مركز الدراسات القرآنية

الدراسات القرآنية في الجامعات المغربية: الواقع والآفاق

في إطار أنشطته العلمية والفكرية، افتتح مركز الدراسات القرآنية بالرابطة المحمدية للعلماء أشغال “منتدى الدراسات القرآنية” بمحاضرة علمية في موضوع: “الدراسات القرآنية في الجامعات المغربية: الواقع والآفاق”، ألقاها فضيلة الدكتور أحمد نصري حفظه الله، رئيس شعبة الدراسات الإسلامية، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، بجامعة الحسن الثاني ـ بالمحمدية، وذلك يوم الثلاثاء 23 أبريل 2013م، بمقر مركز الدراسات القرآنية، شارع فال ولد عمير، أكدال، الرباط ـ المملكة المغربية.

وقد ارتأى مركز الدراسات القرآنية بالرابطة المحمدية للعلماء أن يجعل افتتاح أشغال منتدى الدراسات القرآنية في موضوع واقع الدراسات القرآنية بالجامعة المغربية،، بناء على الاهتمام والتفاعل الذي أبداه عدد من الباحثين والدارسين والطلبة المشتغلين بالدرس القرآني، من خلال الاستطلاع الذي أجراه مركز الدراسات القرآنية بالرابطة المحمدية للعلماء على صفحته بالموقع الاجتماعي (الفايسبوك).

ويعد المنتدى فضاء علميا يسعى إلى ترشيد البحث الأكاديمي في مجال الدراسات القرآنية، وتعميق البحث في المحددات القرآنية المنهجية من جمع بين القراءتين، وحاكمية القرآن، ووحدته البنائية، وعربية القرآن، وختم النبوة وعالمية الرسالة، وشرعة التخفيف والرحمة ورفع الحرج والتصديق والهيمنة القرآنيين، والاستيعاب والتجاوز …

 وسيدأب مركز الدراسات القرآنية على تنظيمه بصفة منتظمة بمقر مركز الدراسات القرآنية، متناولا في كل شهر موضوع من المواضيع المتعلقة بالدراسات القرآنية، في انتظار أن يعرف تطورا في المستقبل ليشمل جميع الباحثين والمهتمين بالدراسات القرآنية في مختلف بقاع العالم.

وقد استُهل هذا اللقاء العلمي بآيات بينات من الذكر الحكيم تلاها على مسامعنا ذ. رضوان غزالي، بعد ذلك أخذ الكلمة فضيلة الدكتور محمد المنتار حفظه الله، رئيس مركز الدراسات القرآنية بالرابطة المحمدية للعلماء، وأشار في البداية إلى أن اختيار موضوع: ” الدراسات القرآنية في الجامعات المغربية: الواقع والآفاق”، مفتتحا لهذا المنتدى بالتنسيق مع فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد نصري حفظه الله يعد بداية حقيقية من أجل تتبع ومواكبة قضايا الدراسات القرآنية في مختلف المجالات.

مشيرا في هذا الصدد إلى أن المنتدى يسعى في المسقبل القريب إلى جمع ثلة من الباحثين في الدراسات القرآنية من داخل المغرب وخارجه إن شاء الله.

وأعرب د. محمد المنتار على أن المنتدى “سينطلق انطلاقة علمية منهجية ربانية متأنية، فيها شيء من الاستقراء التام والمسح التام، وكلاهما سيؤهلان إن شاء الله هذا المنتدى، ومشاريع المركز” لأن تكون منارات هادية للباحثين والمهتمين بمجال الدراسات القرآنية.

وفي كلمة لفضيلة الدكتور أحمد نصري حفظه الله، رئيس شعبة الدراسات الإسلامية، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، بجامعة الحسن الثاني ـ بالمحمدية،، عبر عن سعادته البالغة، لتواجده بين ثلة من الباحثين والطلبة، بمقر المركز.

وارتأى المحاضر الحديث في هذا اللقاء الأول عن “الدراسات الاستشراقية للقرآن الكريم: الواقع والآفاق” مع رصد واقعها وآفاق دراستها، على أن يعقب ذلك بمحاضرات متممة لها في مجال الدراسات القرآنية عامة.

وأشار إلى أن “الدراسات الاستشراقية تحتل جانبا هامشيا من التفكير والبحث العلمي لدى طلبتنا في الجامعات المغربية بالخصوص” مضيفا بأن “الطاقات العلمية الفردية والجماعية توجه نحو تقويم مناهج المفسرين والدراسات الاصطلاحية” متناسين “أن مجال الدراسات القرآنية، ليس حكرا على طلبة العلوم الشرعية واللغوية فحسب” بل “هناك جهود أخرى تبذل في هذا الصدد من طرف المستشرقين من أجل معرفة مصدر الدين الإسلامي”.

مضيفا بأن الأمة الإسلامية في أشد الحاجة إلى الشرعة المنهاج، وإذا كان الأمر كذلك فإن أول معالجة لواقع الدراسات الاستشراقية للقرآن الكريم، تكمن في حسن تشخيصه، ولادة وشكلا وتطورا.

وفي سياق حديثه عن تشخيص واقع البحث العلمي في الدراسات القرآنية بالغرب، اشترط في الباحث الجاد مواكبة سرعة الإنجاز وملاحقة مواقع البحث في الدراسات القرآنية، متحملا بوعي واستيعاب وثبات العديد من العقبات، في مقدمتها الافتقار لمرصد أو قاعدة بيانات حول الدراسات التي أنجزت في الغرب عن القرآن الكريم.

مضيفا في نفس السياق أن “اقتحام عقبات تشخيص واقع الدراسات القرآنية بالغرب، يجعل معالجة هذا الواقع مما أنتجه المستشرقون محورا هاما في خطة عمله قصد تمهيد السبيل بمؤازرة كل تواق للمساهمة في جهود صياغة دور فعال ومؤثر للبحث العلمي خاصة، في هذا الحقل، بل يسعى لإيجاد صيغ للعمل الجماعي الموجه، نحو تطوير مناهج البحث في الدراسات القرآنية”.

ويضيف بأن الغاية من تشخيص وتحليل واقع الدراسات القرآنية هو توفير مادة علمية تنظيرية وتحليلة يمكن البناء عليها للمزيد من الأبعاد العلمية من جهة والاستفادة منها في معالجة علمية وميدانية للتمكن من استشراف واع ومحكم لمستقبل الاستشراق.

ففضيلته ينطلق من العزم على عدها جزءا من البناء المنشود، الذي تم تحصيله ويطمع بما تحصل له من دراسات وأبحاث في أن يساهم في سد فراغ مهول في هذا الجانب متوجها إلى عموم الباحثين، في هذا المجال ليثير فيهم عزيمة الجد والتجديد بروح بناءة وعقلية مستنيرة ومحفزة لهم بالانكباب المتواصل على صيانة كلام الله عز وجل عن الاستخفاف به وصيانته أيضا من كل باطل بإظهاره ودحضه وسعيا لتبليغ رسالته وتحقيق مقاصده.

بعد ذلك تطرق فضيلة د. أحمد نصري حفظه الله  للجهود الجبارة التي بذلها المستشرقون من حيث ما أبدعوه في مجال الدرسات القرآنية إن على مستوى التأليف، أو التحقيق، أو الفهرسة أو الترجمة.

وفي مجال الترجمة تطرق إلى الترجمات التي أنجزت في هذا الصدد بإيعاز من الكنيسة الكاثوليكية في شخص رئيس الدير الراهب بطرس المحترم في عام 1141م بدير كلوني بفرنسا، فكانت أول ترجمة لاتينية، تصدر عام 1143م، على يد الراهبين روبرت كيتون الإنجليزي وهرمان الدالماتي الألماني، لتظهر ترجمة ثانية للقرآن الكريم سنة 1543م، التي تزامن خروجها مع آلة الطباعة ، ثم تتالت الترجمات ، محرفة الكثير من معاني القرآن الكريم.

وفي مجال التأليف أورد مجموعة من الكتب، التي كتبت حول القرآن الكريم، منها: ـ كتاب اشتقاق لفط القرآن للمستشرق الألماني يوزف هوروفيتش، ومدخل نقدي لتاريخ القرآن، لكوستاف فايل، تاريخ القرآن، لفلهاوزن، الذي وضع فيه أسس البحث العلمي للدراسات القرآنية، وكتاب حروف النفي في القرآن الكريم، لبيرجستر، وهو في أصله رسالة لنيل دكتوراة سنة 1911م، ومعجم تراجم القراء وتراجمهم لنفس المؤلف، وتاريخ القرآن، تيدور نولدكه…

بالإضافة إلى بحوث لمستشرقين اِنجليز ذات قيمة وإضافة منها:

ـ بحوث جديدة في نظم القرآن وتفسيره للمستشرق هوشفيلد.

ـ مقاصد القرآن الكريم: لمرما دوك، 1930م.

ـ طابع الإنجيل في القرآن، لِـوُلكر، طبع سنة 1931م، يبحث عن أصول اِنجيلية في القرآن…

ومن ناحية النشر فقد عكفوا على نشر كتاب فضائل القرآن لأبي عبيدة ومعاني القرآن لابن منظور وتعليل القراءات السبع للشيرازي وغيرها …

كما قدموا جهودا جبارة في مجال الفهرسة؛ فهرسة القرآن الكريم وتفاسيره وعلومه، ككتاب كارل بروكلمان مستعينا بما قام به براجستر في كتاب تاريخ القرآن، وقام ويليام بادويل، بتقديم فهرس للقرآن باللغة التركية مع تفاسير عديدة، وكذلك صوري عندما وضع فهرسا بأدب القرآن بمكتبة ديوان الهند بلندن.

وأوضح بأن هذه الأعمال وغيرها، تنيط اللثام عن الجهود الجبارة التي قام بها الاسشراق الأروبي تأليفا وتفسيرا، فهرسة وتحقيقا، صونا للمكتبة القرآنية، بل سبقا كما الشأن بالنسبة لكتاب ـ نجوم الفرقان في أطراف القرآن للمستشرق كوستاف فلوجل (gustavus flügel)، وهو فهرس مرتب على حروف المعجم للكلمات الواردة في القرآن الكريم.

وفي مجال التحقيق، عكف المستشرقون على تحقيق مجموعة من الكتب، منها غاية النهاية في طبقات القراء، لابن الجزري، والقراءات الشاذة، وشهادة القرآن لكتب أولياء الرحمن…مؤكدا في هذا السياق أن الكثير من المخطوطات لم تعرف النور إلا على أيدي هؤلاء المستشرقين.

وشمل اهتمام المستشرقين على اختلاف أجناسهم، إصدار مجلات منها آسيوية وفرنسية وإنجليزية وألمانية ونمساوية وإيطالية وأمريكية، لم تترك بابا إلا قرعته، ولا بحثا إلا طرقته، فذكر منها:

ـ مجلة العالم الإسلامي التي صدرت عن البعثة العلمية الفرنسية وتحولت فيما بعد إلى مجلة الدراسات الإسلامية ثم إلى المجلة الآسيوية، والمجلة الشرقية الأمريكية…

وقد عدّد فضيلته المجلات والدوريات التي تشتغل على القرآن الكريم في موضوعات مختلفة عامة وخاصة، فأوصلها إلى ثلاثمائة ونيف مجلة.

وفي ختام كلمته أكد على أن أنشطة المستشرقين وأعمالهم على مدى تاريخ طويل، تشكل في مجموعها كيانا استشراقيا متكاملا، فالتدريس الجامعي وجمع المخطوطات وفهرستها وتحقيقها ونشرها وترجمتها عن العربية إلى مختلف اللغات الأروبية ثم التأليف في شتى مجالات المعرفة القرآنية، يعتبر خدمة جليلة للتراث العربي الإسلامي، استفاد منه علماؤنا وباحثونا، فأضافوا عليه إنتاجات قيمة، من أمثال عبد الرحمن بدوي ونجيب عقيقي، ومصطفى السباعي، وغيرهم…

وعلاقة بموضوع المحاضرة الافتتاحية أوضح د. محمد المنتار أن هذه المحاضرة المباركة “وضعت خارطة لنشأة الاستشراق وأهم مدارس الاستشراق وجهودها المبذولة في هذا الباب، من تأليف وترجمة وتحقيق وفهرسة، وهو جانب من جوانب الدراسات القرآنية” التي لاشك ستعين الباحثين على وضع تصور عام عن حركة الاستشراق منذ بداياته إلى الآن؛ تأليفا وترجمة وفهرسة وتحقيقا، معربا عن أن أمله في أن تكون هذه المحاضرة فاتحة لمواضيع أخرى سيتطرق لها المنتدى بإذنه تعالى خلال الأشهر القادمة.

وقد تخللت هذه المطارحة العلمية إضافات وتعقيبات، أثرت النقاش الدائر حول واقع وآفاق الدراسات الاستشراقية بالجامعة المغربية.

إعداد: ذ.محمد لحمادي
مركز الدرسات القرآنية

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق