«المقاصد المنهجية للدرس التفسيري»
في إطار أنشطته العلمية والفكرية، نظم مركز الدراسات القرآنية بالرابطة المحمدية للعلماء حلقة جديدة (10) من حلقات «منتدى الدراسات القرآنية» بمحاضرة علمية في موضوع: « المقاصد المنهجية للدرس التفسيري» ألقاها فضيلة الأستاذ الدكتور مولاي مصطفى الهند أستاذ التعليم العالي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية المحمدية، وعضو بالرابطة المحمدية للعلماء، وذلك يوم الخميس 18 ماي 2017م/ 21 شعبان 1438هـ. بمقر مركز الدراسات القرآنية، شارع فال ولد عمير، أكدال ـ الرباط.
افتُتِح هذا المنتدى العلمي بتلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم، لتتلوها كلمة الدكتور محمد المنتار رئيس مركز الدراسات القرآنية الذي أشاد بالمحاضر، وإسهاماته العلمية القيمة، وبمشاركاته في أنشطة الرابطة المحمدية للعلماء، شاكرا له استجابة دعوة المركز لإلقاء هذه المحاضرة، كما بيّن فضيلته أهمية موضوع المحاضرة الذي تمحور حول المقاصد المنهجية للدرس التفسيري.
استهل الأستاذ الدكتور مولاي مصطفى الهند حديثه بتوجيه الشكر لمركز الدراسات القرآنية على دعوته، التي اعتبرها فرصة قيمة للتدارس والتباحث مع باحثي المركز في موضوع المقاصد المنهجية للدرس التفسيري، معربا عن ما يكتنف هذا الموضوع من أهمية وما مدى صلته بالقرآن المجيد، ذلك أن شرف العلم بشرف المعلوم.
بعد ذلك، استهل الأستاذ الباحث الموضوع بمقدمة علمية منهجية مفاهيمية مؤطرا الموضوع في سياقه العلمي، منطلقا من كون المقاصد المنهجية هي ثمرة العلوم، ودرس التفسير هو جوهر علوم القرآن؛ وهي خادمة لهذا الدرس، وحيث هي كذلك فلا ينتظر للدرس التفسيري إلا أن يكون منتجا ووظيفيا، ثم تتحصل الثمرة العملية منه وتتحصل المعرفة منه.
بعد هذه المقدمة التأطيرية المنهجية، تناول الموضوع في سبعة محاور: كلها هموم معرفية كان الغرض منها أن يكون تحت الدرس التفسيري عمل، وهي كالآتي:
أولا: درس التفسير بين القرآن الكريم ولسانه العربي.
ثانيا: مذهبية درس التفسير.
ثالثا: فقه درس التفسير بين النزول والتنزيل.
رابعا: درس التفسير بين الكمال والإكمال.
خامسا: الموضوعية في الدرس التفسيري.
سادسا: درس التفسير بين الظاهر والمجاز.
سابعا: درس التفسير ووقائع الأحوال والأعيان.
المحور الأول: درس التفسير بين القرآن ولسانه العربي تناوله الدكتور في نقاط:
- أن اللغة العربية خالصة ومخلَّصة، خالصة بمبناها وبمعناها، لأنها كلام الله عز وجل، ومخلصة لم تلوث بملوثة التفكير البشري.
- الحاجة إلى دراسة تاريخية لمفردات القرآنية. وهذا الجرد يسمح لنا في فهم المفردة القرآنية في سياقها التاريخي. وفي سياقها اللغوي والقرآني.
- الحاجة إلى قاموس قرآني مفاهيمي (مفاهيم كلية جزئية، أصلية تبعية..).
المحور الثاني: مذهبية درس التفسير.انتقل الباحث إلى الجانب الإشكالي المنهجي في الدرس التفسيري والذي تتسلط عليه المذهبية وتؤثر عليه بشكل كبير، وذلك من خلال ثلاثة أنواع: (التفسير الفقهي، والكلامي، والصوفي)، فمثل للتفسير الفقهي بأحكام القرآن لابن العربي ووقف عند مجموعة من المسائل الفقهية عنده. وبالتفسير الكلامي بمفاتيح الغيب لإمام الرزاي في تفسير سورة الفاتحة، ثم ختم بالتفسير الصوفي عند الإمام التستري.أما المحور الثالث: فقه درس التفسير بين النزول والتنزيل.ـ قضية مشكلة تربط بالظاهر والباطن في القرآن الكريم؛ درس التفسير للاستفادة منه لا بد من إحكام ظاهره قبل باطنه لا العكس لأنه خرم في الفهم وخلل منهجي يقول الزركشي: «لا يجوز التهاون بحفظ التفسير الظاهر أولا ولا مطمع في الوصول إلى الباطن قبل إحكام الظاهر. ومن ادعى فهم أسرار القرآن ولم يحكم التفسير الظاهر فهو كمن ادعى البلوغ إلى صدر البيت قبل تجاوز الباب» البرهان(2/155).ـ ثم انتقل إلى الأمر الثاني: في ضبط أحوال الخطاب القرآني وأسباب نزوله: مستدلا بنص لإمام الشاطبي وذلك من جهتين: من خلال معرفة مقتضيات الأحوال، وحال الخطاب، ثم أن الجهل بأسباب التنزيل موقع في الشبه والإشكالات.ـ النقطة الثالثة: الاجتهاد ودرس التفسير. ومثلَ بنص القرطبي في أحكام القرآن، وكيف ذم بعض المفسرين في مبالغتهم في الميل إلى الاجتهاد، وفيه إشارة إلى حضور الهوى والرأي بشكل كبير في تفاسيرهم.أما المحور الرابع: درس التفسير بين الكمال والتكميل:
أي بينَ كمال نزوله،كما في قوله عز وجل: ﴿اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ (المائدة)، ومن تمام إكمال الدين، إتمام نزول القرآن الكريم. فالكمال إلهي لا دخل للبشر فيه، وبين الأستاذ بأن الإشكال في الدرس التفسيري أننا نقف عند الكمال ولا يلتفت إلى التكميل؛ التكميل يقصد به تكميل الإرادة ومثلَ بقوله عز وجل: ﴿ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ﴾(هود، آية88)، أي نزلت كمال ومحكمة، ووجه التكميل في جانب الفهم، فقه الآية المرتبط بالتنزيل، وتناولها من خلال مراتب الإصلاح المعروفة في الشريعة الإسلامية.
أما المحور الخامس: الموضوعية في الدرس التفسيري.
التفسير الموضوعي قسمان: قسم يرتبط بوحدة الموضوع، وجمع المفردات؛ وبين أن الحديث عن التفسير الموضوعي غائب في الدرس التفسيري.
ثم انتقل إلى بيان بعض مقاصد التفسير الموضوعي، كالوحدة الجامعة لآيات القرآن الكريم، والتربية الإيمانية والسلوكية، ثم ختم ببيان علم المناسبات بين السور والآيات، وكيف يجليها التفسير الموضوعي. وحاول تطبيق هذه الصور كلها في سورة الكهف. وأشار حفظه الله إلى أن الجامع بين كل القصص والأخبار هو البشارة والنذارة.
أما المحور السادس: درس التفسير بين الظاهر والمجاز.
بين فيه الأستاذ أهمية المجاز في التفسير وكان النموذج العملي الذي ساقه هو قوله عز وجل: ﴿ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ﴾(سورة يوسف، آية31)، وتفسيرها عند بعض المفسرين كالطبري وذكر ثلاثة أقوال لهذه الآية في تفسير (قطعن أيديهن)، القطع بإبانة، وحزّ، وخدش وهو أصوب لظاهر التنزيل، بمعنى أن للتنزيل ظاهر وباطن. وعرج على أقوال الإمام البغوي، ثم ختم بالطاهر ابن عاشور الذي بين أن القطع الجرح أطلق عليه القطع مجازا، وحل الإشكال.
أما المحور السابع: درس التفسير ووقائع الأحوال والأعيان.
قارب حفظه الله تعالى هذه المسألة من خلال قول الله عز وجل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾(سورة النساء، آية58). عند الإمام الطبري يقول: «هو خطاب من الله ولاةَ أمور المسلمين بأداء الأمانة إلى من وَلُوا أمره في فيئهم وحقوقهم، وما ائتمنوا عليه من أمورهم، بالعدل بينهم في القضية، والقَسْم بينهم بالسوية». تفسير الطبري (8/492) أن الآية فرغت من معناها، ويقول ابن عطية الأظهر في الآية أنها عامة في جميع الناس.
اختتم فضيلة الأستاذ مولاي مصطفى الهند كلمته، على آمل تجديد اللقاء لمزيد من المدارسات والأطاريح العلمية بما يفتح آفاق علمية للباحثين والنقاد في مجال الدراسات القرآنية، كما ساهم الحضور الكريم من الباحثين في إثراء الموضوع بأسئلتهم العلمية المنهجية في مختلف جوانبه.
إنجاز الباحث: الحسن الوزاني