مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام

الندوة الدولية حول “التصور القرآني للأسرة”

 

إلياس بوزغاية

 

 

بقاعة الشريف الإدريسي بكلية الآداب أكدال بالرباط، نظم مركز الدراسات الأسرية والبحوث في القيم ندوة دولية تحت عنوان “التصور القرآني للأسرة” يومي 05 و 06 فبراير 2014. شهدت الندوة مشاركات ومداخلات متنوعة أثرت النقاش حول مكانة الأسرة في النص القرآني والواقع المعيش. توزعت أشغال الندوة على ثلاث محاور، سلط المحور الأول الضوء على مصطلح “الأسرة” من خلال النص القرآني، وتناول المحور الثاني موضوع قيم الأسرة في القرآن الكريم، فيما تطرق المحور الأخير إلى أدوار ومقاصد الأسرة في ضوء القرآن الكريم.

 

باشر المشاركون أشغال الندوة بعرض تحت عنوان “مصطلح الأسرة القانوني والتشريعي في القرآن الكريم” للدكتورة رجاء ناجي مكاوي حيث ناقشت فيه مدى تداخل التشريع الإسلامي مع القوانين الحالية في تنظيم العلاقات والمعاملات داخل الأسرة، وركزت على أهمية البعد الأخلاقي المستنبط من الوحي في ترشيد وتأطير العلاقات الأسرية انطلاقا من عقد الميثاق الغليظ ومرورا بالمودة والرحمة وانتهاء بالمعروف والإحسان في حال إنهاء العلاقة. تناول الكلمة بعد ذلك الدكتور مصطفى فضيل لكي يعرض قراءة في مصطلح “الأسرة” في القرآن الكريم، فأشار إلى أن كلمة أسرة لا توجد في النص القرآني لكن دلالاتها حاضرة بقوة من خلال ما تفيده من معاني وقيم المودة والرحمة والمساكنة وكذلك الرباط القوي الذي يجمع أعضاء الأسرة بالوصايا والتشريعات الربانية. بالرجوع إلى مسألة عدم وجود مصطلح الأسرة في القرآن الكريم، قدم الدكتور المقرئ الإدريسي أبو زيد تفسيرا رأى فيه أن الأمر مرتبط بميل القرآن الكريم إلى التعيين التفصيلي définition extensionnelle وليس التعيين التضميني définition intentionnelle وفيه يخاطب الأفراد المشكلين للأسرة ويحدد علاقاتهم بدل اللجوء إلى المصطلحات المجردة (الأسرة، التوحيد، العقيدة مثلا) التي يمكن “أن تختطف من النص القرآني وتفرغ من محتواها وأن تعطاها مضامين غريبة ومناقضة وتحقن بمفاهيم شادة كما هو الشأن في العولمة التشريعية المعاصرة” ولذلك يصر القرآن على ألا يجمع هذه العلاقات في مصطلح واحد والسبب هو أنه صالح لكل زمان ومكان استحضر التحديات القادمة فعالج قضايا الأسرة بتعيين تفصيلي مرتبط بالأفعال والأحداث بدل الأشكال التي يمكن أن تتبدل.


في الجلسة الثانية، التأم الجمع مرة أخرى ليناقشوا موضوع الأسرة والقيم المرتبطة بها في القرآن الكريم. فتقدم الدكتور محمد سعد الخليفة من السودان مداخلة حول الإطار القيمي للأسرة في القرآن الكريم حيث ركز على التعابير التي يصف بها القرآن الكريم العلاقات الأسرية وامتدادها لتشكل القيم الأساس الذي تنبني عليها سلوكات المسلمين بعد أن يتشربوها. بعدها، تناول الدكتور سعيد شبار الكلمة لينتقل إلى محاولة إعادة بناء مفهوم الأسرة من خلال الأبعاد المعرفية والوجودية في المنظومة الإسلامية لتجاوز النسبية البشرية وإضفاء الإمكان الإنساني والعالمي على ما يعنيه مصطلح الأسرة. ومن هذا المنطلق حث المتدخل على الدفاع عن المرجعية القرآنية باعتبارها أكثر انفتاحا من غيرها وأكثر قابلية لاحتواء النماذج المرجعية الأخرى المتمركزة حول الذات والأقليات في أنساقها القيمية التي تشتت أكثر ما تجمع وبالتالي تختزل قيمة الإنسان في المادة، ومن هذا المنطلق تبرز أهمية إنتاج مشروع إصلاحي قوي وشامل يخرج البشرية من العجز والحيرة في مرجعياتها والبحث عن المعنى. في سياق متصل، تابع الدكتور سمير بودينار مناقشته للمشروع الإصلاحي الإسلامي وربطه بأسئلة النهوض الحضاري التي تستوجب البحث عن سبل جعل الأسرة رافعة للنهضة  في ظل التعدد القيمي والتنوع الشكلي للأسرة المعاصرة. ومن جانبه، بين الدكتور فريد شكري جانبا من جوانب تميز الأسرة المسلمة من حيث كونها تجمع بين مقتضى العدل ومقتضى الفضل في معاملاتها، وذلك راجع للأساس الروحي الذي تنبني عليه هذه العلاقات فهي تجمع بين البعد التعاقدي لتحقيق العدل والبعد التراحمي لتحقيق الفضل. المداخلة الأخيرة للأستاذة مونية الطراز زكت هذا الطرح بالتركيز على النسق القيمي الناظم لدور الأسرة المسلمة في القرآن الكريم، فأشارت إلى ارتباط العقيدة والعبادات والمعاملات في تشكيل صورة الأسرة المسلمة السوية القادرة على تحقيق الدور والمقاصد المنوطة بها في الحياة.

 

استهل اليوم الثاني من اشغال الندوة الدولية بمداخلة للدكتورة سناء عابد من السعودية لتتحدث عن الآباء والأبناء في القرآن الكريم وتوضح مدى استجابة النماذج المذكورة في القرآن الكريم عن العلاقات بين الآباء والأبناء في تشكيل النموذج والقدوة التي يمكن اخذ العبرة منها في معاملاتنا اليومية بين الآباء والأبناء. تبعت هذه المداخلة مداخلة للدكتور عبد الكريم عثمان علي عثمان من السودان الذي تناول موضوع اقتصاديات الأسرة في ضوء المقاصد القرآنية، وركز في هذا الإطار على المنهج الوسطي في القرآن الكريم وتطبيقاته على تنظيم الاستهلاك وعمل المرأة والنفقة ودوره في تحقيق وظيفة العبودية لله من خلال مؤسسة الأسرة. في سياق متصل، تطرق الدكتور رشيد كهوس من المغرب إلى المقاصد الشرعية لبناء الأسرة المسلمة في القرآن الكريم وأكد أن هذه المقاصد تصلح بصفة مستعجلة للاستهداء بها وجعلها نبراسا للمقبلين على الزواج من أجل بناء الإنسان الصالح وتحقيق الاستخلاف. في الأخير تناولت الأستاذة خديجة مفيد الكلمة لكي تتحدث عن ملامح الأدوار الأسرية في القرآن الكريم، وتوضح بأن الرسالية هي الغاية الأولى والأخيرة من تكوين الأسرة المسلمة وأن هذا يستلزم الأهلية والتكامل في الأدوار في إطار من الأبعاد التحررية للإنسان تجعل تدبير الشأن الأسري مرتبطا بتدبير الشأن العام وبالتالي ارتقاء إلى شرع الله وسموا من الانحطاط في التشريعات الوضعية.

 

انتهت اشغال الندوة الدولية بتكريم عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية أكدال، السيد عبد الرحيم بنحاده وتمت قراء البيان الختامي والتوصيات التي شكلت عصارة الملتقى وركزت بالأساس على الجانب العلمي والمعرفي في استيعاب ونشر الثقافة الأسرية الإسلامية في ضوء مستجدات الواقع من أجل معالجة إشكالات وقضايا العصر.

 

نشر بتاريخ: 07 / 02 / 2014

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق