مركز الدراسات القرآنية

لقاءات المركز يناقش قضايا الخطاب القرآنيُّ ومناهجُ التّأويلِ

 

في إطار أنشطته العلمية والفكرية، نظم مركز الدراسات القرآنية بالرابطة المحمدية للعلماء مائدة مستديرة ضمن لقاءات المركز العلمية (2) خصصت لقراءة كتاب: “الخطاب القرآني ومناهج التأويل: نحو دراسة نقدية للتأويلات المعاصرة” للدكتور عبد الرحمن بودرع، يوم الأربعاء 30 جمادى الثانية 1435هـ/ موافق 30 أبريل 2014م، على الساعة 15:00 بعد الزوال، بمقر الرابطة المحمدية للعلماء ـ شارع لعلو ـ لوداية ـ الرباط، وذلك بمشاركة مؤلف الكتاب ونخبة متميزة من الأساتذة الباحثين في مجال الدراسات القرآنية، وهم السادة:

ـ د. الحافظ الروسي؛ أستاذ التعليم العالي بكلية عبد المالك السعدي، تطوان.

ـ د. عدنان أجانة؛ أستاذ مكون في المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بكلميم.

ـ دة.نعيمة لبداوي؛ رئيسة مجلة الترتيل، الصادرة عن مركز الدراسات القرآنية.

ـ د. محمد إقبال عروي؛ أستاذ باحث غير متفرغ بمركز الدراسات القرآنية.

ـ د. محمد الناصري أستاذ التعليم العالي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، بني ملال.

ـ دة. فاطمة الزهراء الناصري؛ أستاذة باحثة بمركز الدراسات القرآنية.

ـ د. محمد المنتار؛ رئيس مركز الدراسات القرآنية.

بالإضافة إلى حضور بارز وفعال للباحثين بمركز الدراسات القرآنية بالرابطة المحمدية للعلماء.

افتتح اللقاء بتلاوة آيات من الذكر الحكيم، أعقبتها كلمة الدكتور محمد المنتار رئيس مركز الدراسات القرآنية بالرابطة المحمدية للعلماء، الذي أدار فعاليات هذا اللقاء العلمي، فعبر في كلمته التأطيرية عن سعادته بهذا اللقاء الثاني، من لقاءات مركز الدراسات القرآنية، والذي اختار له المركز كتابا من الأهمية بمكان من حيث موضوعه ومن حيث مؤلفه؛ وهو كتاب: الخطاب القرآني ومناهج التأويل” لمؤلفه الدكتور عبد الرحمن بودرع.  

كما أوضح د. محمد المنتار أن الخطاب التأويلي قد عاود الظهور إلى جانب الاتجاهات المعتبرة الداعية إلى تجديد الخطاب الديني، وهو اتجاه يمكن تسميته بالبحث التأويلي للنص الشرعي، الذي أضحى هو الموجه والمحرك للعلوم الإسلامية والاجتماعية ومختلف الظواهر الثقافية التي تشغل عالمنا المعاصر.

وعلى هذا الأساس، يضيف د. المنتار بأن مركز الدراسات القرآنية، وعيا منه بأهمية هذا الحقل المعرفي ومحوريته، وراهنيته، قام بإعداد دراسات علمية نوعية، ضمن سلاسله العلمية  كان من أبرزها دراسة د. فريدة زمرد حول مفهوم التأويل في القرآن الكريم، ثم الخطاب القرآني ومناهج التأويل المعاصرة، للدكتور عبد الرحمن بودرع، وغيرها من الإصدارات المستقبلية، كان القصد من ذلك وضع أرضية منهجية للدخول إلى رحاب أصول التأويل في العلوم الإسلامية خصوصا والعلوم الإنسانية عموما.

وفي السياق ذاته، أضاف د. محمد المنتار بأن من شأن هذه الأرضية أن تمكننا من الانطلاق في بحث العديد من القضايا التأويلية في علاقتها بالنماذج المعاصرة، وعلاقة التأويل ببنية النص، ودور المدخل اللغوي والمدخل اللساني في توجيه الدراسات التأويلية، ورصد أوجه العلاقة بين الخطاب التأويلي عموما وإشكال النص وقضايا إشكالات المنهج التأويلي خصوصا.

بعد ذلك قدم الدكتور عبد الرحمن بودرع أرضية علمية لكتابه: الخطاب القرآنيُّ ومناهجُ التّأويلِ: نحو دراسةٍ نقديّة للتّأويلات المعاصرة، ضمنها موضوع الكتاب، والغاية من تأليفه، والأقسام الكبرى التي انتظم فيها؛ من خلال عرض بعض الاتجاهات الفكرية والتأويلية التي ذهبَت في التأويل مذاهبَ بعيدةً،  وقراءات تأويلية قاربَت النص القرآني ودخَلت باب التأويل من أبوابه لأنها انطلَقَت من المقاصد ومن شروط الفهم والتفسير وأدواته الموضوعية، والقراءَة المُقترَحَة في هذا الكتاب، أو مشروع القراءَة ، وهي اشتراط معيار البيان في تأويل القرآن.

مبينا في السياق نفسه، المقصود من الخطاب القرآني والنص القرآني والفرق بينهما،  والمقصود بالتأويل ومناهج التأويل، والفرق بينه وبين التفسير.. وخاتمة، استعرض فيها خلاصة البحث وزبدته.

وفي مداخلة للدكتور الحافظ الروسي؛ أستاذ التعليم العالي بكلية عبد المالك السعدي، تطوان، نبه إلى جملة أخطاء عند الحديث عن التأويل في عصرنا الحاضر، وأجملها في ثمانية من قبيل؛ إقامته على القطع، وعلى أكثر من معنى، والاعتقاد بأن تأويل المؤول هو مراد المتكلم، بالإضافة إلى عدم التمييز بين ضروب التأويل وأنواعه، أو التمييز بين التأويل المتعلق بالنص الشرعي والتّأويل المتعلق بمطلق النصوص، وكثرة التنظير، أو كما سماه بإعمال الفهم على إعمال الفهم، وجعلِ التأويل بابا للهدم والنقد.

وبيّن د. الحافظ الروسي أن من خصائص “الخطاب القرآني ومناهج التأويل” أنه صحح مذاهب «المؤولة الجدد»، ووضع ضوابط للتأويل تضم إلى ضوابط القدماء، وأسس لفقه البيان القرآني، تأسيسا جامعا «من القواعد البيانية القديمة والنظريات اللسانية الحديثة في لسانية النص خاصة»، ودعا إلى التأسيس لتفسير حضاري، وتجديد خطة التفسير، بمقولات جديدة، باعتماد هذه العلوم الجديدة؛ العلوم الاجتماعية والعلوم الإنسانية باعتبارها أدوات ضرورية لإدارك الواقع.

وتحدث د. الروسي عن مضامين الكتاب، التي استعرضها المؤلف في أخطاء المؤولة الجدد في ارتيادهم حسب زعمهم مجال اللامفكر فيه، وهو بحسبه د.الحافظ ما يصطلح عليه بـ«المهمل»، قياسا على المهمل في المعجم، وزعمهم إسقاط الوسيط، ففرضوا أنفسهم وسطاء لفهم النصوص، دون العودة إلى أصل مكين، وزعموا أن النص فيه فراغ، ففتح للقارئ باب التقول على الله بغير علم، ولا ضابط ولا حجة، وكذا عدم تمييزهم بين سبب النزول وبين كونه محكوما بهذا السبب، وبالسياق الثقافي والاجتماعي، فضلا عن استنساخ الحداثة الغربية،  باعتبار علوم القرآن والحديث.. عوائق معرفية، فسووا بين القرآن الكريم في الحكم والفهم ومطلق النصوص، ثم تحدث المؤلف عن «المحاولة التأويلية الجادة، التي غلب عليها الصبغة الاقتراحية والجانب التطبيقي فيها ضعيف» وفق تعبيره.

من جهته وقف الدكتور عدنان أجانة؛ أستاذ مكون في المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بكلميم، عند عنوان الكتاب: “الخطاب القرآني ومناهج التأويل نحو دراسة نقدية للتأويلات المعاصرة”، وتركيبه المكون من ثلاثية متداخلة، وهي الخطاب بوصفه مجالا، والتأويل بوصفه منهجا، والنقد بوصفه دراسة.

بعد ذلك انتقل د. عدنان أجانة للحديث عن سياق الكتاب الذي دعته الضرورة لما أنتجته القراءات المتعددة ـ التي توسلت بمقاربات جديدة في اللسانيات وعلم الاجتماع والتاريخ والفلسفة …، لتفسير القرآن الكريم ـ من تأويل متباين شديد «وهذا التباين يفضي إلى تباين في التدين، واختلاف في الدين»، كاشفا عن مواطن الضعف المنهجي والإسقاط المعرفي، والتهجم على التفسير، من المدعين للتفسير، ممن ليسوا له بأهل.

ثم تحدث عن مضمون الكتاب بدءا من مقدمة الكتاب، وسؤال البدء، عن الخطاب القرآني  والتأويل، مرورا بالفصل الأول الذي وسمه بأنموذجين فيى بيان نماذج من القراءات الحداثية؛ الأول: القراءة الواعية التي تأخذ بشرائط التوظيف المعرفي للنظريات الحديثة، وتلتزم بما يسمح به قانون التأويل، وقراءة واهية التي تتجاوز حدود التوظيف، إلى إطلاق العنان للنظريات الحديثة، مؤسسة لخطاب حداثي غريب المنزع، هجين الإخراج، لا يتماشى ومقومات الثقافة الإسلامية، ولا ينسجم ومقاصد القرآن الكريم، ومراميه.

وفصل ثان في بيان مقتضيات ولوج باب التأويل، وهذه المقتضيات هي أصول عامة، وقواعد جامعة، من خلالها يتم التفسير، وعلى أساسها تكون المحاكمة، وقد أرجعها إلى أقطاب ثلاثة، وهي سمة الخطاب ونوع الخطاب ومنهج الخطاب.

وقد تبدى للدكتور عدنان أجانة من خلال مضامين الفصلين، أنه ينبني على مستويين من القراءة؛ المستوى الثابت، وهو اعتماد الدلالة الظاهرة من كلام الله تعالى على ما يوجبه قانون العربية وأوضاعها وعلى ما هو معهود متعارف عليه في كلام العرب.

ومستوى متغير: وهو ما يصاحب دلالة اللفظ من القرائن والظلال الدلالية الكامنة بالقوة في اللفظ، وما يكون حول المعنى من الإشارات السياقية، وعلى هذين النمطين من الدلالة تتأسس : القراءة الواعية، أو القراءة الواهية.

وفي نفس السياق ناقشت دة. نعيمة لبداوي؛ رئيسة تحرير مجلة الترتيل الصادرة عن مركز الدراسات القرآنية، مجموعة من الأفكار التي وردت في كتاب «الخطاب القرآن ومناهج التأويل: نحو دراسة نقدية للتأويلات المعاصرة» حيث  توقفت عند مسألة رؤية العالم في علاقته بعلم الاجتماع، بالإضافة إلى حقيقة البيان القرآني كما في قوله تعالى: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ﴾ [المائدة: 15]..

ثم بينت دة.نعيمة لبداوي أن مسألة الإكثار من ذكر أنواع القراءات لا داعي له لأنها تندرج تحت مسمى «القراءات التدبرية»، وختمت مداخلتها بالحديث عن قضية النظم: وأهميته باعتباره محدد منهاجي رئيس في قراءة النص القرآني.

أما مداخلة الدكتور محمد الناصري؛ أستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة السلطان مولاي سليمان ببني ملال، فقد نبه من خلالها إلى أهمية إعادة تحديد مفهوم القرآن الكريم، باعتباره ممهدا لتحديد طبيعة النظر للقرآن المجيد قصد التوصل إلى تأويل أحسن لآي القرآن الكريم.

ثم أشار د. الناصري إلى أن أحسن من انتقد القراءات الحداثية للقرآن الكريم هو الدكتور طه عبد الرحمن في كتابه «روح الحداثة»، حيث وصفها بأنها قراءات مقلدة، كما بين أن آفة التقليد في العلوم الإسلامية أسهمت بشكل كبير في هذا (النزوح) عند أصحاب القراءات الحداثية.

وفي ختام مداخلته أشار إلى أن أبا القاسم الحاج حمد في كتابه «العالمية الإسلامية الثانية» قد سبق الدكتور طه جابر العلواني في التنبيه على ضرورة مراعاة الوحدة البنائية للقرآن الكريم كمحدد منهاجي في فهم القرآن الكريم.

من جهتها قامت دة. فاطمة الزهراء الناصري؛ الأستاذة الباحثة بمركز الدراسات القرآنية بالرباط، بقراءة في بعض المفاهيم المكونة لعنوان الكتاب «الخطاب القرآني ومناهج التأويل نحو دراسة نقدية للتأويلات المعاصرة»، ثم لخصت وحصرت ما جاء في الكتاب من أفكار وآراء مؤكدة أن الكتاب يندرج في إطار ما يسمى بعلم الانتصار للقرآن، وأنه دراسة شمولية متكاملة الرؤية؛ لقيامها على النقد للانحرافات المنهجية في التأويلات المعاصرة ثم تقديم البديل دون ترك إي فراغ علمي أو منهجي في هذا الباب..

وأثناء حديث د.فاطمة الزهراء عن الخطاب القرآني وفلسفة التاريخ أكدت على الانتقال إلى مرحلة تأسيس نظريات في العلوم الاجتماعية والإنسانية من عمق القرآن،  وعدم الاقتصار على الأسلمة السطحية والتأصيل للنظريات الجاهزة.

وفي مسألة «الحداثة المبدعة»، أبدت دة.فاطمة الزهراء الناصري نوعا من التحفظ من استعمال «الحداثة المبدعة»، نظرا لكون «الحداثة» باعتبارها مصطلح فلسفي غربي لا يجب إسقاطه على الآيات القرآنية، لتخلص إلى أن الكتاب لبنة هامة في إطار استيعاب علوم الآلة الجديدة لفهم الآيات القرآنية، وأنه جهد موفق خصوصا في استعمال الآلية اللسانية.

من جانبه استهل د. محمد إقبال عروي؛ الأستاذ الباحث غير متفرغ بمركز الدراسات القرآنية، مداخلته باقتراح تقسيم الكتاب إلى جزأين الأول: «خصائص الخطاب القرآني» والثاني: «مناهج التأويل المعاصرة للخطاب القرآني»، وذلك بالنظر لغزارة المعلومات والمنهج الذي يحكمه، ثم أشار إلى أن مقتضيات منهجية تستدعي د. عبد الرحمن بودرع أن يذكر بأمور حقها أن تكون خارج إطار هذا البحث، وهو ما يسمى بـ «علم اجتماع الكتاب».

ثم لفت الدكتور محمد إقبال الانتباه إلى أن العقل المسلم مازالت تحكمه منظورات تقوم على المفاصلة، بمعنى أن الغربيين  يجتهدون لحالهم والمسلمون يجتهدون لحالهم، وأن منطق الاسقلالية والنسيج النفسي الذي تقدمه مقولات وهمية مثل الأصالة والإستعلاء الإيماني/ البديل الإسلامي/ الأسلمة؛ هذا النسيج النفسي الموهم يجعلنا نتصور أننا لا يجب أن نتقاطع مع الغرب في نقطة أو نقطتين أو أكثر وهذا أمر يثير ـ في نظره ـ مشاكل حقيقة.

كما أشاد بالجهد الذي بذله الدكتور عبد الرحمن بودرع، بحيث جعل للكتاب مدخلا ينهي مع البداغوجية التقليدية القائمة على الثنائيات: المكي/ المدني، الناسخ/ المنسوخ، الأثر/ الرأي، القدماء/ المحدثين، باستثناء موضعين اثنين: أولا: ثنائية القرآن والشعر، ومسألة ظاهر النص وباطن النص.

ثم أشار إلى قضية توصيف القراءات بأنها تدبرية، وتساندية،.. مؤكدا أن سبب تعدد مسميات القراءات يكون بالنظر لبواعثها ومقاصدها تارة، ولبعض الخطوت العملية تارة أخرى، وأنها مسميات لجزء ونحن نبحث عن الاسم الكل «القراءة» على اعتبار أن «الـ» تفيد أحيانا دلالة  الخصوص والتعين.  

   وفي إطار التعقيب تناول الكلمة فضيلة الدكتور عبد الرحمن بودرع استهلها بالشكر الجزيل للأساتذة على ما تقدموا به من ملاحظات حول الكتاب، مبرزا أهمية هذا اللقاء العلمي باعتباره مناسبة لإعادة النظر في النظر، وأنه مناسبة لاستئناف مناقشة مجموعة من الأفكار والقضايا في إطار هذا المشروع (التأويلي).

وأكد د. عبد الرحمن بودرع أن مبدأ الطريق في فهم القرآن المجيد وتدبره وتفسيره، ثم تأويله يبدأ من معيار البيان؛ أي أدوات فهم النص: بإعمال «علوم الآلة القديمة والحديثة».

يشار إلى أن مركز الدراسات القرآنية سبق ونظم لقاءه العلمي الأول، حول موضوع: «الرؤية الكلية في القرآن الكريم»، من تأطير الأستاذ الدكتور ناجي بن الحاج الطاهر، الأستاذ المتخصص في علم الاجتماع والفيزياء، والكومبيوتر وتقنية المعلومات بالولايات المتحدة الأمريكية، والمهتم بالدراسات القرآنية، وفلسفة التاريخ، وهو اللقاء الذي عرف حضور ومشاركة  فضيلة الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، الأستاذ الدكتور أحمد عبادي، إلى جانب ثلة من الباحثين والمهتمين، وكذا الباحثين بالمركز.

 

                                                              إعداد: ذ. محمد لحمادي / ذ. رضوان غزالي

                                                               الباحثان بمركز الدراسات القرآنية

تعليق واحد

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    في البداية أشكر كل الدكاترة والباحثين في مجال الدراسات القرانية، الذين اتجهوا لخدمة القران الكريم في شتى مجالاته، ولا شك أن هذه المجهودات أعطت ثمارها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق