الرابطة المحمدية للعلماء

30 يوليوز، عيد وطني بدلالات متعددة

الذكرى العاشرة لاعتلاء صاحب الجلالة الملك محمد السادس العرش

يحيي الشعب المغربي، يوم غد الخميس 30 يوليوز 2009، عيد العرش الذي يصادف الذكرى العاشرة لاعتلاء صاحب الجلالة الملك محمد السادس العرش، وهو المجسد لهذا العرش العريق، والمتقلد لزمام السير بهذه المملكة نحو التطور والازدهار ورفاهية الشعب، وقيادته نحو العدالة والسلم والأمن المادي والمعنوي.

وبالتأكيد، فإن الوقت مازال مبكرا لتقييم حصيلة عهد جلالة الملك محمد السادس الذي ما زال في بداياته، على اعتبار أن عشر سنوات هي فترة وجيزة جدا في تاريخ الأمم.

ومع ذلك، فإن الحدث، الذي يعد محطة بارزة في تاريخ المملكة، يدعو كل فرد من أفراد المجتمع إلى أن يضع نفسه موضع ذلك الفنان الذي يأخذ، من حين لآخر، مسافة من لوحته لتتضح له الرتوشات والتعديلات، التي يتعين إضافتها حتى تكتمل معالم هذه اللوحة.

وبحلول 30 يوليوز 2009، فإننا، نحن المغاربة، مدعوون، فرادى وجماعات، إلى القيام بنفس العملية التي يقوم بها هذا الفنان التشكيلي، مع استحضار حس الفنان، وبطبيعة الحال تلك المعادلة الضرورية، بين ما يطمح المغرب إلى تحقيقه بشكل مشروع، وبين ما يستطيع إنجازه بالفعل، اعتبارا للإمكانيات التي يتوفر عليها، وللإكراهات الداخلية والخارجية المطروحة.

ومنذ أول خطاب للعرش ألقاه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، وهو الخطاب الذي كان يتطلع إليه مختلف السياسيين والملاحظين الداخل والخارج، شعر كل فرد بأن هناك نداء ملحا موجها للجميع، للتشمير عن السواعد والاستعداد، كما المتأهب للمعركة، من أجل مرافقة المغرب في مسيرة تتسم بأسلوب ووسائل جديدة ومسعى جديد، يتماشى ومتطلبات العصر.

++تكثيف الزيارات الميدانية

لقد فضل صاحب الجلالة، منذ الوهلة الأولى، أسلوب “معاينة” و”مشاهدة” الوضع عن كثب، على الأسلوب التقليدي المتمثل في الاكتفاء بالإطلاع على التقارير الإدارية. وهكذا يجوب جلالة الملك أنحاء المملكة طولا وعرضا، بما في ذلك المناطق النائية والصعبة المسالك من أجل الإنصات إلى رعاياه وتقبل شكاويهم، ومشاطرتهم انشغالاتهم.

وبما أن الإنسان كان وسيظل في صلب مسيرة القرب هذه، فقد كان ملف حقوق الإنسان، أول ملف يفتحه جلالة الملك ضمن الملفات الكبرى، وهو ملف متشعب من حيث الحمولات الخطابية والسياسية، فضلا عما يثيره من جدل واسع.

لذا كان يتعين فتح هذه الصفحة الأليمة من تاريخنا حتى يتسنى طيها بشكل نهائي. وهذا ما حصل بالفعل، علما بأن تاريخ الأمم حافل بزوايا مظلمة ومراحل عصيبة، لا يمكن محوها بجرة قلم، بل ينبغي بالأحرى تدبيرها.
وقد أنيطت هذه المهمة بهيئة الإنصاف والمصالحة، التي عملت بتوجيهات من جلالة الملك، على إقرار الحقيقة، اعتمادا على مصادر متقابلة، والتعرف على الأحداث، وإعادة الاعتبار للبعض، وتعويض البعض الآخر.

++ الماضي المشرح علانية

وهكذا، فإن هذا الملف، الذي صار الآن في حكم الماضي، تم تشريحه بشكل علني ليتم الحديث عن عدة طابوهات وتكريس المصالحة المرغوب فيها. إنه عمل دقيق يتطلب، بالضرورة تجسيدا ومتابعة ومواكبة ملموسة على الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لهذا الملف الكبير من حقوق الإنسان.

وفي هذا السياق، جاء التوجه الاجتماعي لصاحب الجلالة من أجل خوض حرب بدون هوادة ضد الهشاشة والفقر والتهميش.

++المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.. تأهيل اجتماعي

بحكم استعجالية معالجة الملف الاجتماعي ونظرا للعجز المسجل في هذا المجال، كان لا بد من إيجاد أداة فعالة من أجل الإشراف على هذه العملية الضخمة للتأهيل الاجتماعي، إنها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي أطلقها جلالة الملك باعتبارها “ورش عهد” يشمل كل المجالات، من خلال مشاريع متنوعة تطال كل جهات المملكة.

وتمثلت الفكرة الرئيسية، التي تقوم عليها هذه المبادرة، في إطلاق مسلسل التنمية الذي لا يقصي أحدا، ولا ينتج متخلى عنهم أو مهمشين.

ومما لا ريب فيه، أن كل مجهود اقتصادي بدون بعد اجتماعي ملموس يذهب أدراج الرياح، كما أنه من المؤكد أن الفقر حينما يستفحل إلى حد تسود معه الآفاق، تتولد عنه مشاعر الحرمان واليأس والتذمر.

أما الهشاشة فإن تأثيرها يماثل تأثير الصدإ في قطعة من المعدن. إذا لم تتم معالجته في الوقت المناسب بوسائل ملائمة، فإن هذه القطعة تصبح معرضة للتلف بكاملها.

وبفضل آلياتها المندمجة، فإن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية جاءت لتشن معركة على مجموع هذه الظواهر، مركزة بالدرجة الأولى على الجهات الأكثر تضررا.

وبالموازاة مع هذه المبادرة، ومن أجل تمتين التكافل الاجتماعي، أطلق صاحب الجلالة في عدة مناسبات حملات واسعة للتحسيس بالتضامن الوطني، تضامن البعض مع البعض الآخر، وتضامن مجتمع موحد بمرجعيات مشتركة.

ويتعلق الأمر بإذكاء الحس التضامني المترسخ في أعماق كل المغاربة، وبالتالي إحياء عاداتنا العريقة في هذا المجال. كما يتعلق الأمر بالرفع من قيمة هذا الحس وتثبيته كثقافة، حتى يصبح في حكم العادة.

فلا شيء في الواقع، يمكن أن يجرد المواطن المغربي من روح التضامن والإسراع إلى التخفيف من آلام الآخر، وتفهم معاناته ومؤازرته في المواقف العصيبة.

وإلى جانب السكان المحرومين وذوي الاحتياجات الخاصة، الذين تتوجه إليهم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وكذا إسهامات التضامن الوطني، انصب اهتمام صاحب الجلالة على شريحة أخرى من السكان، ألا وهي الشباب باعتباره صمام الأمان بالنسبة لمستقبل بلدنا، ومعينه الذي لا ينضب.

وفي هذا السياق، وعلى مدى عشر سنوات، يبدو جليا العمل الملموس التي تم القيام به على مستوى الأفكار والتصورات والمساعدات والتوجيه، من أجل أن ينهض الشباب بدوره كاملا في تنمية البلاد من خلال ما يتخذه من مبادرات.

ولهذه الغاية، تم توفير كافة الشروط للشباب المغربي حتى لا يسقط في مطب السهولة والجمود، أو في ما هو أخطر، ألا وهو الانتظارية القاتلة، المتمثلة في الاتكال على مساعدة الدولة، إن عهد الاتكال على الدولة الذي عمر طويلا قد ولى.

وبالفعل، فلا يمكن لأي اقتصاد منتج وتنافسي أن يتماشى مع مفهوم المساعدة التي تقسم المجتمع إلى فئة من الرجال والنساء النشيطين والمبدعين، وفئة أخرى تعول على إعادة توزيع ثروات إنتاج لم تشارك فيه بأي مجهود. وهي نظرة مغالطة وخطيرة لمفهوم التوازي بين ممارسة الحقوق وأداء الواجبات.

++ ثقافة الحماس والعمل والابتكار

في جل خطابات صاحب الجلالة، يتم التنويه بالحماس في العمل وروح الابتكار، باعتبارها فضائل للمواطنة الفعلية والفاعلة.

وعلى صعيد آخر، فالإنسان، الذي ظل في صلب انشغالات صاحب الجلالة، لا يمكنه أن يشتغل ويطور معيشه اليومي، إلا في إطار نظام ديموقراطي ودولة حق والقانون. وهذه جبهة أخرى فتحها صاحب الجلالة في فجر عهده، إيمانا من جلالته بأنه “لا يمكن أن تكون هناك ديموقراطية بدون ديموقراطيين”.

وبعبارة أدق، فإن الهندسة المؤسساتية مهما بلغت من الكمال والنجاعة، لا يمكنها أن تكون كافية لإرساء أسس ديموقراطية حقيقية.

ويعد هذا النهج، الذي أنعش الحوار الديموقراطي الوطني، بمثابة نداء للفاعلين السياسيين خاصة، وللجميع عامة، من أجل التفكير والعمل طبقا للأخلاقيات والتعامل الحضاري من أجل ترسيخ جسم ديموقراطي برأسين.. أغلبية منتخبة تسند إليها المهام من جهة، ومعارضة منتخبة أيضا مناوشة ولكنها بناءة من جهة أخرى، على أن يشتغل الكل في أفق التناوب، القاعدة الوظيفية لكل ديموقراطية حية.

وقبل أيام فقط، ومن أجل تعزيز هذه الديموقراطية، دعا صاحب الجلالة عشية اقتراع 12 يونيو المنصرم إلى انتخابات شفافة وذات مصداقية، وهو ما يعني انتخابات لا تفرز فائزين وهميين ولا خاسرين سيئين.

++المفهوم المتجدد للسلطة

طالت الإرادة الملكية الإصلاحية مجالات أخرى وفي مقدمتها مجال دولة الحق والقانون، الذي يعني سيادة القانون على الجميع وإزاء الجميع. والمفهوم المتجدد للسلطة يعني أن الماسكين بزمام السلطة، المشمرين على سواعد الجد والعمل، يعوضون البيروقراطيين القابعين في مكاتبهم المغلقة، كما يعني وجوب تقديم الحصيلة والاعتداد بالنتائج.

فهذا المد الإصلاحي الكبير، شمل أيضا الأسرة التي أعيد تنظيمها حول نواتها الصلبة المتمثلة في الخلية الزوجية، فقد تعززت صورة المرأة بفضل مزج دقيق بين الشريعة وروح العصر، وتعززت الحماية الواجبة للطفل، وفتح ورش تأهيل جهاز القضاء، وأصبح التعليم أولوية وطنية ثانية بعد قضية الصحراء، وتم تحرير الاستثمار من كل العراقيل القانونية والمسطرية، وأعيدت هيكلة الاقتصاد الوطني في مجمله من أجل مقاومة الاختلالات في الهياكل والاستجابة لمتطلبات الظرفية.

وتنضاف إلى ذلك، الأوراش الكبرى التي أطلقها صاحب الجلالة في مجموع التراب الوطني، والتي تتجسد في موانىء ومطارات ذات قدرات ضخمة تستجيب للمعايير الدولية، وبرنامج طموح للطرق السيارة، وتهيئة أقطاب سياحية ذات جودة عالية، ومساكن من كل الأصناف، وتشييد منشئات ثقافية ورياضية.

وعلى الصعيد الخارجي، راكمت الديبلوماسية المغربية في السنوات الأخيرة تجارب هامة، منحتها القوة والمصداقية، من خلال اعتماد شعارات ذات مغزى كبير من قبيل “العيش المشترك” و”الفوز للجميع”، ودفاع كل دولة عن مصالحها في إطار المصلحة المشتركة.

وفي هذا الإطار بالذات، تندرج مبادرة الحكم الذاتي الموسع للأقاليم الجنوبية التي أطلقها صاحب الجلالة، والتي نوهت بها المجموعة الدولية التي ترى فيها المسعى الوحيد الذي من شأنه إطلاق مسلسل البحث عن تسوية عادلة لهذا المشكل المفتعل.

وأمام الإنجازات الضخمة التي تحققت خلال السنوات الأخيرة، والمشاريع الكبرى التي توجد قيد الإنجاز أو المبرمجة مستقبلا، لا يسع المواطن المغربي اليوم، وهو يحتفل بعيد العرش، إلا أن يفخر بهذا العيد الوطني ذي الدلالات المتعددة.

(عن و.م.ع)

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق