مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام

تقرير الجلسة العلمية: الخطاب الديني والحركة النسائية في المغرب

إعداد: مونية الطراز

 

 


ضمن مشروعه العلمي لسنة 2017 والذي اختار له مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام موضوع “الخطاب الديني وقضايا المرأة في المغرب” واعتزم معالجة عناصره في سلسلة حلقات شهرية؛ اجتمع أعضاء المركز بمعية رئيسته الدكتورة أسماء المرابط وعدد من الباحثين المنتمين إلى مراكز أخرى بالرابطة المحمدية للعلماء، يوم الخميس 30 مارس 2017 لمناقشة موضوع “الخطاب الديني والحركة النسائية بالمغرب أي علاقة” وتولت الإعداد له وتقديم إشكالاته وتفكيك عناصره؛ الأستاذة سمية شقروني الباحثة بالمركز.

وفي عرض عام تمهيدي تحدثت الباحثة عن راهنية الموضوع وأهميته، فأشارت إلى أن موضوع الحركات النسائية أصبح ملفتا بالمغرب، ويطرح نقاشا واسعا بين مختلف مكونات المجتمع، كما تحدثت عن مدونة 2004 وتأثير مألوف الخطاب الديني في تلقيها من قِبل العموم.

ومما توقفت عنده في هذا التمهيد مشكلة الخلط المفاهيمي الحاصل بين الدين والتدين، وبين الدين والخطاب الديني، وبين الخطاب والخطابة، حيث لا يستقيم الحديث حول علاقة الخطاب الديني بالحركة النسائية إلا برفع الإشكال المفاهيمي المتعلق به، فهذا بحسبها مدخل مهم يلزم أن يُستتبع ببيان حقيقة الدوافع التي أثمرت التجديد في المدونة على المستوى الشرعي، وتساءلت عن المدونة هل كانت خاضعة لمطالب الحركات النسوية العلمانية وفق مخططات غربية مرسومة؟ فهذه الأمور -كما قالت- تحتاج للبحث من أجل الإجابة عنها وكشف مسؤوليات الحركات النسوية ودعوى جمود الخطاب المعاصر حول المرأة أو تجديده، وهذا ما قاد الباحثة لعرض لمحة عامة عن التطور التاريخي للخطاب الديني حول المرأة في المغرب، وعن دور الحركات النسائية في تجديده من خلال بسط السياق التاريخي لمدونة الأسرة، والذي يكشف في المقابل عن وجود صورة سلبية حول المرأة كرسها الخطاب الفقهي في غالب أحواله، مما يدعو إلى تحفيز الخطاب الديني ليكون في مستوى التطورات المعاصرة وعلى قدر التحديات التي تفرضها الأحوال الشخصية.

وفي هذا السياق قدّمت ملاحظات عامة حول الخطاب الديني المتعلق بالمرأة والتحديات المطروحة أمامه، وذكرت منها مجموعة من العلل التي تعتريه على مستوى الأسلوب والمضمون.

وقد تساءلت الشقروني عن الخطاب الديني بالمغرب والمتصل بالمرأة هل يحتاج فعلا إلى تجديد، وهذا التساؤل بسطت له مهادا وصفيا عرضت فيه لطبيعة الخطاب النسائي بالمغرب، والذي قصرته على الحركات النسائية ذات الطابع الفسيفسائي، فهذا الموصوف كما قالت لا ينظمه نظام ولا يربطه رباط ولا يجمعه إطار ولا حزب، فهو تيارات فكرية مختلفة، منها العلماني والإسلامي والتوفيقي.

فأما التيار العلماني واليساري وهو الذي هيمن على الساحة بالمغرب إلى حدود الثمانينيات من القرن الماضي فكان في البداية تابعا للأحزاب قبل أن يستقل في هيئات نسائية خاصة انبثق من بعضها مطلب مبكر بالمساواة في الإرث، وخرجت من رحمها دعوات لعزل الدين عن التدخل في القضايا العامة، وتلك كانت معطيات دفعت إلى التوجس من هذه الحركات، وساهمت في إفراز تيارات نسائية جديدة بنفس إسلامي، بدأت أول الأمر ممثِلة لجمعيات معينة، قبل أن تتطور بدورها في إطار تنسيقي مثلته نساء العدالة والتنمية، وأصبح مع الوقت قوة ضاغطة لا تقل عن قوة الاتحادات النسائية العلمانية.

في مقابل هذه التيارات هناك تيار وسط توفيقي حاول تسويغ بعض المفاهيم النسائية من الناحية الشرعية تحت مظلة الاجتهاد المنفتح، وهذا التيار لا يجد حرجا في التوفيق بين العلمانية والإسلام كما قالت الباحثة. وقد أفردت لهذا الاتجاه رمزا مخصوصا هو الدكتورة أسماء المرابط فبينت كيف تسعى إلى قراءة النصوص قراءة اجتهادية جديدة.

من ناحية أخرى عرضت الباحثة لموضوع آخر، ويتعلق بالتطور التاريخي للخطاب الديني حول المرأة في المغرب، ودور الحركات النسائية في تجديده، وقد عرضت بهذا الصدد لطبيعة كل مرحلة تاريخية، حيث كانت المطالب النسائية تناسب الظروف التاريخية، وكانت عدد من القضايا تثار بشكل مناسب لواقع الحال، وكلما تطور الوضع تطور معه الخطاب حول المرأة، وقد ذكرت عددا من القضايا التي كانت تثار منذ فترة الاستعمار، ووقفت عند ظروف إنشاء أول مدونة للأسرة بالمغرب، وأشارت في هذا السياق إلى تطور الخطاب الديني المتصل بالأحوال الشخصية عبر مرحلتين الأولى تمتد من سنة 1958 وإلى حدود سنة 1993 وتعلقت كما ذكرت بإصلاحات غير عميقة كانت تجري بطريقة بطيئة، وهذا ما كان يثير حفيظة الحركات النسائية ويدفع بهن إلى لمزيد من النضالات توجتها تعديلات 1997 و1999 ثم خطة إدماج المرأة في التنمية والتي أفاضت كأس المطالب، فلم يستقم الوضع إلا بتحكيم ملكي حسم الخلاف ووجّه النظر إلى هذا الإطار القانوني من خلال تغيير تسميته من قانون الأحوال الشخصية إلى مدونة الأسرة، ومن الاهتمام بحقوق الأشخاص والأفراد إلى الاهتمام بالأسرة بكليتها.

وقبل أن تختم حديثها طرحت الأستاذة الشقروني عددا من التساؤلات حول المدونة وما إن كانت  تحمل في مضامينها ما يمكن اعتباره تجديدا في الخطاب الديني، كما استفهمت عمن له شرعية الاجتهاد والتجديد، فقالت إن الأمر يحتاج للتوفر على آليات لكل من يندب نفسه للاجتهاد، كما يحتاج لمصداقية يثبتها له الرأي العام، ويتطلب الأمر أيضا تهييء أساسات للاجتهاد الجماعي والاجتهاد الفكري بشكل عام، ونبّهت إلى أن كل محاولة للتصحيح لا بد أن تستحضر معطى التدين في المجتمع المغربي.

بعد هذا العرض المفصل أفسحت رئيسة المركز الدكتورة أسماء المرابط المجال للنقاش وتبادل الرؤى والأفكار حول الموضوع، فكانت مناسبة للحضور من أجل رفع اللبس عن بعض القضايا المشكلة، وخصوصا منها ما يتعلق بمسمى الطريق الثالث، والذي تمثله الرئيسة إلى جانب ثلة من الباحثات الناشطات.      

 

 

نشر بتاريخ: 04 / 04 / 2017

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق