مركز الدراسات والبحوث في الفقه المالكي

التقرير العام عن اليوم الدراسي: «المداخل المعاصرة للعلوم الشرعية»

   في سياق الأشغال التكوينية التي يضطلع بها مركز البحوث والدراسات في الفقه المالكي، التابع للرابطة المحمدية للعلماء، وإسهاما منه في استكمال تأهيل باحثين متخصصين في الفقه المالكي وأصوله، نظم مركز البحوث والدراسات في الفقه المالكي بتنسيق مع ماستر الفكر الإسلامي والتجديد الحضاري ـ كلية الآداب بمكناس، يوما دراسيا لفائدة باحثي الدكتوراه خريجي الماستر في موضوع:

«المداخل المعاصرة للعلوم الشرعية»

[نموذج: التوحيد، الفقه، أصول الفقه]

  انطلقت أشغال هذا اليوم على الساعة 9:20 صباحا، وافتتحت بكلمة السيد الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، ألقاها بالنيابة عنه الدكتور محمد العلمي، رئيس المركز، رحَّب فيها بالحضور، ووضع الإطار العام لليوم الدراسي، محددا فيه برنامجه.

  ثم تلتها عروض السادة الأساتذة، وهي كالتالي:

العرض الأول: المداخل الراهنة لعلم التوحيد

الدكتور ياسين أوفقير

المقرر: الباحث طه فطناسي

  بدأ الأستاذ محاضرته بمقدمة تمهيدية، أكد فيها على مكانة علم التوحيد وأهميته في بناء الثقافة الإسلامية، معتبرا أن علم التوحيد هو العلم المعني ببيان العقائد الإسلامية، وإقامة الأدلة والبراهين على صحتها، والحجاج عنها ضد الطاعنين فيها، والوقوف في وجه الشبهات، والحفاظ على الطمأنينة، والاستقرار الديني عند عامة المسلمين، فبعلم الكلام حافظت الأمة على وحدتها في مجال الفكر، واللغة، والمنطق، على مستوى المرجعة النهائية، وقدم لذلك نماذج من المقررات والمواضيع التي تناولها متكلموا أهل السنة كالإمام النسفي، وابن العربي.

  وأشاد الأستاذ المحاضر بالحاسة النقدية الدقيقة التي ميزت علماء الأمة، حيث تتبعوا مكامن الخطر والخلل في بعض العقائد، وضرب مثالا بابن المُـنَـيِّر (ت683هـ)، الذي تتبع ذيول الاعتزال بالمناقير في حاشيته على تفسير الكشاف للزمخشري، وهو نفس صنيع علماء الكلام حينما تتبعوا الفلسفات والأفكار السائدة وفحصوها، ثم حرروا الأجوبة عنها، وبينوا المحاذير المتعلقة بها.

  وبعد هذه المقدمة التمهيدية انتقل الأستاذ المحاضر إلى موضوع مداخلته، وهي بيان المداخل الراهنة لعلم التوحيد، فقرر أن ثمة مدخلا علميا صحيحا لعلم الكلام، ومداخل أخرى خاطئة، وقد أجمل هذه المداخل الخاطئة في خمسة مداخل، يترتب علىها هشاشة عقدية وفكرية، تمنع من الاستفادة من عطاءات علم الكلام، وتشكل عائقا في مواجهة تحديات العصر.

  فالمداخل الخاطئة التي أشار إليها الأستاذ المحاضر، هي:

المدخل الأول: النظرة التاريخية لعلم الكلام: وهي النظر إلى علم الكلام كمجرد ظاهرة تاريخية صرفة، وفضل الأستاذ المحاضر تسميتها بـ«النظرة من الخارج»، فالجانب التاريخي في علم التوحيد مهم، ولكنه أمر خارجي، بمعنى أن الدارس لعلم الكلام باعتباره مجرد سرد تاريخي، سيتعرف على انجازات هذا العلم، والظروف التي أحاطت بنشأته، وتطوره، لكنه لن يتمكن من تصور مواضيعه وراهنيته، فضلا على ما سيترتب عن ذلك من وقوع في نسبية جافة، حين يقف الباحث على الخلاف الواقع بين الأئمة، وأن كل إمام استدرك عليه الذي بعده بعض المسائل.

فالدارس من الداخل ـ الذي لم يكتف بالنظر الخارجي ـ يرى أن ذلك الخلاف والاستدراك، مسار تصحيحي ذاتي، وتراكم علمي مهم، وأن المؤلفات المتأخرة في علم التوحيد هي النسخة الأكثر تحريراً؛ لأنها مرت عبر تصفيات العلماء عبر القرون، في حين سيرى الدارس المقتصر على النظرة التاريخية الخارجية، أن ذلك الخلاف الواقع بين العلماء، مجرد إفراز لواقع خاص، وأن الواقع بحاجة ماسة إلى تجديد يناسب الواقع الخاص.

هنا طرح الأستاذ المحاضر سؤالاًَ حول ماهية هذا التجديد؟ وعلى أي أساس يقوم؟

وقرر جوابا على ذلك: أن التجديد يستلزم الدراسة العلمية، وأن أصحاب النظرة التاريخية يدعون إلى التجديد دون دراسة تحدد الثابت من المتغير، فيفضي بهم ذلك إلى القول بأن علم الكلام قد استنفذ أغراضه، وأنه لم يعد صالحا لهذا العصر، وصلاحيته كانت في العصور السابقة.

فهذا الادعاء ينبني على مقولة التطور في العلوم الإنسانية، التي تفترض أن ما ينتجه البشر من أفكار، وطرائق للتفكير والنظر في عصر متأخر، أفضل بالضرورة من الأفكار والطرائق المنتجة في عصر متقدم.

كما يقوم هذا الادعاء على القول بأن التحديات التي يواجهها الفكر الإسلامي اليوم لا نظير لها في تراث الأمة. وهو ما اعترض عليه الأستاذ المحاضر في ثلاثة نقاط:

النقطة الأولى: أن أهمية العلوم تكمن في مناهجها، لا في جزئياتها.

النقطة الثانية: أن طرائق التفكير والنظر توصف بالصواب والخطأ، ولا تخضع لقانون التطور، قال حاجي خليفة: «فإنما يستجود الشيء ويسترذل لجودته وردائته في ذاته، لا لقدمه وحدوثه».

النقطة الثالثة: أن الشبهات سواء المعاصرة أو القديمة على تنوعها لها جوهر، ويعبران معا عن إمكانات دائمة في الفكر البشري، والعلماء امتلكوا القدرة على تجريد هذا الجوهر.

المدخل الثاني: ذم واستبعاد علم الكلام والمنطق: وقد تجاوز هذا الاستبعاد علم الكلام والمنطق إلى علم البلاغة، فاعتبروا هذه العلوم دخيلة، وقد ذمها السلف قديماً، والذين يتبنون هذا الرأي عاجزين ـ نتيجة كسلهم المعرفي ـ عن التمييز بين المنطق الذي ذمه السلف، وهو المنطق اليوناني الممتزج بالفلسفة، وبين المنطق الذي مدحه الخلف، وهو ما أقره علماء السنة بعد تمحيصه والنظر فيه واستبعاد المقولات المبنية على المسلمات الوثنية، والافتراضات غير المحررة، والمحافظة على الجوانب الآلية والاستدلالية والإجرائية فيه.

ونبه الأستاذ المحاضر على أن ذم المنطق اليوناني باعتبار واضعه، كلام لا يستقيم علميا، بل لا بد من تحديد علة التحريم، وعدم الاكتفاء بهذا الحكم الإجمالي المرسل.

وألحق الأستاذ المحاضر بهذا المدخل من المداخل الخاطئة لعلم الكلام، الموقف السلبي من قضية النظر في العقائد، والدعوة إلى الاكتفاء بالتقليد.

المدخل الثالث: استبعاد علم الكلام من الساحة المعرفية باعتبار صعوبته: فوصفُ علم ما بالصعوبة، وبدقة مسائله وتشعبها، لم يكن في يوم من الأيام ذريعة لرفضه وعدم تعلمه، فعلم الرياضيات على صعوبته وتفرع شعبه، يُدرس في المناهج التعليمية الحديثة.

المدخل الرابع: وقوع الدارسين لعلم الكلام في الفخ الطائفي: وذلك من خلال استغلالهم هذا العلم لمناقشة إشكالات فرعية مفروغ منها، في إطار الحرب الطائفية بين المسلمين، واستهلاك جهودهم فيما لا طائل منه.

المدخل الخامس: وصف علم الكلام بأنه نتاج مرحلة الانحطاط: وقد أشار المحاضر إلى أنه ترك هذا المدخل إلى الأخير؛ لأنه مبني على الجهل بالتاريخ والعداء له، فلم يُبنى هذا الافتراض لا على دراسة تاريخية منصفة، ولا على دراسة تفصيلية نقدية لمواضيعه ومباحثه، فأزهى العصور التي مرت بها الأمة عرفت بروز كبار العلماء المتكلمين، إضافة إلى أن علم الكلام برز في أقوى الأزمنة التي مرت منها الأمة الإسلامية.

لينتقل الأستاذ بعد ذلك إلى المحور الثاني من محاضرته، وهو بيان ما يترتب عن هذه المداخل الخاطئة من كلفة فادحة على مستوى العقل المسلم المعاصر، وقد أجملها في ما يلي:

– غلبة المنطق الخطابي على الخطاب الوعظي، والتربوي، وحتى الفكري، ويترتب عن ذلك التوسل إلى إثبات العقائد بأدلة خطابية، مما يفضي إلى التشكيك في العقائد وانتشار الإلحاد،  واكتفى المحاضر بذكر مثالين:

المثال الأول: ما يسمى بدليل الفطرة: فالفطرة لا تشكل دليلا مستقلا تنبني عليه الأحكام الشرعية؛ لأن الدليل يشترط فيه أن يؤدي التأمل فيه إلى تحصيل المطلوب الخبري، وهذا ما لا يتأتى من الفطرة؛ لأن الفطرة في نهاية المطاف ما هي إلا مجرد استعداد لا يفضي التأمل فيه إلى معرفة المطلوب.

المثال الثاني: ما يسمى بالإعجاز العلمي: حيث يدعي معظم أصحابه إلى سبق الوحي إلى حقائق تجريبية بلغها الإنسان، ويتفاوتون في قدر الخطأ بين الظن، والوهم، والجهل، واكتفى بذكر مثالين على ذلك، وهما:

ـ تكلف استنتاج أن في القرآن إشارة إلى تحديد عدد الكواكب الذي وصل إليه علم الفلك: لكن الغلط أن هذا التحديد خاضع لعرف الفلكيين، والاتفاق الاصطلاحي بينهم.

ـ التمسك بأن انشقاق القمر حاصل في الصور الملتقطة له في الفضاء، ولكن هذا صدر فيه تكذيب من وكالة الفضاء، كما أن المعجزة بانشقاق القمر لا يلزم استمراره ومشاهدته إلى الآن.

كما صاحب هذا:

ـ أخطاء في القول عن الذات الإلهية، والجانب النبوي الشريف.

ـ الارتباك في التعامل مع النصوص المشكلة.

فقد عمد المتكلمون إلى حل هذا الإشكال عن طريق التأويل المنضبط بقواعد اللغة والعقل.

وفي الختام أشار الأستاذ المحاضر إلى أن كل مدخل من هذه المداخل يفضي إلى هشاشة عقدية وفكرية، تكون حاجبا بين الاستفادة من عطاءات هذه العلوم وإمكاناتها، وتجعل الواقِعَ في هذه الأخطاء عاجزا عن مواجهة العصر وتحدياته، فعلم الكلام يعد بحق مفخرة من مفاخر الإسلام.

[مناقشة الدكتور عبد الرحمن قشيش للأستاذ المحاضر]

وقد دعا الأستاذ المحاضر إلى ضرورة استثمار مناهج علم الكلام، ومواجهة تحديات العصر، عن طريق التحليل العلمي لحركة الأفكار والفلسفات السائدة في هذا الزمان، والتنبه إلى جوهرها كما فعل السابقون، فأهمية علم الكلام وضرورته تبرز بشكل أكبر بقدر انغماسنا في الواقع، وملامسة هموم الإنسان المعاصر وأسئلته، فالإسلام جاء للعالم.

وقبل أن يختم الأستاذ محاضرته ذكر كتبا في العقيدة يلزم الباحثين قراءتها، وهي:

– مقدمات السنوسي وشروحها، وسائر كتبه.

– إلجام العوام عن علم الكلام للغزالي.

– العواصم من القواصم لابن العربي.

– كبرى اليقينيات الكونية للبوطي.

– دفع شبه التشبيه لابن الجوزي.

العرض الثاني: تصنيف المكتبة الفقهية ودوره في ترشيد البحث الفقهي

الدكتور محمد العلمي، رئيس مركز الدراسات والبحوث في الفقه المالكي

المقرر: الباحث عبد القادر الزكاري

  افتتح الأستاذ محاضرته بمقدمة تمهيدية بيَّن فيها: حاجة البحث العلمي في العلوم الشرعية إلى الترشيد والمسؤولية، مشبِّها المنطق الجامعي بمائدة نزلت من السماء لا بد أن تُستغل أحسن استغلال.

ليُنبه بعدُ إلى أن البحث الفقهي يعاني أعطاباً، أهمها: الكسل الذي يعتري الدارسين والباحثين؛ مما قد يؤدي إلى شيوع الكثير من الأخطاء.

مشيرا إلى أنه من الأخطاء الناجمة عن ذلك: الانبهار بالغرب الذي أورثنا الشك، مبينا أن هذا الانبهار منظَّم من قبل المستعمرين. والذي أدى إلى نتائج سلبيه أجلاها: احتقار النموذج الفقهي كما وصل إلينا في التاريخ، ليعقب في هذا السياق على بعض العلماء الذين تأثروا في تأريخهم للفقه بالاستعمار؛ مبرزا أن جميع تفسيراتهم تؤول إلى التحيز ضد الذات.

كما نبَّه الأستاذُ في هذا التمهيد الباحثينَ إلى ضرورة توقف شيوع الأفكار القائمة على غير تعليل فيما يتعلق بالنظر للفقه؛ كوصف الفقه بأنه نتاج عصور الانحطاط، مبديا اعتراضه على هذا الوصف، قائلاً: إن جميع حجج أصحاب هذه القول لا تقوم على القطع والاستقراء، وإنما هي أمثلة شاذة لا ترقى إلى اعتبارها دليلا على صحة تلك الفرَضية.

هذا علما أن تأطير الفقه للأمة في عصور الصعوبة والضعف، يعد مفخرة من مفاخره، إذ بفضله استمرت الحياة الإسلامية والدول المختلفة، وأورثوا الدين للخلف بعدهم غضا، دون  تبديل ولا تحريف.

ثم دخل الأستاذ بعد هذا التقديم إلى صلب الموضوع: «تصنيف المكتبة الفقهية ودوره في ترشيد البحث الفقهي».

وقبل أن يذكر الأستاذ المحاضر التقسيم الذي توصل إليه للفقه، قدَّم بتقسيمات العلماء للفقه الإسلامي عموما، مشيرا أنهم راعوا فيه ثلاثة معايير، وهي:

المعيار الأول: معيار الحجم:

وبين في هذا المعيار أن المصنفات الفقهية تنقسم بهذا المعيار إلى ثلاثة أقسام: الأول: المبسوطات، والثاني: المتوسطات، والثالث: المختصرات.

ثم أشار إلى أن مصطلح المختصر هو أكثر هذه الثلاثة استعمالا في الفقه، تليها المبسوطات، أما المتوسطات فهي أقل الثلاثة ورودا في وصف المصنفات. مُورداً أمثلة على استعمال العلماء وأصحاب التراجم لهذه المصطلحات.

وقد عقب على هذا التقسيم مبرزا فيه أن هذه المصطلحات، وإن كانت مستعملة عند العلماء إلا أنهم لم يعتمدوها للتفريق بين علوم الفقه المصنفة؛ لأن التفريق بالحجم ليس معيارا منهجيا، ولا مرجعا للاستجادة والاسترذال للكتب، بقدر ما هو معيار كمي مستند إلى الحجم والجرم.

أما المعيار الثاني فهو معيار: الصفة العلمية، ونوع الإضافة الفنية إلى العلم الواحد، وبهذا تنقسم المصنفات إلى سبعة أقسام وفق ما جعله الناس مقاصد للتأليف، لا ينبغي الخروج عليها، وهي:

1ـ ابتكار موضوع جديد لم يسبق مؤلفه إليه.

2ـ شرح المستغلق من مؤلفات من سبق.

3ـ تصحيح غلط من سبق. مثل: التبصرة لابن الفخار الأندلسي محمد بن عمر أبي عبد الله (ت419ﻫ)، تعقب فيه على ابن أبي زيد في الرسالة عدة مسائل.

4ـ تتميم مسائل ناقصة من علم معين. مثل منظومة المعلم وما عليه.

5ـ ترتيب مسائل علم مختلطة عند من سبق. مثل كتاب عقد الجواهر الثمينة لابن شاس، هدفه ترتيب مسائل المذهب، مقتديا في ذلك بالوجيز للغزالي.

6ـ جمع علم من علوم متفرقة. مثل مقدمة ابن خلدون.

 7ـ اختصار المطولات. وهو كثير. وقد كان هدفا مركزيا في المذاهب الفقهية منذ نشأتها: المزني ـ البرادعي ـ الحاكم الشهيد ـ الخرقي.

مبينا بعده أن هذا التقسيم نُقل عن ابن حزم، وتبناه عامة المتأخرين، كابن خلدون، وحاجي خليفة، وغيرهما، ليعلق عليه قائلا: إنه معيار مشترك بين كل العلوم، وهو القسمة المنطقية التي يحتملها الجهد البشري في أي مجال من العلوم، لكنه لا يختص بالفقه اختصاصا وانفرادا.

وأما المعيار الثالث فهو: المعيار الفقهي

وذلك حسب الفنون الفقهية التي اعتبرها العلماء مستقلة على نحو ما؛ لأن علوم الفقه مرتبطة ببعضها البعض، قد تتمايز فيما بينها حسب:

المنهج والقواعد.

الموضوع والمحتوى.

التبويب وطريقة الترتيب.

ـ ثم بين أهمية هذا التقسيم وفوائده:

1ـ أنه يُمَكِّننا من رصد أوجه التطور العلمي لمدارس الفقه المالكي، والمجالات التي استعمرت حيزا أكبر، أو اقتصرت على حيز أضيق من الاهتمام.

2ـ أن كل علم من علوم الفقه يختص بمجموعة من القواعد الأصولية والطرق الفقهية عن المجموعة الأخرى.

  3ـ أن المفتي لا يسعه الإفتاء بكل ما ألفه علماء مذهبه، بل يتعين عليه الإفتاء بمجموعة معينة من المؤلفات.

4ـ أن المصادر المعتمدة في الاجتهاد المطلق والنظر التام تترتب بعد كتب التقيد بمذهب معين من حيث الرتبة الزمنية، والترتيب الفقهي للاجتهاد.

 

لينتقل الأستاذ إلى ذكر بعض التقسيمات السابقة للفقه، مكتفيا بتقسيمين:

ـ الأول: تقسيم حاجي خليفة عن طاش كبري زاده، صاحب مفتاح السعادة، وذكر منها خمسة فروع، هي:

1ـ علم الفتاوى، 2ـ علم القضاء، 3ـ علم الشروط والسجلات، 4ـ علم الفرائض، 5ـ علم حكم الشرائع.

وهذا تقسيم ارتكز على علوم الفقه العملي، ولكنه أهمل علوم النظر الفقهي والحجة، كالفروق، والقواعد، وأحكام القرآن، والحديث، ومسائل الخلاف.

ـ الثاني: تقسيم الزركشي في كتابه المنثور،  وجعله عشرة أقسام وفروع، وهي:

 1-أحكام الحوادث، 2- الجمع والفرق، 3- بناء المسائل، 4- المطارحات، 5- المغالطات، 6- الممتحنات، 7- الألغاز، 8- الحيل، 9- معرفة الأفراد، 10-معرفة الضوابط.

وهذا التقسيم في مقابل السابق أهمل علوم الفقه التطبيقي كالنوازل والقضاء والسياسة الشرعية..

ثم انتقل الأستاذ بعد ذكر هذين التقسيمين ومناقشتهما، ذكر التقسيم الذي توصل إليه، وهو تقسيم مناسب لعلوم الفقه.

ومهد أولا بجرد علوم الفقه المصنفة، وهي:

العلوم الفقهية: 1ـ السماعات 2ـ المتون 3ـ الجهود على المتون من شروح وحواش وتعاليق وتقاييد وطرر 4ـ النوازل والفتاوى والأجوبة 5ـ علم القضاء ومسائل الأحكام 6ـ الوثائق والشروط والمحاضر والسجلات 7ـ العمليات 8ـ السياسة الشرعية 9ـ الأموال 10ـ الحسبة 11ـ الأجزاء والمسائل المفردة 12ـ التوقيت 13ـ المناسك 14ـ الفرائض 15ـ أحكام القرآن 16ـ متون أحكام الحديث 17ـ الشروح الفقهية لكتب السنة 18ـ أصول الفقه 19ـ القواعد الفقهية والفروق والأشباه والنظائر 20ـ الردود على المذاهب الأخرى والذب عن المذهب ومناقب الإمام المتبوع 21ـ مسائل الخلاف 22ـ الإجماع والاختلاف.

ثم صنفها إلى ثلاث شعب أمهات:

الأولى: المتون الفقهية الجامعة للمسائل والأحكام

 وهي في المذهب المالكي على الترتيب التالي:

1- الأسمعة/السماعات، وتشتمل الروايات [عن مالك]، والأقوال [عن تلاميذه].

2- المتون الفقهية

3- الجهود الفقهية على المتون، وهي: الشروح، الحواشي، والطرر.

الثاني: فنون الفقه العملي والتطبيقي:

وهي العلوم المتعلقة بالنواحي العملية، وتطبيق الأحكام الشرعية في الإفتاء، والقضاء، وما إليه من مجالات الحياة، وهي كما يلي:

1 – السياسة الشرعية، والأموال، والسير.

2- الحسبة، وأحكام السوق.

3- مسائل الأحكام، وأصول القضاء.

4- الوثائق، والشروط، والمحاضر، والسجلات.

5- النوازل والفتاوى.

6- الأجزاء الفقهية، والنوازل المفردة، كالطهارات، والزكاة والأنكحة، والبيوع، والأحباس… والتوقيت والمناسك والفرائض ..

الثالث: فنون النظر والحجة والتأصيل

 وهي علوم لا تتوجه إلى الناس بالفتوى، ولا إلى المجتمع بالأحكام التي يقصد منها التطبيق الفوري، بل غرضها التأصيل، والتقعيد، والحجة، والنظر، وهي كما يلي:

1ـ أحكام القرآن.

2ـ متون الحديث، ذات الغرض الفقهي.

3ـ شروح المتون الحديثية، كشروح البخاري، ومسلم، وباقي الأربعة.

4ـ كتب أصول الفقه على طريقة الفقهاء، ككتاب الباجي، وكتاب مفتاح الوصول.

5ـ القواعد الفقهية، وهي كتب: الكليات، الفروع، الأشباه والنظائر.

6ـ الردود على المذاهب المخالفة.

7ـ مسائل الخلاف/ الخلافيات، وهي نوعان:

8ـ المناظرات، والألغاز، والممتحنات، والعويصات.

ثم ختم الأستاذ محاضرته بملاحظات على التقسيم المتوصل إليه، وهي كالتالي:

ـ الأولى: العام والخاص في هذا التقسيم

التقسيم المتوصل إليه هو تقسيم مشترك بين كل المذاهب الإسلامية على العموم، مع بعض التفصيلات الجزئية، والتفردات التي تختص بها بعض المذاهب، فمثلا يتفرد المذهب المالكي بفقه العمل، كما أن فن الحيل الشرعية والمخارج من المضايق مختص بالفقه الحنفي، وهناك المطارحات والألغاز التي استعارها الفقهاء من علمي النحو والفرائض خاصة في العصور المتأخرة.

ـ الثانية: ما تتفرد به المذاهب في هذا الباب

يوجد بين المذاهب الفقهية بعض الفروق في بعض الإطلاقات والألقاب العلمية في التصنيف الفقهي منها:

ـ الأمالي، التي ترادف التعاليق، إلا أن الأولى اصطلاح الحنفية، والثانية اصطلاح الشافعية الذين ساعدهم المالكية عليهم، واستعملوه دون الأمالي.

ـ النوازل، يعبر عنها الحنفية بالواقعات والفتاوى، ويعبرون عن المحاضر بالسجلات.

ـ كتاب الجامع، اختص به المالكية.

ـ الثالثة: أن كل مجموعة من علوم الفقه تختص بقواعد مختلفة:

ـ المتون: تحتوي أمرين: الأقوال والروايات، والتخريج والاستقراء المعتمد عليها، فالأقوال والروايات عن مالك تخضع لضوابط الرواية.

ـ علوم النظر: خاصة بالتطلع إلى منصب الاجتهاد، وذلك بدراية الأدلة والاستبحار في الأصول ومعرفة الإجماع.

ـ علوم العمل: تعنى بالقواعد الاجتماعية، وبتنفيذ الأحكام، والعمل بالقانون الإسلامي.

ـ الرابعة: أن هذا التقسيم لا يعني القطيعة المنهجية بين علوم الفقه، بل علوم الفقه متداخلة، ومتكاملة فيما بينها، فهناك مؤلفات في علوم النظر، ربما اعتمدت في علوم الفقه العملي، كبعض كتب القواعد، التي ألفت لمعونة الفقهاء والقضاء، مثل المنهج المنتخب، وكاعتماد القضاة والنوازليين أسلوب المناظرة، وكبعض كتب أدب القاضي التي تحتوي مناقشات لقواعد أصولية.

الخامسة: تتعلق بعلوم الفقه في المذهب المالكي:

ـ المتون الفقهية شركة بين كل مدارس المذهب المالكي، والشروح أيضا، إلا أن الحواشي المعتمدة جلها مغربي ومصري.

ـ منهج دراسة المتون الفقهية هو المنهج القروي المبني على الولاء للمتن ولقواعد الألفاظ، ثم لقواعد القياس في التخريج.

ـ علوم النظر المرجع فيه في المذهب المالكي إلى مالكية العراق.

ـ علوم العمل والتطبيق المرجع فيه إلى مالكية الأندلس ثم المغرب.

 العرض الثالث: الأبعاد الواقعية لعلم أصول الفقه ومقاصد الشريعة

الدكتور عبد الرحمن قشيش

المقرر: الباحث فؤاد القطاري

 

  استهل الأستاذ مداخلته بشكر القائمين على مركز الدراسات والبحوث في الفقه المالكي، وثنائه على هذه المبادرة التي تتعاون فيها الرابطة مع المؤسسات الجامعية الوطنية

ثم صدر موضوعه بأن التعامل مع التراث لابد فيه من مراعاة السياق أولا، والمراد بالسياق هنا الواقع والتاريخ والظروف والحيثيات والملابسات التي نتج فيها ذلك التراث، فكل هذه الأمور يُطلب أن تراعى، وتستصحب في كل نظر، فلا ينبغي التعامل مع العلوم الشرعية بشكل منفصل عن الواقع.

فالفصل بين العلوم الشرعية والواقع من الأخطاء المنهجية التي يقع فيها جمهرة من الباحثين؛ إذ عدم الربط بين التراث، وظروف ميلاده، ومحاضن نشأته وتطوره، يمثل نقطة ضعف لدى الباحثين، مؤكدا على أن الربط بين العلوم الشرعية وسياقها العام يساعد على الفهم، والتحليل والتفسير، فمن الآفات أن تُدرس علوم الشريعة مفصولة عن سياقاتها، وظروف تركيب أنساقها المعرفية والمنهجية؛ إذ لا يؤدي ذلك إلا لمزيد من الغموض واللبس، الذي يلازم الكثير من القضايا، والمفاهيم، والمصطلحات.

وذكر الأستاذ أن جملة من الباحثين، قد يدرسون قضية من القضايا دون الرجوع إلى سياقها التاريخي، بل ربما وجدت الواحد منهم لا يعرف شيئا عن زمن الواقعة، وإذا حصل شيء من الحديث والإشارة إلى هذا الواقع، كان ذلك في فصل تمهيدي، لا يتجاوز الحديث عن الواقع السياسي، والاجتماعي، والعمراني العام، ثم يطوى الحديث عنه دون رجعة، وكأنه لا صلة له بمنهج المؤلف المتبع في تأليفه.

ومثل لذلك بمن يتحدث عن نشأة أصول الفقه، ويربط ذلك بالصراع الذي حصل بين المدرستين المعروفتين، مدرسة الحجاز، ومدرسة العراق، أو ما اصطلح عليه بأهل الرأي وأهل الحديث، وما سببه ذلك التنازع والانقسام وما أدى إليه من شروخ وردود، على مستوى مجال التعامل مع النص، مبينا أنه مما يساعد على فهم التراث، وغربلته، معرفةُ تكوُّن الخطابات المعرفية وتشكلها فيه، وواقع ذلك، وبواسطتها نستطيع أن نفصل بين ما هو من قبيل الواقع التاريخي، وما هو من قبيل الشريعة المستمر، مستحضرا في هذا السياق ما تواتر عند المشتغلين بالعلوم الشرعية من أن اختلاف الفقهاء إنما هو اختلاف زمان ومكان، وإنسان، لا اختلاف برهان.

ولذلك اختلفت المذاهب، وتعددت، ولا فصل لذلك عن الاختلافات الواقعية، والاجتماعية، والاستفتاءات المعيشية، ولطالما نادى القرافي بضرورة مراعاة تغير الأعراف حين إجراء الفتاوى، ومردفا أن جمهور الباحثين يؤكدون أن علوم الشريعة جاءت بناء على حاجات مجتمعية أساسا، فكل العلوم كانت نشأتها بناء على الإشكال الواقعي، والسؤال الحقيقي، كما هو الشأن بالنسبة لعلم العربية وقواعده، أو علوم القرآن، أو علوم الحديث، أو علم أصول الفقه ومقاصد الشريعة اللذين هما موضوع المحاضرة، مستشهدا بقول الشاطبي في موافقاته: كل مسألة في أصول الفقه لا ينبني عليها فروع فقهية، أو آداب شرعية، أو لا تكون عونا في ذلك، فوضعها في أصول الفقه عارية.

وقد اعتبر الأستاذ أن الواقع التاريخي والظرف المجتمعي، اللذين صيغت فيهما أبنية هذا العلم النظرية ومصطلحاته المفاهمية أسهما معا في بلورتها وصبغها وشحنها بدلالات معينة خاصة، تبعا لما اقتضته تلك الحاجات والأسئلة بدءا من نشأته، وإلى حين انتهاء استوائه على سوقه، يعجب الباحثين، ويروق الدارسين، ويثير فضول المستفهمين أيضا، والمستشكلين عن أسباب النشأة، وظروف ميلاد وطبيعة الوظائف.

وفي سياق تدليل الأستاذ المحاضر على أن فهم حركتي علم الأصول ومقاصد الشريعة في السياق الإسلامي العربي تتوقف على عوامل كثيرة، من بينها، وأهمها: فهم علاقتهما بالجانب السياسي الاجتماعي، على عكس ما تقدمه من تصور بخصوص نشأتهما كتبُ الطبقات والسير التي تناولت الأعلام الذين توالوا تباعا على مسيرة التأليف فيهما، أبرز أنه من السهل جدا أن نقسم علم أصول الفقه إلى ثلاث مراحل، كما فعل صاحب المصطلح الأصول، أو غيره، وهي: المرحلة الفهمية، والكلامية، والمقاصدية. بيد أن الأسئلة التي تنتصب أمام الباحث بعد هذا التصنيف، هي الآتي:

ما علل ذلك وأسبابه؟ ما خلفيته المؤسسة؟ هل ثمة من علاقة بين انتشار المنهج الكلامي في علم الأصول، وبين أحوال المجتمع، وأوضاعه السياسية، والاجتماعية والعمرانية؟ هل من خيط ناظم لتلك العلاقة؟

مردفا القول: إن الجواب عن هذه الأسئلة كفيل بإماطة أذى التأويلات القاصرة والمعادية معا. وأشار في هذا السياق ذاته إلى أن أشكال التناول لعلم الأصول وقضاياه غالبا ما تركز على التجريد، كأن تلك المباحث الأصولية كتبت في فراغ سياسي مجتمعي، أو أن أولائك الأعلام الذين كتبوها كانوا بعيدين كليا عن المجتمع وما يدور فيه، أو أن تلك المدونات وضعت وجمعت لضبط عمل الفقيه، وإحكامه، وحسب، مع أن الواقع يثبت أن هناك علاقة وطيدة للعلوم الإسلامية بما في ذلك علم أصول الفقه، بالمواقف السياسية، ولا أدل على ذلك من مفاهيم الحكم والسياسة التي ظلت حاضرة عند أهل الأصول والمقاصد، وسواء تعلق الأمر بمشروع البيان عند الإمام الشافعي، أو مشروع البرهان عند الإمام الشاطبي، أو عند غيرهما، فإنه لم يكن خلوا من الإحالة على المواقف السياسية لكل واحد منهما على حدة.

فمصطلح البيان مثلا عند الإمام الشافعي ليس مجرد لفظ لغوي لضبط قواعد الأداء وحسب، وإنما هو فعل متصل بلغة القرآن، ومحكوم بضوابط كلام العرب، عرفه من عرفه وجهله من جهله، ومن جهله عالة على من عرفه، وبذلك ترتفع العجمة ويزول الغموض، ويُقطع الطريق أمام التحلل من الضبط، أو تمييع المعاني التي جاء الشرع لإقامتها وتثبيتها، ويصبح البيان مقياسا حاكما على غيره، وسلطة يدخل الناس في طوعها، وتكون عاصمة لهم من طغيان الهوى.

وفي هذا السياق نفسه يفهم موقف الإمام الشافعي من الاستحسان وإبطاله له؛ إذ إن غرضه من ذلك هو إيصاد الباب وإغلاقه أمام دعاة التشهي والتلذذ من أصحاب السلطة السياسية في سعيهم لحمل الناس على ما يرونه مناسبا من تأويل النصوص الشرعية افتآة عليها وتجاوزا لها بدعوى أنهم إنما يختارون الأصوب استحسانا.

ومن توابع هذا الفهم حصر الشافعي الحكمة الواردة في القرآن في السنة، إغلاقا للباب أمام كل سلطة علمية أخرى.

ثم انتقل للحديث عن ميلاد علم مقاصد الشريعة الذي ارتبط ارتباطا وثيقا بالمشكل  السياسي والاجتماعي في زمن الجويني، التي اقتضت أصولا قطعية تحكم هذا التردي، وتمنع دخوله إلى سلطة النص.

ثم ختم الأستاذ محاضرته بجملة من الخلاصات، وهي كالآتي:

ـ التعليل الذي قدمه ابن خلدون بخصوص نشأة علم أصول الفقه بإرجاعه إياه إلى فساد ملكة اللسان يكاد يغيب فيه البعد التاريخي تماما، وهذا لا يصح تفسيرا لنشأة علم بهذا الحجم.

ـ هناك علاقة بين تاريخ المعرفة في الإسلام، ومنها: المعرفة الأصولية المقاصدية، وبين تاريخ السياسية. وهذا الكلام عليه شهود من نصوص الشريعة، وكلام العلماء ومواقفهم.

ـ القانون الذي تسوس به السلطة الجمهور من الناس يضطلع به الفقيه، وإن لم يشاطر الفقيه رجل السلطة تدبيره السياسي، إلا أن الفقيه ظل مقننا للعمل السياسي؛ إذ حاصل الفقه بتعبير الغزالي: معرفة طرق السياسة والحراسة.

ـ ضرورة الرجوع إلى رجل العلم في تأويل النص.

ـ استقر في أذهان رجال العلم بعد طول تجربة مع مشكلات الدولة أن المواجهة الداخلية محفوفة بالمخاطر، والعبرة التي استخلصوها من تلك التجربة قادتهم  إلى ضرورة التعامل مع الواقع والتكيف معه، بمنطق دفع ما أمكن من المفاسد وتخفيف الضرر، وجلب ما أمكن من المصالح وحماية الجماعة.

وتأجيل النموذج المثالي إلى حين توفر شروط إقامته وظروفه.

ـ لقد تبين من خلال هذا الكلام أن أصول الشاطبي لم تكن فقط غزالية، بل كانت قبل ذلك جوينية، فقد ثبت من خلال النقول العديدة في الغياثي، وغيره أن الجويني ـ قبل الغزالي، وهو شيخه ـ اعتمد، وأسس، وفصل في هذا الحديث الذي وسعه الإمام الشاطبي.

تقرير ورشة: التعريف بالمصادر المالكية المطبوعة

المقرر: الباحث محمد الخادير

وزعت أعمال هذه الورشة على ثلاثة عروض:

العرض الأول: التعريف بالمتون الفقهية المالكية المطبوع،

تأطير الأستاذ: عبد الرحيم اللاوي 

 باحث بمركز البحوث والدراسات في الفقه المالكي

افتتح الأستاذ عرضه بالحديث عن متون المذهب الفقهية، معرفا لها بأنها: مؤلفات وضعت لحفظ المذهب، وتدوين آراء الإمام المتبوع، وآراء أصحابه، اعتمادا على سماعات عن مالك وتلاميذه، ونزولا أحيانا إلى سماعات تلاميذ التلاميذ، وألحقوا بها شرح الأقوال والروايات، والتخريج المذهبي عليها، والاستقراء منها والقياس عليها، وإجراء الأقوال بعضها على بعض، وتأويلات شيوخ المذهب واختياراتهم.

ليعرج على أن هذه المؤلفات ليس الغرض منها نصرة المذهب، والرد على المذاهب المخالفة؛ لذلك خلت معظمها من ذكر المذاهب الأخرى؛ لأن محل ذلك كتب الخلاف.

مبينا أنواع متون المذهب، وأن منها: المطولات، وهي قليلة، والمتوسطات، والمختصرات، وهي كثيرة مقارنة مع سابقيها، ثم الخلاصات، فالمقدمات.

ليعطي إحصاء لمؤلفات المالكية في فن المتون، حسب كتاب الدليل التاريخي للدكتور محمد العلمي، إلى حدود أواخر القرن الثالث عشر، 1273ﻫ، هو: 193 كتابا. معقبا أن هذا العدد قليل مقارنة مع ما تراكم من التآليف في العلوم الفقهية الأخرى، خصوصا النوازل، وشروح مختصر خليل.

ثم صنف المتون الفقهية حسب بلدان مؤلفيها، ليخلص إلا أن التأليف فيها مع تلاميذ مالك، وتلاميذ تلاميذه، وأنه حضي باهتمام المغاربة، والإفريقيين، والمصريين، ثم الأندلسيين، في حين قَلّ عند مالكية العراق، والمدينة، التي انتهى فيها التأليف مع أبي مصعب الزهري في مختصره.

معلقا أن التأليف عند مالكية المغرب بدأ متأخرا، مع القاضي عياض (ت544ﻫ) في كتابه: الإعلام في حدود قواعد الإسلام، مرجعا ذلك إلى سببين:

أولا: ضعف المدرس المالكية بالمغرب؛ إذ دخول المذهب المالكي إلى المغرب كان متأخرا، مقارنة مع الأندلس، ومصر، وإفريقية.

ثانيا: أن المالكية قبل عياض اشتغلوا بالتأليف في علوم أخرى، كخدمة متون المذهب، فعثمان بن مالك (ت444ﻫ)، مثلا: أملى تعليقة على المدونة في مجالس الدرس على طلبة فاس.

ـ وابن العاصي محمد بن خلف بن سعيد التميمي السبتي، الملقب بالكمأة، [تلميذ ابن العجوز الكتامي (ت413ﻫ)]، له شرح على المدونة. وكلاهما متقدم عن عياض.

لينتقل بعد هذا التقديم إلى سرد للمتون الفقهية المالكي المطبوعة، ذاكرا في كل كتاب: اسم الكتاب، ومؤلفه، وتعريفا مختصرا للكتاب، وطبعاته.

العرض الثاني: شروح المالكية المطبوعة على مختصر خليل

تأطير الأستاذ: عبد القادر الزكاري

 باحث بمركز البحوث والدراسات في الفقه المالكي

  مهد الأستاذ تعريفه بما صدر من شروح المختصر الخليلي، بتصنيف عام لهذه الشروح، مبينا أنها اختلفت من حيث مقصودها وغرضها:

فبعضها اتجهت إلى تفكيك عبارات المختصر، وإيضاح إشاراته، وحل رموزه. 

وأخرى ركَّزت على العناية بالنقول، وتخريج الأقوال، ولم تتعرض لبيان عبارته.

ولون منها نحت منحى تيسيره، فاتجهت إلى بيان المعنى الفقهي؛ قصد تسهيل ما به الفتوى للدارسين والمفتين والقضاة.

فيما بعضها اقتصرت على المعنى الفقهي، فشرحته شرحا ممتزجا بالمتن، خاليا من التطويل، بعيدا عن ذكر الخلاف.  

وهناك من اكتَفت فقط بشرح لغته، فاتجهت إلى اللفظ دون بيان المعنى الفقهي، بل بعضها ذهبت إلى تعَقُّبه بالنقد، فضعفت بعض اختياراته، ومخالفته للمشهور في المذهب. 

ومنها: من استدركت علىه بعض الأبواب.

ومن الشروح على خليل كانت عبارة عن استدراك وتعقب على بعض الشروح السابقة.

ونوع آخر وسَّعت الشرح في جلب النقول، وتحرير الأقوال، فكانت عبارة عن موسوعة فقهية…

وقد أورد في كل صنف من الأصناف السابقة مثالا أو مثالين على ذلك؛ مشيرا في نهاية هذا التمهيد إلى أن هذا التصنيف باعتبار الغالب الأعم في الكتاب، وإلا فهناك تقاطعات بين هذه الشروح.

لينتقل الباحث إلى التعريف بما طُبع من شروح مختصر خليل، مراعيا في عرضها الترتيب الزمني لها.

وقد تحدث عن هذه المؤلفات متبعا الخطوات الآتية:

أ ـ الاسم الكامل للمؤلِّف والمؤلَّف.

ب ـ نبذة عن الكتاب.

 ج ـ  قيمة الكتاب داخل المنظومة الفقهية (الاعتماد وغيره).

ﻫ ـ ذكر طبعات الكتاب، مع بيان أجودها، وغض الطرف عن أردئها.

وختم الباحث مداخلته ببعض الاستنتاجات، منها:

ـ أن المالكية تشددوا في اعتماد بعض الشروح دون بعض، حيث اتخذوا منهجا صارما في تمحيصها.

ـ قسم  نقاد المالكية شروح مختصر خليل إلى قسمين:

شروح يعتمد عليها في الفتوى بإطلاق كمواهب الجليل للحطاب، والمنزع النبيل لابن مرزوق، وشفاء الغليل لابن غازي.

شروح لا تعتمد فيما انفردت به إلا مع الحواشي التي وضعت عليها، كشرح التتائي مع حاشية الرماصي، وشرح الزرقاني مع حاشية البناني، وشرح الخرشي مع حاشية العدوي…

ـ الحواشي والتعاليق اختصت بنقد شروح المختصر، وتقويمها، وتصحيح أغلاطها. 

العرض الثالث: التعريف بالمؤلفات الأصولية المالكية المطبوعة،

تأطيرالأستاذ: فؤاد القطاري

 باحث بمركز البحوث والدراسات في الفقه المالكي

افتتح الأستاذ عرضه بتصنيف المؤلفات الأصولية المالكية في محاور ثلاثة:

الأول: متون جامعة لمسائل الأصول.

 الثاني: جهود المالكية على المؤلفات الأصولية المالكية وغيرها.

الثالث: مؤلفات في مسائل أصولية خاصة.

وأشار إلى أنه التزم في عرضه لتلك المؤلفات الأصولية بالتصنيف الثلاثي من حيث الجملة، أما من حيث التفصيل، فقد أردف المؤلفات المالكية الأصولية الأصلية بما عليها من جهود المالكية أنفسهم، ولو بعُد الزمن بين مؤلف الأصل والفرع؛ حرصا على ربط الفرع بأصله، في حين أفرد جهود المالكية على المؤلفات الأصولية غير المالكية في مبحث مستقل، مع أن بعضها متقدم في الزمن. ولذلك انتظمت عناصر العرض وفق الآتي:

العنصر الأول: المتون الأصولية المالكية والجهود عليها

العنصر الثاني: الجهود المالكية على المؤلفات الأصولية غير المالكية

المحور الثالث: الأجزاء الأصولية المفردة

وقد توقف الأستاذ عند المؤلفات الأصولية المالكية المطبوعة، معرفا بمضامينها العامة، ومميزات كل واحد منها على حدة، ومبرزا عدد تحقيقاتها وطبعاتها، كما عرج على الأوهام التي وقع فيها مدّعو تحقيق بعض تلك المؤلفات، مثل كتاب الإشارة لأبي الوليد الباجي، الذي تم خلطه بالمقدمة الأصولية لابن القصار، وكتاب المحصول لأبي بكر بن العربي المعافري الذي وقع الوهم في عنوانه.

مشيراً إلى أنه مع كثرة المؤلفات الأصولية المالكية التي حققت وطبعت، فإنها لم تكن على درجة سواء من حيث الدقة في التوثيق والتحقيق، فبعضها وقع فيه الوهم والخلط في التوثيق والنسبة، وبعضها وقع فيه الخطأ في الاسم والعنوان، وصنف ثالث طبع دون فحص دقيق لنصوصها، ودون بيان للفروق بين نسخها، وصنف رابع لم يخل من التصحيف والتحريف، ولم يخدم بالشرح والتعليق.

وأكد الأستاذ أن هناك جملة من المؤلفات الأصولية المالكية طبعت ناقصة غير تامة (مثل: كتاب التقريب والإرشاد للباقلاني، وإيضاح المحصول للمازري)، وبعضها توفي أصحابها قبل إتمامها، مثل: (البدور اللوامع في شرح جمع الجوامع لليوسي).

كما أشار إلى أن الجهود المالكية على المؤلفات الأصولية غير المالكية توجهت بالأساس إلى المؤلفات الأصولية الشافعية؛ فهي تحوم حولها وتدور في فلكها، (بداية من البرهان للإمام الحرمين، وانتهاء بجمع الجوامع لابن السبكي)، ولا غرابة في ذلك؛ إذ هم الرواد في هذا العلم.

ونوه في الختام إلى أن المتتبع لما نشر من التراث الإسلامي عموما، والتراث الأصولي المالكي خصوصا، يلاحظ أن بعض المؤلفات حقق أكثر من مرة، وأن دواعي تكرره لكتاب واحد متعددة ومختلفة، أخطرها وأقبحها السطو على تحقيق الآخرين، ومحاولة إيهام القارئ أنه تحقيق جديد، من خلال تغيير بعض الهوامش إما بالنقص أو الزيادة.

 جمع وتنسيق: الباحث عبد الرحيم اللاوي

   صورة جماعية للأساتذة المؤطرين لليوم الدراسي

مع الباحثين المشاركين فيها

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق