مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام

تقرير ندوة “الفقه المالكي في الاجتهاد القضائي الأسري” بفاس (الجزء1/2)

مونية الطراز

 

 

 

نظم مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام بشراكة مع مختبر البحث في الأصول الشرعية للكونيات والمعاملات، التابع لجامعة سيدي محمد بن عبد الله وكلية الآداب سايس، ندوة علمية حول موضوع "الفقه المالكي في الاجتهاد القضائي الأسري" يوم الأربعاء 23 مارس بفاس، وذلك بمقر مركز دراس بن اسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوك، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

وقد شهد هذا اليوم حضور ثلة من الأساتذة والباحثين والقضاة المهتمين بقضايا الأسرة والممارسين في سلك القضاء، فكانت مناسبة لمناقشة جملة من القضايا المرتبطة بالأسرة سواء ما تعلق منها بالفقه المالكي، بما هو مرجع أساس للتشريع الأسري بالمغرب، أو بالقوانين التي صيغت بنودا في مدونة الأسرة لسنة 2004، والتي كانت ثمرة اجتهاد متميّز جمع ائتلافا من المختصين والمهتمين.

برآسة الدكتور الفاضل مولاي ادريس غازي من مركز دراس بن اسماعيل افتتحت أشغال الندوة، حيث تناولت الكلمة الباحثة مونية الطراز باسم مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية، فقدّمت إطارا عاما قرّبت فيه الحاضرين من إشكاليات الندوة ووضعتهم في سياقها العلمي، كما أشارت في معرض حديثها للآفاق التي يتطلع إليها المركز والرابطة المحمدية للعلماء في تحقيق أهداف الندوة، وقدّمت بالمناسبة شكرها للجميع حضورا وشركاء ومحتضنين ومحاضرين.

وعقب كلمتها تفضّل بالحديث الدكتور سعيد المغناوي رئيس مختبر البحث في الأصول الشرعية للكونيات والمعاملات، فنوّه بدوره بأهمية الموضوع والشراكة التي انعقدت من أجل إثارته، ونبّه في سياق كلمته إلى دور الباحثين في المختبر الذي يشرف عليه في إنجاح الندوة، مذكرا ببعض الأغراض التي يتوخاها المختبر إلى جانب المحتوى العلمي، ومنها أساسا تمرين الطلبة الباحثين الذين يحملون هم المختبر وتأهيلهم للمستقبل.

وفي كلمتها باسم اللجنة المنظمة، تقدّمت الأستاذة فوزية أحصاد بتوضيحات حول موضوعات الندوة وإشكالاتها العالقة، وشكرت بدورها الحاضرين والمشاركين وجميع المساهمين في هذه الندوة.

وبعد استراحة قصيرة احتفى فيها المنظمون بضيوفهم وجعلوها فرصة للتعارف والتقارب، التأم الجمع في جلسة رأستها الدكتورة حكيمة حطري، أستاذة بكلية الشريعة، فأشادت بفكرة تدارس الموضوع واغتنمت فرصة حديثها لتمهيد الكلام حول الإشكالات التي يفترض أن تعالجها الجلسة، فكان أول المتدخلين بعدها القاضية سلوى ركي، التابعة للمحكمة الابتدائية قسم قضاء الأسرة بفاس، وتناولت بالحديث "مجالات تطبيق الفقه المالكي في الاجتهاد القضائي الأسري" وقد آثرت الحديث عن بعض النقط العملية حول مسألة تنزيل الفقه المالكي في الاجتهاد القضائي الأسري، والتي قالت إنها حالات تبدو للوهلة الأولى عادية ونوازل بسيطة، بيد أن في تفاصيلها يكمن بعض التعقيد، ما يدفع إلى بحث مخارج بشأنها في كتب الفقه المالكي، وبهذا الصدد تطرقت لمسألة الخلوة بين الزوجين، وبيّنت مواردها في الفقه المالكي، ثم تطرقت لبعض آثارها على الصداق والعدة، وربطت المعطيات المقدمة بما عليه العمل في المساطر القضائية، ومما تناولته بالحديث أيضا، مسألة الصداق المؤجل منه والمعجل، وأحكام كل منهما عند المنازعة. ومما تناولته بالبيان أيضا "نفقة الزوجة" ومتى تجب على الزوج، وكذا بعض الأحكام المرتبطة بها. وأشارت في هذا السياق إلى أن أغلب القواعد المتعلقة بنفقة الزوجة مستمدة من الفقه المالكي، إلا أنه في واقعنا الأسري نجد بعض المحدثات التي تفرض على الزوج أداء مصاريف إضافية إلى جانب النفقة، مثل طلب توسعة الأعياد الذي يستجاب له في جميع محاكم الأسرة، وكذلك المصاريف الطبية وغيرها، والتي تعتبر في الأصل من مشتملات النفقة. وخصّت المتدخلة ببيانها كذلك مسألة حوائج بيت الزوجية وما تثيره من إشكال عند انفصال العلاقة الزوجية. وقد خلصت من خلال التوضيحات التي تفضلت بها الأستاذة ركي أن المشرع المغربي حاول إلى حد كبير مسايرة الفقه المالكي في المادة الأسرية، وبهذه المناسبة شدّدت التأكيد على أن التطور الدائم للمجتمع المغربي يستوجب البحث والاجتهاد من أجل الفصل في كل القضايا الأسرية المعروضة والتي لا تجد لها سندا في ما جاء في الفقه المالكي مثال ذلك ما مدى تحقق الخلوة بين الزوجين عبر الانترنيت، وإثبات الخيانة  الزوجية عن طريق الرسائل الالكترونية، وغير ذلك مما يتطلب جهدا وحسن تدبير من قبل القاضي.

المداخلة الثانية من هذه الجلسة الصباحية تقدّم بها الأستاذ إدريس الطالب من الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بسوس ماسة، وتناول فيها "خصوصيات الاجتهاد القضائي الأسري المغربي" وقد أكّد في عرضه أن القاضي قد لا تسعفه القوانين في تحقيق مقصوده، لما يبرزه الواقع من تطور في شتى مجالات الحياة، وما ينتج عن ذلك من ظهور سلوكات جديدة تحكم علاقات الأفراد وتكون سببا في تقادم التشريعات؛ الأمر الذي يحتم على المشرع العمل والاجتهاد من أجل جعلها مسايرة للواقع، وذلك بالدفع بتشريعات جديدة تنسجم مع خصوصيات مختلف القضايا والمستجدات.

 وفي معرض مداخلته أكّد المتدخل أن المجال الأسري، بأسسه ومبادئه ومقاصده يجعل من الاجتهاد القضائي مجالا متميزا وذا خصوصية تتجلى في أمرين: الأول، يتعلق بارتباط أسس الاجتهاد القضائي بمبادئ وسمات تحكم المجال الأسري. وقد أشار بهذا الصدد إلى ارتباط أحكام الأسرة بدين الشخص، وبالنصوص الشرعية وبالحفاظ على كيان المجتمع وبمستجدات العصر، أما الأمر الثاني فكون الاجتهاد القضائي الأسري يُباشَر من قبل قضاء متخصص، وقد استوقفته هاته المسألة ليتحدث عن أهمية التخصص القضائي في مجال الأسرة، ولم يفته الحديث عن مظاهر التجديد في اختصاص القضاء الأسري. وفي ختام مداخلته أكّد على أن خصوصية الاجتهاد القضائي الأسري في المغرب تنبع من مراعاة القضاة للأسس التي قام عليها هذا التشريع، وترجع إلى ممارسة هذا الاجتهاد من قبل قضاء متخصص ومتميّز، وأشار مع ذلك إلى أن آثار الاجتهاد القضائي الأسري تبقى نسبية في ظل نقص المؤهلات المادية والبشرية، وفي غياب التوعية والتحسيس بأهمية ومقاصد المؤسسة الأسرية.

 

وفي كلمة الأستاذة فوزية أحصاد الباحثة بكلية الآداب سايس بفاس، عرضت ل"آفاق اعتماد الفقه المالكي كمرجع اجتهادي في قضايا الأسرة" وجعلت هذا الموضوع عنوانا لمداخلتها التي استهلتها بالحديث عن أسباب التشبث بالفقه المالكي بما هو مرجع اجتهادي في قضايا الأسرة بالمغرب، وباعتباره وسيلة لإعمال الشرع الإسلامي لا غاية في ذاته، وقد قادها هذا المدخل لعرض بعض المشاكل التي تعتري مدونة الأسرة باعتبارها تشريعا وضعيا، وعلى رأس هذه المشاكل وجود الثغرات فيها، وحالة عدم الاكتمال التي تعاني منها. الظاهرة فيها أيضا ما يستدعي سد النقص الحاصل، وذلك من خلال الرجوع إلى الفقه المالكي، واعتماد الاجتهاد القضائي الذي يراعي قيم الإسلام، وكان مما أثارته من المشاكل التي تعتري المدونة أيضا مشكلة الحاجة إلى الملاءمة والحاجة إلى التطوير، وبهذه المناسبة تساءلت عن مدى قدرة الفقه المالكي على الإسهام في حل هذه المشاكل في ما مضى من تجارب وفي ما يُستقبل من تحديات، وبهذا الصدد كشفت النقاب عن جملة من خصوصيات المذهب المالكي، وأشارت –وهي تنحو للختم- بأن اختيار المذهب المالكي في الاجتهاد القضائي المغربي كان في حقيقة الأمر دافعا لتوحيد القضاء والخروج من أهواء القضاة والحكام، وتفادي الفوضى في الأحكام، وقد اغتنمت هذه الفرصة للفت الانتباه إلى ضرورة اتخاذ ما يكفي من الإجراءات التصحيحية والجوهرية من أجل إعادة الاعتبار للمذهب المالكي كمرجع اجتهادي. وختمت مداخلتها بالدعوة إلى فتح باب الاجتهاد من جديد خدمة للفقه المالكي ومن أجل ضخ دماء جديدة تراعي فيه تطورات المجتمع وخصوصيات المرحلة، مؤكدة على أن خيوط الإصلاح متصلة فيما بينها، فلا يتصور الإصلاح دون النظر إلى الناحية التشريعية والبشرية، ولا يتم الإصلاح من الناحية البشرية دون إتاحة كافة الظروف المادية والمعنوية للنهوض بالعدالة في ظل احترام مبادئ الدين الإسلامي وخصوصا المذهب المالكي.

وفي ختام هذه الجلسة العلمية المباركة تفضّل الباحث بمركز دراس بن اسماعيل عبد العلي بلامين بقراءة ورقة الدكتورة سعاد الأخريسي من الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بالدار البيضاء، وقد حملت هذه الورقة عنوان "المرجعيّة  الفقهية المالكية لأهمّ مستجدات مدونة الأسرة" فأوضحت أن المدونة سارت على نهج مدونة الأحوال الشخصية في أخذها بالمذهب المالكي ما أمكن، مع انفتاحها على اجتهادات المذاهب الأخرى عند الحاجة إلى تحقيق المصلحة، وقدّمت نماذج على ذلك في باب الزواج، من قبيل سن الأهلية والتي حدها المالكية ببلوغ ثماني عشرة سنة، ومن قبيل الولاية التي فصلت الورقة في حكمها في المذهبين المالكي والحنفي، وبيّنت منبع الخلاف بين المذهبين في تفسيرهما للنصوص المتعلقة بها، وختمت حديثها حول الولاية بكون الرسول صلى الله عليه وسلم أكّد بأفعاله أنها حق للمرأة، سواء كانت بكرا أم ثيبا، وبكونها جعلت لحماية المرأة ورعاية حقوقها ومصالحا، وهذا لا يعني –كما تقول صاحبة الورقة- أن تستفرد المرأة بالقرار، بل لا بد أن تستأنس برأي أهلها وتشاورهم في اختيارها.

يتبع...

 

نشر بتاريخ: 05 / 04 / 2016

‫2 تعليقات

  1. السلام عليكم، الندوة بحسب محاورها مهمة جدا فيا حبذا لو أفدتونا بمحتوى المداخلات.
    شكرا جزيلا على الجهد المبدول في هذه الندوة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق