حفاظا على ثوابت ديننا الحنيف؛ وتعريفا بجهود النقاد والمحدثين في خدمة السنة النبوية، اعتنت الرابطة المحمدية للعلماء بإصدار هذه المجلة العلمية المتخصصة المسماة: (لسان المحدث)، لتكون لسانا ناطقا معبرا عن آراء الباحثين المعاصرين في مجال الحديث وعلومه، وبعد أن صدر العدد الأول منها وتلقاه القراء والمهتمون بشغف كبير؛ يسعدني كثيرا تقديم العدد  الثاني؛ الذي يحتوي على مجموعة من البحوث الحديثية الوازنة؛ التي لم يسبق تناولها من قبل.

وفي طليعة هذه البحوث نصٌّ يتضمن أجوبة في الحديث النبوي، للحافظ أبي العلاء العراقي الفاسي(ت1184هـ)، قدم لها وحققها فضيلة الدكتور بدر العمراني، وتتضمن هذه الأجوبة تخريج خمسة أحاديث نبوية مع بيان الحكم عليها،  وهي: حديث البسملة: (كل أمر لم يُبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر)، وحديث الحمدلة: (كل أمر لم يُبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع)، وحديث الحمدلة مع زيادة الصّلاة عليه: (كل أمر لم يُبدأ فيه بحمد الله والصّلاة عليّ، فهو أقطع أبتر ممحوق من كلّ بركة)، حديث ابن عبّاس: (الذّبيح إسماعيل)، وحديث رؤية نبيّنا محمد ﷺ للمولى جلّ جلاله.

ويتلو المخطوطة السابقة مخطوطة أخرى لا تقل عنها أهمية، وهي رسالة نفيسة بديعة في بابها؛ للوزير الكاتب الفقيه المدرّس محمد بن أحمد الصّنهاجي الفاسي(ت1309هـ) سمّاها مقمعة التعنيت في ردّ من أنكر سرد الحديث، قام بدراستها وتحقيقها فضيلة الدكتور طارق طاطمي، وهي تعالج موضوع السرد في الحديث من جهة الإثبات، وبيان مشروعيته، نهج فيها مؤلفها أسلوب الحجاج، وأتى بمناظرة افتراضية، لتبيين بطلان دعوى المتعنت، وسقم حجّته.

ويتضمن هذا العدد القيم بحثا فريدا ومستفيضا عن الحديث الطويل، للباحثة نجاة زنيزن؛ تتبعت فيه الأحاديث النبوية الموصوفة بالطول؛ مثل حديث الإفك، وحديث أمّ زرع، وحديث الشفاعة، وحديث جابر في صفة الحج وغيرها من الأحاديث، واجتهدت في توضيح مفهوم الحديث الطويل، وبيان أهميته، وحُجيته، وأبرز سماته وخصائصه، وتناولت فيه أيضا منهج المحدثين في رواية الأحاديث الطوال، ومسلكهم في اختصارها، وتقطيعها، وختمت بحثها برصد عناية المحدثين بحفظها والتصنيف فيها. 

واشتمل هذا العدد على بحث طريف للدكتور محمد أكجيم تناول فيه الوضع والوضاعين في الغرب الإسلامي، فعرّف بأربعين راويا منسوبا إلى الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ بعد أن استخرج أسماءهم، واستقصى أخبارهم، وجملة من مروياتهم من مختلف مصادر الرجال، والطبقات والتراجم، وقد توصل في ختام بحثه إلى أن عددهم قليل بالمقارنة بالأعداد الغفيرة للوضاعين والكذابين ببلدان المشرق؛ مما أكّد لديه أن حركة الوضع لم تكن متفشية بالغرب الإسلامي.

ومن بحوث هذا العدد بحث قيّم لفضيلة الدكتور جمال القديم تناول فيه معالم الرواية والتحديث عند العلامة أبي سالم العياشي(ت1090هـ)؛ مبينا مكامن الغنى والثراء في شخصيته العلمية، ومعرفا بإسهامه ومشاركته في علم الحديث الشريف، وبالأخص في جانب الرواية منه الذي طغى على شخصيته العلمية.

أما ختام البحوث فهو بحث لفضيلة الدكتور عبد اللطيف الجيلاني، بعنوان: الأحاديث النبوية الواردة في أشهر كتب تفسير القرآن الكريم بين المقبول والمردود، أراد من خلاله الكشف عن أهمية تفسير كتاب الله تعالى بما ورد عن الرسولﷺ، وأن طائفة من المفسرين اعتنوا بذلك عناية فائقة، فساقوا الأحاديث بأسانيدها، وميّزوا صحيحها من سقيمها، وأن في مقابلهم طائفة أخرى أغفلت النظر في صحة الحديث؛ فشحنوا تفاسيرهم بالروايات الضعيفة والموضوعة، مثل النقّاش، والثعلبي، والزمخشري، وغيرهم، وتناول في بحثه أيضا جهود العلماء قديما وحديثا في جمع الأحاديث النبوية الواقعة في كتب التفسير، وتخريجها.