مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقدية

قراءات في كتاب (التصوف والباطنية في الأندلس) من تنظيم مركز أبي الحسن الأشعري بتطوان

 

في إطار سلسلة القراءات التي يعقدها مركز أبي الحسن الأشعري التابع للرابطة المحمدية للعلماء، نظم بالتعاون مع مركز دكتوراه الآداب والعلوم الإنسانية والترجمة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان لقاء علميا يوم الثلاثاء 21 فبراير 2017 بفضاء الكلية، تم فيه تقديم قراءات في كتاب “التصوف والباطنية في الأندلس” تأليف ماريبيل فييرو (Maribel Fierro)، الذي ترجمه عن الإنجليزية الأستاذ مصطفى بنسباع، وقد ساهم في هذه القراءات ثلة من الأساتذة المتخصصين هم: د.عبد اللطيف شهبون، د.جعفر بلحاج السلمي، د.عبد الكريم الطرماش، د.محمد بلال أشمل، د.رشيد المصطفى.
      افتتح اللقاء مسير الجلسة رئيس مركز أبي الحسن الأشعري بكلمة خص فيها بالشكر الكلية ومركز الدكتوراه والأساتذة المشاركين، مبيّنـا المسوغات والدواعي العلمية لمثل هذه اللقاءات، بعدها قدّم تعريفا بمؤلفة الكتاب وأعمالها، وبسيرة المترجم وأعماله، مع قراءة موجزة تناول فيها مضامين الكتاب، وفصوله التي تضمنت أبحاثا جمعها المترجم ونسق بينها، وهي: «معارضة التصوف في الأندلس» و«الجدل في كرامات الأولياء وتطور التصوف في الأندلس» و«الباطنية في الأندلس مسلمة بن القاسم القرطبي مؤلف كتابي رتبة الحكيم وغاية الحكيم» و«عودة إلى الباطنية في عصر الخلافة الأموية بالأندلس»، بعدها فسح المجال لمداخلات الأساتذة.
في المداخلة الأولى أشـار د. عبد اللطيف شهبون إلى الآفاق العلمية والمنهجية التي يفتحها الكتاب الذي يعالج موضوع التصوف بوصفه رؤية كونية مؤصلة وممتدة، ومثمنا بعد ذلك جهد المترجم ودربته ومراسه وضبطه للغات، ثم قسّم مداخلته إلى أربع وقفات: الأولى تناول فيها السياق التأليفي للكتاب، أي أن العمل لا يمكن استيعابه إلا من خلال إدراجه في سلسلة أعمال أخرى للمترجم، الوقفة الثانية كانت مع عتبة الكتاب، ونبه فيها إلى المدة الطويلة التي استغرقت الدراسات الأربع التي اجتهد المترجم في تعريبها والتنسيق بينها من حيث التقديم والتأخير ووضع العناوين والإحالات الغنية والمكثفة، مع احترازه وتريثه في إصدار الأحكام، في الوقفة الثالثة التي خصصها للفصل الأول، ناقش المؤلفة في موضوع معارضة التصوف في الأندلس ومدى أهميته من حيث التأطير العام والإشكالات، خصوصا في جوابها عن سؤال هوية خصوم التصوف، ثم ختم ورقته بوقفة مع ابن مسرة (ت.319هـ) في حياته ورحلاته وآرائه العقدية الاعتزالية بعد عرض اختلاف الباحثين في تحديد هويته العقدية والصوفية.
بعدها قدم د.جعفر بلحاج السلمي قراءة تناول فيها عمل المترجم من حيث اختياره لدراسات على مستوى عال من العلمية، قام بالتنسيق بينها وجمعها وتحريرها والتقديم لها، مؤكدا أن الترجمة عن الإنجليزية نادرة في المغرب، ومما زاد العمل إكبارا أنه جاء من متخصص في التاريخ وليس في اللغة الإنجليزية، منبها بعد ذلك أن المترجم لم يكتف بتعريب العمل، وإنما ناقش المؤلفة في مجموع طروحاتها التي تدخل في إطار «تاريخ الذهنيات والأفكـار»، ومن جهة العنوان رأى المتدخل أن التصوف والباطنية منظومتان متمايزتان بينهما خيط رقيق يتحدد في ثنائية النفي والإثبات، فالتصوف منظومة فلسفية تنطلق من الشريعة، فتعطيها معنى دون أن تنفيها وتبطلها، وهو أقسام تختلف بحسب مراتب التعبير ودرجاته ومصادره، في حين تقوم الباطنية على تفكير غنوصي مؤسًّس على مجموعة من المرجعيات كالعقل والدين والأسطورة، لكن تنتهي إلى إبطال الشريعة وإلغائها كما في التيارات الباطنية كالنصيرية والدرزية، معرجا بعد ذلك على عقيدة الصوفية التي قرأ نصها من كتاب «التعرف لمذهب أهل التصوف» لأبي نصر الكلاباذي (ت.398هـ) وقام بتحليله، خاتما ورقته بالحديث عن ابن مسرة الذي وصفه بـ«الرجل المعضلة» وبعض الشخصيات الصوفية التي جمعت بين المتناقضات إلى حد لا تنكشف هوياتهم للباحثين والدارسين.
المداخلة الثالثة استهلها د.عبد الكريم الطرماش بكلمة شدد فيها على السلطة المعرفية التي يفرضها الكتاب المؤلف في لغته الأصلية على المترجم أو المعرّب، ما يجعل من فعل الترجمة في حد ذاته مغامرة تحتاج إلى كفاءة من طرف صاحبها ورزانة في تمثل المضامين والحكم عليها، وهذا ما ينسحب على مترجم الكتاب قيد القراءة، ثم بعد ذلك انعطف الدكتور الطرماش إلى استشكال ثلاث مسائل رئيسية: أولاها تتعلق بالمذهب الصوفي الإشراقي لابن مسـرة الأندلسـي الذي اعتبره المتدخل ممثلا للمرحلة الأولى من مراحل تكوين التصوف الفلسفي في الأندلس، مبينا كيف أن ابن مسرة تأثر بمقومات ثقافة عصره، فجاء مذهبه الصوفي مزيجا من زهديات ذي النون المصري (ت.245هـ) وسهل التستري (ت.283هـ) وهجينا من العقائد الاعتزالية والفكر الإسماعيلي، بل وغنوصية الفلسفة الأفلاطونية المحدثة من خلال الاستمداد من نظرية الفيض الإلهي. كل هذه العناصر التأمت لتشكل مذهب ابن مسرة الصوفي الفلسفي في مقابل التصوف السني. المسألة الثانية تهم المصطلحات الصوفية من قبيل: “الكشف” و”الذوق” و”الإشراق” و”التجلي” و”الانعتاق”.. وهي اصطلاحات تنسجم مع منهجية التصوف الفلسفي القائمة على تجاوز أطوار الحس والعقل إلى الاستهداء بمناهج العرفان والمكاشفة. وأما المسألة الثالثة فتخص الموقف الرافض للتصوف الباطني في الأندلس من طرف الحكام والفقهاء والمحدثين وغيرهم، معللا موقفهم بمخالفة هذا الجنس من التصوف للشريعة والسنة، وتأسيسهم لحركات جماهيرية مناوئة للسلطة الحاكمة، والانتهاء إلى القول بزندقات تصادر على أصول الإسلام. ثم اختتم الدكتور مداخلته بالتنويه إلى موقف ابن عربي (ت638هـ) في “الفتوحات المكية” من ابن مسـرة؛ حيث حلاه بكونه «أكبر أهل الطريقة علما وفتحا» ما يدل على علاقة قربى بينه وبين ابن مسـرة وتأثره به. كما نوه إلى اكتشاف كتابيْ ابن مسرة: “خواص الحروف” و”رسالة الاعتبار”، وهذا من شأنه أن يساهم في إعادة قراءة مذهبه الصوفي.
وفي المداخلة الرابعة افتتح د. محمد بلال أشمل كلمته بالإشادة بمركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية، والذي باتت إصداراته محل اهتمام ومتابعة من طرف مجموعة من المؤسسات الأجنبية الغربية منها مجلة القنطرة al-qantara الصادرة عن المجلس الأعلى للبحوث العلمية بمدريد، كما نوه بقيمة ما سماه بـ”الإسلاميات الإسبانية” في تقريب العلوم الإسلامية ـ من تصوف وفلسفة و”كلام” ـ ومسائلها إلى الفضاء الفكري الإسباني. ثم عرج الدكتور أشمل ـ في إطار القراءة الخارجية للمتن المترجم ـ على سياق تعريب أعمال المستعربة ماريبيل فييرو من قبل الأستاذ مصطفى بنسباع؛ حيث نبه إلى اندراجه في إطار رؤية علمية راسخة بلورها المعرّب، ابتداءً، بترجمة كتاب “الزهاد والصوفية والسلطة في الأندلس” (بالإسبانية) لمانويلا مرين، ثم أتبعه بهذا العمل (عن الإنجليزية) لإيقاف القارئ العربي على نظرة الباحث الغربي للتراث الإسلامي الصوفي في الأندلس. كما ألمع إلى رسوخ قدم الباحثة الإسبانية في حقل الإسلاميات الأندلسية؛ حيث أحصى لها زهاء 128 بحثا فقط منذ سنة 2009، هذا فضلا عما تتميز به من جراءة في الحسم في مسائل غامضة وعالقة كما هو الشأن في نسبتها كتابي “رتبة الحكيم” و”وغاية الحكيم” لمسلمة بن القاسم القرطبي (ت.353هـ). وأما القراءة الداخلية للعمل فقد انصبت، من جهة، على بيان شخصية المعرب البحثية، والتي تجلت في الترتيب المعرفي المحكم لفصول الكتاب انطلاقا من الكلي إلى الجزئي خلافا لترتيبها الزماني بحسب تاريخ نشر المقالات في لغتها الأصلية، ومسارعته إلى التمييز بين التصوف والباطنية دفعا لتهمة الإيهام أو التخليط، ودعوته إلى ضرورة التدقيق في العديد من دعاوي المستعربة الإسبانية. ومن جهة ثانية إلى مناقشة جملة من مضامين الكتاب من قبيل الاحتفاف بأهمية الأسباب الفكرية والعقدية المنتجة لمجموعة من المظاهر والأحداث السياسية والاجتماعية في أندلس العصر الوسيط، بما فيها المعارضة الأموية للتصوف الباطني.
أما المداخلة الخامسة والأخيرة فقد تهمّم فيها د. رشيد المصطفى بالتمييز بين التصوف السلوكي التربوي والتصوف الفلسفي الباطني؛ الأول سني نال القبول والرضا من طرف العامة وأولي الأمر حكاما وفقهاء، وقد تأسس في الأندلس على يد أبي عمرو الطلمنكي (ت.429هـ)، أما الثاني فهو تصوف غنوصي إشراقي جُوبه بالرفض والرقابة من طرف السلطة والعامة معا. في هذا الصدد، أكد المصطفى على ضرورة الاستدراك على المستعربة الإسبانية في ربطها سند ابن برجان (536هـ) وأبي القاسم ابن قسي (ت.546هـ) ـ القائلين بتجدُّد النبوة في الولاية ـ بالطلمنكي المذكور، وهو خطأ ناجم عن الاقتصار على بعض المراجع والمقالات دون الرجوع إلى أمهات المصادر المخطوطة والمطبوعة في التراجم وتاريخ الأندلس وغيرها، وهذا التقصير كان سببا في الحكم على الطلمنكي بتهمة ترؤس حركة/جماعة جماهيرية وادعاء الإمامة. وهي تهمة في نظره عارية، مشددا على أن الرجل كان سنيا أشعريا لا تمت إليه الباطنية بصلة.
وفي الأخير توج هذا اللقاء الأستاذ مصطفى بنسباع بكلمة شكر فيها المساهمين في إنجاح هذا اللقاء، وخص الأساتذة بالثناء على قراءاتهم العميقة والتكاملية، معتبرا إياها مكافأة له على الجهد الذي أخذته منه الترجمه بمعضلاتها ومعاناتها وصعوبة المادة من حيث الاصطلاح الصوفي وراهنية البحث وما يتطلبه من الإطلاع الشامل في كل ما كتب في الموضوع، وهو عمل جاء في سياق سلسلة أعمال ترجمها في الموضوع نفسه وستليها أعمال مستقبله أخرى، والمشـروع رام مـنـه ـ كما قال ـ أن يكون حلقة وصل بين الضفتين المغربية والإسبانية، بعدها تفاعل مع أسئلة الحضور التي تضمنت إشكالات واستفسارات تتعلق بالترجمة ومنهجية المؤلفة وبعض قضايا الكتــاب.
                                   التقرير من إنجاز الباحثين: محمد السقال وأشرف الحزمري
 
  

في إطار سلسلة القراءات التي يعقدها مركز أبي الحسن الأشعري التابع للرابطة المحمدية للعلماء، نظم بالتعاون مع مركز دكتوراه الآداب والعلوم الإنسانية والترجمة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان لقاء علميا يوم الثلاثاء 21 فبراير 2017 بفضاء الكلية، تم فيه تقديم قراءات في كتاب “التصوف والباطنية في الأندلس” تأليف ماريبيل فييرو (Maribel Fierro)، الذي ترجمه عن الإنجليزية الأستاذ مصطفى بنسباع، وقد ساهم في هذه القراءات ثلة من الأساتذة المتخصصين هم: د.عبد اللطيف شهبون، د.جعفر بلحاج السلمي، د.عبد الكريم الطرماش، د.محمد بلال أشمل، د.رشيد المصطفى.

      افتتح اللقاء مسير الجلسة رئيس مركز أبي الحسن الأشعري بكلمة خص فيها بالشكر الكلية ومركز الدكتوراه والأساتذة المشاركين، مبيّنـا المسوغات والدواعي العلمية لمثل هذه اللقاءات، بعدها قدّم تعريفا بمؤلفة الكتاب وأعمالها، وبسيرة المترجم وأعماله، مع قراءة موجزة تناول فيها مضامين الكتاب، وفصوله التي تضمنت أبحاثا جمعها المترجم ونسق بينها، وهي: «معارضة التصوف في الأندلس» و«الجدل في كرامات الأولياء وتطور التصوف في الأندلس» و«الباطنية في الأندلس مسلمة بن القاسم القرطبي مؤلف كتابي رتبة الحكيم وغاية الحكيم» و«عودة إلى الباطنية في عصر الخلافة الأموية بالأندلس»، بعدها فسح المجال لمداخلات الأساتذة.

في المداخلة الأولى أشـار د. عبد اللطيف شهبون إلى الآفاق العلمية والمنهجية التي يفتحها الكتاب الذي يعالج موضوع التصوف بوصفه رؤية كونية مؤصلة وممتدة، ومثمنا بعد ذلك جهد المترجم ودربته ومراسه وضبطه للغات، ثم قسّم مداخلته إلى أربع وقفات: الأولى تناول فيها السياق التأليفي للكتاب، أي أن العمل لا يمكن استيعابه إلا من خلال إدراجه في سلسلة أعمال أخرى للمترجم، الوقفة الثانية كانت مع عتبة الكتاب، ونبه فيها إلى المدة الطويلة التي استغرقت الدراسات الأربع التي اجتهد المترجم في تعريبها والتنسيق بينها من حيث التقديم والتأخير ووضع العناوين والإحالات الغنية والمكثفة، مع احترازه وتريثه في إصدار الأحكام، في الوقفة الثالثة التي خصصها للفصل الأول، ناقش المؤلفة في موضوع معارضة التصوف في الأندلس ومدى أهميته من حيث التأطير العام والإشكالات، خصوصا في جوابها عن سؤال هوية خصوم التصوف، ثم ختم ورقته بوقفة مع ابن مسرة (ت.319هـ) في حياته ورحلاته وآرائه العقدية الاعتزالية بعد عرض اختلاف الباحثين في تحديد هويته العقدية والصوفية.

بعدها قدم د.جعفر بلحاج السلمي قراءة تناول فيها عمل المترجم من حيث اختياره لدراسات على مستوى عال من العلمية، قام بالتنسيق بينها وجمعها وتحريرها والتقديم لها، مؤكدا أن الترجمة عن الإنجليزية نادرة في المغرب، ومما زاد العمل إكبارا أنه جاء من متخصص في التاريخ وليس في اللغة الإنجليزية، منبها بعد ذلك أن المترجم لم يكتف بتعريب العمل، وإنما ناقش المؤلفة في مجموع طروحاتها التي تدخل في إطار «تاريخ الذهنيات والأفكـار»، ومن جهة العنوان رأى المتدخل أن التصوف والباطنية منظومتان متمايزتان بينهما خيط رقيق يتحدد في ثنائية النفي والإثبات، فالتصوف منظومة فلسفية تنطلق من الشريعة، فتعطيها معنى دون أن تنفيها وتبطلها، وهو أقسام تختلف بحسب مراتب التعبير ودرجاته ومصادره، في حين تقوم الباطنية على تفكير غنوصي مؤسًّس على مجموعة من المرجعيات كالعقل والدين والأسطورة، لكن تنتهي إلى إبطال الشريعة وإلغائها كما في التيارات الباطنية كالنصيرية والدرزية، معرجا بعد ذلك على عقيدة الصوفية التي قرأ نصها من كتاب «التعرف لمذهب أهل التصوف» لأبي نصر الكلاباذي (ت.398هـ) وقام بتحليله، خاتما ورقته بالحديث عن ابن مسرة الذي وصفه بـ«الرجل المعضلة» وبعض الشخصيات الصوفية التي جمعت بين المتناقضات إلى حد لا تنكشف هوياتهم للباحثين والدارسين.

المداخلة الثالثة استهلها د.عبد الكريم الطرماش بكلمة شدد فيها على السلطة المعرفية التي يفرضها الكتاب المؤلف في لغته الأصلية على المترجم أو المعرّب، ما يجعل من فعل الترجمة في حد ذاته مغامرة تحتاج إلى كفاءة من طرف صاحبها ورزانة في تمثل المضامين والحكم عليها، وهذا ما ينسحب على مترجم الكتاب قيد القراءة، ثم بعد ذلك انعطف الدكتور الطرماش إلى استشكال ثلاث مسائل رئيسية: أولاها تتعلق بالمذهب الصوفي الإشراقي لابن مسـرة الأندلسـي الذي اعتبره المتدخل ممثلا للمرحلة الأولى من مراحل تكوين التصوف الفلسفي في الأندلس، مبينا كيف أن ابن مسرة تأثر بمقومات ثقافة عصره، فجاء مذهبه الصوفي مزيجا من زهديات ذي النون المصري (ت.245هـ) وسهل التستري (ت.283هـ) وهجينا من العقائد الاعتزالية والفكر الإسماعيلي، بل وغنوصية الفلسفة الأفلاطونية المحدثة من خلال الاستمداد من نظرية الفيض الإلهي. كل هذه العناصر التأمت لتشكل مذهب ابن مسرة الصوفي الفلسفي في مقابل التصوف السني. المسألة الثانية تهم المصطلحات الصوفية من قبيل: “الكشف” و”الذوق” و”الإشراق” و”التجلي” و”الانعتاق”.. وهي اصطلاحات تنسجم مع منهجية التصوف الفلسفي القائمة على تجاوز أطوار الحس والعقل إلى الاستهداء بمناهج العرفان والمكاشفة. وأما المسألة الثالثة فتخص الموقف الرافض للتصوف الباطني في الأندلس من طرف الحكام والفقهاء والمحدثين وغيرهم، معللا موقفهم بمخالفة هذا الجنس من التصوف للشريعة والسنة، وتأسيسهم لحركات جماهيرية مناوئة للسلطة الحاكمة، والانتهاء إلى القول بزندقات تصادر على أصول الإسلام. ثم اختتم الدكتور مداخلته بالتنويه إلى موقف ابن عربي (ت638هـ) في “الفتوحات المكية” من ابن مسـرة؛ حيث حلاه بكونه «أكبر أهل الطريقة علما وفتحا» ما يدل على علاقة قربى بينه وبين ابن مسـرة وتأثره به. كما نوه إلى اكتشاف كتابيْ ابن مسرة: “خواص الحروف” و”رسالة الاعتبار”، وهذا من شأنه أن يساهم في إعادة قراءة مذهبه الصوفي.

وفي المداخلة الرابعة افتتح د. محمد بلال أشمل كلمته بالإشادة بمركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية، والذي باتت إصداراته محل اهتمام ومتابعة من طرف مجموعة من المؤسسات الأجنبية الغربية منها مجلة القنطرة al-qantara الصادرة عن المجلس الأعلى للبحوث العلمية بمدريد، كما نوه بقيمة ما سماه بـ”الإسلاميات الإسبانية” في تقريب العلوم الإسلامية ـ من تصوف وفلسفة و”كلام” ـ ومسائلها إلى الفضاء الفكري الإسباني. ثم عرج الدكتور أشمل ـ في إطار القراءة الخارجية للمتن المترجم ـ على سياق تعريب أعمال المستعربة ماريبيل فييرو من قبل الأستاذ مصطفى بنسباع؛ حيث نبه إلى اندراجه في إطار رؤية علمية راسخة بلورها المعرّب، ابتداءً، بترجمة كتاب “الزهاد والصوفية والسلطة في الأندلس” (بالإسبانية) لمانويلا مرين، ثم أتبعه بهذا العمل (عن الإنجليزية) لإيقاف القارئ العربي على نظرة الباحث الغربي للتراث الإسلامي الصوفي في الأندلس. كما ألمع إلى رسوخ قدم الباحثة الإسبانية في حقل الإسلاميات الأندلسية؛ حيث أحصى لها زهاء 128 بحثا فقط منذ سنة 2009، هذا فضلا عما تتميز به من جراءة في الحسم في مسائل غامضة وعالقة كما هو الشأن في نسبتها كتابي “رتبة الحكيم” و”وغاية الحكيم” لمسلمة بن القاسم القرطبي (ت.353هـ). وأما القراءة الداخلية للعمل فقد انصبت، من جهة، على بيان شخصية المعرب البحثية، والتي تجلت في الترتيب المعرفي المحكم لفصول الكتاب انطلاقا من الكلي إلى الجزئي خلافا لترتيبها الزماني بحسب تاريخ نشر المقالات في لغتها الأصلية، ومسارعته إلى التمييز بين التصوف والباطنية دفعا لتهمة الإيهام أو التخليط، ودعوته إلى ضرورة التدقيق في العديد من دعاوي المستعربة الإسبانية. ومن جهة ثانية إلى مناقشة جملة من مضامين الكتاب من قبيل الاحتفاف بأهمية الأسباب الفكرية والعقدية المنتجة لمجموعة من المظاهر والأحداث السياسية والاجتماعية في أندلس العصر الوسيط، بما فيها المعارضة الأموية للتصوف الباطني.

أما المداخلة الخامسة والأخيرة فقد تهمّم فيها د. رشيد المصطفى بالتمييز بين التصوف السلوكي التربوي والتصوف الفلسفي الباطني؛ الأول سني نال القبول والرضا من طرف العامة وأولي الأمر حكاما وفقهاء، وقد تأسس في الأندلس على يد أبي عمرو الطلمنكي (ت.429هـ)، أما الثاني فهو تصوف غنوصي إشراقي جُوبه بالرفض والرقابة من طرف السلطة والعامة معا. في هذا الصدد، أكد المصطفى على ضرورة الاستدراك على المستعربة الإسبانية في ربطها سند ابن برجان (536هـ) وأبي القاسم ابن قسي (ت.546هـ) ـ القائلين بتجدُّد النبوة في الولاية ـ بالطلمنكي المذكور، وهو خطأ ناجم عن الاقتصار على بعض المراجع والمقالات دون الرجوع إلى أمهات المصادر المخطوطة والمطبوعة في التراجم وتاريخ الأندلس وغيرها، وهذا التقصير كان سببا في الحكم على الطلمنكي بتهمة ترؤس حركة/جماعة جماهيرية وادعاء الإمامة. وهي تهمة في نظره عارية، مشددا على أن الرجل كان سنيا أشعريا لا تمت إليه الباطنية بصلة.

وفي الأخير توج هذا اللقاء الأستاذ مصطفى بنسباع بكلمة شكر فيها المساهمين في إنجاح هذا اللقاء، وخص الأساتذة بالثناء على قراءاتهم العميقة والتكاملية، معتبرا إياها مكافأة له على الجهد الذي أخذته منه الترجمه بمعضلاتها ومعاناتها وصعوبة المادة من حيث الاصطلاح الصوفي وراهنية البحث وما يتطلبه من الإطلاع الشامل في كل ما كتب في الموضوع، وهو عمل جاء في سياق سلسلة أعمال ترجمها في الموضوع نفسه وستليها أعمال مستقبله أخرى، والمشـروع رام منه ـ كما قال ـ أن يكون حلقة وصل بين الضفتين المغربية والإسبانية، بعدها تفاعل مع أسئلة الحضور التي تضمنت إشكالات واستفسارات تتعلق بالترجمة ومنهجية المؤلفة وبعض قضايا الكتاب.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق