تقرير عن المؤتمر الحادي عشر لتاريخ الطب بفاس (أيام 25-26-27-28 أكتوبر 2023)
عبد العزيز النقر
مركز ابن البنا المراكشي
تقديم
شهدت العاصمة العلمية للمملكة المغربية، مدينة فاس، على امتداد أربعة أيام فعاليات المؤتمر الحادي عشر لتاريخ الطب الذي انطلقت أنشطته يوم الأربعاء 25 أكتوبر وانتهت يوم السبت 28. تمحورت جل الأعمال العلمية - والأنشطة الموازية لها - حول الموضوع العام الذي اختير لهذه الدورة :"تاريخ التعليم الطبي" .لا يخفى ما يكتسيه هذا الموضوع من أهمية وراهنية، إذ أصبح من المؤكد في الدراسات المعاصرة أن المعرفة العلمية ليست معرفة تنتج في فراغ تام أو في انعزال عن مجموعة من الشروط الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والمؤسساتية... لقد صار اليوم واضحا، أكثر من أي وقت مضى، مدى التداخل الكبير بين هذه المستويات من جهة، والمعرفة النظرية من جهة أخرى.ولا شك في أن التاريخ الفكري، عموما، يقدم لنا عدة شواهد على العلاقة الجدلية القائمة بين هذين الجانبين، هذه العلاقة التي يطبعها التأثير والتأثر المتبادلين. كما يقدم لنا شواهد عديدة على الكيفية التي أسهمت بها، أحيانا، تلك العوامل - أو الشروط - في تقدم المعرفة العلمية، وكيف أدت في أحيان أخرى إلى إعاقة تلك المعرفة والوقوف كعائق أمام تطورها.
ولئن كان المجال التداولي الغربي يعرف اليوم تراكما مهما في دراسة التداخل القائم بين هذه الجوانب كلها، فمن الملاحظ أن الدراسات المهتمة بهذه الأبعاد داخل التراث العلمي العربي لا تزال في بداياتها الجنينية. لهذا السبب، يمكن أن تمثل بعض الأعمال العلمية المقدمة في هذا المؤتمر محاولات واعدة لسد الفراغ الذي تعانيه الثقافة العربية بخصوص هذه الجوانب. وغني عن البيان أن الأمر لا يتعلق هنا إلا بمبحث مخصوص هو "تاريخ الطب" في ارتباطه بالبعد المؤسساتي.
لكن، لا ينبغي أن يحملنا الكلام السالف على الاعتقاد أن كل المحاضرات المقدمة خلال المؤتمر كانت مخصصة حصرا لهذا الموضوع. ذلك أن منها محاضرات مهمة انفتحت على أبعاد أخرى مختلفة، حيث نجد أن بعضها قد نحى صوب مقاربات ذات طابع إبستمولوجية أو تاريخي أو فيلولوجي... ولا ريب في أن هذه المسألة تضفي قيمة إيجابية على المؤتمر نظرا لتداخل كل تلك الأبعاد، المعرفية والمؤسساتية، فيما بينها، لدرجة يمكن القول معها إنه كلما كانت المقاربات منفتحة على أبعاد مختلفة ومتنوعة كلما كانت أكثر غنى وأقدر على معالجة الإشكالات التي يطرحها الموضوع الذي تدرسه. وبذلك، فهي تكون أقرب إلى إدراك الواقع الفعلي للمعرفية العلمية.
- الجلسة الافتتاحية (يوم 25 أكتوبر) :
انعقدت الجلسة الافتتاحية من المؤتمر مساء يوم الأربعاء 25 أكتوبر. وقد افتُتحت بكلمة لرئيس جامعة سيدي محمد بن عبد الله الدكتور المصطفى إجا علي، تلتها كلمة للسيد عميد كلية الطب والصيدلة وطب الأسنان الدكتور علي الإبراهيمي. ثم تلا ذلك كلمة ألقاها السيد السفير-المستشار بسفارة جمهورية الصين الشعبية بالمغرب، وذلك نظرا لأن ضيف شرف هذه الدورة هو جمهورية الصين الشعبية.
أما المحاضرة الافتتاحية فقد كانت بعنوان "تدريس الطب بجامع/ة القرويين"، وقد تفضل بإلقائها رئيس جامعة القرويين الأستاذ د. أمال جلال. أشاد فيها المحاضر بالوضع المتميز الذي حظيت به فاس كعاصمة علمية طيلة قرون. شكلت جامعة القرويين أبرز مظهر من مظاهر الماضي العلمي العريق لهذه المدينة التي وصل إشعاعها العلمي والثقافي لمعظم مناطق الغرب الإسلامي، بل وأحيانا حتى إلى مشرقه. كما شكلت ملتقى حضاري لمناطق مختلفة كالأندلس والمشرق الإسلامي وبعض بلدان إفريقيا. هكذا، مثلت هذه الجامعة، التي تعتبر أقدم جامعة في العالم، محطة لالتقاء عدة أدباء وشعراء وعلماء وأطباء ينتمون إلى مناطق جغرافية مختلفة، وذلك على امتداد ما يقارب اثنا عشر قرنا من الزمن ...
بعد الانتهاء من المحاضرة الافتتاحية، استمع الحاضرون لبعض العروض الموسيقية، كالعزف على آلة موسيقية من التراث الصيني العتيق والعزف على آلة القانون العربية. ثم ألقت الأستاذتان كريمة اليثربي والأستاذ زكية كلمة كممثلتين لمعهد كونفوشيوس بالرباط. كما تخلل هذه الجلسة الافتتاحية تسليم عدة جوائز، منها ما كان تكريما لبعض الشخصيات العلمية والأكاديمية واحتفاء بها، ومنهاما سُلم للفائزين والفائزات بالمسابقات التي نُظمت في سياق فعاليات المؤتمر. إضافة إلى ذلك، تفضل بعض ممثلي شركاء المؤتمر بإلقاء كلمة أثنوا فيها على المؤتمر والمجهودات المبذولة في سبيل إنجاحه. واختتمت أنشطة اليوم الأول بجولة في المعرض الصيني المتواجد برحاب الكلية، كما شهدت هذه الزيارة تقديم عروض فنية مرتبطة بتاريخ الطب وتدريسه قدمها بعض طلبة وطالبات كلية الطب والصيدلة وطب الأسنان بفاس.
قبل تقديم ملخص موجز لمعظم المداخلات، نشير إلى أنه كانت هناك تعديلات طفيفة جدا على الترتيب الزمني الذي ألقيت وفقه المداخلات نظرا لبعض الأسباب التنظيمية - التقنية. هكذا، سيلاحظ القارئ أن ترتيب الملخصات الواردة هنا مختلفة من حيث ترتيبها قياسا إلى برنامج المؤتمر الذي نُشر من قبل. وكما قلنا، فهي مجرد تغييرات طفيفة جدا لا تمس الترتيب العام للمحاضرات.
- اليوم الثاني (الأربعاء 24 أكتوبر) :
احتضنت مقر جمعية فاس سايس بالمدينة العتيقة فعاليات اليوم الثاني، وقد توزعت أعمال هذا اليوم على ثلاث جلسات جاءت على الشكل التالي :
الجلسة العلمية الأولى بعنوان :"وسائل التعليم الطبي في الحضارة الإسلامية"، وشهدت هذه الجلسة سبع محاضرات. تفضل الأستاذ رضوان اخرفي بإلقاء المحاضرة الأولى التي اختار لها عنوان "أسس المنهاج الدراسي عند ابن الأزرق الأندلسي". أكد خلالها على أهمية الجانب التعليمي في تقدم وازدهار كل الحضارات، كما وقف المحاضر على الآراء التربوية والتعلمية عند ابن الأزرق من خلال كتابه المسمى "بدائع السلوك في طبائع الملوك"، مبرزا في الآن نفسه أهم الأسس المنهجية المتعلقة بعملية التدريس في هذا الكتاب. وهي أسس تنقسم عموما إلى ثلاثة أقسام : أساس بيداغوجي، وأساس سيكولوجي، وآخر إبستمولوجي. تولّت الأستاذة منى بنداود إلقاء المحاضرة الثانية التي كان عنوانها "التعليم الطبي في الحضارة الإسلامية، التعليم الطبي الأندلسي نموذجا". أشارت فيها إلى مجموعة من العناصر، حيث تطرقت لعوامل تطور التعليم الطبي بالأندلس، كاهتمام أهل الأندلس بهذه الصنعة تعلما وتعليما، وأشارت أيضا إلى أهمية طلبة الطب الذين قاموا بعدة رحلات إلى بلاد المشرق، ناهيك عن دعم رجال السلطة لعملية تدريس هذا الطب ... كما تحدثت الباحثة أيضا عن الخصائص المميزة للتعليم الطبي بالأندلس مشيرة إلى أهم الأماكن التي كان تتم فيها عملية التدريس والعدة التدريسية المتاحة آنذاك للطلاب. هذا الطالب الذي كان يستفيد في الآن نفسه من درس - أو تكوين - نظري وآخر تجريبي.
جاءت المحاضرة الموالية معنونة بـ"تعليم الطب بين الممارسين والمدرسيين في الحضارة الإسلامية". وقد تفضل بإلقائها الطالب عدنان محسن نيابة عن الأستاذ اسماعيل بوزيد الذي تعذر عليه الحضور بسبب ظروف صحية. تطرقت المحاضرة إلى عدة نقط أساسية، منها على سبيل المثال الإشارة إلى طبيعة التدريس الطبي عند الممارسين، أي الأطباء الذي كانوا يزاولون هذه المهنة (الصنعة)، وقد اختار المؤلف كنموذج على هؤلاء الطبيب الممارس أبو بكر الرازي. أما المحور الثاني من المداخلة فقد خُصص لتعليم الطب لدى من سماهم المؤلف بـ"المدرسيين"، أي مدرسة الفلاسفة الأطباء، الذين اتخذ الأستاذ بوزيد كمثال عنهم الشيخ الرئيس أبو علي ابن سينا. اهتمت المحاضرة التالية ببعض الجوانب الخاصة بكيفيات تدريس الطب. وكان عنوانها هو : "وسائل التعليم الطبي في الحضارة الإسلامية الوسطوية : الرسوم التوضيحية لعلم التشريح أنموذجا"، ألقاها الدكتور حماني عدنان. ركز فيها المحاضر على تصنيف هذه الرسومات التشريحية التي قسمها إلى أربعة أقسام : الرسوم التوضيحية لتشريح جسد الإنسان، الرسوم التوضيحية لتشريح الحيوان، ورسوم خاصة بإجراء العمليات الجراحية، ثم رسوم تتعلق بتوضيح الآلات الجراحية نفسها. أما القسم الثاني من المداخلة فخصصه للأدوار والخصائص التي تميز هذه الرسوم التوضيحية باعتبارها أداة - أو وسيلة - تعليمية. ألقى المحاضرة الموالية، المعنونة بـ"لا ننسى جذورنا"، الأستاذ أنمار ناصر. تطرق في مداخلته إلى الأسباب الأساسية التي يجب أن تحملنا على عدم نسيان "جذورنا" وعلاقة ذلك بواقعنا الراهن في ارتباطه بالحضارة الغربية. كما تطرق كذلك إلى ما تدين به الحضارة الإنسانية للثقافة الإسلامية من خلال الإشارة إلى بعض الإسهامات النوعية لعلمائها، كما تطرق إلى جانب مهم من جوانب الممارسة الطبية، وهو ما سماه "أخلاقيات الفقه الطبي".
بالموازاة مع هذه الجلسة العلمية، انعقدت جلسة علمية أخرى - في نفس التوقيت - دارت معظم مداخلاتها حول الموضوع العام التالي : "المدارس الطبية الأولى في أوربا ورحلة العلوم الطبية من بلاد العرب إلى بلاد الغرب". وقد تدخل فيها كل من الأستاذات "تشياراماسكاردي" و"باولا كابوني" و"سماح سعيد باحويرث" والأساتذة "جيرالد شانُك" و"جيورجيو سانشين" و"أحمد ذياب".
افتتح الأستاذ محمود مهدي بدوي الجلسة العلمية الثالثة (التي عُنونت بــ"تدريس الطب من خلال المخطوط الطبي") بمحاضرته الموسومة بـ"الشذور الذهبية في المصطلحات الطبية". تتعلق هذه المحاضرة بكتاب لمحمد بن عمر التونسي (المتوفى سنة 1274 هـ/1857 م) عنوانه "معجم الشذور الذهبية في الألفاظ الطبية". وتجدر الإشارة إلى أن المحاضر نفسه هو من حقق هذا النص. تطرقا لمحاضر لموقف المؤلف - محمد بن عمر التونسي - من الكيفية السلبية التي كانت تتم بها ممارسة وتدريس الطب في تلك الفترة من تاريخ مصر. كما تناول تجربة محمد علي في عنايته واهتمامه بالعمل على إنشاء مدرسة، أو مدارس، للتعليم الطبي أو إرسال بعثات لطلاب مصريين إلى الخارج قصد دراسة المعرفة الطبية هناك، مشيرا كذلك إلى عدة عوائق اعترضت هذه التجربة في انطلاقتها. وفي سياق عملية تدريس الطب بالمدرسة الطبية في مصر تمت كتابة هذا المؤلف المعنون بـ"الشذور الذهبية" كي يسد حاجة الطلاب إلى معاجم علمية متخصصة ودقيقة في المعرفة الطبية.
ألقى الأستاذ فؤاد بن أحمد المحاضرة الموالية التي اختار لها عنوان "شرح ابن طملوس أرجوزة ابن سينا في الطب". أشار المحاضر إلى أن أهمية هذا المخطوط لا تقتصر على تاريخ الطب فحسب، بل إنه وثيقة مهمة بخصوص العلاقة التي جمعت ابن طملوس بأستاذه ابن رشد، حيث يظهر أن هذه العلاقة - وعلى عكس ما يذهب إليه بعض الباحثين - كانت جيدة. كما يقدم لنا المخطوط بعض المعطيات التاريخية المهمة كتواجد الطبيب - الفيلسوف ابن طملوس بمدينة مراكش سنة 606 هـ. كما تطرق المحاضر أيضا إلى أهم المصادر التي اعتمدها ابن طملوس في تحرير شرحه ذاك، وهي القانون في الطب لابن سينا وشرح ابن رشد لنفس الأرجوزة (أي أرجوزة ابن سينا) وكتاب الكليات في الطب لفيلسوف قرطبة أبو الوليد بن رشد. مشيرا إلى أن شرح ابن رشد ذو طابع فلسفي (أي شرح طبيب منظر وليس ممارسا لصنعة الطب) بينما يمثل شرح ابن طملوس شرحا ذا طابع علمي- طبي. كما أكد المحاضر على وجود اتصال بين ابن رشد والمغربي ابن مهنا الذي عاش خلال القرن 15م، حيث كتب ابن مهنا هذا شرحا آخر لأرجوزة ابن سينا وعمل فيه على إبراز حدود الشرحين السابقين ...
اختارت الأستاذ سماح سعيد باحويرث لمحاضرتها عنوان "الاستعراب الإسباني ودوره في إنشاء المدارس الطبية في أوربا". تحدثت الباحثة عن بداية الاستعراب في الأندلس حيث كان بعض الدارسين الأوربيين يتعلمون المعارف والعلوم المنتشرة في بلاد تلك المنطقة (الأندلس)، مشيرة إلى بعض المدارس الأوربية التي ضمت علماء ينتمون إلى ديانات مختلفة كمدرسة طليطلة خلال عهد الملك ألفونسو العاشر أو مدرسة سالرنو بإيطاليا ... كما أكدت الباحثة أن الاستعراب الأندلسي هو بمثابة الأصل - أو الجذر - الذي انبثق عنه الاستشراق، كما رأت أن هذا الأخير تختلف طبيعته باختلاف الغايات المتوخاة منه. تفضلت الأستاذة سهام بلغيتي علوي بتقديم المحاضرة التالية بعنوان "تدريس الطب في جامعة القرويين من خلال مخطوط 'زبدة الطب للجرجاني'". وقد قسمت مداخلتها إلى قسمين : أ- ركزت في الأول منهما على الأبعاد العامة والخاصة في مناهج تدريس الطب بجامعة القرويين من خلال هذا المخطوط. ب- بينما تطرقت في الثاني للخصوصية الفكرية للمجتمع المغربي وتدريس الطب بالزوايا وتجربة التعليم بالقرويين.
