مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية

النشاط المنبري الرابع لمركز ابن أبي الربيع السبتي بعنوان “اللغة العربية في فضائها الجامعي”

نظم مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية تحت إشراف الخبير بالرابطة المحمدية للعلماء الأستاذ الدكتور حسن الوراكلي محاضرة علمية قيمة أطرها الدكتور عبد الرحمن بودرع، الأستاذ المتخصص في مادة اللسانيات بكلية الآداب بتطوان، في موضوع “اللغة العربية في فضائها الجامعي” يوم الثلاثاء 14 جمادى الاولى 1434- الموافق 26 مارس 2013م بقاعة الاجتماعات.

في الكلمة الافتتاحية رحب الدكتور محمد المعلمي بالحضور الكريم علماء وأساتذة وباحثين وبالأستاذ المحاضر قائلا في هذا الصدد:”يسعدني أن أكون جوار الأخ العزيز د.عبد الرحمن بودرع الذي له مكانة خاصة لدى زملائه وطلبته في الفضاء الجامعي فطوبى له، وطوبى لنا به اليوم في هذا الفضاء العلمي المزدان بشيوخ العلم وعشاقه، ليحاضر عن اللغة العربية، فهو بتجربته وخبرته واجتهاده وإنتاجه أجدر بالمحاضرة في الموضوع…

 وقبل أن يمنح الدكتور محمد المعلمي الكلمة للأستاذ المحاضر نثر أمام الحضور ثلاث شهادات؛ الأولى: تتعلق بعمق تاريخنا اللغوي وهي شهادة ناطقة بجهود علمائنا الذين نذروا أنفسهم لخدمة اللغة العربية، مكرسين في سبيل ذلك حياتهم دون ابتغاء كسب عاجل أو عرض زائل بل كان حسبهم ثواب الله تعالى فصانوها من اللحن وآفاته، ثم سلموا المشعل لمن جاء بعدهم للاعتناء بها والذود عنها، ومن أشهر هؤلاء الأعلام الجهابذة أبو حيان التوحيدي الذي قال في كتابه المقابسات عند (المقابسة 88): ”قد سمعنا لغات كثيرة من أهلها أعني من أفاضلهم وبلغائهم فعلى ما ظهر لنا وخيل إلينا، لم نجد لغة كالعربية، وذلك أنها أوسع مناهج، وألطف مخارج، وأعلى مدارج، وحروفها أتم، وأسماؤها أعم، ومعانيها أوغل، ومعاريضها أشمل، ولها هذا النحو الذي حصته منها حصة المنطق من العقل، وهذه خاصة ما حازتها لغة على ما قرع آذاننا وصحب أذهاننا من كلام أجناس الناس وعلى ما ترجم لنا أيضا من ذلك…”.

 والثانية: من أجواء تخليد اليوم العالمي للغة العربية وهو مقتطف من حوار مع رئيس مجمع اللغة العربية بالقاهرة الشاعر فاروق شوشة أشار فيه إلى تزايد الإقبال على تعلم اللغة العربية من لدن الأوربيين والأسيويين والأمريكيين والأفارقة مما يتطلب من أبنائها المزيد من المثابرة والاجتهاد.

والثالثة: مستوحاة من عناوين  مؤلفات المحاضر التي جاس خلالها مختلف قضايا اللغة العربية، معالجا إياها ببصيرة وروية، وطارحا فيها رؤى وحلولا جديرة بالاستثمار من لدن العاملين في سبيل النهوض بمستوى تدريسها.

بعدها تناول الكلمة الأستاذ المحاضر د.عبد الرحمن بودرع فذكر أن اللغة هي جزء رئيس من هوية أي مجتمع وبقدر ما يفرط المجتمع بلغته يفرط في هويته ويعرضها للمسخ والتشويه، وهي (أي اللغة) شرط ضروري للنهضة، واللغة العربية تتعرض في وقتنا الحاضر لهجمة عنيفة، وإقصاء مخيف من المشهد الثقافي والاجتماعي فضلا عن المشهد العلمي، ولم نعد بالتالي نجد اهتماما كافيا لتعليم العربية وقواعدها وآدابها وعلومها بين أبنائنا، وشاعت الأخطاء اللغوية، حيث أبحنا لأنفسنا إقحام الكثير من الكلمات الأجنبية في العربية دون مراعاة لاشتراطات ذلك، في ظاهرة خطيرة تتمثل في (تعجيم العربية) وهي كارثة كبرى بكل المقاييس، ثم أعطى الأستاذ المحاضر (نموذجا لذلك وهو حال اللغة العربية في الفضاء الجامعي) فأكد في هذا الصدد أن العربية تعاني معاناة شديدة، نظرا للتنافس الثنائي بين اللغات الأوروبية وأنها كذلك ليست من المواد الرئيسية بين باقي المواد المدروسة كما أن معاملها في التنقيط ضئيل للغاية وأن من يهتم بدراسة العربية يجد نفسه منبوذا في الأوساط العلمية والثقافية وغيرها، ومن معاناتها أيضا مزاحمة اللغات الأجنبية لها، أما البحوث العلمية في الجامعة فتقدم بأسلوب ركيك من لدن الطلاب المتخصصين بالذات في اللغة العربية إذ إنهم يتلقونها من وسائل الإعلام (عبارات ليست فصيحة)، وانصباب حرص طلاب العلم وخاصة طلاب اللغة العربية على نيل الشهادة الجامعية عوض اهتمامهم بالثقافة العربية المتينة.

ثم دعا الأستاذ المحاضر طلاب اللغة العربية موجها النصيحة إليهم ليكتسبوا ملكة العربية عن طريق الاطلاع على المصادر الأدبية التراثية وفي هذا الصدد استشهد بقولة للعلامة ابن خلدون (عالم الاجتماع) بأنه يستوجب على طلاب العربية لكي يتقنوا الفصاحة والملكة الأدبية أن يبدأوا في التعليم بحفظ النصوص الشعرية والنثرية ثم بعد ذلك بضبط قواعد اللغة والنحو، واستشهد المحاضر في معرض حديثه بأدباء العصر كالدكتور طه حسين، والعقاد، والرافعي، وعبد الله كنون، والمختار السوسي وغيرهم، فإنهم كانوا يحفظون النصوص التراثية الأدبية، مع إجادتهم حفظ القرآن الكريم، فتمكنوا بذلك من تكوين الملكة الأدبية وترسيخها، وأنهم كانوا لا يعتمدون على المختصرات الضئيلة التي لا تمنح الملكة الأدبية كما يفعل الطلاب.

ولإعادة الاعتبار للغة العربية بالجامعات والمؤسسات المغربية ذكر المحاضر أنه يستوجب الارتقاء بالتدريس في الجامعات المغربية، وذلك بإحياء المصادر اللغوية والنحوية، وكسر الحواجز بينها وبين الطالب،  كما ينبغي تقديم النصوص المنتقاة المناسبة للطلاب. وبالمناسبة ذكر المحاضر من توكل إليه مهمة إحياء اللغة العربية بواجب الاهتمام والغيرة، وأن أصحاب القرار مطالبون بتفعيل التوصيات التي خرجت بها المؤتمرات والمقررات والمجامع اللغوية، وأن على أصحاب الشأن التعليمي إحداث مراكز تهتم بالحفاظ على اللغة العربية، والقيام بتكوين أطر في مجال التدريس للعربية لإعادة الاعتبار لها عن طريق جعلها وسيلة التواصل الاجتماعي وفي منابر الإعلام، وقد خرج المحاضر بتوصيات هامة من خلال المحاضرة ركز فيها على ضرورة رفع شعار التمكين للعربية، وكذا العمل على تطوير مناهج البحث اللغوي في الجامعة، وإعادة النظر في مناهج التراث والتوفيق بين القديم والحديث، واستبعاد كل الظواهر التي لا توافق العصر، والعمل على انتقاء مصادر الأدب واللغة والمعاجم المناسبة، وانتقاء مفردات لغوية لسد حاجات التداول، لأن اللغة العربية طيعة لما تملك من آليات وأدوات اشتقاقية تضمن لها الاستمرارية والتطور، فالحاجة اليوم ماسة إلى جهد عملي وعلمي وتربوي متكامل لركم الحاجز بين التنظير والتطبيق.

وبعد ختم المحاضر د.عبد الرحمن بودرع عرضه القيم فتح باب النقاش، والذي كان ثريا بتدخلات الأساتذة والباحثين الذين أجمعوا على ضرورة إعادة الاعتبار والحفظ للغتنا العربية حيث قدموا عبارات الثناء على المحاضرة القيمة وعلى المحاضر الذي أجاد وأفاد في مجال تخصصه.

وقد تميز النشاط بحضور نوعي لأساتذة جامعيين وباحثين مهتمين بالشأن اللغوي، علاوة على باحثي مركزي ابن أبي الربيع السبتي. وأبي الحسن الأشعري.

                                                                 إعداد: العربي الرباحي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق