مركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة

توظيف الشاهد الشعري في التوجيه القرائي – إلقاء الدكتور الطيب شطاب

نبّه الأستاذ شطاب في بدء كلمته على طبيعة علم القراءات وما يعتريه من الاختلاف والتنوع في أوجه النص المنزل، الأمر الذي يضطرُّ مكتمل الأهلية للنظر والسعي في ترجيح أحد المختلفات خاصة وأن لها اتصالا وثيقا بالعدد السبعة الذي يُضيّق من دائرة الخلف ويحصره في هذا النطاق خلافا لسائر المعارف الأخرى، ثم إنه مهما قيل في تفسير المراد بالعدد السبعة فإن الاختلاف في القراءات وتعيينها يبقى منضبطا بمعايير قد تطّرد ويسهل بها حصر أوجه القراءة المقبولة (صحة السند، موافقة الرسم، موافقة العربية ولو بوجه)، إلا أن أكثر هذه الضوابط تشعبا وأوسعها تفرعا هو الضابط اللغوي، ولأجله أتى الشاهد الشعري لضبط منازع العربية فيه والتوجيه لأضرب الخلاف القرائي والاحتجاج لها طلبا لترجيح الأقوى معنى والأصح وجها، ثم شرع الباحث في تعريف الشاهد الشعري وخصائصه ثم نشأة الاحتجاج بالشاهد ومراتبه في توجيه القراءات خاصة ومناهج المصنفين فيه وما إلى ذلك.

والشاهد عموما يكتسي صبغة الحضور والظهور والإعلان، فلا يلجأ إليه إلى لحاجة البيان والإثبات والحجة وما شابه، فحاجة التوجيه لأوجه القراءة وثيقة بعلم الشعر وفنونه، فهو لذلك (أي الشعر) أصح متن يعتمد عليه في معرفة عربي اللغة من معرّبه أودخيله من أصيله وقويّه من ضعيفه …، ثم الشعر طبقات في الاحتجاج به والاعتماد عليه، ولأن التوجيه نوع تفسير وبحث عن الجهة المرادة في المقروء كثر الاهتمام به في كتب الاحتجاج والمعاني كما الشأن بالنسبة لابن خالوية وأبي علي الفارسي في حجتيهما … وكذلك المحتسب لابن جني وصنعه في الاحتجاج للشاذ وما شاكل، ولذلك كثر الانتصار لبعض الأوجه في المقروء على مقابلها المتروك حتى اشتهرت الأولى وخملت الأخرى، ثم الموجهون منازل وطبقات رتّبها ابن مجاهد في مقدمة كتاب السبعة، ولقد أورد البغدادي في خزانة الأدب أحوال الشاهد الذي يصح اعتماده في التوجيه فجعل مراتب الشعراء على أربع طبقات (الجاهليين، المخضـرمين، الإسلاميين، المولّدين)، فالأوليان يستشهد بكلامهما إجماعا، والأخريان يستشهد بشعرهما على تفصيل، … ثم ساق الباحث بعض الأمثلة من الأوجه التي ردّت القراءة بها لعدم قوة وجهها في العربية وتأخّر فصاحتها أو رَكَّتْ في معناها أو ما شابه، كما بين الباحث أن نشأة الشاهد وطريانه ارتبطت ببروز ظاهرة الاختيار والانفرادات في المقروء المنبنية على أساس من الصحة في السند أو القوة في الوجه، ولعل أبرز من جَلَّى هذا المنحى في التوجيه والحجة أبو جعفر الطبري في تفسيره، فجاء لذلك كتابا ثرّاً جامعا للأوجه ومنازلها واختيار العالي منها المستجمع لشـرائط الاحتجاج به والإشارة إلى المتروك النازل من الأوجه وما إليه.

وفي الختم انتهى الباحث إلى أن للشعر العربي القديم مزية في علوم القرآن الخادمة له، ودليل ذلك الحملة الكبرى التي أقيمت على الطعن في الموروث الشعري القديم والتي تولى كبرها طه حسين ومن سار على نهجه، لوعيهم العميق بأهمية الشعر القديم في الدراسات القرآنية، ليفسح الباحث مجالا تساؤلا يبغي فيه جوابا مقنعا عن مدى اتصال الدارسين المهتمين بعلم القراءة خاصة بتراثهم الشعري القديم وإعماله في التوجيه والاحتجاج لكثير من الأوجه المتروكة من هذا الجانب.    

د.الطيب شطاب

  • باحث متعاون بمركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق