عليها.

وأما المحور الثاني: فجعله عنوانه: «من أسس منهج ابن العربي في مدارسة آيات الأحكام»، وقد انتخب فيه بعض الأمثلة من كتاب: «أحكام القرآن»، ليدلل من خلالها على منهج المؤلف –رحمه الله- في مدارستها. فذكر الأساس الأول: وهو رد كل فهم خالف الدليل الصحيح من الكتاب والسنة، واستنباط الحكم الشرعي وفق ما يوافقهما. أما الأساس الثاني: فهو الاعتماد على سبب النزول في استنباط الحكم الشرعي. وكان الاعتماد على القراءات المتواترة في استنباط الحكم الشرعي هو الأساس الثالث. وذكر في الأساس الرابع: الاحتكام إلى قواعد اللغة العربية في استنباط الحكم الشرعي. وختم بالأساس الخامس: وهو عرض الأقوال الفقهية والترجيح بينها لاستنباط الحكم الشرعي. مع توضيح هذه الأسس ببعض الأمثلة المجلية. وختم بحثه بنتائج.

وكان موضوع المداخلة السابعة: الأثر القرائي في تدبير الخلاف الفقهي عند ابن رشد الحفيد(ت:595هـ) من خلال بداية المجتهد ونهاية المقتصد أعد ذ. مراد قدرة، وقد بدأ بحثه بذكر مقدمة برّز فيها أهمية الموضوع، ثم أردفها بتمهيد ترجم فيه لابن رشد الحفيد وبين موضوع كتابه بداية المجتهد. وقد قسم بحثه إلى مبحثين مبحث في التعريف بعلم القراءات وضوابط القراءة الصحيحة. ومبحث في الأثر القرائي في تدبير الخلاف الفقهي عند ابن رشد الحفيد من خلال كتابه بداية المجتهد ونهاية المقتصد، معززا ذلك بأمثلة عملية تجلي وتوضح هذا الأثر، ومن الأمثلة المذكورة في المداخلة، الاختلاف الوارد في آية الوضوء من سورة المائدة، وكذلك الآية الواردة في صيام كفارة اليمين، وغيرها من الأمثلة. وختم بحثه ببعض النتائج، منها: الاختلاف في الدرس القرائي موجه للخلاف الفقهي.

الاختلاف في القراءات هو اختلاف تنوع، لا اختلاف تضاد.

القراءات القرآنية باب مهم في فهم نصوص الكتاب والسنة.

عناية ابن رشد -رحمه الله- بالخلف القرائي باعتباره سببا من أسباب اختلاف الفقهاء. وغيرها من النتائج.

وكان عنوان موضوع المداخلة الثامنة مباحث النسخ عند الإمام ابن الفرس ت597هـ من خلال كتاب أحكام القرآن، من إنجاز ذ. الحبيب أجدي، ذكر في مقدمة بحثه منزلة علم النسخ  بين العلوم في الشريعة الإسلامية. ثم خصص المبحث الأول في ذكر منهج ابن الفرس في كتابه؛ ذكر فيه بعض ما يتعلق بحيات المؤلف، وعرف بالكتاب، وذكر طريقة ابن الفرس في عرض كتابه ومصادره، كما ختم بذكر طريقة ابن الفرس في تفسير آيات الاحكام. وكان موضوع النسخ محور المبحث الثاني، ذكر فيه تعريف ابن الفرس للنسخ من خلال كتابه أحكام القرآن، كما بين أنواع النسخ عند المصنف، وشروطه. ثم بعد ذلك برّز طريقة ابن الفرس في عرض مسائل النسخ، ومنهجه في تقرير عدم النسخ، وختم ذلك بذكر قواعد في باب النسخ عند ابن الفرس مبرزا بعض ذلك بأمثلة من الكتاب.

وكان موضوع المداخلة التاسعة: الاستدلال الأصولي  عند ابن الفرس الأندلسي وأثره في استنباط  أحكام القرآن، دلالة  الالتزام  أنموذجا، من إعداد ذ. محمد الريفي، وكان من أسباب اختيار الموضوع جلالة علم الاستدلال بين مهايع علم التفسير؛ ومكانة تفسير أحكام القرآن لابن الفرس بين كتب التفسير؛ ثم طرح بعد ذلك بعض التساؤلات منها: كيف السَّبيلُ إلى الإفادةِ من اختيارات ابن الفرس المنهجية والتقعيدية في باب تفسير آيات الأحكام؟

كيف وظف الامام ابن الفرس مهيع الاستدلال بدلالات الألفاظ عموما و بدلالة الالتزام خصوصا في تفسيره؟.

وكان موضوع المبحث الأول: البيان لمفردات العنوان؛ فعرّف الاستدلال عند اللغويين وعند الأصوليين وعند المناطقة. ثم ذكر بعد ذلك بعض الدلالات التي استعملها ابن فرس في تفسيره كدلالة الألفاظ ودلالة الالتزام بأنواعها ودلالة الاقتضاء ومثل لها بأمثلة. كما ذكر أيضا دلالة الإشارة والإيماء، ثم ختم بحثه بذكر بعض النتائج.

عنوان المداخلة العاشرة: أثر التوجيه الدلالي عند الإمام الحرالي ت638هـ في فقه الأحكام الشرعية من إلقاء د. يونس القنتي؛ ذكر في بداية كلامه أن القرآن يندرج في علمه كلّ علم من أصناف علم الخلق وعلم الأمر، قال تعالى: «مَا فَرَّطْنَا فِي الكِتَاِب مِن شَيْءٍ». وقد قسم بحثه إلى ثلاثة مباحث خصص الأول منه للتعريف بالإمام الحرالي وشرح المفاهيم التي اشتمل عليها عنوان البحث. وكان موضوع المبحث الثاني ما له ارتباط بالتوجيه الدلالي. وأمثلته من تفسير الحرالي. أما المبحث الثالث ففيه بيان ما جمعه الحرالي من قوانين فهم الكتاب. ثم بدأ الباحث بتعريف الدلالة وبعض المفاهيم الأخرى. ثم ذكر أنواع التوجيه الدلالي عند الحرالي فبدأ بذكر التوجيه الصرفي ومثل لذلك بصيغة «المفاعلة» وصيغة «التفعل» .. ثم ذكر التوجيه البلاغي عند المصنف والتوجيه النحوي والتوجيه ببعض القضايا الأصولية والتوجيه بالخلف القرائي.

المداخلة ما قبل الأخيرة كان عنوانها: «منهج الإمام محمد الطاهر بن عاشور في عرض ومناقشة آيات الأحكام  سورة الأنعام مثلا» من إلقاء د. معاذ الخلطي. وذكر في بدايتها سبب اختياره لسورة الأنعام. ثم تطرق إلى الموضوع من خلال محورين، صنفهما تحت اسم المنهج العام ثم المنهج الخاص. تحدث في أول الأمر عن آيات الأحكام عند ابن عاشور في سورة الأنعام، وأن ابن عاشور لم يصرح بعدد آيات الأحكام في هذه السورة، إلا أن الباحث ذكر أنه وجد المؤلف تعرض للأحكام في سورة الأنعام في حوالي 20 موضعا فقط؛ خاصة الآيات الصريحة التي تتضمن حكما فقهيا عمليا، ولم يفصّل في أحكام أغلبِها إلا عرَضاً.. ويرى ابن عاشور أن آيات الأحكام هي ما كانت صريحة في الأمر والنهي، خلافا لغيره ممن يرى أن الأحكام يمكن أن تؤخذ حتى من القصة والأمثال وغيرها. ولم يفصل القول على منهج الفقهاء إلا في آيات النهي عن متروك التسمية وواجب إخراج الزكاة والنهي عن سب آلهة المشركين؛ وآيات الوصية الصريحة في النهي عن أكل مال اليتيم وقتل النفس، وما عداها من النماذج كانت مجرد إشارات عابرة.

يستعمل ابن عاشور قواعد الأصول لبيان الأحكام بالدرجة الأولى، ومن بين القواعد المستعملة عنده: قاعدة الأمر للإباحة، و قاعدة الأمر بالشيء نهي عن ضده، ومن ذلك توظيفه لقاعدة القياس، واستعماله لقاعدة النسخ وسد الذرائع وغيرها من القواعد الأصولية؛ وقد بين الباحث ذلك كله وأبرزه بأمثلة مجلية. ومن العلوم التي استخدمها ابن عاشور في تحرير معاني النص القرآني لمناقشة وعرض آيات الأحكام الاحتكامُ إلى علوم القرآن وقواعده؛ من ذلك استدلاله على كراهية تفريق المصحف في الكتابة بإنزال القرآن جملة واحدة، واستعماله أيضا أسباب النزول لبيان الحكم الوارد في الآية.

المداخلة الأخيرة كانت بعنوان: «الدرس الفقهي في كتب الوقف والابتداء» من إعداد د. عبد الله أكيك. وكانت مداخلته عبارة عن إشارات وإلمامات؛ ذكر فيها أن كتب الوقف والابتداء تشتمل على مادة غزيرة للأحكام الفقهية، بل منهم من ذهب إلى اشتراط الأحكام الفقهية لمعرفة وقف التمام كما نقل النحاس عن بعضهم حيث قال: « وقال غيره: يحتاج صاحب علم التمام إلى المعرفة بأشياء من اختلاف الفقهاء في أحكام القرآن» ثم استدل على ذلك باختلافهم في قبول شهادة القاذف لاختلافهم في الوقف على قوله: «ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا» الآية. وذكر أن معرفة الفاصلة لها دور في تحديد المذهب الفقهي، ثم بين ووضح هذا الأمر بأمثلة من القرآن الكريم كالوقف على قوله «منكم» و«من غيركم» في قوله تعالى: «ياأيها الذين آمنوا شهادة بينكم ..» الآية..وما يترتب على الاختلاف في الوقف من اشتراط الإسلام في الشاهدين. والاختلاف في الوقف في قوله: «وأمهات نسائكم وربائبكم التي في حجوركم من نسائكم التي دخلتم بهن ..» الآية وما يترتب على الاختلاف في الوقف من اختلاف في الحكم الشرعي، وهل يشترط الدخول أم لا. واختتم الباحث مداخلته بالقول بأن هذا الموضوع لا زال البحث فيه بكرا ولا يزال المجال واسعا لمن أراد أن يعطيه حقه من الدراسة.

ولم يسعف الوقت في آخر الجلسةبأن تناقش هذه البحوث وتباحث. وبذلك تمت كل مداخلات هذه الجلسة الماتعة. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، والحمد لله أولا وآخرا.

 

تقرير الجلسة العلمية الثالثة

الأحد 16 ذو القعدة 1442 هـ‍ الموافق 27 يونيو 2021 م

محور القرآن الكريم وفقه النوازل

رئيس الجلسة: الدكتور محمد نافع

لاقط فرائدها وناظم نثارها : الدكتور مولاي مصطفى بوهلال

تخلل جلسة اليوم الثالث من أيام الندوة ستُّ إسهامات متعددة المآخذ والغايات والوسائط، هذه جملتها:

الإسهام الأول: (الفتاوى القرائية، نظرات في التأصيل وشذرات من التمثيل) إلقاء د/ يوسف الشهب.

يقوم مضمون هذا الإسهام على انتباذ سبيل التأصيل والتمثيل لما فصل من الفتاوى القرائية (نصا، أداء، رسما …)…. اقتصر بذرْو من التمثيل المقتصد مع الحوالة على ما رُقم ضمن النشرة الجامعة لنثار مشاركات البحثة وإسهامهم.

تزجية تحية الشكر والعرفان إلى من كان سببا في تحظي مباحث هذه الندوة ومطاويها (بحثة المركز العمري وهيئته التقنية … تيجان الكلية ورؤوس الإفادة فيها ( عمادة وأساتذة وإدارة ومنظمين ومسيرين ومنسق الماستر الأمجد عبد اللطيف أيت عمي).

لملمة موجبات السؤال مع تحصيل كلمة الفصل ورجو الائتلاف من المتصدر للإفتاء والتفقيه،شأن ميراث الرسالة النبوية جرت سنة تلقاها الأصاغر عن الأكابر جيلا بعد جيل … مع الإقرار بمزية التقدم وبعاد السبق، كما أنّ بعد السربة والمنتسأ مدعاة الوقوع في الحيرة واللّبس …

تأصيل الفتوى القرائية جهد القدرة البشرية اعتبارا بها أخص من القرآنية وهذه أخص مما دلت عليه الفتوى لعموم مضمونها القرائية لنفوذها سائر علوم الشريعة جمعاء … وما كانت مخصوصة بباب الفقه إلا من جهة يكتنه من مدلول التفقه الصناعي الشامل … حدوث الإشكال صبغة فنية قرائية في شقيها الروائي والدّرائي منذ عصر التدوين إلى هذا الأوان، وهو امتداد لحبل أهل الصدر الأول ووقوعهم في أشكال العماية ثم التماس الانفراج البياني من أهله ثم الحرص المكين على إقامة كلام رب العالمين وتعهد حروفه ولفظه بالرعي والوعي من عوادي التلف والفلتة (لا تحرك به لسانك …)وذلك تعريض ببلسم الضمان الرباني لجمع القرآن في صدر الأمين والتنبيه إلى ترك التعجل بحرفه والميل إلى أدائه الأداء الأكفل الأنبل، وهو منبجس موعدة الإبانة من ربنا المنان سبحانه، فالإفتاء مطية البيان وذريعته سنة تتايع عليها أفذاذ الخلق حوزا وغاية وكان طالع سعدهم أبلغ من استعلم فأجاب صلى الله عليه وسلم.

تقعيد أصول القراءة وتمهيد الأداء وترتيب فصوله مع انعدام الإشارة أو التلويح إلى تعقيد مستور هذا الفن أو عماية مودعاته أسراره أصل متبع وإنما أوجب الطيرة والاختلاف في الأوجه والطرق … جوالب طبعية قد ركزت في جبلّة هذا الفن من تعدد المنازع واختبال المدراج والتياث الاعتبارات …  أبعد ذراري القراءة عن شقة الفهم إلا لأولي الزكانة والدراية من الشيوخ أهل التحقيق في تعليل الأوجَه الأسْير وترك الخارج  الأميل وتعيين الوجوه والنظائر والمؤتلف وضعا والمختلف صقعا …

وأما جانب التمثيل لمفاد التأصيل فضمّن في:

وقعة عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم في هيئات نطق سورة الفرقان وما انطوت عليه من الفقه.

تنامي خبر قائد السرية(سعد بن معاذ رضي الله عنه) الذي كان يكرر سورة الإخلاص في كل ركعة إلى علم رسول الله صلى الله عليه وسلم واستعلامه عن فقه القراءة فأجاب بأنها تضمنت صفة الرحمان فلذاك غشيت منه شغاف القلب وملكت عليه سويداءه فأوجبت له حب الرحمان له فطوبى له وحسن مآب.

حال الدرس القرائي في القرون المتأخرة من الانشعاب والانشطار التي أوجبتها سنة الجمع والإرداف القرائي وما لازمه من إمكان الأحكام النظرية والقسم العقلية للوجوه أو منعها والمرخص من جوازاتها أو ما شابه … من مثل اعتبار جمع ثلاث ختمات في واحد ختمات عدة أم ختمة واحدة، السؤال عن حتمية مراعاة ترتيب القراء كما رتبه صاحب المضمَّن، رعي الاختصار أثناء الجمع داع من دواعي الاستفتاء … كالسؤال عن ترك رسم البسملة مطلع براءة وتعيين قدر بيضاها المتروك فيه إشارة الى الاختلاف الواقع فيها أو بياض ينذر من رآه انتهاء سورة وشروع في التالية… عين الفرق بين الفتوى القرائية والفتوى الفقهية كمن في عين الحكم الفقهي والحكم القرائي …

حوصلة

إلقاء نظرة عجلى بمكنونات خاص خزائن العالم وعامها تسلم إلى حيرة وعود ذهول جراء استطالة أفق التصنيف في الفتاوى وأسولة الأجوبة الدارجة على ألسنة الطلاب وأنديتهم(حر ومقيد نظم ومنثور) … يتراآى مقتضى جواب السائل وأحواله وفك نزْع جهتي اقتفاء الأثر وإعمال القياس عند اشتداد الحاجة مع إعواز النص …ترجمان افتراق الحكم القرائي عن الأصولي من جهة الانحتام أو الوجوب والحظر والإباحة، إذ دلالة الفنين كافية في بعد ما بين الاصطلاحين … فالوقف ومراتبه والسير وفق بينه هداه واجبا ومكروها وحراما ومستحسنا وما أشبه إنما ذلك من جهة الفن وما تستدعيه الصنعة أو الصناعة … لا كما في أصول الفقه .

الفتاوى القرائية ذات منازل متفاوتة في الاعتبار القرآني أو القرائي وما يتوسل به إليهما نصا وأداء وصوتا ومنها ما تتخوله مباحث الكلام والعقائد وإن احتوتها بطون قرائية ومنها ما صرّحت عنه صور لفظية وهيئات نطقية فأنمت عن أحكام عملية تكليفية.

الإسهام الثاني: (مركزية القرآن الكريم في معالجة النوازل المستجدة) إلقاء الباحث/ عبد السلام أيت باخة.

الكتاب عِترة الأصول الأُول المعتبر في الاستنباط، الموعِب لأصول شتى أنواع النوازل ومستجدات القضايا وكلياتها،  بدءا بمربّي هذه الأمة ومعلمها نبينا صلوات ربنا وسلامه عليه، واستمرار الحال على سنن تلكم الوراثة الهادية إلى عهد أئمة الأمصار من الفقهاء، لما وضعوا لمن بعدهم أصول النظر والاستدلال، وضبط عملية التخريج الفقه وتكييف لوازم الأحوال، إذ خلدت ذكرى هذه الوراثة البيانية كلمة الإمام الشافعي الشهيرة (فليست تنزل بأحد …)، وعليه فقد انشقت عصا هذا الإسهام على مبحثين (ماهية مركزية القرآن الكريم ومنطلقاتها) في علاج ما ينزل من الأقضية، حلول القرآن محل الصدارة واتخاذه المرآة الصقيلة لبصر الحق ودرك سبيل النجاة في الصناعة الاستدلالية، وهذه المركزية ذات منطلقات شرعية مسلمة لها شواهد من الكتاب والسنة وما تفرع عنهما، المنطلق الأول: القرآن الكريم غنية وكفاية للمسلم في سائر شعاب الحياة، المنطلق الثاني: القرآن الكريم هو المصدر المؤسس لأحكام الشريعة، وكونه أول مرجوع إليه عند الحوادث ثم إن أحكام الشريعة كلها رجاعة إلى القرآن الكريم نصا ودلالة، وهذا منهج قويم متبع من لدن الصحب الكرام، المنطلق الثالث: حقيقة الاجتهاد رد النوازل إلى مقاصد القرآن وتقريب مراد الله سبحانه بشرائطه، ثم التكييف الفقهي للنوازل يندرج في مسالك أربعة: النص والإجماع أصول المذاهب الفقهية ثم القواعد الفقهية ثم نصوص المجتهدين، ونص القرآن أعلى مسالك التكييف، (مفاتيح هذه المركزية في معالجة النوازل): 1 مفتاح اللغة العربية في طلب الحكم الشرعي وجمع وجوه التأويل (أصحاب العربية جن الأنس في الإبصار)، ولها جملة أحكام ككون تعلمها من فروض الكفاية وبه تعرف معاني الألفاظ والتركيب وأن شرط في فهم الشريعة كما أن الجاهل بالعربية لا مدخل له في الإفتاء واقتحام ميدانه 2 فقه التنزيل على الواقع إذ شرط التكييف في المعالجة منبن على الانطلاق من الواقع المهيمن والإعمال لقاعدة (العبرة بعموم اللفظ) للتجافي عن قيود الزمان والمكان3 المعاني المتجددة وهي المعاني التي تعرض للفقيه الناظر في آي الكتاب ووضعه.

الإسهام الثالث: (قضايا من تعامل نوازلي المالكية مع الدرس القرآني من خلال المعيار الونشريسي ت 914 ه‍‍) إلقاء الأستاذ/ عمر أبو مريم.

مسالك المنهج المُمْهَد في أثناء المعالجة الفقهية لصور المستجدات بادية في كتب نوازلي المالكية شاهدة على المدد الإفادي المتأتي من سيب الدرس القرآني (تفسير وسبب نزول ومناسخ ومنسوخ وقراءات …) في قضاياه ومسالكه في تحقيق المناط المتعلق بالنازلة، فأعربت عن وجه الصلة الوثقى بينها وبين مسائل الدرس الفقهي عند العلاج، والوقوف على جهود النوازليين كَمِنٌ في كون إيجاد الحكم الفقهي للنازلة لم يكن بعيدا عن إعمال الناسخ والمنسوخ من الأدلة عدم الذهول عن سبب النزول ورعي الخلف القرائي وضروب التأويل لآي الكتاب وكذا رعي ما استقر عليه العرف الأصولي الفقهي في منازح الحكم مثل مراتب القراءة القرآنية وشروط اعتمادها قرآنا باعتبار صحة النقل أو العكس مما يحيل على شاذ المقروء وحجيته وما شابه، كل ذلك وغيره مما أسهم في توحد الإطار النظري العام في المعالجة وتضييق مجاله، وبلورة الجهود المثمرة في قالب النتائج المحصل اتخذت لها عدة مداخل هي: المدخل القرائي مثاله: (فتوى أبي الحسن القابسي حول اختيار إحدى القراءات المتواترة وتفضيلها على غيرها أو العكس متى توافرت فيها شرائط مخصوصة)، المدخل التفسيري وتثمير مقاصد النص القرآني مثاله (نازلة أبي القاسم عبد الرحمان السهيلي في تفسير ألفاظ الطلاق والأيمان اللازمة ومقتضياتها من العموم والتخصيص أوالإطلاق والتخصيص …)، مدخل الرسم القرآني مثال (تعقيب أبي سعيد بن لب على جواب ابن عرفة حول فتوى قراءة مشفع التراويح مما له تعلق ببعض صور رسم الكلم القرآني وضوابطها …).

الإسهام الرابع: (آراء المفسرين وأهميتها في تيسير التكييف الفقهي للنوازل المعاصرة) إلقاء الباحث/ عبد السميع أيت بن عائشة.

التكييف الفقهي ضرورة شرعية في معرفة الحكم الشرعي لكل نازلة، يتأكد المصير إليه عند مكتملي الأهلية المستجمع لشرائطه من مثل إعمال النظر الناقد لحيثيات النص الشرعي ومنازل دلالته وتأويلاته، والاستعانة على ذلك بمبثوث الآثار الدالة على المراد، وينتظم هذه الكلمة محاور ثلاثة: (دراسة مفهوم التكييف الفقهي وبيان أهميته ومشروعيته) وبيان قدم حدوثه في الممارسة الفقهية العملية عند المحدَثين، وإن لم تأخذ المتفقهة القدامى أنفسهم بصياغة حد جامع له على جهة التصور بهذا التركيب، لكن وجد ما يتوارد معه على نفس الوارد الدلالي كالتخريج الفقهي وتحقيق المناط والاشباه الفقهية … ويشهد لوقوعه قديما نصوص الكتاب والسنة والآثار (إبراز دور التكييف الفقهي في بيان أحكام النوازل المستجدة ومسالكه المرعية)(تطبيقات فقهية للتكييف الفقهي بدراسة مدلول النص الشرعي عبادة ومعاملات).

الإسهام الرابع: (نماذج من الفتاوى القرآنية في كتب النوازل الفقهية) إلقاء الدكتور/ سعيد وديدي.

الورقة تعالج مبحثين اثنين (مراتب أهل العلم في التعامل مع النوازل الفقهية) كان منطلقها القرآن الكريم وما يتوسل به إلى فهمه من العلوم المسعفة في الإحاطة بموضوعه استدلالا واستنباطا، والمراتب ثلاث 1 – تمكن الفقيه من مشاركة الفقهاء في النظر للمسائل العلمية وترجيح بعض الأقوال مع تحصيل ملكة التقرير للمسائل تمكنه من القدرة على الموازنة والترجيح بين ما انتهى إليه من الآراء واختيار الأصلح منها، 2 – تملك الفقيه للعلم العام يستفيد منه لذاته وتحقيق مصلحته ثم يعدّيه إلى غيره من الناس، وهذا لا يندرج في سلك المفتين في أحوال الناس النازلة والمستجدة، كما لا يبلغ درجة أهل الاجتهاد المعتبرين 3 – المقلد أو المتبع لغيره من أهل الفتوى والاجتهاد وهذه رتبة العوام أهل الامتثال الملزَمين بتكرار السؤال في العارض من الوقائع والنوازل الحادثة (نماذج من الفتاوى القرآنية في كتب النوازل الفقهية)، مثاله:

نوازل ابن رشد ومسائله ت‍ 520 ه‍ (أخذ الأجرة على تعليم القرآن) (معاهدة القرآن من المصحف) (المؤدب يشكل ألواح الصبيان على غير وضوء) …

نوازل ابن لب الغرناطي  ت‍ 782 ه‍ (تقريب الأمل البعيد) (سئل عن الإمام يقرأ دبر صلاة الصبح حزبا من القرآن ثم يتبع ذلك آيات عديد وتكبيرا وتهليلا واستغفارا وصلاة على أنبياء الله جميعا وملائكته ورسله)، (سئل عن قراءة الحزب في جماعة والإثابة عليه)،

فتاوى البرزلي ت‍ 844 ه‍ (سئل عن الشاذ في القراءات والخارج عن السبع من الحروف)، (وسئل عن تواتر القرآن الكريم)،

أجوبة أبي علي الحسين الشوشاوي (الفوائد الجميلة على الآيات الجليلة) ت‍ 899 ه‍ ، [الباب السادس، أحكام المعلم] أورد فيه سبعا وسبعين مسألة، (سئل عن الحذقة وما يُعطاه الصبي عن تعلم القرآن أو بعضه وعن حكم التسريح للحذقة والذي تُعطى لم من المعلمين بشرطها) وما إليه

نوازل الونشريسي ت‍ 914 ه‍، فقد سئل عن قراءة القرآن جماعة، وعن قراءة الحزب بعد صلاة الصبح، وعن الخروج بالمصحف إلى الحرب وعن الحلف بالمصحف وعن جواز القراءة في النافل بغير مروي نافع …

تصدر هذين المبحثين تعريفا موجزا للنازلة المستجدت التي خلت من تنصيصات أو مسائل متشابهات تحمل عليها أو ما أشبه.

الإسهام الرابع: (استدلال المدرسة الغمارية بالقرآن الكريم على القضايا المعاصرة، الحافظ أحمد بن الصديق الغماري نموذجا) إلقاء الباحث/ أسامة نجيب العلوي.

الإشادة بالاتجاه الغماري الذي ترادَّ إلى سلالة الشيخ محمد بن الصديق رحم الله جمعهم، وسياق الحديث إلى الحافظ أبي الفيض أحمد بن الصديق الغماري (ت‍ 1380 ه‍)، الذي اتخذ من القرآن الكريم مأرزا يفيء إليه عند الاستدلال وطلب الحكم الشرعي لما يجد من الأحوال النازلة المعاصرة، ولأجل ذلك رام الباحث عرض طرف من تجليات المنهج الاستدلالي عند الرجل من خلال تبيين سيرة الحافظ ابن الصديق العلمية (تلقي أدبيات القرآن وعلومه) كما في تأليفه (البحر العميق) ثم ترسم ملامح المنهج الاستدلالي العام للمدرسة الغمارية والحافظ أبي الفيضعلى وجه أخص، مع عرض طائفة من القضايا العارضة التي استدل لها بالقرآن الكريم مع التمثيل لها بما يجليها في التصور، فالرجل بدأ تفقهه وفق طريقة المالكية ثم مال بعد إلى مذهب الشافعية، ثم بعد تحصيل الملكة الفقهية واستجماع أصول الاجتهاد والتفقه وحفظ المدونات وما إليه؛ نبذ رسوم التقليد واقتفاء ظل من مضى من غير نخل أو إعمال للفكر، ومنهجه قائم على أصول ستة في الاستدلال هي: العمل بعام الدليل بداهة دون الخوض في مخصصاته، الاستدلال على الحوادث بعموم الآي ثم لا يرى اعتبار تعدد الدلالات للدليل الواحد إن وجدت، يرى أن خفي علل الأحكام قد وُكل إلى علم الله تعالى ولا يحل الخوض فيها إلا ما ظهر منها، الاعتماد على نصوص السنة النبوية في تبين مراد الله تعالى، الرجوع إلى معجمات اللغة في التنزيل والحكم كما الشأن في لفظ (شهد) في انحتام الصوم عند رؤية هلال شهر رمضان ودلالاته، كما تناول الباحث عرض بعض المسائل المستدل بها على جهة التنزيل أو التمثيل، (مسائل النوازل) (مستجدات المسائل المعاصرة) ، إذ إنه يفتي في المسائل القديمة مع ترجيح أحد الآراء فيها، أو الاستدلال بالقرآن في تبيين الحكم المعاصر (وجوب اتحاد المطالع) وجديدها توافق الخبر بين الأقطار باعتماد التقنية الحديثة، واستدل بقوله تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) أي من علم دخول الشهر ولزوم صومه وفي أي مكان من الدنيا، وهذا أحد معاني (شهد) الأربعة، وأما المسائل المعاصرة فمثل له بظهور السيارات والقاطرات أو ما شابه، واستدل له بقوله تعالى: (وخلقنا لهم من مثله ما يركبون) فشبيه الفلك هو المركبات والسيارات … وقوله تعالى: (إذا العشار عطلت) فالإبل لا تعطّل إلا بظهور البديل الذي هو وسائل المواصلات الحديثة …

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبع.

 

تقرير عن الجلسة الختامية

إعداد: د.محمد صالح المتنوسي (باحث بمركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة)

ثم اختتم هذا المحفل الكريم في جلسته الختامية التي انطلقت أشغالها يوم الأحد 27 يونيو 2021 على الساعة السابعة والنصف مساء برئاسة د.عبد الهادي السلي (باحث بمركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة) بكلمات ثلاث:

-الكلمة الأولى باسم طلبة ماستر فقه النوازل المعاصرة قدمتها الأستاذة الباحثة مهجة الخرشي، أبانت فيها عن جميل امتنان وعميق شكر، وجملة توصيات، أهمها مضمن في البيان الختامي للندوة

-الكلمة الثانية هي البيان الختامي للندوة وقد تكفل بإعداده وإلقائه الأستاذ عبد الجليل الحوريشي

ثم كان الختم بما كان به البدء آيات بينات من الذكر الحكيم بصوت شجي ندي للدكتور مولاي هشام الراجعي.

لترفع بعدها أكف الضراعة بالدعاء لمولانا أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين بالنصر المكين سدد الله خطاه، وأيد مسعاه.

 د. محمد صالح المتنوسي

  • باحث بمركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة

تعليق واحد

  1. السلام عليكم
    هل يمكن الحصول على أبحاث هذه الندوة؟؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق