الرابطة المحمدية للعلماء

الإعلان عن “نداء المواطنة” في اختتام اللقاء الدراسي حول المواطنة والسلوك المدني بمجلس المستشارين

أكد الأستاذ أحمد عبادي الأمين العام  للرابطة المحمدية للعلماء على أهمية موضوع “المواطنة والسلوك المدني”، وذلك أثناء مشاركته في الندوة العلمية التي نظمها مجلس المستشارين يوم الأربعاء 27 فبراير بالرباط، تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده٬ حول موضوع “المواطنة والسلوك المدني” بمشاركة وزراء ورؤساء مؤسسات دستورية وفاعلين جمعويين وخبراء..

وقد جاء هذا اللقاء لمناقشة القضايا ذات البعد الاستراتيجي، ولتكريس الديمقراطية التشاركية، التي تبتغي مساهمة مختلف الفاعلين السياسيين والمدنيين والمؤسساتيين في النقاش العمومي الذي يحتضنه ويرعاه البرلمان بصفة عامة.

إن راهنية موضوع “المواطنة والسلوك المدني” وحيويته بالنسبة لمستقبل المشروع المجتمعي المغربي، الذي يقوده صاحب الجلالة الملك محمد السادس، هو ما دفع الغرفة الثانية لاختيار هذا الموضوع، الذي يروم المنظمون منه إثارة انتباه المواطن إلى قيم المواطنة المنفتحة على القيم الكونية وتملكه لأدوات تجسيدها في سلوكه اليومي، وذلك عبر فتح حوار بين كل القطاعات والهيئات والمنظمات الوطنية، وعبر الاطلاع على بعض التجارب الدولية في هذا المجال.

وقد بحث المشاركون في هذه الندوة الوسائل الكفيلة بمقاربة الموضوع من زوايا مفاهيمية وتشريعية وسياسية وحقوقية وثقافية وتربوية وسوسيولوجية وأخلاقية لبلورة نظرة متكاملة تتخطى الالتباس الذي يلف هذين المفهومين وتسمح برؤية أوضح كفيلة بإمداد المؤسسة التشريعية بتحليل دقيق ومعطيات وأفكار بمثابة سند فكري وعلمي لعملها التشريعي في هذا المجال.

كما ساهم هذا اللقاء في وضع خطة تشاركية ومتقاسمة قصد الدفع بدينامية أوسع ونجاعة أكثر لمواصلة ترسيخ مقومات مجتمع المواطنة والسلوك المدني.

في كلمة بالمناسبة أكد الأستاذ محمد الشيخ بيد الله رئيس مجلس المستشارين أن موضوع “المواطنة والسلوك المدني” متجدد ودائم الراهنية، وبقدر ما يسائل الجميع اليوم دولة وحكومة ومؤسسات منتخبة وهيآت سياسية ونقابية وثقافية وتربوية ووسائل سمعية وبصرية ومكتوبة كافة الأسر وجميع المواطنات والمواطنين.. وقد أبدى رئيس مجلس المستشارين عن أمله في أن يتمكن هذا اللقاء من إثراء النقاش الديمقراطي وطرح الأفكار والاقتراحات البناءة٬ التي ستساهم بقدر كبير في تنظيم التفكير المعزز بوجهات النظر المختلفة٬ واستكشاف مداخل عمل استشرافية..

وأضاف أن الهدف من اللقاء هو إيجاد إجابات لتساؤلات كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر؛ “أي دور للفرد وأية مسؤولية للمجتمع ومؤسساته في تنمية فضائل السلوك المدني وقيم المواطنة؟” و “ماهي رهانات ترسيخ قواعد السلوك المدني وقيم المواطنة في سياق تحديات مجتمع يتغير؟” و “أية أدوار للشراكة مع الهيآت التربوية والتأطيرية٬ ومع منظمات المجتمع المدني في تنمية فضائل السلوك المدني وقيم المواطنة؟”

أما رئيس مجلس النواب الأستاذ كريم غلاب فقد أكد اقتناع الجميع بأن الاستقرار لا يتحقق إلا بالإحساس بالمواطنة في ظل شرعية وطنية ملموسة وحقيقية يؤسسها الانخراط في الإصلاحات السياسية والدستورية٬ وتوسيع المشاركة السياسية٬ وترسيخ الديمقراطية على مستوى المؤسسات والتوافقات والالتزامات والعلاقات المتوازنة بين مختلف السلط.

وأبرز كذلك أن المواطنة هي أساس الترابط الاجتماعي وليست فقط حقوقا وواجبات مدنية وسياسية ينظمها القانون٬ وبالتالي تكاد تكون أحد مبادئ الشرعية٬ مما يسمح بحياة جماعية منسجمة ومستدامة.

وأعقب الجلسة الافتتاحية الجلسة الأولى التي ترأستها الأستاذة رجاء المكاوي تحث عنوان “قيم المواطنة والسلوك المدني بين دور الفرد ومسؤولية المجتمع ومؤسساته” والتي عرفت تقديم مقترحات وتصورات وأدوار كل طرف في تأهيل المجتمع ونشر وترسيخ ثقافة الديمقراطية وتفعيل الإصلاحات الدستورية والسياسية الكبرى التي انخرط فيها المغرب.

وفي هذا الاطار أبان وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الأستاذ أحمد التوفيق في مداخلته أن تجسيد قيم المواطنة بين الشريعة والقانون يظهر واضحا في منظور الأعراف والتقاليد..فللمجتمع المغربي مرجعية في الحقوق والسلوك تتمثل في الشرع والعرف. كما تساءل عن الحاجة إلى ترسيخ سلوك المواطنة، هل تمليها ضرورة ما كالملاءمة الشكلية مع المفاهيم الكونية الحديثة أو الاختلاف في الطبيعة بين المرجع الأصيل والحديث.

كما استحضر الوزير في هذا الصدد الركائز التي تقوم عليها هذه المرجعية الحضارية الناظمة للسلوك من خلال الإشارة إلى ثلاثة عناصر تتعلق بالحق وبالوازع وبما يعرف في التراث بشُعب الإيمان مضيفا أنه فيما يتعلق بالحق فقد ميز العلماء بين حقوق الله وحقوق العباد وعرفوا أن هذه الأخيرة لا تسقط عمن ترتبت عليه إلا بأدائها في حين يعد الوازع الخيط الناظم الموجه للسلوك، أما شعب الإيمان فبعضها مبدئي يتعلق بالمعتقد والواجب وبعضها يتعلق بالحقوق إزاء الغير.

أما الأستاذ الحبيب الشوباني الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني فقد أكد على دور النخب التي اعتبرها تتحمل مسؤولية لجبر الضرر الجماعي علن ضمور قيم المواطنة والسلوك المدني مشيرا إلى أنه ” لا وجود لمواطنة في ظل طغيان الفساد”. وأضاف أن الخصاص الحاصل لدى المواطن في الشعور بقيم المواطنة ناتج على كل السلوكات التي تسيء إليه من قبيل طغيان الأنانيات ومظاهر الغش والاختلاس وكل مظاهر الفساد وأن مسؤوليته تقع على عاتق النخب والمؤسسات سواء تعلق منها بمصداقيتها وفعاليتها أو بالسلوك المدني لتلك المؤسسات.

من جانبه أفاد الأستاذ محمد أمين الصبيحي وزير الثقافة أن الحديث عن المواطنة في السياق التاريخي الذي يمر به المغرب يكتسي أهمية خاصة نظرا للتحولات والإصلاحات التي باشرتها المملكة والتي توجت باعتماد دستور جديد مؤكدا على أن ترسيخ قيم المواطنة يعتبر رهانا مجتمعيا يهم كل القطاعات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والأفراد ومشيرا إلى أن كل الفاعلين معنيين بالإسهام الفعلي في بلورة إستراتيجية تكون محفزة للسلوك ومنتجة للقيم.

ولتعزيز دور الثقافة في ترسيخ قيم المواطنة وتهذيب سلوك الأفراد فقد أعدت الوزارة يضيف الأستاذ الصبيحي في إطار برنامج عمل قطاعي متعدد المجالات وذلك من أجل رفع ستار النخبوية على الثقافة وجعلها فعلا مجتمعيا يهم الجميع وكذا جعل الثقافة رافعة للتنمية والتقدم.

أما وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر الأستاذ لحسن الداودي فقد شدد على الأهمية القصوى لبناء المواطن الصالح وكذا على أن الانخراط في العولمة اليوم يتعين أن يتم بالعلم وبالواجبات مضيفا أن الديمقراطية الاقتصادية تعتبر اليوم عنصرا أساسيا في بناء المواطن المتشبع بقيم المواطنة والسلوك المدني .

وتطرق للعلاقة العضوية التي تجمع بين الحقوق والواجبات والسلوك المدني وكذا للمجالات الواسعة التي نص عليها الدستور بغية انخراط المواطن في تأطير القوانين والمؤسسات.

كما أجمع ممثلو كل من وزارة التربية الوطنية ووزارة العدل والحريات ووزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية والمندوبية الوزارية لحقوق الإنسان وكذا مؤسسة الوسيط أن إعمال مقاربة تشاركية ومندمجة من أجل الحفاظ على قيم المجتمع من شأنها تعزيز انتماء المواطنين وبناء فرد واع بحقوقه ومؤمن بمبادئ العدالة.

أما رئيسة المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري الأستاذة أمينة المريني الوهابي فقد أكدت على أهمية مفهوم المواطنة الديمقراطية التي تحيل على الوعي النقدي للمواطنين وإدراكهم بحقوقهم والتزاماتهم وبناء مواقف وسلوكات تجاه الذات والآخر، مبرزة ضرورة الحرص على التوفيق بين الحرية والمسؤولية والعمل على النهوض بالتربية الإعلامية لتنمية الحس النقدي لديهم بخصوص المضامين المقترحة عليهم.

كما نوه الأستاذ جيل بارنيو نائب بالبرلمان الأوروبي بالمسيرة التنموية التي يعرفها المغرب، والذي أسس للديمقراطية التشاركية وعمل على تثبيت قيم المواطنة والحس المدني وكذا بمسلسل إصلاح منظومة العدالة والقضاء…

 أما الجلسة الثانية التي ترأسها الأستاذ إدريس اليزمي رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان فقد عالجت “تحديات مجتمع يتغير ورهانات تنمية المواطنة والسلوك المدني”، وقد بين الأستاذ عبد اللطيف المودني الأمين العام للمجلس الأعلى للتعليم في كلمته أن المواطنة هي نسق قيمي تقوم على الموازنة بين التمتع بالحقوق والالتزام بالواجبات، وأن السلوك المدني هو أحد أركان المواطنة.. كما حددت الأستاذة رحمة بورقية المواطنة بأنها استبطان لشعور واع وإرادي للفرد في المجتمع ومدى انتمائه إليه، وأن المواطنة هي عنصر أساس في بناء دولة الحق والقانون، وأنها يجب أن تخترق كل عناصر النظام التربوي والتعليمي..

وفي مداخلته أكد الأستاذ أحمد عبادي الأمين العام  للرابطة المحمدية للعلماء في كلمته الدور الهام الذي يحتله موضوع اللقاء “المواطنة والسلوك المدني”، وأبرز في كلمته دور الأسرة باعتبارها خلية أولى لتشكل القيم والسلوكيات، والتي تخضع لجملة من الروابط ومن العلائق التشكيلية لما يمكن أن يسمى تربويا “سلسلة الإدراك”، سواء كان الإدراك لما هو موجود عينيا ونقله إلى الوجود الذهني المعرفي ثم الوجود التواصلي سواء كان شفهيا أو كتابيا أو افتراضيا رقميا.. وأضاف الأستاذ عبادي أن هذه الشبكة تخضع لجملة من الانكسارات المعرفية، مما يستوجب إعادة النظر في مفهوم “النحن” باعتباره ضمير الجماعة، حيث يستدعي تدخل مختلف الجهات من أجل إعادة هذا النحن وتأثيثه وهيكلته بحسب القوانين والمؤسسات وفي مقدمتها الدستور.. ومن تم؛ فإن الاجتهاد بخصوص شبكة التصورات يعتبر عملا علميا وتربويا ومؤسساتيا جوهريا ينبغي العناية به لأنه يمكن أن يجدد الفهم تجاه العقيدة والسلوك وربطهما بتحديات السياق المعاصر..

 أما الجلسة الثالثة فقد ناقشت موضوع “الشراكة رافعة أساسية لتنمية قيم المواطنة والسلوك المدني”٬ والتي عرفت تدخل فعاليات المجتمع المدني.. واختتم اللقاء بإصدار “نداء المواطنة” الذي سنعود لتفاصيله في موضوع لاحق بحول الله تعالى.

عزيزة بزامي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق