تقرير تفصيلي حول ندوة تفسير الصحابي دجنبر 2020م
في إطار الأنشطة العلمية نظم مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة بشراكة مع مركز الدراسات القرآنية بالرابطة المحمدية للعلماء صبيحة يوم الأربعاء 23 دجنبر 2020م، عبر تقنية زووم ندوة علمية في موضوع: (تفسير الصحابي: المفهوم - المصدر - الأثر)، بمشاركة ثلة من الأساتذة والباحثين: الدكتور بدر العمراني، والدكتور محمد المنتار، والدكتور أحمد نصري، والدكتور عبد العزيز كارتي، والدكتور أحمد الفقيري، والدكتورة فاطمة الزهراء الناصري، والدكتور يونس السباح. وقد افتتحت هذه النّدوة بتلاوة آيات بينات من الذّكر الحكيم، ألقاها على مسامعنا القارئ المتقن أحمد خروب، تلتها كلمة مُسيّر النّدوة الدكتور بدر العمراني، منوّها بهذا اللّقاء العلمي الهادف للبحث في موضوع الندوة من جوانب مختلفة كل من حيث تخصصه، ومرحّبا بالمشاركين من أساتذة وطلبة باحثين. وقد جرت فعاليات النّدوة عبر ثلاثة محاور:
المحور الأول : مفهوم تفسير الصحابي، وحجّيته عند العلماء
بداية تطرق الدكتور يونس السباح، الأستاذ الباحث بمركز عقبة بن نافع للداسات والأبحاث حول الصحابة بطنجة، التابع للرابطة المحمدية للعلماء، إلى موضوع تفسير الصحابي، المفهوم والآثار، مبرزا أهمية هذا الموضوع نظرا لتناوله وتطرقه لأشرف علم؛ وهو علم التّفسير المرتبط بالوحي الخاتم، ومعتبرا ورقته مدخل أساس في تناول موضوع الندوة، مذكرا أن التفسير قسمان؛ تفسير بالمأثور وتفسير بالرأي، وقد بين أهمية تفسير الصحابة باعتبارهم عدولا، شهدوا التنزيل وعايشوا أطواره وأحواله، وهم أهل اللسان الذي نزل به القرآن، كما أنهم ـ رضوان الله عليهم ـ يمتازون بحسن الفهم، ودقة النظر، وسلامة القصد. وقد أشار في مداخلته إلى بعض مصادرهم في التفسير وهي: أولا: تفسيرهم القرآن بالقرآن، ثانيا: تفسيرهم القرآن بالسُّنة، ثالثا: تفسيرهم القرآن بالاجتهاد والاستنباط، رابعا: تفسيرهم القرآن بأقوال أهل الكتاب. وذكر لنا في ختام مداخلته أسماء بعض الكتب والمراجع المسندة والمعتمدة في تفسير الصحابة، منها: تفسير مجاهد بن جبر، وتفسير عبد الرزاق الصنعاني، وتفسير الطبري وابن أبي حاتم، إلى غيرها من الكتب القيمة. يليه في المحور ذاته مداخلة الدكتورة فاطمة الزهراء الناصري ـ الأستاذة الباحثة بمركز الدراسات القرآنية بالرّابطة المحمدية للعلماء ـ حيث تناولت في مداخلتها تحديد مفهوم تفسير الصحابي، موضحة بأنه ما أُثر عن الصحابي من أقوال في تفسير الآيات القرآنية، سواء فيما ليس فيه مجال للرأي؛ فعُدّ من قبيل المرفوع، أو كان مما فيه مجال للرأي؛ فعُدّ من الموقوف، لتعرِّج بالحديث عن مميزات تفسير الصحابة، مبيِّنة بأنه تفسير غير شامل؛ بمعنى أنه لم يثبت أن قام أحد من الصحابة رضوان الله عليهم بتفسير القرآن الكريم كاملا، وبأنه تفسير موضوعي غير متحيز، و تفسير شفاهي في أغلبه غير مدون، مع قلة الاعتماد على الإسرائيليات، واحترازهم ـ رضي الله عنهم ـ من القول في القرآن بغير علم. لتحرر لنا ـ بعد ذلك ـ ما اشتمل عليه تفسير الصحابي مما عدّه جمهور العلماء من المرفوع والموقوف والمرسل، ولتعرض ما مدى حجية كل نوع على حدة عند كل من الفقهاء والأصوليين وكذا اللغويين، مستدلة ببعض الاقتباسات من كلام أئمة أعلام ذلك الفن.
المحور الثاني: مصادر تفسير الصحابي وأهميته في تفسير القرآن الكريم
تطرّق فضيلة الدكتور أحمد نصري ـ أستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالمحمدية ـ في هذا المحور، إلى «أسباب اختلاف الصحابة في التفسير»، وعدّد جملة منها، أولا: المشترك اللفظي في القرآن الكريم، ثانيا: تعارُض الأدلة، ثالثا: تعارض القياس، رابعا: تفاوُتهم في الاطلاع على السنة أو إدراك كل السنة، خامسا: اختلافهم في ضَبْط الحديث، سادسا: الوَهْم في الحديث، سابعا: الشك في ثبوت الحديث، مستدلا فيها جميعا بشواهد وأمثلة في عدد من مسائل التفسير. وتناول فضيلة الدكتور عبد العزيز كارتي ـ أستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالمحمدية ـ في المحور نفسه، «نماذج واجتهادات الصحابة في التفسير»، حيث تحدّث عن قوة الفهم والاستنباط عند الصحابة رضوان الله عليهم، وحدّد أبرز أدوات الاجتهاد في التفسير عندهم، أولا: معرفة أسرار العربية، ثانيا: معرفة عادات العرب، ثالثا: معرفة أحوال اليهود والنصارى في جزيرة العرب، رابعا: معرفة أسباب النزول، مستشهدا ببعض النماذج والأمثلة في قوة ودِقّة فُهوم صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لآيات القرآن الكريم. وجاءت ثالث ورقات هذا المحور، بعنوان: «أثر ابن عباس على تفاسير الغرب الإسلامي، دراسة ونماذج»، ألقاها الدكتور أحمد الفقيري ـ أستاذ بكلية أصول الدين بتطوان ـ، حيث عرّف بحَبْر الأُمّة وتُرْجُمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وبمنهجه العام في التفسير، وبأبرز تلامذة مدرسته المغاربة الذين تأثّروا بمنهجه وطريقته في التفسير، وتحدّث عن سَنَد المغاربة في رواية تفسير ابن عباس، وأبرَزَ الأثر القِرائي والأثر اللغوي لابن عباس على التفاسير المغربية، وأشار إلى الأثر العقدي وإلى الأثر الفقهي أُفُقا لمزيد بحث وتنقيب، ليشمل موضوع أثر ابن عباس على المدرسة التفسيرية المغربية مختلف مجالات المعرفة.
المحور الثالث: أثر تفسير الصّحابة في العلوم الإسلامية
وفي المحور الثالث الموسوم بعنوان أثر تفسير الصحابة في العلوم الإسلامية، تحدث الدكتور محمد المنتار رئيس مركز الدراسات القرآنية، والأستاذ بكلية الآداب بالمحمدية، عن معالم ومناهج تفسير النصوص عند الصحابة، وأثر ذلك في بناء الدرس الأصولي والمقاصدي. في البداية، نوّه المحاضر بالسّادة الأساتذة المشاركين في الندوة كل باسمه وصفته، والمتتبعين لها عبر البوابة الإلكترونية للرابطة المحمدية للعلماء، من باحثين وطلبة في الماستر والدكتوراه. واعتبر أن من دواعي إثارة موضوع تفسير الصحابي في عصرنا الراهن؛ إعادة الاعتبار لهذا المدخل المعرفي الذي كان بمثابة صلة الوصل بعلومنا الإسلامية كما كانت في نشأتها الأولى. واعتبر د. المنتار الغرض من هذا الانطلاق إلى مجال الدرس الأصولي حيث كان حضور الصحابة وحضور أقوالهم محوريا. مشددا على محورية أقوال الصحابة وأفعالهم في مجال الاستنباط والاستدلال وكل ما يتعلق بتفسير النصوص. وفي نفس السياق نبه المحاضر إلى التمييز بين قول الصحابي وفعله لاستثمار ذلك في أصول الفقه، دون التغافل عن أفعال الصحابة وكيفية الاستنباط والاستدلال منها في القضايا العلمية التي تدخل في مسمى أصول الفقه. وأكد على حضور أقوال الصحابة وأفعالهم في مباحث أصول الفقه من خلال الأدلة وعوارض الأدلة وقضايا الأحكام والاجتهاد والفتوى، كما كان لعلماء المذهب المالكي والغرب الإسلامي هذا الوعي الدقيق بهذا الحضور الفعلي لأقوال وأفعال الصحابة رضوان الله عليهم. وشدّد على ضرورة استثمار هذه الأمثلة التي نص عليها علماء أصول الفقه في بناء الأدلة، من خلال إعادة الاعتبار لأقوال الصحابة وأفعالهم لاستثمارها في بناء مباحث أصول الفقه، وإعادة مصدرية أصول التشريع قرآنا كريما وسنة نبوية. كما دعا إلى إعادة ترتيب أقوال الصحابة وأفعالهم بناء على الحاجة الماسة إلى ذلك في عصرنا الحالي، وإعادة النظر في الأحكام العملية المستنبطة من أدلتها التفصيلية، كما دعا إلى إعادة قراءة أقوالهم وأفعالهم من مدخل الضروريات الخمس. وختم المحاضر بذكر مجموعة من الاجتهادات مع ربطها بأصل من الأصول الخمسة الضرورية: الدين، والنفس، والعرض، والعقل، والمال. وفي مداخلة للدكتور بدر العمراني، رئيس مركز عقبة بن نافع، والأستاذ بكلية أصول الدين بتطوان، تحدث عن: "المحدثين وتفسير الصحابي: ظواهر وقضايا"، فأجمل أهم مظاهر عناية المحدثين بالتفسير في الجمع أي جمع تفاسير الصحابة مقرونة بالآية حسب ترتيبها في المصحف، ومثل لذلك بمجموعة من التفاسير كتفسير عبد الرزاق الصنعاني وجامع البيان للطبري وتفسير ابن المنذر وغيرهم..والتضمين أي تضمن تفاسير الصحابة في كتب السنة، ممثلا لذلك بكتاب التفسير من الصحيحين وسنن الترمذي وغيرها من كتب السنة... والتخصيص أي تخصيص بعض الأنواع بالتأليف كأسباب النزول، وغيرها ... وتحدث في شق ثان عن قضايا منهجية تناولها المحدثون منها الاحتجاج بتفاسير الصحابة، والاختلاف، في تعدد الرواية والاختلاف في النقل عن الصحابي الواحد. وختم المحاضر كلمته بالشكر والتنويه للأساتذة المشاركين والباحثين والطلبة، مع إثارة مجموعة من التوصيات التي نبه عليها الأساتذة في مداخلاتهم لاستثمارها في مشاريع علمية وبحثية.