مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقدية

العقيدة الأشعرية والفكر الوسطي

     شارك مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية التابع للرابطة المحمدية للعلماء -من خلال مداخلة رئيس المركز- في الملتقى العلمي الثاني الذي أشرف على تنظيمه المجلس العلمي المحلي ببني ملال، بالتنسيق مع جامعة السلطان مولاي سليمان، وكلية الآداب والعلوم الإنسانية ببني ملال (مختبر مقاصد الوحي)، وولاية جهة تادلة أزيلال، ثم مجلس جهة تادلة أزيلال، في موضوع: “العقيدة الأشعرية والفكر الوسطي”، خلال يومي:25-26 رجب 1432هـ الموافق ل: 28- 29 يونيو 2011.
     وقد تضمن برنامج هذا الملتقى عدة جلسات توزعت عبر ثلاثة محاور:
     فبعد الجلسة الافتتاحية التي قدمت فيها كلمات الترحيب من طرف رئيس الجامعة، وعميد كلية الآداب، ثم كلمة الأستاذ سعيد شبار رئيس المجلس العلمي المحلي، وكلمة مجلس الجهة، انطلقت أعمال الجلسة العلمية الأولى في محور: “التطور التاريخي للمذهب الأشعري مشرقا ومغربا”. وقد تناول الكلمة فيها كل من الأستاذ جمال علال البختي (رئيس مركز أبي الحسن الأشعري)، الذي عرض في مداخلته لموضوع: “الموقف من علم الكلام بالمغرب والأندلس بين القرنين الخامس والسادس”، ثم الأستاذ محمد الطبراني، الذي قدم عرضا عن “جانب من تراث المذهب الأشعري في غرب الأندلس (المختصر في أصول الدين لأبي بكر عبد الله بن طلحة اليابري)”. جاء بعده الباحث الأستاذ خالد زهري، الذي تدخل في موضوع: “المصادر المغربية للعقيدة الأشعرية على عهد بني وطاس”، ثم تلاه الأستاذ محمد العاجي الذي تناول بحديثه “منظومة ابن عاشر ودورها في تثبيت العقيدة الأشعرية بالمغرب الأقصى”، وختمت هذه الجلسة الصباحية بمداخلة الأستاذ محمد الروكي التي فصلت في “مظاهر الوسطية في العقيدة الأشعرية”.
   الجلسة العلمية الثانية  تدخل فيها الباحث عبد الهادي بصير في موضوع: “جهود المغاربة في تثبيت المذهب الأشعري بالمغرب من خلال مخطوطات الخزانة الحسنية”، وعبد الواحد بنفضيل في موضوع “الإطار التاريخي لنشأة المذهب الأشعري”، جاءت بعده مداخلة الأستاذة حكيمة شامي في موضوع: “إسهامات علماء الكلام خلال القرنين 6 و7 – الحافظ الماجري أنموذجا”، ثم تولى الباحث عدنان زوهار الحديث في موضوع: “القول بالتأويل عند الأشاعرة: مذهب السلف”، وختمت الجلسة الثانية والمحور الأول بمداخلة الأستاذ عبد الله بلمدني الذي أفاض في الحديث عن “معالم وسطية العقيدة الأشعرية وأثرها في تزكية النفس”.
    في خصوص المحور الثاني، والمعنون ب: “الاختيارات الوسطية في المذهب الأشعري”، انطلقت  أول جلساته بمداخلة الأستاذ عبد القادر بيطار في موضوع: “منطلقات الوسطية في العقيدة الأشعرية”، تبعه الأستاذ عبد المجيد معلومي الذي بسط القول في موضوع “العقيدة الأشعرية باعتبارها نسقا للوسطية والاعتدال”، وانتهت هذه الجلسة المسائية بعرض قدمه الأستاذ أحمد امحرزي علوي حول “الفكر المعاصر والدرس العقدي، رؤية منهجية”.
    خلال اليوم الثاني، استمرت أعمال المحور الثاني، وعرفت في الحصة الصباحية انطلاق الجلسة الثانية منه، تقدم فيها محمد الفيلالي بمداخلته حول: “توافق النقل والعقل في إثبات توحيد الربوبية”، وقدم الأستاذ محمد العاملي بحثه عن: “محمد بن تومرت بين الاقتباس والخصوصية”. كما تدخل الباحث عبد الرحمن العضراوي بعرض حلل فيه “النظر الوسطي في الفكر التأويلي الأشعري”، أعقبته مساهمة الباحث الأستاذ محمد جمال عن “العقيدة الأشعرية المعدلة عند بعض علماء الغرب الإسلامي”.
     في الجلسة الثالثة من المحور الثاني، كان الموعد مع الباحث الأستاذ بنسالم الساهل الذي ناقش موضوع: “المنهج الأشعري بين التطور والتنوع”، ومع الأستاذ جمال السطيري الذي قدم عرضا عن: “مقاصد الإيمان بأسماء الله الحسنى”، ثم مع الأستاذة مليكة حفان التي عالجت موضوع: “الأصول الفكرية الأشعرية وأثرها في قضايا العقيدة والبيان”.

   أما الجلسة العلمية الأخيرة والتي خصص لها محور علمي بعنوان: “حاجة الفكر المعاصر إلى الدرس العقدي الأشعري”، فتناول الكلمة فيها كل من الأستاذ سعيد شبار الذي أفاض في مناقشة موضوع: “الفكر المعاصر والحاجة إلى استلهام معالم الوسطية في العقيدة الأشعرية”، والأستاذ إدريس أوهنا الذي أتقن في مناقشته لموضوع: “ارتباط الإيمان بالعمل في العقيدة الأشعرية وأثره في العمران الحضاري”، ثم ختم المداخلات الباحث يوسف مازي بحديثه عن “الممهدات الضرورية لطالب علم العقيدة الأشعرية”.
     وقد أغنيت جلسات هذا الملتقى بمداخلات الحضور ومناقشاتهم المتميزة لكل العروض التي تم تقديمها، كما توج هذا الحفل العلمي بتسجيل جملة توصيات رفعت إلى المنظمين والمشرفين على هذه الملتقيات لمزيد من الإبداع والتعميق.  

     ونقدم فيما يلي ملخصا للورقة التي شارك بها الدكتور جمال علال البختي رئيس مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبجوث العقدية التابع للرابطة المحمدية للعلماء في هذا الملتقى:
    بين الباحث أن دراسته تسعى إلى البحث في مشروعية البحث في علم الكلام من خلال مواقف أهم اتجاهين عرفهما المغرب والأندلس هما الاتجاه السني السلفي والاتجاه السني الأشعري، وأعلن أنه سيركز على نموذجين فريدين يعدان أفضل من يعكس نظرة وموقف الاتجاهين، وهما ابن عبد البر ممثل الاتجاه الأول، وابن خمير ممثل الاتجاه الثاني.
    وهكذا توقف مع أصحاب الاتجاه الأول، ومن خلال آراء المحدث الأندلسي ابن عبد البر النَمَري(ت:463هـ)، انتهى إلى الخلاصات التالية:
1- إن منهج ابن عبد البر في العقيدة يتميز –كمنهج غالبية السلف الأوائل– بترك البحث في تفاصيل القضايا الغيبية بالمناهج العقلية الكلامية، والاكتفاء منها بما دل عليه الدليل التوقيفي.
2- يرى ابن عبد البر أن الاجتهاد والجدال في الفقه وفي المسائل العملية هو من أوجب الواجبات، أما إعمال القياس والعقل في البحوث العقدية فلا يجوز ابتداء.
3- منعُ الخوض في الكلام يرجع عند ابن عبد البر إلى أن مسائل العقيدة توقيفية ينبغي التسليم فيها، وليست مجالا لإعمال العقل، إذ مجال العقل هو النظر في التشريع فقط.
4- لا يجوز خرق القاعدة المانعة للخوض في الكلام والجدل إلا لضرورة حماية العقيدة والإيمان.
5-أما التقليد فالأصل فيه عند ابن عبد البر النهي، ولكنه يجوز بل يلزم في حق العامة، ويجوز للعلماء حال الضرورة كذلك.
     أما الاتجاه الثاني وهو اتجاه السنة الأشاعرة، فإن التعمق في مناقشة أفكاره من خلال مواقف ابن خمير السبتي يوصل -في قراءة الباحث البختي- إلى النتائج التالية:
1- من الناحية التوقيفية أكد ابن خمير أننا لا نجد نصا محكما ينهى عن البحث في الكلام، والأحاديث الواردة في الباب جلها آحاد، والصحيح منها قابل للتأويل.
2- إن الزعم بأن علم الكلام بدعة هو أمر لا يمكن قبوله لأن الصدر الأول كانوا عارفين بأصول العقيدة حسب حاجاتهم الإيمانية، وإذا كان الاشتغال بالكلام لم يعرف في عهدهم فلأنهم كانوا مشتغلين بحماية العقيدة عمليا، ورد هجمات الأعداء بالسلاح والسنان. وإذا كان علم الكلام بدعة لم تعرف في العصر الأول، فإن العلوم الشرعية الأخرى تستحق في نظر الأشاعرة نفس الحكم لأنها في مجملها مستحدثة في العصور التالية لنزول الوحي ولم تكن متداولة بين الصحابة والسلف الأوائل.
3- إن التقليد في العقيدة مذموم ولو كان في الحق، أما في خصوص العوام فإنهم مطالبون بالنظر الإجمالي والمعرفة الإجمالية، اللهم إلا من حال دون نظره مانع قاهر، وإلا فإن غير الناظر وغير العارف لا يتحقق لهما إيمان.
4- إن هذه المواقف الخميرية الأشعرية من البحث في العقيدة هي التي ستصير الموقف الرسمي للدولة الموحدية ثم لعلمائها، بل لقد كان تبني المذهب الأشعري ضربة لازب في تاريخ المغرب منذ ذلك الحين وإلى الآن.
 وانتهى الباحث بعد هذا إلى تسجيل الملاحظات التحليلية التالية:
•  الملاحظة الأولى: ومضمنها أن الصراع المحتدم بين الاتجاه السلفي والاتجاه الكلامي في المغرب والأندلس رفع من حدة المواقف وتطرفها، وولد ميلا لدى علماء الاتجاهين إلى الحكم إما بإلزام العامة البحث في دقائق الاستدلالات العقدية مع ما فيهمن تكليف بما لا يطاق، وإما إلى الغلو في منع الاشتغال بعلم الكلام، واعتبار المتكلمين جماعة من المبتدعة المنحرفين عن الهدي الإسلامي الصحيح.
•  الملاحظة الثانية: وتتعلق بموضوع وجوهر الصراع بين الاتجاهين، وكونه منبعثا من دوافع متعددة، ومستمدا من خصوصيات محلية ترتبط بالمواقف المذهبية والاختيارات الرسمية للمذهبيات. بيد أن التوجيه للاختيارات العقدية لم يكن ورقة حاسمة في فرض القناعات المذهبية بالصورة الشاملة، وإنما ظل هامش المخالفة ظاهرا بصورة مختلفة كما يؤيده ظهور كبار الأشاعرة على عهد المرابطين السلف، وانتشار المحرضين على المتكلمين في عهد الدولة الموحدية.
•  الملاحظة الثالثة: وترتبط بالصراع الحاصل بين السلف (فقهاء ومحدثين) وبين المتكلمين (وخصوصا الأشاعرة منهم)، عبر تاريخ الإسلام العام. وهو صراع منشؤه الاختلاف المنهجي والغرضي في البحث العقدي، ويعتقد الباحث أن تحقيق المناط في البعدين السابقين المرتكزين على أن البحث الاجتهادي في علم الكلام يتوخى تعزيز ثوابت العقيدة، وبالتالي فإن الآليات المستعملة في الاستدلال تبقى في حدود النسبية البشرية قابلة للصواب ومعرضة للخطأ، وباستحضار هذين البعدين، يمكن التخفيف من حدة الخلاف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق