مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام

الدكتور محمد إكيج: “تكامل الأدوار بين الرجل والمرأة في التشريعات المغربية: الواقع والمأمول”

إعداد: دة. نادية الشرقاوي

 

 

 

في سياق سلسلة المحاضرات العلمية الشهرية التي ينظمها مركز الدراسات النسائية، استقبل المركز فضيلة الدكتور محمد إكيج ليحاضر في موضوع له أهميته الكبيرة في المناقشات العامة، ويتعلق الأمر بـ””تكامل الأدوار بين الرجل والمرأة في التشريعات المغربية: الواقع والمأمول“.

في البداية، بيَّن المحاضر أن موضوع “الرجل والمرأة” يتم تداوله من خلال ثلاثة دوائر: دائرة الصراع ودائرة التنافس والدائرة الأخيرة دائرة التكامل والتعاون التي تفسح المجال للجميع للتنافس الايجابي دون التحول عن المسارات الطبيعية التي تخالف سنة الله في الخلق والكون.

يحفل القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة بالعديد من التوجيهات الأخلاقية والقيمية التي تحث على التعاون على البر والتقوى، وبذل الخير والمعاشرة بالمعروف ونبذ الشقاق والنهي عن الإضرار بين أفراد المجتمع عموما وعناصر الأسرة على وجه الخصوص.

ويؤكد فضيلته على أن التشريعات الإسلامية مليئة بهذه التوجيهات التي تؤطر علاقة الرجل بالمرأة، وسيرة النبي الكريم وسلوكه كان يقوم على أساس هذا التكامل في الأدوار، فمن الناحية الأخلاقية ومن الناحية التشريعية هذا أمر موجود ولا جدال فيه، وانسجاما مع هذا المنطق في الجانب القانوني والتشريع المغربي، لأن الغاية الأولى أساسا من التشريع هي حفظ وحماية حقوق المواطنين داخل المجتمع، والغاية الثانية هي إنصاف المظلوم وانتصاف الظالم.

فهل هذه المساواة تقوم على أساس الندية والمساواة المطلقة؟

أم هي مساواة تكامل وتعاون في الأدوار؟ 

 

 

 

 

في هذا السياق يحيل فضيلة الدكتور محمد إكيج إلى النظر إلى أول نص بهذا الخصوص وهو نص الدستور المغربي لسنة 2011، الذي ركز على مبدأ المساواة بين المواطنين، فثلاث فصول جاءت تحت مسمى:”المواطنين والمواطنات” والفصل الرابع جاء بمسمى “المساواة بين الرجل والمرأة”.

الدستور كنص عام يؤكد على مسألة المساواة 

على مستوى النص الخاص يقدم المحاضر مجموعة من النصوص القانونية، أبرزها نص مدونة الأسرة، فعلى أول مستوى، تنص المدونة على أن رعاية الأسرة لم تعد حكرا على الرجل فقط، وإنما كل مكونات الأسرة، فبعد أن كانت تتحدث عن حقوق الرجل وحقوق المرأة، صارت تتحدث باسم الحقوق الواجبة والمتبادلة، فبدل منطق القوامة الذكورية صارت تتحدث بمنطق الشراكة الأسرية، ومن ذلك مثلا:

ما نصت عليه المدونة بخصوص المساكنة الشرعية بما تستوجبه من معاشرة زوجية وعدل، وإحصان كل منهما وإخلاصه  للآخر بلزوم العفة وصيانة العرض والنسل، والمعاشرة بالمعروف، وتبادل الاحترام والمودة والرحمة والحفاظ على مصلحة الأسرة، لكن أغلب ما نجده في مجتمعنا خلاف ذلك، لأنه يعود أساسا لثقافة الغلو والتشدد الدخيلة على مجتمعنا، والتي تمرر مجموعة من الخطابات الخاطئة، فحين يكون الخلط على مستوى المفاهيم الدينية والتمثلات الاجتماعية تتحول الأسرة إلى نكد.

ما نصت عليه المدونة بخصوص تحمل الزوج والزوجة مسؤولية تسيير ورعاية شؤون البيت والأبناء، وهي مسألة مهمة، فالمقتضى التشريعي صار يقر بإنفاق المرأة، بدل ما هو متداول مجتمعيا بخصوص إنفاق الزوجة الذي لا يعترف به.

ما نصت عليه المدونة بخصوص التشاور في اتخاذ القرارات المتعلقة بتسيير شؤون الأسرة والأطفال وتنظيم النسل.

أما على مستوى الولاية الشرعية على القاصرات ، فقد نصت المادة 236 من المدونة على أن “الأب هو الولي الشرعي على أبنائه، ما لم يجرد من ولايته بحكم قضائي“، وأن للأم صلاحية القيام بالمصالح المستعجلة لولدها في حالة حصول مانع للأب، كالوفاة مثلا أو الغياب الطويل الأمد أو الغياب الاضطراري بسبب العمل في الخارج مثلا أو بعيدا عن محل تواجد القاصر أو بسبب فقدان الأهلية بحكم قضائي، لكن للأسف لازال هناك جهل كبير بهذه المعطيات، ولا توجد مواكبة نوعية للمستجدات التشريعية.

وبخصوص حضانة الأبناء، فالمدونة حسمت في مستحقي الحضانة، وبعد سن 15 سنة للمحضون أن يختار العيش مع أحد والديه، وهذا أيضا مكتسب بالنسبة للمرأة المغربية، فقد حددت المدونة في المادة 171 مستحقي الحضانة كما يلي: ” تخول الحضانة للأم، ثم للأب، ثم لأم الأم، فإن تعذر ذلك فللمحكمة أن تقرر بناء على ما لديها من قرائن إسناد الحضانة لأحد الأقارب الأكثر أهلية…”، فالمادة صريحة في منح الأسبقية في الحضانة للأم.

في جانب آخر وهو المسؤولية المدنية ومن خلال مجموعة من القوانين، نجد حقوقا مشتركة للرجل والمرأة، فمثلا التصريح بالأبناء لم يعد محصورا في اختصاصات الزوج فقط، وإنما للزوجة أيضا في غضون الأجل المحدد، وهنا يظهر أن هذه الحقوق المدنية، لم تعد ممارستها حكرا على الذكور دون الإناث، بل يتكامل فيها الطرفان حسب الظروف والأحوال التي قد تحيط بوقائع الولادة والوفاة، والتي تستوجب عدم التقاعس في القيام بها لعلة من العلل القاهرة أو المفتعلة.

في المسؤولية الجنائية بين الرجل والمرأة، لا تقتصر مسؤولية الآباء والأمهات، على تحمل المسؤولية المدنية وحسب، بل تتعداه إلى تحمل المسؤولية الجنائية عند حدوث أي ضرر من شأنه أن يعرض حياة الأبناء للخطر سواء كان هذا الطفل تحت رعايتهما معا أو تحت رعاية أحدهما دون الآخر، وهنا نجد النصوص التشريعية لا تميز  بين الأبوين، على عدة مستويات، كإلحاق أضرار مادية بالطفل، أو مسؤولية كلا الأبوين في تسليم الأطفال للتسول، مع أنه للأسف لا تفعل هذه القوانين.

وليبين المكتسبات الجديدة التي تحقق مسألة المساواة بين الرجل والمرأة في هذه الجوانب القانونية، قدَّم فضيلة الدكتور مجموعة من النصوص القانونية والأمثلة الواضحة.

علاقة مدونة الأسرة بالشريعة الإسلامية

هل هو جهل أم اتهام للمدونة بعدم المشروعية؟ 

في الأخير أكَّد فضيلة الدكتور محمد إكيج على أمر مهم يُعد من العقبات المطروحة أمام هذه المكتسبات، إذ لازال الكثير ممن لم يستوعبوا أن مدونة الأسرة مستمدة من الشريعة الإسلامية، يروجون لخطاب ديني لا ينسجم مع مقتضيات المدونة، مع أن مدونة الأسرة مستمدة من الشريعة الإسلامية.

 

 

نشر بتاريخ: 09 / 03 / 2018

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق