مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية

أبو علي الحسن اليوسي في مركز ابن أبي الربيع السبتي التابع للرابطة المحمدية للعلماء بتطوان

دشن مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات والبحوث اللغوية والأدبية التابع للرابطة المحمدية للعلماء بتطوان نشاطه المنبري بمحاضرة عنوانها:

 (كتاب “المحاضرات” لأبي علي الحسن اليوسي بين النمطية والخصوصية).    ألقأها فضيلة د. محمد الأمين المؤدب، رئيس شعبة اللغة العربية بكلية الآداب/ جامعة عبد المالك السعدي ـ تطوان.

 

  ابتغاء تجلية سمات النمطية والخصوصية في “محاضرات” أبي علي اليوسي، انطلق المحاضر من ضبط مفهوم “المحاضرة” من خلال تتبع صيغ وروده في المصادر الأدبية واللغوية القديمة، وكتب تصنيف العلوم، مما يسر رصد تجليات تطوره في الحقول المعرفية التي احتضنته.

  ثم انتقل إلى إبراز أهم سمات وخصائص “المحاضرة” استنادا إلى المصادر التي اتخذتها عنوانا، أو التي انطوت على تحديد مؤلفيها لمفهوم معين لها.


   وبعد ذلك توقف مليا عند “محاضرات” اليوسي لتبيين مدى التزامه بالسمات التي حفلت بها كتب من سبقه في هذا المضمار، فبين التقاءه معها من حيث المادة المبثوثة فيها(الحكم، الأمثال، الأخبار، الأشعار…), معتبرا ذلك ممثل الجانب النمطي في الكتاب، ثم أشار إلى تميزها عنها من حيث البناء والاستثمار، فقد بنى اليوسي عمله على الشعر منذ البدء إذ لم يورد بيتا شعريا إلا شرحه شرحا وافيا ضمنه فوائد لغوية ونظرات نقدية، ثم ختمه بفهرسة ترجم فيها لنفسه وشيوخه أسوة بعلماء الحديث، معتبرا هذا النهج الطريف عنصر الخصوصية لدى اليوسي.

  وخلص إلى القول إن اليوسي أكد بكتابه هذا أنه ـ بحق ـ نادرة عصره كما وصفه عبد الحي الكتاني في فهرسه.


  وغب المحاضرة، جرى نقاش مثمر أسهم فيه الحضور باستفسارات وجيهة وملاحظ دقيقة، رد عليها د. المؤدب بصدر رحب.

 وتميز النشاط بحضور علماء أجلاء في مقدمتهم فضيلة العالم د. حسن الوراكلي، ود. محمد الراوندي عضو المجلس العلمي الأعلى، والأستاذ د. جمال علال البختي رئيس مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات العقدية، وأساتذة من كلية الآداب بتطوان، منهم: د. جعفر بلحاج السلمي، ود. نزار التجديتي، ود. محمد الشريف، إضافة إلى باحثين مهتمين بالتراث المغربي ـ الأندلسي.

 وقبيل ذلك، كان الافتتاح بآيات بينات من سورة “الفتح”، وكان تقديم رئيس المركز د. محمد المعلمي للمحاضرة بكلمة ضمنها ثلاث إضاءات:

الأولى همَّت شخصية المحاضَرة؛

والثانية خصت شخصية المحاضِر؛

والثالثة عنَت كتاب المحاضرات.

 

فأما شخصية المحاضرة فالمقصود بها علامةَ المغرب أبو علي الحسن اليوسي. الذي رأى نور الحياة سنة 1040هـ بقرية (تمزيزت) جوار بلدة صفرو القريبة من حاضرة فاس. وأفل نجمها بعد العودة من الحج يوم الثالث والعشرين من ذي الحجة سنة اثنتين ومائة وألف (1102هـ).

وخلال هذه العقود الستة عاش الرجل رحلات كثيرة:

-منها رحلاته في طلب العلم بدأت من كتاب القرية إلى مراكز علمية أخرى منها بصفة خاصة الزاوية الناصرية حيث نهل من حياض شيخه أبي عبد الله محمد بن ناصر الدرعي، والزاوية الدلائية حيث أخذ عن شيخها أبي عبد الله محمد المرابط الدلائي.

-ومنها رحلاته ابتغاء نشر العلم وتدريسه للطلبة فحط عصا الترحال في قرى وحواضر كثيرة من أهمها: فاس حيث تصدر للتدريس في القرويين، ومراكش حيث تصدر لتدريس التفسير في مسجد الأشراف بها حيث مكث في تفسير سورة الفاتحة ثلاثة أشهر كان يبدي في كل يوم أسلوبا وتحريات عجيبة أخذت بألباب الناس، وفي تطوان التي زارها سنة 1083هـ فشارك أهلها صمودهم في مواجهة أطماع البرتغال والإسبان بقصائد جهادية، ومعلوم أن شيخ المدينة ومصلحها الشيخ علي بركة هو أحد تلاميذه وخريج مدرسته العلمية والصوفية.

-ومنها رحلاته في بحار العلم والأدب والفقه والأصول والتفسير والحديث والتربية والشعر، وهي التي خلدها في باقة كتبه نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: القانون ـ حاشية على كبرى السنوسي ـ مشرب العام والخاص من كلمة الإخلاص ـ زهر الأكم في الأمثال والحكم ـ الفهرسة ـ المحاضرات.

-ومنها رحلته إلى البيت العتيق لأداء فريضة الحج التي ما أن عاد منها إلى بلده وأهله وعياله حتى رجعت نفسه المطمئنة إلى ربها راضية مرضية في رحلة الأبد من المكان الفاني إلى المكان الباقي.

وأما شخصية الأستاذ المحاضِِر، فهو د. محمد الأمين المؤدب أستاذ التعليم العالي ورئيس شعبة اللغة العربية بكلية الآداب ـ جامعة عبد المالك السعدي بتطوان. ومنسق ماستر الشعر العربي القديم ومشروع التحول، له كما اليوسي:

رحلات علمية إلى مضمار التحقيق عبر كتابه (إتحاف ذوي الأرب بمقاصد لامية العرب لأبي جمعة الماغوسي) تقديم وتحقيق، صدرت ط1/1977م. ودراسته عن (المركز والهامش في تحقيق التراث) المنشورة في مجلة كلية الآداب بتطوان ع12/2006م.

ورحلات تحليلية إلى شغاف الشعر العربي القديم عبر كتابه(الاتباع والابتداع في الشعر الأموي/ القصيدة المادحة أنموذجا) الصادر ضمن منشورات كلية الآداب بتطوان في سلسلة الأطاريح الجامعية(3) ط1/2002م. وكتابه(في بلاغة النص الشعري القديم معالم وعوالم) الصادر ضمن منشورات كلية الآداب بتطوان. ط1/2010 ودراسته (الشاهد الشعري وإشكال النموذج في الثقافة العربية) الصادرة في مجلة جذور، ع5/2001م. ودراسة (النص الشعري القديم وبلاغة الافتنان) المنشورة في مجلة (الصورة) ع5/2003م. ودراسة (مفهوم الغرض في الشعر العربي) الصادرة في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، المجلد 80/ ع12/2005م.

ورحلات نقدية إلى رياض الشعر المغربي والأندلسي عبر دراسات: (ضوابط فهم الشعر في شرح الأعلم الشنتمري) الصادرة ضمن كتاب (التراث المغربي والأندلسي/ التوثيق والقراءة) منشورات كلية الآداب بتطوان، ندوات4. ودراسة (استصراخ الأندلس في ديوان ابن الأبار) الصادرة ضمن أعمال ندوة ابن الأبار منشورات كلية الآداب بوجدة سنة 2003م. ودراسة (فتح العرائش في الشعر المغربي ـ قراءة في شعر الثغور) المنشورة ضمن مجلة (الهدى) الصادرة عن المجلس العلمي بطنجة، ع1/ دجنبر 2009م.

 

  وهو بهذه الرحلات العلمية الثرة فيما صدر له إلى اليوم، من كتب ودراسات، وعكوف على الدرس الأكاديمي، تدريسا وتأطيرا وإشرافا، يجسد مشروعا علميا مشرفا يشهد له بامتلاك أزمة التحقيق توثيقا، واستثمارا، وممارسة.

 

  وأما كتاب (المحاضرات) فهو كتاب ألفه اليوسي أثناء رحلة طويلة اتفقت له سنة 1095هـ وهو بعيد عن الأهل ينتقل بين الحواضر والبوادي، ذكر فيه فوائد وطرفا وقصائد ونتفا، وذلك مما اتفق له أو لغيره في أيام الدهر من ملح مما ينتقى ويستملح. وسماه بهذا الاسم على حد قوله(ليوافق اسمه مسماه ويتضح عند ذكره معناه، وفي المثل خير العلم ما حوضر به). وعزا الشيخ عبد الحي الكتاني سبب تأليفه في كتابه (فهرس الفهارس) إلى خصومة أشار إليها في معرض تنويهه بالكتاب بقوله:(وكتابه المحاضرات عجيب في بابه، غريب في ترتيبه وأسلوبه، وكأنه في ترجمة نفسه، ألفه بسبب ما كان وقع بينه وبين أبي زيد عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي رحمهم الله لما افتتح التفسير بالقرويين، والكتاب المذكور كاف في معرفة مقدار تصرفه وسيلان قلمه الزاخر).ج2ص469.

   واستثمارا لعطاءات هذا العالم المغربي الفذ الذي نبتت نبعته في تربة الأطلس الشماء، وجال في أشهر مراكز علم عصره، وأفنى حياته متفانيا في خدمة علوم القرآن ولغة القرآن التي أرادها الحق سبحانه لسانا عربيا مبينا،

 

   أبى مركز ابن أبي السبتي التابع للرابطة المحمدية للعلماء إلا أن يكون هذا العلم الجهبيذ ضمن مشاريعه البحثية، ولمزيد من التعمق في فكره واستثماره الاستثمار الذي يكشف عما يزخر به من رؤى وقيم، وإضافات مغربية للثقافة العربية الإسلامية؛ أبى إلا أن يكون فضيلة د. محمد الأمين المؤدب صاحب السبق في إلقاء محاضرة عن هذا الكتاب القيم.

فأهلا به في هذا المَقام للمحاضرة عن “محاضرات” اليوسي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق