قرة العين في معنى قولهم: تسهيل الهمزة بين بين
لعلم الأداء ـ كما لغيره ـ مباحث دقيقة في متعلقات درسه، ومسالك جزئية في مجاري موضوعه، استأثرت من العلماء بالتحليل والتحرير، وأخذت من لحظهم حسن التأمل والتدبير...
ومعلوم ما للمغاربة من شفوف بين وإسهام كبير في مختلف أنحاء العلم الأدائي، تشهد لذلك تركتهم التأليفية المتكاثرة، وعطاؤهم الظاهر الباهر في مفاتشة مضامينه ومنازلة قضاياه بقلم التبحث والتحرير.
وهذه رسالة قيمة مفيدة في بابها نبتهج أن نقدمها اليوم للقراء الكرام، على أمل أن تقع منهم على حسن التقبل لما تحمله من مناقشات علمية ومباحثات أدائية في موضوع أدائي دقيق يتعلق بهيئة النطق بالهمزة المسهلة، وهي الرسالة التي تعزى لصاحبها الشيخ المقرئ أبي زيد عبد الرحمن الشهير بابن القاضي(1082ه) المكناسي الأصل، الفاسي الدار والمنشإ والوفاة، وقد أسماها عنوانا على موضوعها: «قرة العين في معنى قولهم: تسهيل الهمزة بين».
والرسالة في أصلها جواب عن سؤال ورد إلى الشيخ بفاس من بعض تلامذته يستفسره فيه عن كيفية النطق بالهمزة من كلمة ﴿رءا﴾ عند الوقف عليها لحمزة، فأجابه الشيخ بهذه الرسالة، التي أسهب فيها بالبيان عن قضية من أهم القضايا الأصولية والكيفيات الأدائية التي احتد حولها الخلاف، وهي صفة النطق بالهمزة المسهلة بين بين، وهل يجوز نطقها هاء خالصة كما شاع عند المتأخرين؟
والمؤلف في هذه الرسالة ينتصر لهذا المذهب ويدعو إليه، وقد أطال فيها النفس في الجواب وساق الأدلة والنقول المعضدة لما ذهب إليه من تجويز النطق بالهمزة المسهلة هاء، وقد شاع رأيه هذا في زمانه ومن بعده بين مؤيد ومفند ؛ مما ورث سجالا علميا واسعا بعد يحمل الكثير من الردود والمناقشات في التشكيك في مأخذه وحجيته، والتصدي لحججه وأدلته...مما ورث الموضوع كثير اغتناء وجعل للخالفين فيه كبير اعتناء....
وقد بسط الدكتور حسن حميتو في دراسته الماتعة الحديث عن الموضوع أيما بسط، ليشمل نشاءته وابتداء القول به، ويستعرض طائفة عريضة من الردود التي قيلت في شأنه في صور شتى من الأراجيز والرسائل التي أجمعت على استنكاره وضرورة استبعاده من ساحة الإقراء؛ لتهاوي دليله ومستنده، ووهاء مشـروعيته ومرجعيته، واستكمالا للفائدة المرتجاة منه، ذيل الباحث الفاضل الكتاب بمنظومتين رائقتين في رد الهاء الخالصة في تسهيل الهمز، الأولى: دُرَّةُ الغائص في الرد على أهل الهاء الخالص للشيخ محمد المختار بن محمد يحيى الولاتي الشنقيطي، والثانية: أرجوزة إبطال الهاء للشيخ عبد الله بن محمد بن داداه الشنقيطي، كما أنه جعل النص المحقق على كثير الوفاء، وسهله للقارئين على سبيل المحجة والاجتلاء؛ فكان عمله من أجل ذلك بالغا مبلغه من الإفادة والبيان، والمهارة والإحسان، يستحق عليه كل إشادة وعرفان، فالله تعالى يجزيه عن هذا البذل الكريم خير جزاء، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