اختتمت أنشطة هذا اليوم بالجلسة العلمية الرابعة التي كانت عبارة عن مائدة مستديرة. دارت معظم محاضرات هذه الجلسة حول الموضوع العام "الفن والتعليم الطبي : دور الشريح". ألقى محاضراتها كل من الأستاذات "الزهرة شنشاف"و"تشيارالانيسيللي" و"ماريا بلانكا رارنوس" والأستاذ "كارلوسفييسكا".
- اليوم الثالث (27 أكتوبر) :
احتضنت المدرسة المحمدية بالمدينة العتيقة بفاس فعاليات اليوم الثالث من المؤتمر. شكل موضوع "المدارس الطبية في الحضارة الإسلامية" الإطار العام لمجمل محاضرات هذه الجلسة التي افتتحها الأستاذ محمد زين العابدين الحسيني بمداخلته المعنون بـ"تدريس الطب بجامع/ة القرويين منظومة متكاملة". رصد فيها المكانة التي حظي بها الطب داخل جامعة القرويين ضمن مجموعة من العلوم بالاعتماد على عدة مخطوطات تبين طرق ومناهج التدريس في هذه الجامعة خصوصا في مجال الطب. وتعرض الباحث لأول إجازة مُنحت بجامعة القرويين سنة 1207م لعبد الله بن صالح الكتامي مما يبرهن على وجود منظومة متكاملة ترتبط يالبرامج والأساتذة والاختبارات والإجازات. أما المحاضرة الموالية، فقد قدمها الباحثان محمد بسباس ولبنى قهواجي بعنوان "جوانب من تاريخ تدريس الطب بجامع القرويين : الاصطلاحات البيداغوجية". رصد فيها الباحثان المكانة المهمة التي حظي بها الطب داخل جامعة القرويين، خصوصا إبان القرن الخامس عشر الميلادي، حيث كانت هذه الجامعة تستقطب الطلاب من جميع المناطق المغربية، وتميز التعليم آنذاك بكونه كانا مجانيا وغير انتقائي. كما تطرقا أيضا إلى نقطة أخرى تتعلق بأهمية إعادة الاعتبار للموروث الثقافي والحفاظ عليه مع بسطهما القول حول بعض المقترحات المفيدة في الحفاظ على هذا التراث والتعريف به لدى عموم الناس.
تفضل الأستاذ محمد اللبار بتقديم المحاضرة الموالية بعنوان "نبش في تاريخ الإجازات الطبية ضمن منظومة جامعة القرويين". قسم المحاضر مداخلته إلى ثلاثة أقسام : النظر في نشأة وتطور المنظومة التعليمية في جامعة القرويين، النظر في مضمون هذه الحلقات التعليمية، ثم النظر في الإجازات الطبية بشكل خاص. وقد اعتمد الأستاذ اللباربخصوص هذه النقطة على ثلاث إجازات هي : الإجازة التي حصل عليها عبد الله بن صالح الكتامي سنة 603 هـ، والإجازة التي حصل عليها الطبيب الكحاك سنة 1248 هـ، ثم إجازة 1310 هـ التي حصل عليها الطبيب الوزاني.
ألقى المحاضرة الموالية الأستاذ حمزة الصدام حول موضوع "كلية الطب القرطاجية". تطرق فيها إلى عدة نقط مهمة كمسألة انتشار التعليم في المجتمع القرطاجاني القديم، وفسلفة التعليم في مدينة قرطاج من خلال كتابات أدبائها، إضافة إلى بعض مظاهر الازدهار الطبي التي شهدتها هذه المدينة سواء من حيث بعض الأدوات أو المواد الطبية المستعملة، أو من حيث بعض التطويرات التي شهدتها الجوانب اللغوية آنذاك استجابة لبعض الدواعي المعرفية، فكان أن ظهر كنتيجة لذلك ما يمكن تسميته بـ"اللاتينية الأفريقية"" أو بـ"اللاتينية القرطاجية". كما عرّج المؤلف أيضا على بعض الجوانب الأخلاقية من الممارسة الطبية بمدينة قرطاج. أما الأستاذ أيوب بوسعيد، فقد ارتأى أن يتحدث عن موضوع "دار علم الطب بكلية السليمانية : أول مدرسة طبية بالدولة العثمانية"، حيث قسّم داخلته إلى شقين : يتعلق الأول بتاريخ الكلية السليمانية ومدرستها الطبية، بينما خصص الشق الثاني للحديث عن طريقة التدريس بهذه الكلية وما آلت إليه (الكلية) في فيما بعد. وفي نفس السياق المؤسساتي، ألقى الأستاذ إدريس الشريف مداخلة بعنوان : "إنشاء كليات الطب في تونس"، حيث قسم هذه المداخلة إلى جزئين : مسألة التعليم الطبي في تونس خلال مرحلة الاستعمار، والتعليم الطبي بها بعد الاستقلال.
نشير إلى أنه بالتزامن مع هذه الجلسة كانت هناك جلسة أخرى (الجلسة السادسة) منعقدة في قاعة مجاورة في المدرسة المحمدية. وقد تمحورت محاضراتها حول موضوع "تدريس الطب عند القدماء". أما المحاضرون (ت) فهم (ن) : ماريا دو ساميرلوبارروسو، البشير بن جلون، زانغداكلن، سلمى هزالي وشمس الدين حمودة.
استئنفت بعد ذلك أنشطة المؤتمر بالجلسة العلمية السابعة حول موضوع "في تعلم صناعة الطب عند الأطباء في الحضارة الإسلامية". تقدم الأستاذ محمد العساوي بمحاضرة عنونها بـ"تعلم وامتهان الطب والصيدلة من خلال المنهج التجريبي: أنموذجان من تاريخ الغرب الإسلامي الوسيط (ابن الجزار- ابن زهر). تطرق فيها إلى ثلاثة محاور أساسية " أ- لمحة عن تطور الطب بالغرب الإسلامي خلال العصر الوسيط. ب- إبراز طبيعة المنهج التجريبي وأهم خطواته. ج- المنهج التجريبي وعلاقته بتعلم الطب وممارسته كمهنة مع التركيز على نموذجي ابن زهر وابن الجزار. تلت هذه المداخلة محاضرة للأستاذ محمد أبو حفص بعنوان "في تعلم صناعة الطب عند أبي بكر بن باجة ومصادره مراجعه". وقد تحدث فيها عن تصور ابن باجة عن المعرفة والممارسة الطبيتين، حيث يرى ابن باجة أن كل متعلم للطب عليه أن يتمتع بما سماه بالفطرة الفائقة - أي استعداد الطالب القبلي للتعلم - نظرا لأن كمال العلم يتحقق أساسا بكمال الإنسان. كما يشترط أيضا أن تؤخذ هذه الصناعة الطبية من أصولها، أي أبقراط وجالينوس على الوجه الخصوص. كما تطرق المحاضر إلى بعض المسائل الأخرى كموقف ابن باجة من مسألة التشريح ...
أما الأستاذ عبد الصادق بن عطوش فقد عنون مداخلته بـ"دور صناعة الطب في التعليم والتربية عند ابن رشد". قدم فيها نبذة عن التعليم في الأندلس خلال عصر ابن رشد مع التطرق أيضا لبعض تجليات اهتمام الموحدين بالتعليم. كما تطرق كذلك لموقف ابن رشد من بعض الأمور المتصلة بالتعليم أو بالجوانب التربوية عموما. هذا في حين خصص الأستاذ ادريس شريف محاضرته لـ"تدريس الطب من خلال مقدمة ابن خلدون". أما الجلسة العلمية الثامنة، التي انعقدت بالتزامن مع الجلسة العلمية السابعة، فقد شهدت إلقاء محاضرتين، الأولى من طرف الأستاذة دانا باران، والثانية من قِبَل الأستاذ عز الدين جلال.
- اليوم الرابع (28 أكتوبر) :
أما عن اليوم الأخير من المؤتمر، فقد شهد جلستين علميتين. خصصت الأولى لموضوع "تعليم الطب في المغرب والأندلس"، بينما تعلقت الثانية بموضوع "التعليم الطبي بالمغرب خلال عهد الحماية وما بعد الاستقلال". ألقى المحاضرة الأولى من الجلسة العلمية الأولى الأستاذ محمد براص حول موضوع "التعليم الطبي في تاريخ المغرب والأندلس على ضوء إشكالية التعليم في الفكر العربي الإسلامي: تقاطعات بنيوية". وقد خصصها للحديث عن بعض أسس "عملية التأريخ للتعليم الطبي"، وماهية النظريات الخاصة باكتساب المعارف، مع العمل على تحديد العلاقة بين "عملية التأريخ للتعليم الطبي" وتاريخ العلوم، ثم العمل على إبراز مظاهر تاريخ التعليم الطبي بالمغرب والأندلس وأهم خصائصه المميزة ...
اختار الأستاذ حميد لحمر لمداخلته العنوان التالي : "أهم المصادر المعتمدة في حلقات الدرس الطبي المغربي الأندلسي إلى نهاية القرن الثامن الهجري". عمل فيها على إبراز مكانة وأهمية محمد لسان الدين بن الخطيب في التاريخ الفكري للغرب الإسلامي مركزا بشكل خاص على الجوانب الطبية لدى هذا العلَم البارز.كما وقف الأستاذ المحاضر بشكل مفصل على مرحلة إقامته بمدينة فاس ... أما الأستاذ فؤاد العبودي فتحدث في محاضرته - المعونة بـ"منهجية التعليم الطبي خلال القرن 14م من خلال مخطوط 'تحفة المتوسل وراحة المتأمل'للشقوري - عن بعض المحطات الأساسية من حياة عبد الله محمد بن علي اللخمي الشقوري (المولود سنة 727 هـ)، مع تفصيل القول حول مضامين كتابه "تحفة المتوسل وراحة المتأمل" الذي يتميز بوضوح أسلوبه. كما يعكس الكتاب، حسب المحاضر، صورة مشرقة لمستوى المعرفة الطبية بالأندلس خلال القرن 14م.كما وقف أيضا الأستاذ العبودي على عدة مسائل علمية- طبية مهمة، خصوصا تلك الأمور المتصلة بالجهاز الهضمي وكيفية الوقاية من الأمراض، ناهيك عن العديد من المعلومات الطبية المتعلقة بالأغذية والحمية. جاءت المحاضرة التالية معنونة بـ"رحلة الأطباء المغاربة في البلاد الإسلامية وآثارها في تنشيط الحركة العلمية بالمغرب"، وتفضل بإلقائها الأستاذ نور الدين لرجى الذي أكد فيها على أهمية الرحلة في عملية التحصيل العلمي إبان العصور الوسطى. وقد ركز بشكل خاص على رحلة المغاربة إلى المشرق بحثا عن اكتساب المعرفة العلمية، وهو ما انعكس، ف نظره، بشكل إيجابي على المغرب حيث أسهم ذلك في إنشاء بعض المراكز العلمية المتخصصة في دراسة الطب، إضافة إلى إنتاج عدة مؤلفات علمية- طبية لا يزال العديد منها موجودا إلى يومنا هذا ...
ألقى المحاضرة الموالية الأستاذ جمال بامي، رئيس مركز ابن البنا المراكشي، بعنوان "دواء العْرَب بالمغرب الأقصى : مقاربة تحليلية لانتقال المعرفة الطبية - العالمة إلى عموم الناس". وقد تطرق إلى أهمية الجوانب العملية في مقاربة المعرفة العلمية - الطبية، أي ضرورة اعتماد مقاربة تكاملية تأخذ كلا من الجانب الميداني والجانب النظري في الحسبان. كما عمل على رصد أصول المعرفة الطبية العامية في كتب الأطباء، مشيرا إلى أن المعارف الطبية المحلية المنتشرة بين عامة الناس قد شهدت اهتماما متزايدا في العقود الأخيرة، وهو ما تؤكده بعض الدراسات الانجليزية المعاصرة. كما قدم المحاضر عدة أمثلة علمية تبرز الروابط الوثيقة بين تلك المعارف المحلية وبعض المعارف الطبية - النباتية المعاصرة عاملا في الآن نفسه على مقارنة بعض المعطيات الطبية التراثية مع ما تم تأكيده اليوم من طرف الدراسات العلمية – الطبية/النباتية المعاصرة. ليخلص في الأخير إلى أن المعارف المحلية تشكل حقلا خصبا للبحث والدراسة، وهي معارف لا يمكن أن تندثر رغم عاديات الزمن نظرا لأنها مرتبطة بعدة أمور مهمة كالمحيط الحيوي للإنسان ومنظومته القيمية داخل البيئة والتراث والمجتمع. بالتالي، يمكن أن تشكل هذه المعارف المحلية ورشا من أهم الأوراش العلمية المستقبلية التي ينبغي أن يشتغل عليها الباحثون والطلبة.
تلت هذه المداخلة محاضرة للأستاذ عمر مستعين حول "التعليم الطبي من خلال الأسرة الطبية وتوارث مهنة الطب من جيل إلى جيل :'أسرة بني زهر أنموذجا'". قسم مداخلته إلى ثلاثة محاور : ظاهرة الأسر الطبية، أسرة بني زهر، أشهر الأعلام الطبية في أسرة بني زهر.
اتخذت الجلسة العاشرة من "التعليم الطبي بالمغرب خلال عهد الحماية وما بعد الاستقلال" موضوعا لها. هكذا، تفضل الأستاذ رضوان شعايبي بتقديم المحاضرة الأولى ضمن هذه الجلسة، وهي محاضرة بعنوان "مهنة التطبيب بمغرب الحماية : الخصوصيات وإشكالية الإدماج". تطرق فيها إلى وضعية "الأطباء"آنذاك، خصوصا من حيث مباريات توظيفهم والشروط الواجب توفرها في من يتقدم للعمل في هذا التخصص، وكذا ظروف تعيينهم أو ترسيمهم في تلك الفترة. كما تحدث أيضا عن بعض الصعوبات التي اعترضت المغاربة في عملية "الإدماج" داخل مهنة الطب أو في مأسسة مهنة الطب خلال عهد الحماية في المغرب. أعقبت هذه المحاضرة مداخلة للأستاذ محمد مزيان بعنوان "التعليم الطبي خلال عهد الحماية بين إشكالية التأسيس والتأطير القانوني : قراءة في التجربتين التونسية والمغربية". توزعت محاور هذه المداخلة على محورين أساسيين : خصص الأول للعلاقة بين الأبعاد الإنسانية لمهنة الطب والدوافع الكولونيالية، بينما يرتبط الثاني بمعالجة مسألة التعليم الطبي في كل من تونس والمغرب من خلال التركيز على مدى التقاطع بين البعد – أو الإشكال - القانوني والهاجس الأمني في هذين التجربتين.
تولت الأستاذ حفصة عبود إلقاء المحاضرة الموالية بعنوان "الفترة الاستعمارية : وجه طبي إنساني أو دافع استعماري إسباني؟". تحدثت فيها عن طبيعة التدريس الطبي بشمال المغرب قبل مرحلة الاستعمار الإسباني اعتمادا على بعض المراجع الأوربية (كعمل إميل كيرنأو كتاب جان بوطوكي).ثمتحدثت بعد ذلك عن خصائص التعليم الطبي خلال الفترة الاستعمارية، حيث أشارت إلى بعض المشاريع الطبية كإنشاء بعض "المحاجر الطبية"أوالقيام بحملات للتوعية الصحية أو العمل على تكوين الأطباء. كما تطرقت أيضا لجوانب حضور المرأة في تعلم أو ممارسة الطب. أما الأستاذة هروش جميلة فقد خصصت مداخلتها لموضوع "التعليم الطبي بالمغرب بعد الاستقلال بين مطلب التحديث وإكراهات الواقع". ركزت المحاضِرة على إبراز الخصائص التي طبعت وضعية التعليم الطبي بالمغرب بعد الاستقلال، خصوصا مسألة توفير الأطر الطبية لسد الخصاص الذي كان يعانيه المغرب آنذاك. كما عملت أيضا على تتبع عملية إنشاء المؤسسات التعليمية الخاصة بتكوين الأطر الطبية المغربية. أما المحاضرة الأخيرة ضمن هذا المؤتمر، فقد كانت هي محاضرة الأستاذ خالد فهمي المعنونة بـ"تدريس الطب في مصر في القرن التاسع عشر". ونشير إلى أنها عُرضت على شكل تسجيل فقط نظرا لأن الأستاذ خالد فهمي تعذر عليه حضور المؤتمر.