الرابطة المحمدية للعلماء

علماء يسلطون الضوء على “مقاصد الشريعة والسياق الكوني المعاصر”

تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، ووسط حضور وازن ومتميز لثلة من العلماء والباحثين والمهتمين الذين قدموا من مختلف بلدان العالم الإسلامي، نظمت الرابطة المحمدية للعلماء، يومي الثلاثاء والأربعاء الأخيرين، بالرباط، ندوة علمية دولية حول موضوع “مقاصد الشريعة والسياق الكوني المعاصر”.

وقد استهلت أشغال هذه الندوة، بعد تلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم، بـ”مداخلة تأطيرية لفضيلة الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء الدكتور أحمد عبادي، تلتها محاضرتان افتتاحيتان، الأولى للدكتور رضوان السيد بعنوان “مقاصد الشريعة والمدخل القيمي: النظرية الاجتماعية والسياسية”، والثانية للدكتور طه جابر العلواني بعنوان “لماذا تأخرت العناية بالفكر المقاصدي في فكرنا الإسلامي؟”.  

وأكد فضيلة الدكتور أحمد عبادي، الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء في الجلسة الافتتاحية، أن القصد من هذه الندوة التي تنتظم ضمن سلسلة من مجموعة من الندوات سبقتها، هو العكوف والانكباب على عدد من القضايا الحارقة والمؤرقة، مبينا أن أولى هذه القضايا هي أن هذا الكوكب مهدد بأن تنتهي حياة بني آدم عليه من جراء الاحتباس الحراري، وثانيها هي قضية العدالة والحقوق في عالمنا المعاصر، أما القضية الثالثة فهي تلك المرتبطة بالتنمية المستدامة.

وتساءل فضيلة الأمين العام، بخصوص هذه القضية الأخيرة حول طبيعة القيم التي ينبغي أن تؤطر كسب هذا الإنسان وهو يسعى لكي يكون منتجا في هذا الكون دون أن يكون مدمرا لنفسه ولكوكبه ودون أن يكون متجاوزا لحقوق الأجيال القادمة، وأضاف أن القضية الرابعة تتحدد في كيفية تنظيم جهاز استقبال وجهاز تصور وتمثل لذلك الكم الهائل من المعلومات التي تجتاح الإنسان عبر الوسائل التكنولوجية الحديثة، أما القضية الحارقة الخامسة فتتمثل في كيفية التعامل مع العدوى والعاهات النفسية والقيمية التي تضرب هذا الوجود وتضرب كذلك الأسرة البشرية الممتدة.   

وأوضح فضيلة الدكتور أحمد عبادي، أن هذه الندوة تروم كذلك تبيان حقيقة هذه القضايا وتبيان البعد المقاصدي والكلياتي لها “لكي نحاول التحاور مع سياقنا الكوني المعاصر ونجد جملة من الأجوبة عن هذه القضايا المحورية”، مشيرا إلى أن الفكر المقاصدي باعتباره مجالا علميا غنيا، يمكن إذا تم تسييقه، أن يفتح أمام الباحثين أبوابا جديدة للاشتغال والإبداع، يستطيعون من خلالها القيام بقراءة متجددة لنصوص الوحي، وامتلاك آليات جديدة للاجتهاد الفقهي.

من جانبه، تحدث الدكتور رضوان السيد، أستاذ الدراسات الإسلامية بالجامعة اللبنانية، في محاضرة له تحمل عنوان “مقاصد الشريعة والمدخل القيمي.. النظرية الاجتماعية والسياسية”، عن تاريخ علم مقاصد الشريعة الإسلامية، مبرزا بالدرس والتحليل والتدقيق المراحل والحقب التي مر منها.

كما أبرز فضيلة الدكتور المحاضر، في المحاضرة نفسها، أن النظرية الاجتماعية السياسية في الإسلام، إنما تقوم في تطورها واستمرارها على الاعتبارات الأخلاقية، مبينا أن السلطة في أي مجتمع من الممكن أن تصل إلى مرتبة الضرورة العقلية لتعلقها بحفظ الضروريات اللازمة لبقاء الاجتماع الإنساني، أما المهمات عند القيام وبعده فتدخل في بابي الحاجيات والتحسينيات، وهي بميزان الحسن القبح أو درء المفاسد وجلب المصالح ذات موازين تخضع بالفعل للإدراك، لكنها لا تنحصر به أو أنها لا تنضبط به، بل تنضبط بأمر خارج عنه هو الأمر القيمي الأخلاقي.

بدوره، وقف فضيلة الدكتور طه جابر العلواني، رئيس جامعة قرطبة/واشنطن، في محاضرة له تحمل عنوان “لماذا تأخرت العناية بالفكر المقاصدي في فكرنا المعاصر؟”، على العوامل التاريخية التي ساهمت في تأخر العناية بالفكر المقاصدي في الفكر الإسلامي، مستهلا مداخلته بالتأكيد على أن المقاصد تعد حاسمة في تحديد صفة العمل، فلا عمل بدون مقاصد، ومقاصد الشريعة لا تتحقق إلا حينما يشكل الخير والقسط والعدل والهدى والحق سداها ولحمتها.

وأضاف رئيس جامعة قرطبة/واشنطن، أن هذا هو ما يفسر أن المقاصد كانت بداياتها، متينة، قوية وسليمة، فترسخت أصولها في كتاب الله، وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، بتبيانها، فكانت التعليلات التي امتلأ القرآن الكريم بها دليل على ربط الأعمال بالمقاصد، بناء على توجيه الشارع الحكيم، وعلى ما جاء في كتاب الله وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم، مشيرا إلى أنه لأجل ذلك “ألغيت قيمة أي عمل أو قول لا مقصد له، ولا هدف له ولا غاية”.

وعرفت الفترة الصباحية كذلك، إلقاء قصيدة شعرية تحمل عنوان “على بساط الشاطبي”، نظمها فضيلة الدكتور عبدالهادي حميتو، عضو المكتب التنفيذي للرابطة المحمدية للعلماء، تتغنى بعلم مقاصد الشريعة وتذكر فضل الإمام الشاطبي في تقعيده وتأسيسه والاجتهاد فيه.

المحور الأول لهذه الندوة الذي دار حول محور “معالم ومحددات النظرية المقاصدية”، تميز بالكلمة التي ألقاها الدكتور إسماعيل الحسني، أستاذ بجامعة القاضي عياض بمراكش، والتي أوضح فيها بأنه يوجد نوعين من المقاصد، أولهما المعاني والدلالات التي تدل عليها الشريعة الاسلامية كخطاب والثاني الغايات المصلحية التي تستهدفها الشريعة الإسلامية، مضيفا أنه من خلال الجمع الخلاق بين ما ينبغي أن يكون وما هو كائن يجب ترسيخ توجه معرفي لنقل الفكر المقاصدي المعاصر من علياء التنظير إلى أرض التفعيل التي تنبثق مسائلها من الواقع الكائن وليس مما ينبغي أن يكون عليه.

تلتها بعد ذلك مداخلة الدكتور معتز الخطيب، إعلامي وأستاذ باحت في الدراسات الإسلامية لتوضيح مسالة علاقة المقاصد، بين من خلالها أن أصول الفقه شكل نشوء المقاصد بوصفها علما قائما حقيقيا لا يقتصر على الطابع الإجرائي الفني الذي ظهر على شكل خلاف تجاوز ذلك إلى فهم دواعي انتهاض المقاصد كعلم وانفصاله بالتصنيف عن مباحث أصول الفقه، مشيرا إلى أن توضيح القيمة المعرفية للمقاصد تكمن في تطوير الفكر الأصولي ومدى ارتباط اختلاف التصورات حول المقاصد والأصول باختلاف الدور الوظيفي الذي علق بالمقاصد وتوخي أداؤه منها.

ومن جهتها عبرت الدكتورة مسعودة علواش من كلية الشريعة بجامعة الجزائر، أن محاولة التصنيف والتقسيم للمقاصد عند الأصوليين ومنهم العز بن عبد السلام الذي لم يتنبه كل من بحث في فكره المقاصدي إلى هذا التصنيف حسب ما وقفت عليه من دراسات ومن خلال النصوص في مصنفات القواعد الكبرى التي تجاوزت أكثر من عشرة مواضع تثبت تمسكه بهذا التصنيف الذي قسم على أثره البناء العام لأهم محاور كتاب تفعيل المقاصد.

أما الدكتور مقلاتي صحراوي، أستاذ التعليم العالي بجامعة باتنة الجزائرية، فقد أكد في مداخلته عل أن الباحتين الشرعيين ملزومين بالنظر في النسق المقاصدي بوصفه المدخل الملائم والمناسب لإحياء وتجديد الفكر الإسلامي والعلوم الاسلامية خاصة الجانب العملي والعقدي منه ومنه جاءت هذه المساهمة لنظر في المسوغات المعرفية التي أدت إلى التأليف في مقاصد الشريعة في السياق العربي الإسلامي على اعتبار أن هذا العلم ينطوي على مزايا منهجية جعلته آهلا للتطور المنهجي النوعي.

الدكتور الحسان شهيد من جامعة مولاي إسماعيل بمكناس، أشار إلى أن من نتائج   البحث المتزايد بمبحث المقاصد في العقدين الأخيرين، اختلاف العلماء في استقلال مقاصد الشريعة كعلم منفرد عن علم أصول الفقه وكذلك قراءة العلل المعتبرة في تأسيس العلوم مستصحبة النموذج المقاصدي مع رصد إمكانيات استقلال المقاصد وفق البنية الإبستمولوجية للعلم الإسلامي وبما يسمح به الإمكان الفقهي و الاجتهادي.

بدوره، أبرز فضيلة الدكتور عبدالحميد عشاق، المدير المساعد بمؤسسة دار الحديث الحسنية، أن إعمال المقاصد في الاجتهاد من أهم القضايا التي تشغل بال الباحثين في الفقه الإسلامي، مبينا أن ذلك راجع بالأساس إلى أثر تلك المقاصد في مفردات العملية الاجتهادية برمتها.

وأكد الدكتور عشاق الذي يشغل منصب عضو بالمكتب التنفيذي للرابطة المحمدية للعلماء، أن إعمال المقاصد طريقه بأن تجعل مبدأ أو إطارا كليا حاكما على قواعد منهج الاجتهاد ومعاييره وتنائجه، وبأن تجعل مرحلة من مراحل صياغة الفتوى والحكم، مشيرا إلى أن الأدلة الجزئية تعرض على مقاصد الشريعة العام والخاصة، ولا تقبل إلا إذا انسجمت معها، وتكون هي عمدة المجتهد في المسائل المستجدة التي لا نص فيها ولا نظير لها تقاس عليه.

وبخصوص نفس المحور تناول الكلمة كذلك، الدكتور فريد شكري، الأستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالمحمدية، وتحدث عن المكتبة المقاصدية، وأكد أنها تعرف غزارة في التأليف وخاصة في المباحث النظرية والفكر المقاصدي عند الأئمة الأعلام والتقصيد الشرعي للأحكام، مشيرا إلى أن الجانب المنهجي في البحث المقاصدي بقي ضامرا وهزيلا على الرغم من أهميته القصوى.  

وحاضر الدكتور عبدالله هيتوت، عضو المكتب التنفيذي للرابطة المحمدية للعلماء، حول “معالم ومحددات النظرية المقاصدية”، وأبرز أن الإمام الشاطبي في تأسيسه لعلم المقاصد، اعتمد على الاستنتاج على اعتبار أن أصول الفقه قطعية لا ظنية، لأنها راجعة إلى كليات الشريعة وهذه ثابتة بالاستقراء المفيد للقطع والمؤلف من القطعيات قطعي، مبينا أن وضع الشرائع إنما هو لمصالح العباد في العاجل والآجل معا.

الدكتورة كلتومة دخوش، عضو المجلس الأكاديمي للرابطة المحمدية للعلماء، أكد في محاضرة لها تحمل عنوان “مفهوم التعارف بين مقصدي الخلق والتشريع”، أن التعارف مقصد من مقاصد خلق الناس من ذكر وأنثى، وجعلهم شعوبا وقبائل شتى، متسائلة في الوقت نفسه محددات وضوابط هذا التعارف حسب ما تحدده موارد هذا المصطلح في القرآن الكريم من جهة، والمقاصد العام للشريعة من جهة أخرى.  

وفي المحور نفسه، حاضرت الدكتورة ريحانة اليندوزي، عضو المجلس الأكاديمي للرابطة المحمدية للعلماء، حول “التحقيق في دعوى حصر المكارم الخلقية في المقاصد التحسينية”، وأشارت إلى أن الإمام الشاطبي عرف المقاصد التحسينية بأنها الأخذ بما يليق من محاسن العادات، وتجنب الأحوال المدنسات التي تأنفها العقول الراجحات، موضحة أن المقاصد التحسينية تصنف من حيث الحاجة إليها وأهميتها في أدنى مراتب المقاصد.

وفي ذات المحور، أكد الدكتور عبدالصمد غازي، مدير موقع مسارات للأبحاث والدراسات الاستشرافية والإعلامية، أن علم التصوف تميز بكونه علما مقاصديا اشتغل بالتخلق بالقيم والفضائل والمكارم، فكان بذلك منهجا يرى في مجمل الأعمال والعبادات وسائل للتحقيق بالعبودية للحق، موضحا أن العبادات وسائر الأحكام الشرعية غير مقصودة لذاتها، بل ليزداد بها العامل يقينا بربه وكمالا في خلقه.

المحور الثاني الذي يحمل عنوان “التطور التاريخي والعلمي لمبحث المقاصد: المقاصد قبل الشاطبي وبعده”، أبرز من خلاله، الدكتور كمال الدين إمام، أن أهمية المقاصد في البناء التشريعي لا تخفى على أحد، مبينا أنه تاريخيا يرتبط بالنص الإسلامي نزولا وتنزيلا، الأمر الذي يجعل قراءة تطوره التاريخي بالغ الأهمية في فهم مسارها، ومعرفة مناهجها، وتحديد مجالاتها.

وبخصوص نفس المحور، تناول الكلمة الدكتور أحمد وفاق بن مختار، أستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة العلوم الإسلامية الماليزية، حول موضوع “مصطلح مقاصد الشريعة عند الإمام الشاطبي”، أكد من خلالها بأن بعض الباحثين ذهبوا إلى استعمال لفظ المقاصد بمدلوله الاصطلاحي حسب ما اطلعو عليه من آثار علماء القرن الثاني حيث قالوا إن ظهور هذا المصطلح بدأ في القرن الثالث فما بعد مع بعض العلماء والأصوليين الذين يصرحون في مؤلفاتهم بالكلام عن المقاصد، مفيدا أن مصطلح مقاصد الشريعة كان متداولا عند الإمام الشافعي في كتبه الأصولية عامة و الرسالة القديمة خاصة.

اما الدكتور حسن اليندوزي، أستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالقنيطرة، فقد أكد أنه من اللازم من يروم دراسة المقاصد الشرعية الوقوف عند العز بن عبدالسلام في كتابه قواعد الأحكام في مصالح الأنام باعتباره ممثلا لمرحلة علمية هامة رابطة بين علمي الأصول و المقاصد، موضحا أن الشاطبي حين تناول المقاصد بالبيان والتحرير تناولها من خلال المصالح وضمن كتابه كثيرا مما ذكره العز بن عبد السلام من حقيقة المصلحة و تقسيماتها و مراتبها مما هو ظاهر في كتاب الموافقات.

بدوره، أكد الدكتور عبد الحميد الإدريسي من الكلية المتعددة الاختصاصات بتازة، على ضرورة استدعاء إشكالية تعريف المقاصد ووضعها على بساط البحث والنظر ولكن باعتبارها إشكالا حقيقيا أي على افتراض أن المقاصد غير معروفة عندنا أو على الأقل أن لها عند الشاطبي مدلولا قد يتوافق مع ما هو عندنا سلفا، مشيرا إلى أن هذا الإشكال قد يؤدي ما يتم الخروج به فيه من نتائج إلى تأثيرات عميقة وتغيرات مهمة.

وفي ذات المحور، تحدث الدكتور محمد المنتار، رئيس مركز الدراسات القرآنية ومدير البوابة الإلكترونية للرابطة المحمدية للعلماء، عن مرتبة العفو، وقال في محاضرة له تحمل عنوان “مرتبة العفو وعلاقتها بمقاصد الشريعة.. قراءة منهجية في تداوليات أبي إسحاق الشاطبي”، “ذهب أقطاب علماء الأصول إلى صحة وقوع مرتبة بين الحلال و الحرام تسمى مرتبة العفو”، مضيفا أنها مرتبة لا تنسب إلى الأحكام الشرعية الخمسة المعروفة لدى علماء الأصول بل تعتبر مستقلة عنها لها مواضعها في البناء العام للشريعة الاسلامية و لها مجالاتها التداولية ومراتبها العلمية وامتداداتها المعرفية تظهر من خلال الكشف عن الفرق بينها و بين الحكم المباح و بينها ومرتبة رفع الحرج بالإضافة إلى علاقتها بالبراءة الأصلية والرخصة والعزيمة.

أما الدكتور احميده النيفر من جامعة الزيتونة بتونس، فقد أكد أن من أبرز العوامل الفكرية لاستئناف القول بالمقاصد في العصر الحديث يرجع أولا إلى عبدالرحمان ابن خلدون، مفيدا إلى أنه يعود إليه الفضل كذلك في إعادة الاعتبار إلى وجود أسباب للتمدن وقوانين له تلتئم لتكوين نظرية في المجتمع.

هذه الأرضية النظرية، يضيف الدكتور المحاضر نفسه، أفضت إلى طرح فكري يشرع للفكر المقاصدي وذلك بالتركيز على غاية مشتركة هي إعادة صياغة العقل المسلم لتأهيله لما حفلت به أدبيات الإصلاح من ضرورة مراعاة روح الزمان وطبعه واعتمده من قبل صاحب المقدمة في حديثه عن تقلب الأحوال والأعصار.

وبخصوص المحور الثالث الذي تدور رحاه حول “علم المقاصد والمنهجيات المعاصرة”، أوضح الدكتور إبراهيم حمداوي، أستاذ بجامعة عبدالملك السعدي بتطوان، في مداخلة له تحمل عنوان “في حاجة العلوم الإجتماعية الحديثة إلى علم المقاصد، من أجل السعادة والاستقرار الاجتماعيين”، أن العنف والسلوك المنحرف هو سلوك يخرق القانون والدين والعرف المتعارف عليه داخل المجتمع فيعاقب المخالف أو الفاعل لغايتين لردع  المخالف وحماية الآخرين من المتضررين من جهة ولتحقيق السعادة للإنسان الذي يعتبر في بعض المذاهب الإسلامية كمقصد من مقاصد الشريعة و هو ما بينه الإمام الشاطبي في الموافقات حين الحديث عن جلب المصالح و درء المفاسد و بينه كذلك العديد من الباحتين .

الدكتور بشير المكي عبد اللاوي من وزارة التربية بتونس يقر في مداخلة له تحمل عنوان “قراءة في الكتابات المقاصدية المعاصرة”، أن اقتصاد المتقدمين في بحث  مقاصد الشريعة الإسلامية قابله المعاصرون بالتوسع في الاهتمام بها حتى بات من المتعذر ملاحقة ما يؤلف من كتب وما ينشر من دراسات، مبينا أن  هذه الكتابات لا تعدو أن تكون قراءة ومقاربة بشرية لفهم تعاليم الوحي الإلهي المنزل على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.

وحول هذا المحور تدخل كذلك فضيلة الدكتور محمد بلكبير، أستاذ علم الإجتماع ورئيس مركز الدراسات والأبحاث في القيم بالرابطة المحمدية للعلماء، وأكد أن  المشتغلين بالبحث المقاصدي أرخوا لهذا الفكر من خلال أعلام كانت صلتهم قوية بالفكر الشرعي ولم يفسحوا المجال لتخصصات أخرى إلا ناذرا، ومثل لذلك بما قاله البعض من أن التطورات الكبرى للفكر المقاصدي مرت من خلال ثلاثة أعلام هم إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني وأبو إسحاق الشاطبي ومحمد الطاهر بن عاشور .

وحاضر في هذا المحور أيضا الدكتور خالد ميار الإدريسي، الباحث في العلاقات الدولية ورئيس المركز المغربي للدراسات الدولية و المستقبلية، وأشار في مداخلة له تحمل عنوان “نقد الفكر المسقبلي العالمي من منظور مقاصدي، دراسة نقدية للتحيزات العقلية والأخلاقية” إلى أن الألفية الثالثة تعرف تكاثرا لمراكز الأبحاث المعنية والمهتمة بالبحث في الدراسات المستقبلية في أوروبا وأمريكا وآسيا ولا توجد في العالم العربي والإسلامي إلا القليل من حواضن الفكر المستقبلي إما لغياب إرادة سياسية أو احتقارا للبحت المستقبلي باعتباره تنجيما أو تكهنا، مشددا على أن الدراسات المستقبلية والاستشرافية التي تروم بناء مستقبل مجتمع أو أمة أو البشرية كافة لا يجادل أحد في أهميتها.

أما المحور الرابع الذي دار حول البعد الوظيفي للمقاصد، فقد عرف تدخل الدكتورة رشيدة زغواني، أستاذة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ببني ملال، التي حاضرت حول موضوع “مركزية التفكير المقاصدي في الخطاب الشرعي ودوره في صناعة العمران”، بينت من خلاله أن الشريعة الإسلامية ليست سوى مدونة للمصالح غايتها صياغة كينونة دنيوية مستقيمة، تستقيم بها كينونة الإنسان الأبدية، مشيرة إلى أن عقل المقصد الشرعي، رهين بأمور هي واجبة فيمن يهمه أمر الناس كافة وأمر الأمة الإسلامية خاصة.

وعرف هذا المحور كذلك تدخل الدكتور عبد الجليل هنوش من جامعة القاضي عياض بمراكش، حول موضوع “المنظور المقاصدي للتدبير الإداري نحو حكامة عقلانية راشدة”، أكد من خلاله أن المنهج المقاصدي يقوم على فلسفة منهجية شاملة يمكن تطبيقها على كافة شؤون الحياة، موضحا أن هذا المنهج يقوم على عدد من العناصر الأساسية منها على الخصوص، القوة التفسيرية القائمة على التعليل، والقوة الاستكشافية القائمة على البحث في الغايات والمآلات.

أما الدكتور جاسر عودة، أستاذ مقاصد الشريعة بكلية الدراسات الإسلامية بمؤسسة قطر، فقد أوجد في بحثه المعنون بـ”مقاربة مقاصدية لمسألة الدولة المدنية” مقاربة جديدة لمسألة الدولة المدنية من منظور إسلامي مقاصدي وذلك من  منظورين الأول هو العلاقة بين الديني والسياسي في الدولة الوطنية الحديثة والثاني هو العلاقة بين السياسي الحكومي والسياسي المدني في الدولة الإسلامية المستقبلية المنشودة.

المحور نفسه، تدخل في إطاره أيضا الدكتور أحمد ديدي، عضو المجلس الأكاديمي للرابطة المحمدية للعلماء، مؤكدا في موضوع يحمل عنوان “رعاية المقاصد الشرعية تحفظ النسيج الاجتماعي”، أن مقاصد الشريعة الإسلامية تزاوج بين فقه العصر وفقه النص وهي التي تثري عقلية الفقيه، على اعتبار أن فقه واقع المسلمين في هذا الزمان يؤكد وجاهة التزاوج بين فقه الواقع وفقه النص و بالمقاصد نستطيع التمييز بين الوسائل المتغيرة والأهداف الثابتة.

وجاءت مداخلة الدكتور عبد الكريم بناني، الباحث في الفكر الإسلامي بدار الحديث الحسنية بالرباط، في موضوع “دور نظامي الوقف والزكاة في حفظ مقاصد الشريعة”،   على أساس دراسة أبعاد نظامي الوقف والزكاة و علاقتهما بنظرية مقاصد الشريعة الإسلامية في محاور ترتبط بتحديد مفهوم نظرية المقاصد العامة للشريعة الإسلامية ودراسة فقه الوقف أصولا وضوابط و أحكام وفق المنهج المقاصدي المحدد سلفا مع تبيان أوجه الترابط بين النظامين ثم الحديث عن فقه الزكاة بحكمه وضوابطه الفقهية وفق التصور المقاصدي .

من جانبه، لاحظ الدكتور عبد الرحيم بن جلون، الباحث في المقاصد الشرعية، أن الشارع الحكيم أولى السياسة المالية حظا وافرا من العناية والرعاية حتى يكون المسلمون على بينة من أمرهم حين يمارسون تبادل المنافع فيما بينهم في هذه الدنيا، مؤكدا أن الشريعة لم تترك هذا الموضوع لرأي الناس يتصرفون فيه كيف شاءوا ولكنها حددت لهم أحكامه ووضعت طريقته ومناهجه فجاءت نصوص الكتاب والسنة تحدد القوانين والأحكام التي ينبغي السير عليها.

بدوره، أبرز الدكتور جمال بامي، باحت في التاريخ والأنتربولوجيا ورئيس وحدة العلم والعمران بالرابطة المحمدية للعلماء، أن تحول الفكرة الدينية إلى حقيقة تمدينية تشكلت عبر المتصوفة حيث كانوا بناة مدن ومعمري خلاء، و هو ما يجعلنا ندرك سياق تأسيس العديد من المدن التي تنتمي إلى نموذج المدينة، مشيرا إلى أنه من أجل استيعاب شامل لمقاصد العمران الصوفي وفق منطق الاستخلاف، وجب الإدراك أن الاستعمار بالمهوم القرآني هو حد الإنساني ذاته من حيث أن كيانه المادي والروحي هما عين عمارة الأرض و العالم تصورا و إنجازا .

وفيما يتعلق بالمحور الخامس الذي أدير حول “مقاصد الشريعة وسؤال التجديد”، فقد حاول الدكتور فؤاد بن عبيد القادم من جامعة باتنة بالجزائر، معالجة الكليات الضرورية بالنظر إلى علاقتها بالفرد والأمة والمحيط، مبينا أن الإنسان وحتى يحقق خلافة الله في الأرض لا بد من اتصاف إنجازه بالصحة والصلاحية.

أما الدكتور مولاي مصطفى الهند من جامعة الحسن الثاني بالمحمدية وعضو المجلس الأكاديمي للرابطة المحمدية للعلماء، فقد أكد أن الوعي المنهجي في تاريخ الأمة بتجديد العقل المقاصدي وإحياء دوره الاجتهادي في مواكبته لتحقيق مصالح الناس فترة بعد فترة حتى عصرنا هذا، أضحى من الشروط الأساسية التي ينادي بها الفكر الإسلامي اليوم لإخراج المسلمين مما هم فيه من أزمة حضارية مستعصية، مفيدا أن التاريخ الإسلامي حافل بعدد من العلماء الذين أسهموا في فتح باب واسع لفهم الشريعة وفقهها.
وإذا كان الدكتور زاهد جول، الكاتب والباحث التركي، قد أكد أن مباحث المقاصد الشرعية شكلت أحد محاور الجدل العربي الإسلامي في سياق تفعيل الاجتهاد والتجديد، فإن الدكتور  هشام تهتاه من جامعة محمد الخامس بالرباط، بين أن الفكر المقاصدي متجدر في التاريخ الإسلامي و إنما اختلفت مظاهره و تجلياته باختلاف العصور سيرا على سنة سائر العلوم فلم يظهر الفكر المقاصدي علما مستقلا بذاته إلا بعد مروره بمراحل عدة بدءا بالإرهاصات الرشيدة للوحي تم مرحلة التأسيس النظري، إلى أن بلغ بعد ذلك مبلغا من النضج والكمال النسبي مع الإمام الشاطبي.

وفي إطار المحور نفسه كذلك، تحدث أيضا الدكتور محمد همام، الباحث في الفكر الإسلامي، مبرزا المجهود النظري للأستاذ طه عبدالرحمن، عرضا وتقويما في الربط بين الأخلاق وعلم أصول الفقه خصوصا في مبحث المقاصد بحيث دافع طه عبدالرحمن عن شمول الأخلاق للأصول واشتمال الأخلاق على الأصول من خلال جعل الأخلاق إطارا مرجعيا لعلم أصول الفقه.

واختتمت هذه الندوة العلمية، بالمحور السادس الذي جرى حول موضوع “مقاصد الشريعة والتحولات الكونية المعاصرة”، وأكد من خلاله الدكتور نصر محمد عارف، مدير معهد دراسات العالم الإسلامي بجامعة زايد بالإمارات العربية المتحدة، أن التفكير المقاصدي في حد ذاته يأبى أن يتم حصره في نسق معرفي معين أيا كان اسمه أو كانت صفته أو مصادره لأنه في ذاته يتجاوز الحال إلى المآل و ينظر للواقع بعين المستقبل ويتحرك بمهارة بين حواجز الزمان والمكان بحيث لا تحده سياقات معرفية أو قيود اجتماعية أو محددات تاريخية أو معرفية، مبينا أنه يركز على الشجرة الكامنة في قلب البذرة محاولا التعرف على ماهيتها ووظائفها وحدود عطائها.

وفي الوقت الذي اعتبر فيه الدكتور عبد الرحمن العضراوي، من كلية الآداب ببني ملال أن السياق الحداثي هو مقتضى حال الواقع المعاصر وروحه، يختلف باختلاف الأمم ومقاماتها الحضارية في الخضوع لذلك المقتضى، أكد الدكتور مسفر بن علي القحطاني، الأستاذ المشارك بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالمملكة العربية السعودية، أن المقصد الكلي القرآني خاطب الإنسان بكل جوانب التأثير فيه، عقله وروحه ووجدانه وغرائزه، وبأسلوب لاهب نافذ يخترق أعماق النفس البشرية،لا موضحا أن أي حركة تجديد أو إحياء ديني تهمل مسألة التسخير وتحذر منه تحت ستار الذم للدنيا أو الإقبال على الآخرة هو ارتكاس تبعي يضيع المسلم من دنياه و أخرته معا.

وبخصوص المحور ذاته، قال الدكتور محمد شهيد، من الكلية المتعددة التخصصات بالناظور “إن الاهتمام بالإنسان في مختلف صوره والأشكال الاجتماعية التي يشكلها هي جوهر الرسالة الربانية الخاتمة”، مضيفا أنها تهتم بالإنسان الفرد، كما تهتم في أسرته وفي مجتمعه، و ترعاه وتتعهده في وطنه وفي مجتمعه الكبير ولا تغفله أيضاً في محيطه العالمي والكوني.

وتدخل أيضا في ذات المحور الدكتور أحمد عبدالرحيم، الباحث في التفسير وعلوم القرآن بجمهورية مصر العربية، حول موضوع “المقاربة المقاصدية ودورها في تعزيز كونية الإسلام.. الحداثة الإسلامية”، وأكد أن القيمة الأخلاقية هي من أهم مقاصد الإسلام العليا، إن لم تكن المقصد الأعلى، الذي تنطوي فيه جميع المقاصد بقرب أو بعد، مبرزا أنه باستقراء نصوص الإسلام المؤسسة يتأكد محتوى الإسلام الأخلاقي الراقي، وأن رسالة الإسلام عي الرسالة العالمية الفريدة التي تحولت بالخطاب الحضاري البشري من مفرداته الإقليمية إلى آفاقه العالمية.

أحمد زياد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق