مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقدية

دورة تكوينية بعنوان: «مناهج البحث العلمي وطرائق إعداد البحوث»

ديسمبر 18, 2024

إن إنجاز البحوث والدراسات وتجويدها عملية علمية وفنية تقتضي التمكن من جملة من الكفايات والمقومات المعرفية واتباع عدد من الخطوات المنهجية والآليات التقنية التي من شأنها تنهيج طريق البحث وضبط خطواته ومستلزماته.

 خدمةً للطلبة والطالبات في هذا الباب؛ نظم مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية بتطوان، يوم الأربعاء 18 دجنبر 2024، بالشراكة والتنسيق مع شعبة اللغات والثقافة والتواصل بكلية أصول الدين دورة تكوينية في موضوع: «مناهج التفكير العلمي وطرائق إعداد البحوث». وقد انعقد هذا النشاط العلمي أولا، في إطار سلسلة التكوينات العلمية التي ينهض بها المركز لتعزيز مهارات الطلبة في البحث العلمي وصقل قدراتهم على إعداد البحوث بطريقة منهجية وأكاديمية رصينة، وثانيا استجابة لحاجيات مجموعة من طلاب مسالك الإجازة والماستر بكلية أصول الدين في سياق الاستعداد للمشاركة في المسابقة العلمية الهادفة «عرضي في 10 دقائق».

 وقد أشرف على تأطير هذه الدورة الباحثون بالمركز وهم: د. محمد أمين السقال، د. عبد الإله كافا، د. منتصر الخطيب، الذين قدموا للمشاركين في الإعداد لهذه المسابقة خلاصات خبراتهم العلمية والبحثية.

 استهلت الدورة العلمية بكلمة ترحيب من طرف رئيس المركز الدكتور جمال علال البختي عبر فيها عن سعادة المركز رئيسا وباحثين في الانخراط في تأطير هذا النشاط تشجيعا للطلبة في كسب مهارات البحث العلمي وطرائقه، شاكرا للأساتذة المنسقين للدورة وللباحثين المؤطرين لها اهتمامهم بهذا الجانب التطبيقي من التكوين في مجال البحث العلمي، ومتمنيا للجميع الإفادة والنفع. كما تقدمت الأستاذتان المشرفتان على الدورة: الدكتورة حنان المجدوبي (رئيسة شعبة اللغات والثقافة والتواصل بالكلية)، والأستاذة أمال زميتة (أستاذة التواصل واللغة الفرنسية بالكلية) بكلمات ترحيب وتوجيه وشكر لكل من أسهم في تأطير وتنسيق هذه الدورة التكوينية.

 ثم بعد ذلك انطلقت أعمال الدورة بحصة تكوينية أعدها الدكتور محمد أمين السقال تحت عنوان: «الحقيبة المنهجية والعُدَّة المعرفية في إنجاز البحوث والدراسات».

بين المكوّنُ في مستهل حصته أن اصطلاح «مناهج البحث» إطلاق فضفاض لا يتمحض معناه إلا بعد تقييده بمجاله والمراد منه. إن مناهج البحث مركب إضافي ولقب اصطلاحي يفيد عند الإطلاق مستويين اثنين:

  • المستوى الأول فني تقني: يخص طرائق إعداد البحوث والدراسات بمعرفة الخطوات العلمية والآليات التقنية المعتمدة التي تساعد على إرفاد الطالب أو الباحث في إنجاز المطلوب منه على الوجه الصحيح.
  • والمستوى الثاني علمي معرفي: يحيلنا على علوم قائمة بذاتها وهي نظرية المعرفة والإبستمولوجيا والميتودولوجيا وتاريخ الأفكار والعلوم. وهي تساعد في بيان مناهج التفكير العلمي الصحيح الذي من شأنه الكشف عن الحقائق والارتقاء بالمعرفة العلمية، فضلا عن تزويد الباحثين بجهاز مفاهيمي علمي صلب وبعُدة معرفية ـ تاريخية في غاية الأهمية.

بخصوص المستوى الأول بين المكوّن مفهوم البحث العلمي بتعاريفه المشهورة الجامعة بين تحديد ماهيته وبين التشديد على غايته، وجماعها الجهد العلمي المنهجي المبذول لاكتشاف حقيقة علمية جديدة.

ثم انتقل إلى بيان خطوات البحث العلمي وفقا للمراحل المتساندة الآتية:

1ـ مرحلة ما قبل الأشكلة (اختيار الإشكال وصياغته): وفيها ذكر المكوِّن خمسة مداخل أساسية اعتبرها ضرورية لمن يروم التخصص في علم من العلوم قبل الإقدام على اختيار موضوع قد يكون مبنيا على إشكال زائف أو الخوض في مسألة قتلت بحثا كما يقال. فلا بد في هذه المرحلة من الإلمام، على الأقل، بالمعلومات الأساسية في مجال التخصص (background information).

2ـ مرحلة اختيار الموضوع: ولا بد فيها من قراءات واسعة في أكثر من تخصص أو معمقة (في تخصص بعينه) مع الاستفادة من جملة من الروافد (المؤتمرات والندوات العلمية ـ الدورات التكوينية والتأهيلية ـ محاضرات الأساتذة..). ولاختيار الموضوع جملة من الشروط ذُكرت في موضعها.

3ـ صياغة عنوان البحث أو الدراسة: وابتدأ فيه المكوِّن بذكر مصفوفة من القوادح والمحاذير التي يتوجب اتقاؤها.

4ـ وضع خطة البحث: وهي تنطوي على جملة من المراحل الفرعية، أهمها:

ـ تحديد المصادر والمراجع الأولية، ومقوماته. وفيها تفاصيل كثيرة تتعلق بمعايير اختيار المؤلفات وطريقة التعامل مع الطبعات والتحقيقات المختلفة..

ـ جمع مادة البحث، وهي غاية تتحقق من خلال ثلاث مستويات من القراءة؛ القراءة السريعة، والقراءة الممحصة، وقراءة التحقيق. وفي كل صنف من هذه القراءات يقوم الباحث بتقميش مادة البحث وفق معايير وشروط محددة ذُكرت في محلها.

5ـ تصنيف مادة البحث وتنظيمها: وفيها الكثير من التقنيات والمهارات التي ذكرها المكوِّن والتي تنظم عملية الإفادة من المادة المجموعة.

مرحلة الكتابة والتحرير: وفيها هي أيضا خطوات منهجية ومهارات علمية وتقنية ينبغي الالتزام بها.

ثم بعد ذلك بين المكوِّن أهم المقومات التي يتقوّم بها البحث العلمي الجيد، وجعلها في خمس أساسية، هي: الأشكلة (Problematisation)، والعقلنة (Rationalization)، والنقد (Criticism)، وإعادة التقويم (Revalorisation)، والتقرير أو الاستنتاج (Conclusion).

ثم عرّج المكون في القسم الثاني من الحصة التكوينية على بيان أقسام الفلسفة وأصناف العلوم مع التمييز بين العلوم المعيارية والعلوم الوضعية، متوقفا عند علوم الابستمولوجيا والميتودولوجيا وتاريخ الأفكار، منوها إلى أهمية الجهاز المفاهيمي المعرفي في إثراء البحوث الأكاديمية وإغناء الدراسات العلمية وإن تعلق الأمر فيها بالعلوم الشرعية والدينية.

وختم حصته بالتشديد على شروط البحث العلمي الأكاديمي متمثلة في الخمس الأساسية الآتية: الحرية، والاستقلالية، والموضوعية، والالتزام بالحياد قدر الإمكان، والإيمان بالتعددية والاختلاف في مقاربة الموضوعات وإسهامات العلماء والمفكرين باعتبارها إنتاجا بشريا نسبيا.

ثم توسطت أشغال هذه الدورة الحصةُ التكوينية الثانية، أطرها د. عبدالإله كافا في موضوع: «طرائق ومهارات الاقتباس وحسن التوثيق»، حيث استهلها بتوطئة تضمنت العناصر المعرفية المراد تحصيلها من هذه الحصة التكوينية، مبينا للطلبة الموقع الهام الذي يأخذه كل من الاقتباس والتوثيق في الكتابة البحثية الأكاديمية، من حيث تعزيز مصداقية النصوص ونسبة الأفكار والمعلومات لمصادرها.

في المحور الأول، المخصص لعرض «طرائق ومهارات الاقتباس»، تحدث المؤطر عن مفهوم الاقتباس وأهميته، والمهارات المطلوبة فيه، بالإضافة إلى ملامح التمييز بين الاقتباس والاختلاس، وقد أوجزها في ثلاثة ملامح: الأول من حيث المفهوم، والثاني من حيث الهدف، والثالث من حيث التوثيق. ومن خلال التمكن من التمييز بين هذه الملامح، يستطيع الطالب الباحث تجنب الوقوع في شَرك الاختلاس باعتباره ممارسة تضليلية، ويلتزم بالاقتباس باعتباره ممارسة أكاديمية مقبولة.

أما المحور الثاني، وهو في جوهره امتداد لسابقه، فقد عنيَ فيه المكون برسم «طرائق التوثيق ونظام الإحالة»، مشددا على أن الاقتباس غير الموثق هو اختلاس بلا شك، أما نظام التوثيق والإحالة في العلوم الإنسانية عامة، فيستند إلى مجموعة من القواعد والممارسات للعزو إلى المصادر والمراجع في الأبحاث والدراسات.

وبعد أن بين المكوّن للطلبة الفرق بين «الإحالة التوضيحية» و«الإحالة التوثيقية»، ووضح الفروقات الكامنة بين مختلف أنظمة الإحالة الأكاديمية العالمية [APA, MLA, CHICAGO, IEEE; ISO…]، فصَّل ضوابط كتابة الإحالة، وكيفية تنظيمها، وذلك باستعراض نماذج تطبيقية من مختلف المصادر والمراجع، بداية بالمؤلفات الفردية والجماعية، والدوريات والمجلات، والرسائل والأطروحات الجامعية، والنصوص المقدسة، وكتب المعاجم، والمراجع الأجنبية، والمواقع الإلكترونية.

وفي الختم، عرض المؤطر مجموعة من المواقع وقواعد البيانات، التي تعين الطلبة على إعداد بحوثهم وتثري رصيدهم المعرفي والمنهجي.

واختتمت أعمالها بحصة د. منتصر الخطيب في جانب إعداد الفهارس العامة للبحوث واشتملت على التعريف بلفظة فهرس أو فهرسة أو فهرست، باعتبارها لفظة معربة، وأصلها فارسي، وأنها تعني قائمة تتضمّنُ كافّة محتويات الكتب. مبينا أن صناعة الفهارس تنوعت وأخذت اتجاهات عدة وأشكالا متباينة، بين الاتجاه القديم والاتجاه المعاصر، وبين المدرسة الاستشراقية والمدرسة العربية، وما بين الضروري وغيره، وباستقراء مجموعة من المراجع المعتمدة في الفهارس والمحتويات يمكن أن نقسم أنواع الفهارس المعتمدة في الأنواع التالية:

فهرس المحتويات: وهو من الفهارس الأكثر شيوعا والمشترط وجوده في كل اختصاصات البحث العلمي، وفهرس المصادر والمراجع الذي يوثَّق بيانات المصادر والمراجع وتورد في آخر الكتاب أو البحث، ثم فهرس المؤلفين والتراجم (الأعلام)؛ ويعتمد على وضع قوائم لأسماء المؤلفين والتراجم الواردة في البحث، وبعدها فهرس الشعر والقوافي؛ وترتب فيه الشواهد الشعرية بحسب القوافي والبحر الذي وزن به البيت الشعري وذكر اسم الشاعر، ثم فهرس آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية والآثار.. هذا ويمكن إضافة أنواع أخرى خاصة بتحقيق الكتب، وتشمل العناوين الآتية: "فهرس الكتب أو المؤلفات الواردة في المتن"؛ بحيث يجرد الباحث فيها أسماء الكتب الواردة في المتن المحقق ويرتبها ترتيبا أبجديا، و"فهرس الأماكن والقبائل"؛ لبيان الأماكن التي ذكرها المؤلف في المتن المحقق، و"فهرس المصطلحات والمفاهيم".. وقد تحتوي بعض البحوث الأخرى على ملاحق وتذييلات.

وختم المؤطر حصته بتقديم نصائح وتوجيهات تطبيقية لإعداد الفهارس في البحث العلمي على الباحث أن يوليها العناية الكافية وأن يحكم صنعتها لما فيها من الفوائد الجمة.

ثم فتح باب النقاش بطلب من الطلبة المستفيدين بغاية مزيد استفسار واطلاع على مضمون ومحاور هذا التّكوين، تفضل فيه السادة المؤطرون بتوضيح بعض الأمور التقنية في مجال البحث العلمي والتوثيق والفهرسة.

وبعد ذلك أعطيت الكلمات الختامية للأساتذة المشرفين على هذا اللقاء العلمي، عبروا فيها عن شكرهم للأساتذة المؤطرين على مجهودهم في تقريب محاور هذه الدورة التكوينية للطلبة، وامتنانهم للحضور المتميز للطلبة المستفيدين، عاقدين الآمال على التنسيق لتكرار مثل هذه الأنشطة العلمية الهادفة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق