مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام

القوامة ومدونة الأسرة المغربية

إلياس بوزغاية

 

 

 

انطلقت اشغال الجلسة الرابعة لتعلن بدأ محور جديد من محاور موضوع إشكالية القوامة في المجتمعات الإسلامية. فبعد تسليط الضوء على مفهوم القوامة وعلاقته مع الواقع المتحول لهذه المجتمعات، جاء الدور على مراجعته من داخل المنظومة القانونية في المغرب وعلى الخصوص مدونة الأسرة.

بسطت الدكتورة زيبا مير حسيني الموضوع ومباشرة ناولت الكلمة للدكتورة نزهة كسوس التي كانت عضوا داخل اللجنة التي تكلفت بصياغة مدونة الأسرة الجديدة سنة 2004. فتكلمت عن أجواء النقاش الذي دار بين أعضاء اللجنة وحضور مفهوم القوامة داخل مجموع القوانين في المدونة. فأشارت إلى أن هذا المفهوم لم يكن موضوع نقاش في حد ذاته لكن تجلياته كانت دائما بارزة في كل البنود خاصة الزواج والولاية والطاعة والنفقة. وأفادت أن أغلب أعضاء اللجنة كانوا يعتبرون القوامة حقا فطريا للرجل إلا أنه يتأرجح بين كونه مسؤولية أم عقدا أم كفاءة. وبناء على هذا الفهم فإن مصطلح القوامة تم اقتراحه ليدمج في تعريف الزواج (تحت رعاية الزوجين وقوامة الرجل) إلا أن بعض أعضاء اللجنة رفضوا إضافة “قوامة الرجل” لكي يتم التوافق أخيرا على عبارة المسؤولية المشتركة للزوجين. وفي باب الحقوق والواجبات، اعتبرت الطاعة لدى أغلب أعضاء اللجنة من حقوق الزوج وواجبات الزوجة، إلا أن النقاش أفضى في الأخير إلى التوافق على عبارة المعاشرة بالمعروف، خاصة أن الأمر مرتبط بالنفقة التي ساوم بعض أعضاء اللجنة بضرورة ربطها بالطاعة والقوامة. ختمت الدكتورة كسوس مداخلتها بخلاصة ترى أن القوامة بمعناها التقليدي مازالت موجودة في مدونة الأسرة وفي الثقافة المغربية وذلك يظهر خاصة في قضايا النيابة الشرعية عن الأبناء وفي الحضانة والأساس المادي التي تنبني عليه القوامة. لذلك وجب ربط هذه الأخيرة بالجانب العاطفي وربط المسؤولية بالمحاسبة.

انتقالا إلى موضوع آخر، تناولت الدكتورة مليكة بن راضي الكلمة لتتحدث عن “إشكالية الملائمة بين المدونة المغربية والمرجعية الكونية”، حيث اشارت بداية إلى أن الموضوع يكتسي اهمية خاصة نظرا لارتباط التحولات الاجتماعية الحالية بتحدي الملائمة بين الحقوق “الكونية” واحترام الهويات الثقافية، وأيضا لأن المرأة في كل المجتمعات تعد الحارسة الأولى للقيم. وفي هذا الصدد تساءلت الدكتورة مليكة إن كانت فلسفة حقوق الإنسان المبنية على الكرامة والمساواة وتمتع المرأة بنفس حقوق وواجبات المواطنة تتناقض مع الهويات الثقافية والقوانين الوطنية والدين الإسلامي. وأكدت على أن الشرط الذي يجب أن يتوفر في المرجعيات المختلفة من أجل التلاؤم هو الالتزام باحترام كرامة المرأة وذلك بتجاوز القراءات والممارسات الذكورية التي تعيد إنتاج التراتبية بين الجنسين. ولذلك فإن الدين لا يمثل عائقا أمام التوافق إذا ما تمت قراءته على ضوء مواقف الرسول صلى الله عليه وسلم والرؤية الاجتهادية والمقاصدية التي تسعى إلى مسايرة التطورات الحاصلة. لذلك فإن المسائل اليوم هو السلطة الدينية والتشريعية بالمغرب من اجل إنتاج قراءة منفتحة للدين ترفع الميز ضد المرأة وترسخ مبدأ الحرية والمساواة، وهو ما نرى بوادره في مدونة الأسرة حيث اصبحت بعض قوانينها اليوم حسب الدكتورة مليكة تتعارض مع المساواة المنصوص عليه في الدستور الجديد (شهادة الذكور، الزواج من غير المسلم، النيابة الشرعية على الأبناء، الإرث…). وما لقاء اليوم إلا حجر أساس لتعميق وتأصيل النقاش الديني في موضوع القوامة والولاية الذي سيعود بالنفع على تطور حقوق المرأة وتحقيق كرامتها.

في تعقيب له على المداخلات السابقة، اشار الدكتور احمد السنوسي إلى اهمية الانتباه إلى ان ما يقال حول ملائمة التشريعات الدولية مع التشريعات الوطنية له نصيب كبير من المصداقية، لكن الإشكال الحقيقي يتمثل في المقاربة المعتمدة حيث أنه إذا كانت المواثيق والأعراف الدولية مسبقا وابتداء هي المرجع الوحيد الذي يجب أن نحتكم إليه، فإن ذلك يضرب في المرجعية الإسلامية التي نناقش من داخلها مفهوم القوامة والولاية، ذلك لأن الأحكام المنبثقة من الشريعة الإسلامية مرتبطة بنظام اجتماعي يقيمه الدين من أجل تحقيق مقاصد ومصالح دينية ودنيوية تختلف في تقديراتها بين الثقافة الإسلامية والثقافة الغربية.

تابعت الأستاذة مروة الشربيني تعقيب الدكتور أحمد بالتساؤل إن كنا حقا مضطرين للاختيار بين المرجعيتين إذا كنا في الحقيقة نمتلك الوسائل والأدوات الفقهية التي تساعد على تحقيق مصالح النساء التي اصبحت للأسف مسيسة اكثر مما مضى وبالتالي خلقت لدينا عقدة الآخر ونظرية المؤامرة التي تحول دون تطوير منظومتنا الحقوقية انطلاقا من مبادئ وقيم الدين الحنيف. نفس النقطة اشارت إليها الدكتورة زينة أنور في تذكيرها بأن بعض القضاة في ماليزيا يعتبرون أن بعض القوانين المتقدمة اليوم تتناقض مع الدين فيرفعون شعار “أنا مسلم أولا، وقاض ثانيا”. ولذلك تتابع القاضية زهور الحر بأن النصوص القانونية قد تكون جيدة ويكون تطبيقها سيئا وقد تكون سيئة ويكون تطبيقها جيدا، وهو ما يطرح إشكالية العلاقة بين الشريعة والفقه والقانون. ومن هذا المنطلق أوضح المحامي المصري صلاح الدين السمان أن صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان تنبع من خلال الاجتهادات التي تختلف بحسب ظروف ومشاكل كل زمان ومكان، وأن الاجتهاد لا يصح أن يبقى حكرا على مؤسسات دينية بعينها يبقى حل مشاكل المجتمع رهينا بها.

لمواصلة اشغال الجلسة تناولت الدكتورة عائشة الحجامي الكلمة لتتطرق إلى موضوع “الإصلاح القانوني بين النص المكتوب والتطبيق” حيت ركزت على بعض القضايا المرتبطة بمفهوم القوامة والمساواة في التشريع المغربي. فرغم أن المدونة جاءت نتيجة اجتهاد جماعي ورغم أن إحدى الدراسات اشارت إلى أن هناك تقبلا للرأي العام لمفهوم الرعاية المشتركة في الأسرة، إلا أن مفهوم المساواة مازال لم يتحقق من خلال قوانين مدونة الأسرة. فالنفقة مازالت في يد الرجل الذي يبتز بها الزوجة من أجل طاعته، والنيابة عن الأبناء مازالت حقا حصريا للرجل، كما أن اقتسام الممتلكات يظل في معظم الحالات ظالما للمرأة نظرا لأن المادة التي تنظمه فضفاضة، بالإضافة إلى أن إمكانية ولوج المرأة للقضاء مازالت ضعيفة. كل هذه القضايا تؤكد في نظر الدكتورة عائشة أن المسؤولية المشتركة كما نصت عليها المدونة لم تلغ مفهوم القوامة وأن المرأة لم تصل بعد إلى مرحلة المواطنة الكاملة.

في الأخير جاء دور القاضية زهور الحر لكي تسلط الضوء على مفهوم القوامة وخصوصيته في السياق المغربي حيث اكدت على أن قضية المرأة في كل المجتمعات هي بداية التغيير الاجتماعي وأن التجربة المغربية بهذا الخصوص غنية وحافلة بالدروس، حيث اجتمعت لدى أطياف الطبقة السياسية إرادة قوية لمناقشة الموضوع، وتميز المجتمع المدني بحضوره القوي في صناعة التغيير، كما أن المنهجية التي اعتمدت ارتكزت على الآلية التشاركية والتوافقية مما سمح بخلق جسور للتواصل بين المحافظة والحداثة في عدة قضايا تشهد عليها يوميا بحكم عملها كقاضية. وهذه القضايا كانت ولاتزال تشكل معارك نضالية داخل المحاكم من أجل تحقيق أحكام عادلة غالبا ما تكون فيها مسألة القوامة والمساواة حاضرة بقوة.

اختتمت أعمال الجلسة الرابعة بمناقشات ومطارحات قوية سعت إلى إغناء المداخلات وتكميل بعضها البعض وشدد الكل على أهمية مثل هذه اللقاءات في تقريب الرؤى وزوايا النظر من أجل خلق اسس مشتركة ينبني عليها الإصلاح في العدالة والمساواة.

 

نشر بتاريخ: 18 / 12 / 2013

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق