مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقدية

مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية يحتفي بيوم المخطوط العربي

بمناسبة يوم المخطوط العربي (الموافق لليوم الرابع من شهر أبريل في كل سنة) نظّم مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية بتطوان (التابع للرابطة المحمدية للعلماء)، ومعهد المخطوطات العربية (التابع للإليسكو) ثلاثة أنشطة علمية وثقافية احتفاء بالمخطوط العربي توزعت ما بين لقاء تكريمي لشخصية علمية خدمت المخطوط تحقيقا ودراسة، وزيارة ميدانية تعرّفية للمكتبة العامة والمحفوظات بتطوان، وندوة علمية تعريفية بأهمية وقيمة الكتاب والمخطوط العربيين لفائدة تلاميذ مؤسسة تعليمية.

النشاط الأول:

في إطار ثقافة الاعتراف، وبالتعاون مع ماستر التربية والدراسات الإسلامية بالمدرسة العليا للأساتذة بمرتيل، استهل المركز أنشطته بلقاء علمي تكريمي تحت شعار “قيم الثقافة وثقافة القيم”، تم فيه الاحتفاء بالمسار العلمي للأستاذ الدكتور جعفر ابن الحـاج السلمي، وذلك يوم الاثنين 4 أبريل 2016 بمقر المدرسة العليا بمرتيل، حيث توزعت أعمال اللقاء على افتتاحية، وثلاث جلسات؛ الأولى خصصت لمداخلتين علميتين، والثانية جُعلت لسماع بعض الشهـادات، والثالثة خُصِّصت لعرضٍ علميٍّ ألقاه الأستاذ الـمُكَّرم في مجال المخطوط بعنوان: “رحلة جعفر ابن الحاج السلمي في التراث: من البحث عن الذات إلى البحث عن الموضوع”، وامتدت هذه الأمسية بحضورها المكثف من الساعة الخامسة والنصف إلى التاسعة ليلا.

افتُـتِح اللقاء بكلمة ترحيبية وعرضية للدكتور جمال البختي رئيس المركز، بسط فيها برنامج الندوة، وألقى رسالة معهد المخطوطات العربية في المناسبة، وانتقل بعد ذلك للتعريف بالمُـكرّم، مركزا على الدواعي العلمية والموضوعية التي جعلته موضع العناية والاحتفاء في هذه اللقاء، فتحدث عن مهـامه الإدراية والمهنية، وعن مساره العلمي الطويل والغني، وعن خدمته المتميزة للمخطوط العربي والمحلي (وهو الداعي الأساس في اختياره لهذا النشاط)، كما فصّل في عرض أعماله التي تنوعت ما بين تأليف وتحقيق ومراجعة وإشراف وترجمة، أعقبتها كلمة احتفاء وترحيب من جانب مدير المدرسة العليا للأساتذة ومنسق ماستر التربية والدراسات الإسلامية ألقاها نيابة عنهمـا الأستاذ سعيد القنطري (الأستاذ بالمدرسة العليا).

بعدها أعطيت الكلمة للدكتور محمد رضا بودشار (الباحث في التاريخ والفكر الصوفي) الذي قدّم قراءة في الكتاب الجماعي:”أقوم منهاج في تكريم جعفر ابن الحاج”، تحدث فيها عن فكرة تأليف الكتاب؛ مناقشا محتوياته التي هي عبارة عن مجموعة أعمال مهداة إلى الـمُكرّم من باحثين من جامعات كبرى ومراكز بحث ومؤسسات من مختلف دول العالم، من المغرب وموريطانيا وفرنسا وإسبانيا وبلجيكا واليابان والولايات المتحدة الأمريكية، ثم تناولت الكلمة الأستاذة إكرام بولعيش (الباحثة في علم الكلام الأشعري) مُركّزة حديثها على بعض ملامح العمل التحقيقي في أعمال الـمُكرم، ومُناقِشة لمعنى التحقيق عنده استنادا على المقارنة بين منهجه ومنهج محققين آخرين، وكاشفة عن بعض خصوصياته ومميزاته التي حددتها في “سماع أهل بلده”، و”تكوينه المعرفي المتنوع” الذي يجمع ضروبا من العلوم الإنسانية والاجتماعية.

وفي جلسة الشهادات تم الاستماع إلى كلمة الدكتور امحمد بن عبود (أستاذ التاريخ بكلية الآداب بتطوان) الذي عدد بعض صفات المكرم الذاتية؛ من تحليه بالصبر، والجدية، والفعالية، والالتزام، والإيمان بالعلم. ومن جهته ضمن الدكتور مصطفى اعديلة (أستاذ اللغة والآداب الإسبانيين بالكلية ذاتها) شهـادته انطباعاته حول أخلاقيات التعاون والعمل الجماعي عند المكرم بحكم إشرافهما على الجمعية المغربية للدراسات الأندلسية بتطوان، وتتبعت الأستاذة حسناء داود (عضو المجلس العلمي بتطوان) في شهادتها المسار التعلمي الأول لتلميذها ابن الحاج في ثانوية الشريف الإدريسي؛ حيث ذكرت مميزاته وتفوّقه على أقرانه، وما كان –وما يزال- يتحلى به من النباهة والتيقظ والفطنة والذكاء والاجتهاد وغيرها من الصفات التي أثمرت عنده شخصية العالم، وفي خصوص نتاجه الأدبي وردت شهادة الدكتور بدر العمراني(رئيس مركز عقبة بن نافع بطنجة) التي تضمنت انطباعات وجدانية حول أشعار وقصائد تراثية عرفها بفضل اعتناء المكرم بها ونشرهـا، والتي دفعته إلى ربط الصلة به من خلال التتلمذ عليه وتتبع أعمـاله، وختم الشهادات الأديبُ قطب الريسوني (الشاعر والأديب وأستاذ الفقه المالكي بجامعة الشارقة) برسالة وجهها إلى المكرم -ألقاها نيابة عنه الدكتور بدر العمراني-، كانت عبارة عن نص أدبي شاعري احتفى فيه بالمكرم معرفا بخصاله العلمية والأدبية والإنسانية.

وبعد المداخلتين العلميتين والشهادات انطلقت أعمال الجلسة الأخيرة التي كانت مخصصة لمحاضرة الدكتور جعفر ابن الحاج السلمي في موضوع “رحلة جعفر ابن الحاج السلمي في التراث: من البحث عن الذات إلى البحث عن الموضوع” عبر فيها ـ ابتداء ـ عن امتنانه وشكره للجنة المنظِّمة وأصحاب الشهادات وأصدقائه وطلبته وعموم الحاضرين، ثم تناول مفهومي الذات والموضوع وعلاقتهمـا الجدلية بمسيرته العلمية في التراث المخطوط، مبرزا معرفته الأولى ـ في سن الطفولة ـ بالمخطوط وذلك من خلال الألواح التي يُكتب عليها القرآن الكريم بخطوطه ورسمه، ومبيّنـا بعد ذلك كيف تطورت علاقته بعالم المخطوطـات في جميع أسلاكه الدراسية ومحطات حياته.

واختتمت أعمال هذا اللقاء بمناقشات وأسئلة طرحها مجموعة من المهتمين بالتحقيق على المكرم، ثم أسدل الستار على هذا الحفل العلمي بتسليم درع تكريمي قدمه رئيس مركز أبي الحسن الأشعري لشخص المُكرم اعترافا له بما قدم للمكتبة العربية والأجنبية من تحقيق واعتناء وإشراف ومراجعة ونشر لنفائس مخطوطات التراث المغربي. 

 

النشاط الثاني: 

في اليوم الثاني من أيام الاحتفاء بيوم المخطوط العربي ـ الموافق ليوم الأربعاء 06 ـ 04 ـ 2016 ـ قام الباحثون بمركز أبي الحسن الأشعري بمعية عدد من طلبة الماستر والدكتوراه من كلية الآداب وكلية أصول الدين، يتقدمهم رئيس المركز الدكتور جمال علال البختي، بزيارة علمية تفقدية للمكتبة العامة والمحفوظات بمدينة تطوان، والتي تعتبر واحدة من أهم المكتبات والخزانات على الصعيد الإقليمي والوطني لما تحويه من الأعلاق والنفائس والذخائر. وقد تفضل الأستاذ المحترم ميمون يعيش (محافظ المكتبة) مشكورا، بمرافقة الوفد الزائر إلى مختلف أروقة المؤسسة وأجنحتها من بداية هذه الزيارة العلمية إلى نهايتها والتي استغرقت زهاء ساعتين. 

استهل السيد المحافظ كلمته بتقديم نبذة تاريخية عن تأسيس المكتبة العامة؛ حيث يعود تاريخ نشأتها إلى سنة 1939م في عهد الحماية الإسبانية، لذلك كانت تسمى بـ:”مكتبة الحماية”، قبل أن تتحول إلى مؤسسة وطنية، علمية وثقافية، غداة الاستقلال سنة 1956م. وقد عرفت هذه المكتبة عملية ترميم شاملة سنة 1999م من أجل تجديدها وتحديثها، وهي منذ إعادة افتتاحها سنة 2001م تستقبل ما بين 30000 و40000 زائر سنويا. هذا، وتتكون بناية المؤسسة من قبوين وأربعة طوابق؛ خُصص القبو الأول لقسم التبادل والمكررات، والثاني لقسم الأرشيف الإسباني والذي يضم 500000 وثيقة، بينما احتضنت الطوابق الأربعة الأقسام الرئيسية، وذلك على النحو الآتي:

ـ الطابق الأرضي: يضم قسم الصحافة والمجلات بثلاث لغات؛ العربية (8000 مجلة وصحيفة)، والفرنسية (7000) والإسبانية (6000)، وتعود أقدم جريدة إلى سنة 1874 وهي مكتوبة باللغة الإسبانية.

ـ الطابق الأول: يضم القسم العربي؛ وهو يضم 20000 كتاب منشور تنتمي إلى مختلف المجالات العلمية والفكرية.

ـ الطابق الثاني: مخصص للقسم الأجنبي؛ والذي يحوي 17600 كتاب باللغات: الفرنسية، الإسبانية، الإنجليزية والألمانية.

ـ الطابق الرابع: ويندرج فيه، إضافة إلى القسم الإداري، قسم التراث التاريخي الذي يعد أهم قسم بالمكتبة العامة؛ حيث يتكون من ثماني شعب تضم أنفس الوثائق وأثمنها، وهذه الشعب نجملها كما يلي:

1ـ شعبة الكتب النادرة: ويصل عددها إلى 1205 كتب والتي يعسر إيجادها في مكتبات أخرى، وهي في جلها مكتوبة باللغة الإسبانية والفرنسية وطبعت قبل سنة 1900م. 

2ـ الشعبة الثانية تحوي كتبا تاريخية ودينية ألفت باللغة العبرية وهي في زهاء 600 كتاب. 

3ـ شعبة الخرائط القديمة: وهي حوالي 1720 خريطة، يعود أقدمها إلى سنة 1720م وهي خريطة للمحيط الأطلسي، كما تضم هذه الشعبة أطلسا لـ”حرب إفريقيا” (سنة 1859م)، وهو وثيقة نفيسة تؤرخ لحرب تطوان كتابة وتصويرا. 

4ـ الشعبة الرابعة من قسم التراث التاريخي تحوي صورا ورقية وزجاجية تعادل 45000 صورة تؤرخ في أغلبها لفترة الحماية الإسبانية وهي محفوظة في ملفات وصناديق خاصة تحميها من الرطوبة والحموضة، كما تضم هذه الشعبة جهازا عتيقا خاصا بعرض الصور الزجاجية.  

5ـ شعبة المخطوطات: وهي أهم أروقة المكتبة العامة، تحفظ لنا هذه الشعبة 2400 مخطوط في تخصصات علمية متعددة؛ في التاريخ واللغة والمنطق وعلوم القرآن وعلم الكلام.. منها ما هو في صورة جيدة ومنها ما أصابته الأرَضة وبعض البكتيريات وعوادي الزمن من الرطوبة والحرارة.. وقد أوقف السيد المحافظ الزوارعلى نماذج من ذلك، كما أوقفهم، بالمقابل، على مخطوط نفيس مطرز بالذهب ومكتوب بخط أندلسي رفيع لصاحبه ابن هذيل الأندلسي يؤرخ فيه لحياة الأندلسيين. وقمين بالذكر أن جناح المخطوطات يضم طاولة مستديرة (تعود إلى عهد الحماية) وُقع عليها المحضر الرسمي لاسترجاع الأقاليم الشمالية.

6ـ الشعبة السادسة: وهي خاصة بالوثائق عبارة عن مراسلات وعقود بلغ عددها 22447 وثيقة.

7ـ شعبة المطبوعات الحجرية: وهي تحفظ 476 كتابا طبع على الحجر. وقد قدم لنا السيد المحافظ نبذة عن تقنيات الطبع على الحجر وكيف شكلت نقلة مهمة في الاستكثار من استنساخ الكتب بوضع الورق على ما كتب على الحجر (يكتب معكوسا) بواسطة مداد مخصوص، بدل استنساخها يدويا.

8ـ الشعبة الثامنة وهي خاصة للمسكوكات: تضم 1400 قطعة مسكوكة يعود أغلبها إلى عهود: الموحدين، والمرابطين، والعلويين. 

هذا، وقد أطلع محافظ المكتبة بمعية رئيس قسم المخطوطات الوفد العلمي، على الأجواء التي ينبغي توفيرها بقسم التراث التاريخي للحفاظ على محتوياته من المخطوطات والوثائق المهمة من تأثير الرطوبة والحموضة وغيرها؛ حيث يجب الحفاظ فيه على درجة حرارة مناسبة لا تتعدى 18 درجة، وعلى معدل للرطوبة لا يتجاوز 65 درجة، وهذا لا يتأتي إلا بوجود آلات وتقنيات مخصصة لهذا الغرض منها جهاز امتصاص الرطوبة. كما زود المحافظ الحضور بمعلومات قيمة عن كيفية ترميم المخطوطات يدويا وميكانيكيا؛ وسواء تعلق الأمر بالطريقة الأولى أو الثانية فهذه العملية جد معقدة تتطلب إتقان تقنيات مخصوصة نظرا لهشاشة المخطوط وتحتاج إلى غلاف زمني ومالي مكلف، كل ذلك للحفاظ على المخطوطات من التآكل والاندثار، ما يعلي من قيمتها ويرفع من شأنها ويحث الباحثين على الاهتمام بها لإخراجها من دواليب المكتبات، وظلمة الخزانات إلى نور الطباعة والنشر محققة مصححة ليعم النفع بها من يروم الاشتغال عليها. وأحاط المهتمين علما بأن جميع المخطوطات والوثائق والمطبوعات الحجرية مصورة ومرقمة في أقراص خاصة لتسهيل الحصول عليها، على أنه لا يوجد تصنيف لها بحسب التخصصات العلمية المعروفة، ما يستدعي من الباحث العلم باسم المؤلف أو عنوان الكتاب للحصول عليه، وله أن يبحث يدويا عن طريقة الجذاذات أو رقميا عن طريق الحاسوب.  

 

النشاط الثالث:

وتكللت سلسلة هذه الاحتفالية بتنظيم ندوة علمية توجيهية بالثانوية الإعدادية “الجبل” بنيابة المضيق لفائدة تلاميذها في موضوع: “قيمة الكتاب العربي بين المطبوع والمخطوط” أطرتها الباحثتان بالمركز الأستاذة حفصة البقالي والأستاذة غزلان بن التوزر، وسيرت جلساتها الأستاذة إكرام بوشنيطة (ممثلة للمؤسسة الإعدادية والباحثة في العقيدة) والتي عبرت في كلمتها الافتتاحية عن سعادة إعدادية الجبل لاحتضان هذا النشاط ضمن نادي القرآن والسنة النبوية  بالمؤسسة التي تشرف عليه. وقد حضر هذا اللقاء رئيس مركز أبي الحسن الأشعري والباحثون به وبعض الأطر التربوية بالمؤسسة ورئيس جمعية الآباء وأولياء الأمور بها وعدد من تلاميذها، بالإضافة إلى المندوب الإقليمي المكلف بوزارة التربية الوطنية بالمضيق وممثلة المجلس العلمي المحلي بالمضيق/الفنيدق. 

افتتحت أعمال الندوة بكلمة مدير المؤسسة ضمَّنها ترحيبه بتنظيم المركز لهذه الندوة التي تروم إرشاد التلاميذ إلى أهمية المخطوط العربي وقيمته العلمية والمعرفية، تلتها مداخلة الباحثة حفصة البقالي بعنوان: “قصة الكتابة عبر التاريخ” عرضت فيها لتاريخ الكتابة منذ فجر التاريخ مبتدئة بالتعريف بالكتابة التصويرية، والكتابة المسمارية، والكتابة الهيروغليفية، وصولا إلى التعريف بالكتابة العربية والحرف العربي وخطوطه وأنواعه، موضّحة ذلك بصور عُرضت على العاكس الضوئي. فيما قدمت المداخلة الثانية الأستاذة غزلان بن التوزر تحت عنوان: “الكتاب العربي من المخطوط إلى المطبوع” عرضت فيها للتعريف بالمخطوط العربي وارتباطه بالناسخ، وأوضحت الآفات التي يتعرض لها هذا المخطوط سواء منها الطبيعية أو البيولوجية أو الكيميائية، ثم عرضت شريطا مرئيا يصور الأدوار التي تقوم بها المكتبة الوطنية بالمغرب للحفاظ على المخطوط العربي من حيث الحفظ والترميم والصيانة، بالإضافة إلى تقديم نماذج مصورة لبعض المخطوطات العربية النادرة. 

 وفي أعقاب هذه العروض تقدم بعض أساتذة المؤسسة والنائب الإقليمي بالمضيق ورئيس مركز أبي الحسن الأشعري وبعض تلاميذ المؤسسة بمناقشاتهم واستفساراتهم وتعليقاتهم ثم أيضا بتوجيهاتهم للمشاركين والمنظمين؛ معبرين عن عميق إعجابهم بهذا اللقاء العلمي.

 

 إعداد: مركز أبي الحسن الأشعري

بمناسبة يوم المخطوط العربي (الموافق لليوم الرابع من شهر أبريل في كل سنة) نظّم مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية بتطوان (التابع للرابطة المحمدية للعلماء)، ومعهد المخطوطات العربية (التابع للإليسكو) ثلاثة أنشطة علمية وثقافية احتفاء بالمخطوط العربي توزعت ما بين لقاء تكريمي لشخصية علمية خدمت المخطوط تحقيقا ودراسة، وزيارة ميدانية تعرّفية للمكتبة العامة والمحفوظات بتطوان، وندوة علمية تعريفية بأهمية وقيمة الكتاب والمخطوط العربيين لفائدة تلاميذ مؤسسة تعليمية.
النشاط الأول:
في إطار ثقافة الاعتراف، وبالتعاون مع ماستر التربية والدراسات الإسلامية بالمدرسة العليا للأساتذة بمرتيل، استهل المركز أنشطته بلقاء علمي تكريمي تحت شعار “قيم الثقافة وثقافة القيم”، تم فيه الاحتفاء بالمسار العلمي للأستاذ الدكتور جعفر ابن الحـاج السلمي، وذلك يوم الاثنين 4 أبريل 2016 بمقر المدرسة العليا بمرتيل، حيث توزعت أعمال اللقاء على افتتاحية، وثلاث جلسات؛ الأولى خصصت لمداخلتين علميتين، والثانية جُعلت لسماع بعض الشهـادات، والثالثة خُصِّصت لعرضٍ علميٍّ ألقاه الأستاذ الـمُكَّرم في مجال المخطوط بعنوان: “رحلة جعفر ابن الحاج السلمي في التراث: من البحث عن الذات إلى البحث عن الموضوع”، وامتدت هذه الأمسية بحضورها المكثف من الساعة الخامسة والنصف إلى التاسعة ليلا.
افتُـتِح اللقاء بكلمة ترحيبية وعرضية للدكتور جمال البختي رئيس المركز، بسط فيها برنامج الندوة، وألقى رسالة معهد المخطوطات العربية في المناسبة، وانتقل بعد ذلك للتعريف بالمُـكرّم، مركزا على الدواعي العلمية والموضوعية التي جعلته موضع العناية والاحتفاء في هذه اللقاء، فتحدث عن مهـامه الإدراية والمهنية، وعن مساره العلمي الطويل والغني، وعن خدمته المتميزة للمخطوط العربي والمحلي (وهو الداعي الأساس في اختياره لهذا النشاط)، كما فصّل في عرض أعماله التي تنوعت ما بين تأليف وتحقيق ومراجعة وإشراف وترجمة، أعقبتها كلمة احتفاء وترحيب من جانب مدير المدرسة العليا للأساتذة ومنسق ماستر التربية والدراسات الإسلامية ألقاها نيابة عنهمـا الأستاذ سعيد القنطري (الأستاذ بالمدرسة العليا).
بعدها أعطيت الكلمة للدكتور محمد رضا بودشار (الباحث في التاريخ والفكر الصوفي) الذي قدّم قراءة في الكتاب الجماعي:”أقوم منهاج في تكريم جعفر ابن الحاج”، تحدث فيها عن فكرة تأليف الكتاب؛ مناقشا محتوياته التي هي عبارة عن مجموعة أعمال مهداة إلى الـمُكرّم من باحثين من جامعات كبرى ومراكز بحث ومؤسسات من مختلف دول العالم، من المغرب وموريطانيا وفرنسا وإسبانيا وبلجيكا واليابان والولايات المتحدة الأمريكية، ثم تناولت الكلمة الأستاذة إكرام بولعيش (الباحثة في علم الكلام الأشعري) مُركّزة حديثها على بعض ملامح العمل التحقيقي في أعمال الـمُكرم، ومُناقِشة لمعنى التحقيق عنده استنادا على المقارنة بين منهجه ومنهج محققين آخرين، وكاشفة عن بعض خصوصياته ومميزاته التي حددتها في “سماع أهل بلده”، و”تكوينه المعرفي المتنوع” الذي يجمع ضروبا من العلوم الإنسانية والاجتماعية.
وفي جلسة الشهادات تم الاستماع إلى كلمة الدكتور امحمد بن عبود (أستاذ التاريخ بكلية الآداب بتطوان) الذي عدد بعض صفات المكرم الذاتية؛ من تحليه بالصبر، والجدية، والفعالية، والالتزام، والإيمان بالعلم. ومن جهته ضمن الدكتور مصطفى اعديلة (أستاذ اللغة والآداب الإسبانيين بالكلية ذاتها) شهـادته انطباعاته حول أخلاقيات التعاون والعمل الجماعي عند المكرم بحكم إشرافهما على الجمعية المغربية للدراسات الأندلسية بتطوان، وتتبعت الأستاذة حسناء داود (عضو المجلس العلمي بتطوان) في شهادتها المسار التعلمي الأول لتلميذها ابن الحاج في ثانوية الشريف الإدريسي؛ حيث ذكرت مميزاته وتفوّقه على أقرانه، وما كان –وما يزال- يتحلى به من النباهة والتيقظ والفطنة والذكاء والاجتهاد وغيرها من الصفات التي أثمرت عنده شخصية العالم، وفي خصوص نتاجه الأدبي وردت شهادة الدكتور بدر العمراني(رئيس مركز عقبة بن نافع بطنجة) التي تضمنت انطباعات وجدانية حول أشعار وقصائد تراثية عرفها بفضل اعتناء المكرم بها ونشرهـا، والتي دفعته إلى ربط الصلة به من خلال التتلمذ عليه وتتبع أعمـاله، وختم الشهادات الأديبُ قطب الريسوني (الشاعر والأديب وأستاذ الفقه المالكي بجامعة الشارقة) برسالة وجهها إلى المكرم -ألقاها نيابة عنه الدكتور بدر العمراني-، كانت عبارة عن نص أدبي شاعري احتفى فيه بالمكرم معرفا بخصاله العلمية والأدبية والإنسانية.
وبعد المداخلتين العلميتين والشهادات انطلقت أعمال الجلسة الأخيرة التي كانت مخصصة لمحاضرة الدكتور جعفر ابن الحاج السلمي في موضوع “رحلة جعفر ابن الحاج السلمي في التراث: من البحث عن الذات إلى البحث عن الموضوع” عبر فيها ـ ابتداء ـ عن امتنانه وشكره للجنة المنظِّمة وأصحاب الشهادات وأصدقائه وطلبته وعموم الحاضرين، ثم تناول مفهومي الذات والموضوع وعلاقتهمـا الجدلية بمسيرته العلمية في التراث المخطوط، مبرزا معرفته الأولى ـ في سن الطفولة ـ بالمخطوط وذلك من خلال الألواح التي يُكتب عليها القرآن الكريم بخطوطه ورسمه، ومبيّنـا بعد ذلك كيف تطورت علاقته بعالم المخطوطـات في جميع أسلاكه الدراسية ومحطات حياته.
واختتمت أعمال هذا اللقاء بمناقشات وأسئلة طرحها مجموعة من المهتمين بالتحقيق على المكرم، ثم أسدل الستار على هذا الحفل العلمي بتسليم درع تكريمي قدمه رئيس مركز أبي الحسن الأشعري لشخص المُكرم اعترافا له بما قدم للمكتبة العربية والأجنبية من تحقيق واعتناء وإشراف ومراجعة ونشر لنفائس مخطوطات التراث المغربي. 
النشاط الثاني: 
في اليوم الثاني من أيام الاحتفاء بيوم المخطوط العربي ـ الموافق ليوم الأربعاء 06 ـ 04 ـ 2016 ـ قام الباحثون بمركز أبي الحسن الأشعري بمعية عدد من طلبة الماستر والدكتوراه من كلية الآداب وكلية أصول الدين، يتقدمهم رئيس المركز الدكتور جمال علال البختي، بزيارة علمية تفقدية للمكتبة العامة والمحفوظات بمدينة تطوان، والتي تعتبر واحدة من أهم المكتبات والخزانات على الصعيد الإقليمي والوطني لما تحويه من الأعلاق والنفائس والذخائر. وقد تفضل الأستاذ المحترم ميمون يعيش (محافظ المكتبة) مشكورا، بمرافقة الوفد الزائر إلى مختلف أروقة المؤسسة وأجنحتها من بداية هذه الزيارة العلمية إلى نهايتها والتي استغرقت زهاء ساعتين. 
استهل السيد المحافظ كلمته بتقديم نبذة تاريخية عن تأسيس المكتبة العامة؛ حيث يعود تاريخ نشأتها إلى سنة 1939م في عهد الحماية الإسبانية، لذلك كانت تسمى بـ:”مكتبة الحماية”، قبل أن تتحول إلى مؤسسة وطنية، علمية وثقافية، غداة الاستقلال سنة 1956م. وقد عرفت هذه المكتبة عملية ترميم شاملة سنة 1999م من أجل تجديدها وتحديثها، وهي منذ إعادة افتتاحها سنة 2001م تستقبل ما بين 30000 و40000 زائر سنويا. هذا، وتتكون بناية المؤسسة من قبوين وأربعة طوابق؛ خُصص القبو الأول لقسم التبادل والمكررات، والثاني لقسم الأرشيف الإسباني والذي يضم 500000 وثيقة، بينما احتضنت الطوابق الأربعة الأقسام الرئيسية، وذلك على النحو الآتي:
ـ الطابق الأرضي: يضم قسم الصحافة والمجلات بثلاث لغات؛ العربية (8000 مجلة وصحيفة)، والفرنسية (7000) والإسبانية (6000)، وتعود أقدم جريدة إلى سنة 1874 وهي مكتوبة باللغة الإسبانية.
ـ الطابق الأول: يضم القسم العربي؛ وهو يضم 20000 كتاب منشور تنتمي إلى مختلف المجالات العلمية والفكرية.
ـ الطابق الثاني: مخصص للقسم الأجنبي؛ والذي يحوي 17600 كتاب باللغات: الفرنسية، الإسبانية، الإنجليزية والألمانية.
ـ الطابق الرابع: ويندرج فيه، إضافة إلى القسم الإداري، قسم التراث التاريخي الذي يعد أهم قسم بالمكتبة العامة؛ حيث يتكون من ثماني شعب تضم أنفس الوثائق وأثمنها، وهذه الشعب نجملها كما يلي:
1ـ شعبة الكتب النادرة: ويصل عددها إلى 1205 كتب والتي يعسر إيجادها في مكتبات أخرى، وهي في جلها مكتوبة باللغة الإسبانية والفرنسية وطبعت قبل سنة 1900م. 
2ـ الشعبة الثانية تحوي كتبا تاريخية ودينية ألفت باللغة العبرية وهي في زهاء 600 كتاب. 
3ـ شعبة الخرائط القديمة: وهي حوالي 1720 خريطة، يعود أقدمها إلى سنة 1720م وهي خريطة للمحيط الأطلسي، كما تضم هذه الشعبة أطلسا لـ”حرب إفريقيا” (سنة 1859م)، وهو وثيقة نفيسة تؤرخ لحرب تطوان كتابة وتصويرا. 
4ـ الشعبة الرابعة من قسم التراث التاريخي تحوي صورا ورقية وزجاجية تعادل 45000 صورة تؤرخ في أغلبها لفترة الحماية الإسبانية وهي محفوظة في ملفات وصناديق خاصة تحميها من الرطوبة والحموضة، كما تضم هذه الشعبة جهازا عتيقا خاصا بعرض الصور الزجاجية.  
5ـ شعبة المخطوطات: وهي أهم أروقة المكتبة العامة، تحفظ لنا هذه الشعبة 2400 مخطوط في تخصصات علمية متعددة؛ في التاريخ واللغة والمنطق وعلوم القرآن وعلم الكلام.. منها ما هو في صورة جيدة ومنها ما أصابته الأرَضة وبعض البكتيريات وعوادي الزمن من الرطوبة والحرارة.. وقد أوقف السيد المحافظ الزوارعلى نماذج من ذلك، كما أوقفهم، بالمقابل، على مخطوط نفيس مطرز بالذهب ومكتوب بخط أندلسي رفيع لصاحبه ابن هذيل الأندلسي يؤرخ فيه لحياة الأندلسيين. وقمين بالذكر أن جناح المخطوطات يضم طاولة مستديرة (تعود إلى عهد الحماية) وُقع عليها المحضر الرسمي لاسترجاع الأقاليم الشمالية.
6ـ الشعبة السادسة: وهي خاصة بالوثائق عبارة عن مراسلات وعقود بلغ عددها 22447 وثيقة.
7ـ شعبة المطبوعات الحجرية: وهي تحفظ 476 كتابا طبع على الحجر. وقد قدم لنا السيد المحافظ نبذة عن تقنيات الطبع على الحجر وكيف شكلت نقلة مهمة في الاستكثار من استنساخ الكتب بوضع الورق على ما كتب على الحجر (يكتب معكوسا) بواسطة مداد مخصوص، بدل استنساخها يدويا.
8ـ الشعبة الثامنة وهي خاصة للمسكوكات: تضم 1400 قطعة مسكوكة يعود أغلبها إلى عهود: الموحدين، والمرابطين، والعلويين. 
هذا، وقد أطلع محافظ المكتبة بمعية رئيس قسم المخطوطات الوفد العلمي، على الأجواء التي ينبغي توفيرها بقسم التراث التاريخي للحفاظ على محتوياته من المخطوطات والوثائق المهمة من تأثير الرطوبة والحموضة وغيرها؛ حيث يجب الحفاظ فيه على درجة حرارة مناسبة لا تتعدى 18 درجة، وعلى معدل للرطوبة لا يتجاوز 65 درجة، وهذا لا يتأتي إلا بوجود آلات وتقنيات مخصصة لهذا الغرض منها جهاز امتصاص الرطوبة. كما زود المحافظ الحضور بمعلومات قيمة عن كيفية ترميم المخطوطات يدويا وميكانيكيا؛ وسواء تعلق الأمر بالطريقة الأولى أو الثانية فهذه العملية جد معقدة تتطلب إتقان تقنيات مخصوصة نظرا لهشاشة المخطوط وتحتاج إلى غلاف زمني ومالي مكلف، كل ذلك للحفاظ على المخطوطات من التآكل والاندثار، ما يعلي من قيمتها ويرفع من شأنها ويحث الباحثين على الاهتمام بها لإخراجها من دواليب المكتبات، وظلمة الخزانات إلى نور الطباعة والنشر محققة مصححة ليعم النفع بها من يروم الاشتغال عليها. وأحاط المهتمين علما بأن جميع المخطوطات والوثائق والمطبوعات الحجرية مصورة ومرقمة في أقراص خاصة لتسهيل الحصول عليها، على أنه لا يوجد تصنيف لها بحسب التخصصات العلمية المعروفة، ما يستدعي من الباحث العلم باسم المؤلف أو عنوان الكتاب للحصول عليه، وله أن يبحث يدويا عن طريقة الجذاذات أو رقميا عن طريق الحاسوب.  
النشاط الثالث:
وتكللت سلسلة هذه الاحتفالية بتنظيم ندوة علمية توجيهية بالثانوية الإعدادية “الجبل” بنيابة المضيق لفائدة تلاميذها في موضوع: “قيمة الكتاب العربي بين المطبوع والمخطوط” أطرتها الباحثتان بالمركز الأستاذة حفصة البقالي والأستاذة غزلان بن التوزر، وسيرت جلساتها الأستاذة إكرام بوشنيطة (ممثلة للمؤسسة الإعدادية والباحثة في العقيدة) والتي عبرت في كلمتها الافتتاحية عن سعادة إعدادية الجبل لاحتضان هذا النشاط ضمن نادي القرآن والسنة النبوية  بالمؤسسة التي تشرف عليه. وقد حضر هذا اللقاء رئيس مركز أبي الحسن الأشعري والباحثون به وبعض الأطر التربوية بالمؤسسة ورئيس جمعية الآباء وأولياء الأمور بها وعدد من تلاميذها، بالإضافة إلى المندوب الإقليمي المكلف بوزارة التربية الوطنية بالمضيق وممثلة المجلس العلمي المحلي بالمضيق/الفنيدق. 
افتتحت أعمال الندوة بكلمة مدير المؤسسة ضمَّنها ترحيبه بتنظيم المركز لهذه الندوة التي تروم إرشاد التلاميذ إلى أهمية المخطوط العربي وقيمته العلمية والمعرفية، تلتها مداخلة الباحثة حفصة البقالي بعنوان: “قصة الكتابة عبر التاريخ” عرضت فيها لتاريخ الكتابة منذ فجر التاريخ مبتدئة بالتعريف بالكتابة التصويرية، والكتابة المسمارية، والكتابة الهيروغليفية، وصولا إلى التعريف بالكتابة العربية والحرف العربي وخطوطه وأنواعه، موضّحة ذلك بصور عُرضت على العاكس الضوئي. فيما قدمت المداخلة الثانية الأستاذة غزلان بن التوزر تحت عنوان: “الكتاب العربي من المخطوط إلى المطبوع” عرضت فيها للتعريف بالمخطوط العربي وارتباطه بالناسخ، وأوضحت الآفات التي يتعرض لها هذا المخطوط سواء منها الطبيعية أو البيولوجية أو الكيميائية، ثم عرضت شريطا مرئيا يصور الأدوار التي تقوم بها المكتبة الوطنية بالمغرب للحفاظ على المخطوط العربي من حيث الحفظ والترميم والصيانة، بالإضافة إلى تقديم نماذج مصورة لبعض المخطوطات العربية النادرة. 
 وفي أعقاب هذه العروض تقدم بعض أساتذة المؤسسة والنائب الإقليمي بالمضيق ورئيس مركز أبي الحسن الأشعري وبعض تلاميذ المؤسسة بمناقشاتهم واستفساراتهم وتعليقاتهم ثم أيضا بتوجيهاتهم للمشاركين والمنظمين؛ معبرين عن عميق إعجابهم بهذه اللقاء العلمي.
                                             إعداد:    –    ذ. أشرف الحزمري    
ذ. محمد أمين السقال
ذ. منتصر الخطيب
بمناسبة يوم المخطوط العربي (الموافق لليوم الرابع من شهر أبريل في كل سنة) نظّم مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية بتطوان (التابع للرابطة المحمدية للعلماء)، ومعهد المخطوطات العربية (التابع للإليسكو) ثلاثة أنشطة علمية وثقافية احتفاء بالمخطوط العربي توزعت ما بين لقاء تكريمي لشخصية علمية خدمت المخطوط تحقيقا ودراسة، وزيارة ميدانية تعرّفية للمكتبة العامة والمحفوظات بتطوان، وندوة علمية تعريفية بأهمية وقيمة الكتاب والمخطوط العربيين لفائدة تلاميذ مؤسسة تعليمية.
النشاط الأول:
في إطار ثقافة الاعتراف، وبالتعاون مع ماستر التربية والدراسات الإسلامية بالمدرسة العليا للأساتذة بمرتيل، استهل المركز أنشطته بلقاء علمي تكريمي تحت شعار “قيم الثقافة وثقافة القيم”، تم فيه الاحتفاء بالمسار العلمي للأستاذ الدكتور جعفر ابن الحـاج السلمي، وذلك يوم الاثنين 4 أبريل 2016 بمقر المدرسة العليا بمرتيل، حيث توزعت أعمال اللقاء على افتتاحية، وثلاث جلسات؛ الأولى خصصت لمداخلتين علميتين، والثانية جُعلت لسماع بعض الشهـادات، والثالثة خُصِّصت لعرضٍ علميٍّ ألقاه الأستاذ الـمُكَّرم في مجال المخطوط بعنوان: “رحلة جعفر ابن الحاج السلمي في التراث: من البحث عن الذات إلى البحث عن الموضوع”، وامتدت هذه الأمسية بحضورها المكثف من الساعة الخامسة والنصف إلى التاسعة ليلا.
افتُـتِح اللقاء بكلمة ترحيبية وعرضية للدكتور جمال البختي رئيس المركز، بسط فيها برنامج الندوة، وألقى رسالة معهد المخطوطات العربية في المناسبة، وانتقل بعد ذلك للتعريف بالمُـكرّم، مركزا على الدواعي العلمية والموضوعية التي جعلته موضع العناية والاحتفاء في هذه اللقاء، فتحدث عن مهـامه الإدراية والمهنية، وعن مساره العلمي الطويل والغني، وعن خدمته المتميزة للمخطوط العربي والمحلي (وهو الداعي الأساس في اختياره لهذا النشاط)، كما فصّل في عرض أعماله التي تنوعت ما بين تأليف وتحقيق ومراجعة وإشراف وترجمة، أعقبتها كلمة احتفاء وترحيب من جانب مدير المدرسة العليا للأساتذة ومنسق ماستر التربية والدراسات الإسلامية ألقاها نيابة عنهمـا الأستاذ سعيد القنطري (الأستاذ بالمدرسة العليا).
بعدها أعطيت الكلمة للدكتور محمد رضا بودشار (الباحث في التاريخ والفكر الصوفي) الذي قدّم قراءة في الكتاب الجماعي:”أقوم منهاج في تكريم جعفر ابن الحاج”، تحدث فيها عن فكرة تأليف الكتاب؛ مناقشا محتوياته التي هي عبارة عن مجموعة أعمال مهداة إلى الـمُكرّم من باحثين من جامعات كبرى ومراكز بحث ومؤسسات من مختلف دول العالم، من المغرب وموريطانيا وفرنسا وإسبانيا وبلجيكا واليابان والولايات المتحدة الأمريكية، ثم تناولت الكلمة الأستاذة إكرام بولعيش (الباحثة في علم الكلام الأشعري) مُركّزة حديثها على بعض ملامح العمل التحقيقي في أعمال الـمُكرم، ومُناقِشة لمعنى التحقيق عنده استنادا على المقارنة بين منهجه ومنهج محققين آخرين، وكاشفة عن بعض خصوصياته ومميزاته التي حددتها في “سماع أهل بلده”، و”تكوينه المعرفي المتنوع” الذي يجمع ضروبا من العلوم الإنسانية والاجتماعية.
وفي جلسة الشهادات تم الاستماع إلى كلمة الدكتور امحمد بن عبود (أستاذ التاريخ بكلية الآداب بتطوان) الذي عدد بعض صفات المكرم الذاتية؛ من تحليه بالصبر، والجدية، والفعالية، والالتزام، والإيمان بالعلم. ومن جهته ضمن الدكتور مصطفى اعديلة (أستاذ اللغة والآداب الإسبانيين بالكلية ذاتها) شهـادته انطباعاته حول أخلاقيات التعاون والعمل الجماعي عند المكرم بحكم إشرافهما على الجمعية المغربية للدراسات الأندلسية بتطوان، وتتبعت الأستاذة حسناء داود (عضو المجلس العلمي بتطوان) في شهادتها المسار التعلمي الأول لتلميذها ابن الحاج في ثانوية الشريف الإدريسي؛ حيث ذكرت مميزاته وتفوّقه على أقرانه، وما كان –وما يزال- يتحلى به من النباهة والتيقظ والفطنة والذكاء والاجتهاد وغيرها من الصفات التي أثمرت عنده شخصية العالم، وفي خصوص نتاجه الأدبي وردت شهادة الدكتور بدر العمراني(رئيس مركز عقبة بن نافع بطنجة) التي تضمنت انطباعات وجدانية حول أشعار وقصائد تراثية عرفها بفضل اعتناء المكرم بها ونشرهـا، والتي دفعته إلى ربط الصلة به من خلال التتلمذ عليه وتتبع أعمـاله، وختم الشهادات الأديبُ قطب الريسوني (الشاعر والأديب وأستاذ الفقه المالكي بجامعة الشارقة) برسالة وجهها إلى المكرم -ألقاها نيابة عنه الدكتور بدر العمراني-، كانت عبارة عن نص أدبي شاعري احتفى فيه بالمكرم معرفا بخصاله العلمية والأدبية والإنسانية.
وبعد المداخلتين العلميتين والشهادات انطلقت أعمال الجلسة الأخيرة التي كانت مخصصة لمحاضرة الدكتور جعفر ابن الحاج السلمي في موضوع “رحلة جعفر ابن الحاج السلمي في التراث: من البحث عن الذات إلى البحث عن الموضوع” عبر فيها ـ ابتداء ـ عن امتنانه وشكره للجنة المنظِّمة وأصحاب الشهادات وأصدقائه وطلبته وعموم الحاضرين، ثم تناول مفهومي الذات والموضوع وعلاقتهمـا الجدلية بمسيرته العلمية في التراث المخطوط، مبرزا معرفته الأولى ـ في سن الطفولة ـ بالمخطوط وذلك من خلال الألواح التي يُكتب عليها القرآن الكريم بخطوطه ورسمه، ومبيّنـا بعد ذلك كيف تطورت علاقته بعالم المخطوطـات في جميع أسلاكه الدراسية ومحطات حياته.
واختتمت أعمال هذا اللقاء بمناقشات وأسئلة طرحها مجموعة من المهتمين بالتحقيق على المكرم، ثم أسدل الستار على هذا الحفل العلمي بتسليم درع تكريمي قدمه رئيس مركز أبي الحسن الأشعري لشخص المُكرم اعترافا له بما قدم للمكتبة العربية والأجنبية من تحقيق واعتناء وإشراف ومراجعة ونشر لنفائس مخطوطات التراث المغربي. 
النشاط الثاني: 
في اليوم الثاني من أيام الاحتفاء بيوم المخطوط العربي ـ الموافق ليوم الأربعاء 06 ـ 04 ـ 2016 ـ قام الباحثون بمركز أبي الحسن الأشعري بمعية عدد من طلبة الماستر والدكتوراه من كلية الآداب وكلية أصول الدين، يتقدمهم رئيس المركز الدكتور جمال علال البختي، بزيارة علمية تفقدية للمكتبة العامة والمحفوظات بمدينة تطوان، والتي تعتبر واحدة من أهم المكتبات والخزانات على الصعيد الإقليمي والوطني لما تحويه من الأعلاق والنفائس والذخائر. وقد تفضل الأستاذ المحترم ميمون يعيش (محافظ المكتبة) مشكورا، بمرافقة الوفد الزائر إلى مختلف أروقة المؤسسة وأجنحتها من بداية هذه الزيارة العلمية إلى نهايتها والتي استغرقت زهاء ساعتين. 
استهل السيد المحافظ كلمته بتقديم نبذة تاريخية عن تأسيس المكتبة العامة؛ حيث يعود تاريخ نشأتها إلى سنة 1939م في عهد الحماية الإسبانية، لذلك كانت تسمى بـ:”مكتبة الحماية”، قبل أن تتحول إلى مؤسسة وطنية، علمية وثقافية، غداة الاستقلال سنة 1956م. وقد عرفت هذه المكتبة عملية ترميم شاملة سنة 1999م من أجل تجديدها وتحديثها، وهي منذ إعادة افتتاحها سنة 2001م تستقبل ما بين 30000 و40000 زائر سنويا. هذا، وتتكون بناية المؤسسة من قبوين وأربعة طوابق؛ خُصص القبو الأول لقسم التبادل والمكررات، والثاني لقسم الأرشيف الإسباني والذي يضم 500000 وثيقة، بينما احتضنت الطوابق الأربعة الأقسام الرئيسية، وذلك على النحو الآتي:
ـ الطابق الأرضي: يضم قسم الصحافة والمجلات بثلاث لغات؛ العربية (8000 مجلة وصحيفة)، والفرنسية (7000) والإسبانية (6000)، وتعود أقدم جريدة إلى سنة 1874 وهي مكتوبة باللغة الإسبانية.
ـ الطابق الأول: يضم القسم العربي؛ وهو يضم 20000 كتاب منشور تنتمي إلى مختلف المجالات العلمية والفكرية.
ـ الطابق الثاني: مخصص للقسم الأجنبي؛ والذي يحوي 17600 كتاب باللغات: الفرنسية، الإسبانية، الإنجليزية والألمانية.
ـ الطابق الرابع: ويندرج فيه، إضافة إلى القسم الإداري، قسم التراث التاريخي الذي يعد أهم قسم بالمكتبة العامة؛ حيث يتكون من ثماني شعب تضم أنفس الوثائق وأثمنها، وهذه الشعب نجملها كما يلي:
1ـ شعبة الكتب النادرة: ويصل عددها إلى 1205 كتب والتي يعسر إيجادها في مكتبات أخرى، وهي في جلها مكتوبة باللغة الإسبانية والفرنسية وطبعت قبل سنة 1900م. 
2ـ الشعبة الثانية تحوي كتبا تاريخية ودينية ألفت باللغة العبرية وهي في زهاء 600 كتاب. 
3ـ شعبة الخرائط القديمة: وهي حوالي 1720 خريطة، يعود أقدمها إلى سنة 1720م وهي خريطة للمحيط الأطلسي، كما تضم هذه الشعبة أطلسا لـ”حرب إفريقيا” (سنة 1859م)، وهو وثيقة نفيسة تؤرخ لحرب تطوان كتابة وتصويرا. 
4ـ الشعبة الرابعة من قسم التراث التاريخي تحوي صورا ورقية وزجاجية تعادل 45000 صورة تؤرخ في أغلبها لفترة الحماية الإسبانية وهي محفوظة في ملفات وصناديق خاصة تحميها من الرطوبة والحموضة، كما تضم هذه الشعبة جهازا عتيقا خاصا بعرض الصور الزجاجية.  
5ـ شعبة المخطوطات: وهي أهم أروقة المكتبة العامة، تحفظ لنا هذه الشعبة 2400 مخطوط في تخصصات علمية متعددة؛ في التاريخ واللغة والمنطق وعلوم القرآن وعلم الكلام.. منها ما هو في صورة جيدة ومنها ما أصابته الأرَضة وبعض البكتيريات وعوادي الزمن من الرطوبة والحرارة.. وقد أوقف السيد المحافظ الزوارعلى نماذج من ذلك، كما أوقفهم، بالمقابل، على مخطوط نفيس مطرز بالذهب ومكتوب بخط أندلسي رفيع لصاحبه ابن هذيل الأندلسي يؤرخ فيه لحياة الأندلسيين. وقمين بالذكر أن جناح المخطوطات يضم طاولة مستديرة (تعود إلى عهد الحماية) وُقع عليها المحضر الرسمي لاسترجاع الأقاليم الشمالية.
6ـ الشعبة السادسة: وهي خاصة بالوثائق عبارة عن مراسلات وعقود بلغ عددها 22447 وثيقة.
7ـ شعبة المطبوعات الحجرية: وهي تحفظ 476 كتابا طبع على الحجر. وقد قدم لنا السيد المحافظ نبذة عن تقنيات الطبع على الحجر وكيف شكلت نقلة مهمة في الاستكثار من استنساخ الكتب بوضع الورق على ما كتب على الحجر (يكتب معكوسا) بواسطة مداد مخصوص، بدل استنساخها يدويا.
8ـ الشعبة الثامنة وهي خاصة للمسكوكات: تضم 1400 قطعة مسكوكة يعود أغلبها إلى عهود: الموحدين، والمرابطين، والعلويين. 
هذا، وقد أطلع محافظ المكتبة بمعية رئيس قسم المخطوطات الوفد العلمي، على الأجواء التي ينبغي توفيرها بقسم التراث التاريخي للحفاظ على محتوياته من المخطوطات والوثائق المهمة من تأثير الرطوبة والحموضة وغيرها؛ حيث يجب الحفاظ فيه على درجة حرارة مناسبة لا تتعدى 18 درجة، وعلى معدل للرطوبة لا يتجاوز 65 درجة، وهذا لا يتأتي إلا بوجود آلات وتقنيات مخصصة لهذا الغرض منها جهاز امتصاص الرطوبة. كما زود المحافظ الحضور بمعلومات قيمة عن كيفية ترميم المخطوطات يدويا وميكانيكيا؛ وسواء تعلق الأمر بالطريقة الأولى أو الثانية فهذه العملية جد معقدة تتطلب إتقان تقنيات مخصوصة نظرا لهشاشة المخطوط وتحتاج إلى غلاف زمني ومالي مكلف، كل ذلك للحفاظ على المخطوطات من التآكل والاندثار، ما يعلي من قيمتها ويرفع من شأنها ويحث الباحثين على الاهتمام بها لإخراجها من دواليب المكتبات، وظلمة الخزانات إلى نور الطباعة والنشر محققة مصححة ليعم النفع بها من يروم الاشتغال عليها. وأحاط المهتمين علما بأن جميع المخطوطات والوثائق والمطبوعات الحجرية مصورة ومرقمة في أقراص خاصة لتسهيل الحصول عليها، على أنه لا يوجد تصنيف لها بحسب التخصصات العلمية المعروفة، ما يستدعي من الباحث العلم باسم المؤلف أو عنوان الكتاب للحصول عليه، وله أن يبحث يدويا عن طريقة الجذاذات أو رقميا عن طريق الحاسوب.  
النشاط الثالث:
وتكللت سلسلة هذه الاحتفالية بتنظيم ندوة علمية توجيهية بالثانوية الإعدادية “الجبل” بنيابة المضيق لفائدة تلاميذها في موضوع: “قيمة الكتاب العربي بين المطبوع والمخطوط” أطرتها الباحثتان بالمركز الأستاذة حفصة البقالي والأستاذة غزلان بن التوزر، وسيرت جلساتها الأستاذة إكرام بوشنيطة (ممثلة للمؤسسة الإعدادية والباحثة في العقيدة) والتي عبرت في كلمتها الافتتاحية عن سعادة إعدادية الجبل لاحتضان هذا النشاط ضمن نادي القرآن والسنة النبوية  بالمؤسسة التي تشرف عليه. وقد حضر هذا اللقاء رئيس مركز أبي الحسن الأشعري والباحثون به وبعض الأطر التربوية بالمؤسسة ورئيس جمعية الآباء وأولياء الأمور بها وعدد من تلاميذها، بالإضافة إلى المندوب الإقليمي المكلف بوزارة التربية الوطنية بالمضيق وممثلة المجلس العلمي المحلي بالمضيق/الفنيدق. 
افتتحت أعمال الندوة بكلمة مدير المؤسسة ضمَّنها ترحيبه بتنظيم المركز لهذه الندوة التي تروم إرشاد التلاميذ إلى أهمية المخطوط العربي وقيمته العلمية والمعرفية، تلتها مداخلة الباحثة حفصة البقالي بعنوان: “قصة الكتابة عبر التاريخ” عرضت فيها لتاريخ الكتابة منذ فجر التاريخ مبتدئة بالتعريف بالكتابة التصويرية، والكتابة المسمارية، والكتابة الهيروغليفية، وصولا إلى التعريف بالكتابة العربية والحرف العربي وخطوطه وأنواعه، موضّحة ذلك بصور عُرضت على العاكس الضوئي. فيما قدمت المداخلة الثانية الأستاذة غزلان بن التوزر تحت عنوان: “الكتاب العربي من المخطوط إلى المطبوع” عرضت فيها للتعريف بالمخطوط العربي وارتباطه بالناسخ، وأوضحت الآفات التي يتعرض لها هذا المخطوط سواء منها الطبيعية أو البيولوجية أو الكيميائية، ثم عرضت شريطا مرئيا يصور الأدوار التي تقوم بها المكتبة الوطنية بالمغرب للحفاظ على المخطوط العربي من حيث الحفظ والترميم والصيانة، بالإضافة إلى تقديم نماذج مصورة لبعض المخطوطات العربية النادرة. 
 وفي أعقاب هذه العروض تقدم بعض أساتذة المؤسسة والنائب الإقليمي بالمضيق ورئيس مركز أبي الحسن الأشعري وبعض تلاميذ المؤسسة بمناقشاتهم واستفساراتهم وتعليقاتهم ثم أيضا بتوجيهاتهم للمشاركين والمنظمين؛ معبرين عن عميق إعجابهم بهذه اللقاء العلمي.
                                             إعداد:    –    ذ. أشرف الحزمري    
ذ. محمد أمين السقال
ذ. منتصر الخطيب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق