مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية

تقرير محاضرة بعنوان «القضية الموريسكية في الأدب القشتالي»

نظم مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية التابع للرابطة المحمدية للعلماء محاضرة بعنوان «القضية الموريسكية في الأدب القشتالي» ألقاها الدكتور عبدالعزيز السعود، وذلك يوم الاثنين 28 جمادى الأولى 1440 هـ الموافق لـ 4 فبراير 2019م على الساعة الحادية عشرة صباحا بمقر المركز.

وقد افتتح الجلسةَ رئيسُ مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية   فضيلة الدكتور محمد الحافظ الروسي مرحبا بالمحاضر وبالأساتذة والباحثينَ الحاضرين، مشيرا إلى أن القضية الموريسكية في الأدب تتجدد كل يوم؛ سواء في الأدب الذي كتبه الموريسكيون بعد خروجهم من الأندلس، أو ما كتبه الأندلسيون باللغة العربية الفصحى وما كتب عنهم، مضيفا في ذلك أن هذه القضية تجعلنا نفهم ما خفي من تاريخنا.

ثم تناولَ الكلمةَ المحاضرُ الدكتور عبد العزيز السعود الذي استهل ورقته ببيان أن  القضية الموريسكية في الأدب القشتالي تدفعنا إلى بيان جملة من المصطلحات التي وردت في هذا العنوان، وهو «القضية الموريسكية في الأدب القشتالي» ؛ فقَد ورَدَ تعريف للموريسكوس موسوعة الأكاديمية الملكية الإسبانية بأنّه المسلم المُنَصَّر، والأدب القشتالي يعني به أولا: الأدب المكتوب بالقشتالية؛ والقشتالية هي اللغة الوطنية للقشتاليين في منطقة قشتالة الإسبانية، و في القرن الثامن والتاسع ميلادي بعد نكبة الطرد، تم اشاعة اللغة القشتالية في الجنوب كله تقريبا، وحلت محل اللغات التي كان يتكلمها الأندلسيون المسلمون في المنطقة، مثل العربية…

ثم إن كلمة القشتالي كانَت تعني أيضا الدولة القشتالية التي فرضت وجودها على إسبانيا بعد اندماج مملكة كاستيا وليون، ثم بعثها أراغون وفالنسيا في ظل دولة واحدة أخضعت الحكم الإسلامي الذي سادَ عدة قرون في شبه الجزيرة الإيبيرية.

ثم أشار المُحاضرُ إلى أهمية المنهج التاريخي في تناول هذه القضية؛ فارتباط الأدب بالتاريخ هو ارتباط وثيق، وفي هذه اللحظة من التاريخ كان فرناندو وإزابيلا قد عَمِلا ابتداءً من سنة 1502 فرض التنصير القسري على جميع المسلمين الذين يعيشون في جميع أراضي مملكة قشتالة، وذلك لوضع حد للوجود القانوني للمسلمين في الأراضي النصرانية، ثم أشار إلى أن عدد المسلمين في مملكة غرناطة التي تم فتحها حديثا، كان عددهم كبيرا في بداية القرن السادس عشر، وكانوا منظمين بشكل جيد في جماعات ولديهم مراجع دينية ويتحدثون بالعربية، لكن منذ منتصف القرن السادس عشر شرعت عدة مراسيم في حظر استعمال اللغة العربية مكتوبةً ومنطوقةً، وقد أدت هذه المراسيم إلى رد فعل قوي من جهة الموريسكيين.

وقد تسبب الموريسكيون من وجهة نظر ثقافية في ظهور ما عرف بالأدب الألخميادي وهو الأدب المكتوب بالعامية المحلية وبحروف عربية ومفردات ونحو مصاغ من العربية بشكل تام. وأضاف المُحاضرُ أن الموضوع الموريسكي استفحلَ عندما اكتُشفت محتويات تاريخية جديدة من محاضر التفتيش والسجلات العدلية وما بقي في الذّاكرَة من محفوظات الألخميادو التي تم اكتشافها حديثا.

كما بين أن القضية الموريسكية أصبحت قضية حية لا يكون من السهل دائما مقاربتها بشكل تأريخي محض، وفي هذا الإطار ذكر أن من بين الأعمال الموريسكية عملين امتدا على امتداد قرن كامل من الزمن وهما: مقالة خادم أريبال وهذا العمل كتب بالألخميادو في بداية القرن السادس عشر، وهناك عمل آخر يدخل في باب الكتابات الأعجمية كتبه أحد المطرودين من إسبانيا كانَ قَد لجأ إلى تونس، وهناك حرر رسالة سماها باسم خطاب الاتجاهين أو الطريقين، وهذان العملان المذكوران عبارة عن صفحات شخصية تماما لكنها مجهولة المصدر تعكس مسارا حيويا وتغربا ثقافيا وفكريا، وتقدم شهادة عن عالَم بات منتهيا هو العالَم الموريسكيُّ. وأشار المُحاضرُ إلى أن الحالةَ اللغوية للموريسكيين كانت مختلفة متفاوتةً بحسب الظروف سواء منها التاريخية والديموغرافية.

ومن جهة أخرى تساءل المُحاضرُ بأي شكل أثر الواقع الاجتماعي لوجود الموريسكيين في الإبداع الأدبي القشتالي؟، ومن هذا المنطلق سيرى كيف دل الخيال الروائي في القرن الذهبي على ذلك الواقع الخطير الذي ميز حياة الموريسكيين بالتوثر أو بالعنف ثم النهاية المفجعة التي انتهوا إليها. ثم تحدث عن مصطلح القرن الذهبي ويقصد به الفترة التي ازدهر فيها الأدب الإسباني وهي تمتد على مدى قرنين أو أكثر.

وأوضح المحاضر أن الرواية الموريسكية تُعَدُّ جنسا أدبيا للنثر الحكائي المصطبغ بالخيال في القرن السادس عشر، ويظهر فيه العنصر الموريسكي من خلال القصيدة. وفي هذا الصدد ركز على كتاب الحروب الأهلية في غرناطة وهو كتاب في جزئين، ومن خلال هذه الأعمال الروائية يجد أن صورة المسلم العاطفي لم تظهر بمعزل عن القضية الموريسكية بل إن التفكير حولها كان بالأحرى أحد بواعثها الأساسية، وأن النموذج الأصلي للمسلم العاطفي والصورة المكملة لخصمه القشتالي المخلص نجدها في رواية ابن السراج، وذكر في هذا المجال أن الروايات القشتالية التي تناولت القضية الموريسكية في القرن السادس عشر كلها اعتمدت على الازدواجية أو الثنائية؛ أي ثنائية المسلم والنصراني، المسلم المارق والنصراني الغارب، كما اعتمدت على القصيدة والنثر واعتمدت أيضا على الحب والدسيسة.

وفي معرض حديثه ذكر أن حضور بني سِراج في غرناطة كانَ حضور لافتاً؛ فقد شاركوا في مختلف الثورات الاجتماعية والسياسية وساهموا في اندلاع الحرب الأهلية التي أدت إلى نهاية حكم بني نصر، وقد فصَّل في المذبحة التي تعرض لها السراجيون بعضُ الكتاب القريبي العهد للغزو القشتالي لمملكة غرناطة.

وقد تلت هذه المحاضرةَ مداخلاتُ بعض الأساتذة الحاضرين كانت أولها مداخلة الدكتور عبد اللطيف شهبون الذي بين أن موضوع الأدب القشتالي له قيمة علمية كبيرة لا يمكن أن يخوضَ فيه إلا صاحب دربة، وأشار إلى أن القضية الموريسكية في الأدب القشتالي قضيةٌ غير منتهية؛ فهي قضية لها أصل ولها امتداد، وهي مشكلة إنسانية وحضارية وتجسد محنة كبيرة، إنّها محنة الموريسكيين، ومحنة الوجود، ومحنة الهوية في أبعادها السياسية والثقافية، وفي ختام كلمته دعا إلى بذل المزيد من الجهد العلمي في مستويات لغوية وأدبية وتاريخية من أجل وضع هذه القضية في سياق الاهتمام الدولي الحقوقي.

ثم أُعطِيَ الكلمةَ الأستاذُ الدكتور محمد مفتاح،  فذكر أن المغاربة مقصرون في مجال الدراسات الموريسكية؛ وإنّ الباحثينَ التونسيين سبقوا إلى البحث في هذا المضمار، أمّا الباحثونَ المصريون فقَد حملوا مشعل البحث في التراث الموريسكي، وترجموا العديد من المقالات، و ذكر أن الإسبان في شرق الأندلس كان لهم مركز مهم جدا؛ إذ جمعوا جميع ما يتعلق بالموريسكيين من مخطوطات ومطبوعات ومؤلفات ولهم رصيد كبير من المعلومات، وأضاف إلى ذلكَ أنه يتعيَّنُ على المغاربة أن يستفيدوا منه لأنه مفيد جدا، وذكر أنَّ أول من فتح هذا الباب هو ابن كاردياك الذي ترجم كتابه بغزارة، وأن المسألة الموريسكية هي مسألة المغاربة أولا  وعليهم أن يهتموا بها كثيرا وذلك لأمرين؛ لقربنا من إسبانيا وللتاريخ المشترك الذي بيننا وبينهم، ولوجود الموريسكيين بتطوان خاصةً وبشمال المغرب عامةً.

وتحدَّثَ الدكتور جمال علال البختي في الموضوع مُثيراً عدة أسئلة تهم القضية الموريسكية حول ما إذا كان مصطلح  الموريسكي مصطلحا عربيّا، كما ذكَرَ أن القضية الموريسكية لا شك أنها كانت مطروحة في الموقف العام للموريسكيين نحو الفئة الخاصة.   

وتَلَت تعليقاتِ الحاضرين وأسئلَتَهُم جوابٌ جامعٌ للمُحاضر كشف فيه الغطاءَ عن بعض المبهمات في الموضوع، وأجاب عن أسئلة كثيرة، ثم  خَتَمَ رئيسُ المركز هذا اللقاءَ بكلمة بَينَ فيها أن هذه المحاضرة تفتح أبوابا على بحوث جديدة، وهي من جهة الأدب واللغة تدخل تحت أمر واسع؛ وهي مسألة اللقاء بين حضارتين، وما يتركه ذلك من أثر في الأدب وهذا مجال فيه قضايا وإشكالاتٌ لم تبحث إلى الآن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق