الاجتهاد المعاصر واستعادة الوعي بالسياق
- نوع الإصدار: مجلة الإحياء
- عنوان فرعي:
- سلسلة: [collection]
- موضوع العدد:
- العدد:
- الكاتب: [katib]
- المحقق: [mohakik]
- عدد الصفحات: 196
- عدد المجلدات:
- الإيداع القانوني:
- ردمك:
- ردمد:
- الطبعة1
- تاريخ الإصدار:2007
- اللغة: [languages_used]
- العلم: [science]
- عدد التنزيلات0
- الناشر:[publisher]
- عدد الملفات0
- حجم الملف0.00 KB
- الملفتحميل
في افتتاحية المجلة أبرز أحمد عبادي (الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء) جملةً من المشاكل التي تعترض أداء فقهاء الشريعة الإسلامية، وهي في رأيه:
المشكلة الأولى: كيفية فقه النص، وآليات وضوابط فقه دينامي متجدد ووظيفي للنص، والتمييز بين الثابت في اجتهادات السابقين وبين ما هو قابل للتحول والتغير. كما ركز على ضرورة تطوير آليات ومنهجيات التعامل مع الجوانب الثابتة والجوانب القابلة للتجدّد في الفقه الإسلامي بنَفَسٍ مقاصدي يروم جلب المصالح ودرء المفاسد باتزان...
المشكلة الثانية: كيفية فقه الواقع بكل سماته وبكل تمظهراته بالغةِ التعقيد والتركيب والتشابك....
أما المشكلة الثالثة فتتمثل في كيفية تنزيل أحكام النص المطلق المتجاوِز المهيمِن، بطريقة متوازنة، على هذا الواقع المتقلب المتغير العيني المشخَّص...
ولضمان تعامل فعال مع هذه المشاكل الثلاث في أفق حلها اقترح أحمد عبادي مقتضيين منهاجيين: الأول يتمثل في المنطلقات التي ينطلق منها الفقيه المسلم؛ أي الباراديغمات Paradigmes والنماذج المعرفية. ومن بين النماذج التي ركز عليها في افتتاحيته: النموذج التعارفي.
أما الثاني فيتعلق بتحديد آليات التعاطي مع هذه المشاكل الثلاث، وتبيّن العلاقة الجدلية بين النماذج المعرفية التي تُشكل المنطلقات وبين الآليات المستعمَلة من أجل تحقيق الغايات المستهدَفة أو الأهداف المتغياة.
التراث الإسلامي.. والمراجعة النقدية
تضمن العدد الجديد من "الإحياء" مدارسة فكرية مع د.عبد المجيد الصغير، أستاذ الفلسفة وتاريخ الفكر الإسلامي في جامعة محمد الخامس بالرباط، حول أهمية المراجعة النقدية للتراث الإسلامي.. وفي هذا الحوار أوضح الصغير أن هذه المراجعة كانت تعتبر منذ البداية الأولى لنشأة علوم الإسلام في القرن الأول للهجرة مراجعةً ضروريةً وواجباً دينيا، مشيرا إلى وجود مساحات من تراثنا في حاجة إلى إعادة فهم، وداعيا إلى جعل العقل، بمفهومه الإيجابي، أساسا ومنطلقا لمراجعة القديم والحديث معا.
وفي هذا الصدد ركّز الصغير على ضرورة تنقية تراثنا الكلامي من الفكر الإقصائي، فلازالت -في رأيه- مصنفات علم الكلام تشكو من تراكم العديد من الأحكام الغليظة والقراءات الإسقاطية.
من ناحية أخرى، أوضح الصغير أنّ العديد من النصوص الإسلامية تُمارَس عليها أنواعٌ من القراءات ليس لها من معنى "القراءة" إلا الاسم، مضيفا بأنّ كل قراءة تزعم لنفسها العلمية والموضوعية لابد أن تكون ذات ضوابط عقلية واضحة، وأن تكون كلية لا انتقائية، بحيث تراعي بنية النص المقروء وتضعه في سياقه الخاص، كما رأى أن الفصل بين العلم وتاريخه في الإسلام والغفلة عن جدلية العلاقة بينهم طالت العديد من العلمانيين وأصحاب "القراءات الجديدة".
ولم يفت الصغير أن يُشير في هذا الحوار إلى أن المحسوبين على الدراسات الإسلامية مقصرون في استيعاب تاريخ الغرب الفلسفي والديني والاجتماعي والفكري؛ منبها إلى كون جل الذين يروجون ما يسمونه بقراءاتهم الجديدة للإسلام يلعبون على معطى قطيعة علماء الإسلام اليوم مع علوم الغرب ومستجداته، ومضيفا بأن إدراك بنية وجوهر الإنتاج الفكري في الإسلام يتطلب إدراكا موازيا لجوهر وخصوصية الفكر والحضارة في الغرب المسيحي خاصة.
وفي محور ذي صلة بالتنوع الحضاري والتعدد الثقافي، اعتبر الصغير "الخصوصية" مطلبا إسلاميا أصيلا، مشيرا إلى أن الحضارة الإسلامية ما كانت أبدا حضارة نموذج وحيد مفروض مطلوب استنساخه، بل كانت منذ تأسيسها القرآني حضارةَ قيم ومفاهيم وليست حضارة صور وأشكال. ولعل من أبرز تجليات هذه الخصوصية بروز ما يمكن تسميته بالخصوصية المغربية خاصة في أبعادها الثلاثة: المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية والتصوف السني.. هذه الأبعاد الثلاثة -يقول الصغير- ساهمت مجتمعة بأكبر قسط في تشكيل وترسيخ الفكر المغربي وتحديد خصائصه...
الاجتهاد المعاصر.. واستعادة الوعي بالسياق
يتبوأ النص (القرآن والسنة الصحيحة) مِحورية في بِنية الحضارة الإسلامية الفكرية والمعرفية... ولهذا الاعتبار فإن كلَّ ما من شأنه أن يقود إلى استيعابٍ دقيقٍ وفهمٍ سليمٍ لهذا النص فإنه يكتسي هو الآخر محوريةً بالضرورة والتبعية.
من هذا المنطلق كان اهتمام علماء المسلمين بالسياق -بكل أنواعه وأبعاده- اهتماما كبيرا ونوعيا؛ باعتباره منهجا وآلية أساسة تُيسّر عملية الكشف عن معاني النص، وتساهم في اكتشاف ما يكتنزه هذا النص من دلالات جديدة؛ مادام نصا لا تنقضي عجائبه.
وإذا كان السياق الداخلي المتصل ببنية النص النّظمية الداخلية جليّاً -بشكل عام- في تراث المسلمين القرآني والفقهي والأصولي... فإن استيعاب السياق الخارجي، في المقابل، لا يزال بحاجة إلى مزيد من البحث والدراسة. فالسياق المعاصر يحبلُ بنوازل وتطورات جديدة تستدعي فهما عميقا وإدراكا واعيا، وتقتضي تحكّما في ناصية هذا السياق حتى يكون الاجتهاد في المستوى المطلوب. خاصة إذا أدركنا أن هذه النوازل والتطورات مختلفة في طبيعتها عن النوازل والتطورات التي "عالجها" النّظر الإسلامي من قبل.
واستيعاب هذا السياق قد يكون من بين المنطلقات الأساسة لاكتشاف معاني قرآنيّة ونبويّة جديدة قادرة على المساهمة في ترشيد مسيرة الحضارة الإسلامية والإنسانية على حد سواء.
بكلمة، إن التكامل بين السياقين؛ الداخلي (بنية النص) والخارجي (السياق المعاصر) من شأنه الوصول بالاجتهاد المعاصر إلى "أداء" فقهي وأصولي ومعرفي في مستوى التحديات التي تفرض نفسها بقوةٍ وتحدٍّ على المنظومة الإسلامية، ويحقق للإسلام أهم خصائصه: الإنسانية والعالمية والكونية.
ومن هنا جاء ملف "الاجتهاد المعاصر.. واستعادة الوعي بالسياق"، الذي اشتغلت عليه المجلة في هذا العدد، ليقترح مجموعة من الأبحاث والدراسات سعت إلى فتح باب الاجتهاد في إشكالية السياق، والتنبيه إلى ضرورة وحتمية استعادة الوعي به... كلُّ هذا في سبيل أن يكون الاجتهاد المعاصر في مستوى التحديات والمتطلبات الراهنة.
ففي بحث لطه جابر العلواني (رئيس جامعة قرطبة، واشنطن) تحت عنوان: السياق: المفهوم، المنهج، النظرية، أوضح أن دلالات السياق أظهر وأبرز الدلالات كلّّها وأقواها في خدمة النص وإبراز معانيه، وبأن مفهوم السياق تطور تطوّراً دلاليّاً ليصبح نظريَّة كاملة عرفت في عصرنا هذا بالنظريَّة السياقيَّة. ونبه إلى كون معرفة السياق في القرآن خاصّة تعدّ من الضروريات لسائر الذين يتعاملون مع القرآن المجيد، وأن القراءة السياقيَّة هي قراءة من يلتمس بالكتاب الكونيّ منهجا لإعادة بناء الأمة وإخراجها من أزماتها.
أما فاروق حمادة (أستاذ كرسي السنة وعلومها بجامعة محمد الخامس بالرباط) فتناول بالبحث مسألة "مراعاة السياق وأثره في فهم السنة النبوية"، فبالنسبة له فإنه تأكيداً لمراعاة السياق قسّم العلماء السنة إلى قولية وفعلية، ونظروا بعمق وشمولية إذا اختلفت السنَّتان وتعارضت القولية مع الفعلية فلأيتهما الأسبقية... ولعل من أكثر الميادين التي ظهر فيها العناية بالسياق -في نظر الباحث- هي البحث عن أسباب ورود الحديث، ومن هنا استطاع المحدثون من خلال بيان الأسباب وسياق الأحاديث بملابساتها وظروفها تحديد الأحاديث المنسوخة.
"السياق في الاصطلاح التفسيري: مفهومه ودوره الترجيحي"، عنوان مساهمة الباحث المغربي محمد إقبال عروي (مستشار بقطاع الشؤون الثقافية بوزارة الأوقاف الكويتية)، تناول فيها دور السياق في ترجيح معنى معين على ما سواه، وتقوية دلالة مخصوصة على حساب دلالات مرجوحة، ورفع الاحتمالات بتأكيد احتمال واحد قوي لقوة مرتكزه السياقي. ومن هنا كان السياق -في تصور الباحث- إحدى قواعد الترجيح التي على المفسر أن يعملها وهو يعرض لأقوال المفسرين، أو يسعى إلى إدراك دلالة الخطاب، بل إن إعمال السياق يساعد على إنجاز مراجعة شاملة لأقوال المفسرين ومذاهبهم في التأويل.
الباحث المصري محمد كمال الدين إمام (رئيس قسم الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق بالإسكندرية) تناول بالبحث سؤال "المعنى والسياق بين الشافعي والشاطبي: رؤية مقاصدية"، ورأى أن منهج السياق عند الشافعي ارتبط بجهده التأسيسي لعلم الأصول، ومباحثه التأصيلية لبيان القرآن والسنة، وأن هذا المنهج في "الرسالة" من المفاهيم الحاكمة لضبط عملية الاستنباط. أما الإمام "الشاطبي" -يضيف الباحث- فقد بدأ في معالجته لمفهوم السياق بالسياق اللغوي باعتباره مدخلا عضويا للسياق المقاصدي، وهو، أي الشاطبي، امتداد طبيعي لنظرية الشافعي الأصولية، وكلاهما يؤسس لمنهج في السياق تدور في أفقه مجموعة علوم منها علم أسباب النزول وعلم المناسبات...
الباحث المغربي حميد الوافي (أستاذ بكلية الآداب بمكناس) توقف في بحثه عند "الوظائف المنهجية للسياق" من خلاله تركيزه على قضية "المعنى بين اللفظ والقصد"، وبيّن أن اعتبار السياق في المنهجية التشريعية أمر يجد شرعيته في قصد الشارع الإفهام، كما رأى أن عمل الأصوليين يتسع في باب التأويل ليعتمد السياق بأوسع مظاهره.
"واقع المسلمين بالغرب: من أجل اجتهاد متنور لسياق متغير"، عنوان مساهمة منير القادري (مدير المركز الأورو متوسطي لدراسة الإسلام اليوم بباريس)، ومما جاء فيها أن واقع المسلمين بالغرب يتطلب اجتهادا خصبا وفعالا على مستوى الخطاب الديني والخطاب الفقهي... وفي رأي الباحث، يعتبر الفكر المقاصدي المدخل الأساسي لكل عمل اجتهادي يروم تحقيق المصالح الإنسانية. وقد ركز في مساهمته على طبيعة التصور الفقهي لجغرافيا العالم وتقسيم خريطته. ودعا إلى التفكير في استحداث مفاهيم جديدة تناسب سياقنا المعاصر تستمد شرعيتها من مقاصد الشرع الحنيف وتتجاوز الفهوم القديمة التي أملتها ظروف تاريخية معينة.
المساهمة الأخيرة في الملف عنوانها: "الواقع الافتراضي وأثره في إدراك الأحكام الفقهية"، لهشام جعفر (رئيس تحرير الموقع العربي في شبكة إسلام أونلاين)، وبيّن فيها أن الفقه لم يراع بشكل كاف الفروق بين العالمين: الحقيقي والافتراضي، بل لم يتنبه للخصائص النفسية والحيل الافتراضية التي يلجأ إليها المتعاملون في الواقع الافتراضي، وأضاف بأنه يجب أن يحتاط للعبادات والعلاقات الإنسانية والاجتماعية التي تنشأ في الواقع الافتراضي ما لا يحتاط للأموال، وأنه لابد من اعتبار الإرادة المختارة التي يصدر عنها السلوك في الحكم عليه جوازاً أو منعاً...، فموضوع علم الفقه عندئذ يمتد ليشمل فعل المكلف في الواقع الحقيقي أو الافتراضي.
ومن بين الأسئلة التي أثارها الباحث في موضوعه نذكر ما يلي: هل يستوي الهمُّ بالسلوك وحكم فعل السلوك في الواقع المتخيل؟ أم أن كلاهما فعل؟ أم أن السلوكيات في الواقع المتخيل ليس لها قيمة إلا بمقدار ما تنشئة في الواقع الحقيقي؟
مساهمات وقُصاصات..
وقد تضمن العدد كذلك مجموعة من المساهمات موزعة على أبواب المجلة الثابتة. ففي زاوية "متابعات" قامت المجلة بتغطية شاملة للندوة العلمية الدولية التي نظمتها الرابطة المحمدية للعلماء في موضوع: أهمية اعتبار السياق في المجالات التشريعية وصلته بسلامة العمل بالأحكام.
"أفكار عن الفقه المستقبلي" للباحث إلياس بلكا كان عنوان موضوع زاوية "رؤية للنقاش". وقد ضمت زاوية "دراسات شرعية" طائفة من الدراسات جاءت على الشكل التالي: المنحى الحجاجي للخطاب القرآني وأثره في منهج الاستدلال الأصولي (الحسن بنعبو)، معالم الفكر الأصولي قبل الإمام الشافعي (بوشرى الشقوري)، آداب الإجراء العقابي في التشريع الجنائي الإسلامي (نجوى التجكاني). وقد تم اختيار مساهمة عبد الوهاب الفيلالي "من خصائص خطاب التوجيه الخلقي في الأدب الصوفي المغربي" ضمن زاوية "جماليات".
"المذهب المالكي في خصوصياته" كان عنوان مساهمة إدريس حمادي ضمن زاوية "مالكيات". وفي زاوية "رؤى وتصورات" نقرأ لحسان الباهي بحثا بعنوان: "العلم بين الأخلاق والسياسة".
كما تم تخصيص موضوع زاوية "ذخائر" للحديث عن مكانة ذوي الاحتياجات الخاصة في التراث الإسلامي، وكانت بتوقيع عبد اللطيف الجيلاني.
أما زاوية "رسائل جامعية" فضمّت عرضا مركزا لأطروحة الباحث إدريس نغش حول: دراسة فلسفية وتحليل رياضي وتحقيق لكتاب "التمحيص في شرح التلخيص" لابن هيدور التادلي أحد أهم أعلام الرياضيات في القرن الرابع عشر الميلادي.
وقد عرف هذا العدد تغطية إعلامية واسعة من طرف مختلف المنابر الإعلامية المغربية والعربية.
إعداد: خالد رابح
باحث مساعد بالوحدة العلمية للإحياء