مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةأعلام

يوسف بن علي الصنهاجي (ت593هـ/ 1196م)

من المِحْنَةِ إلى المِنْحَةِ

   هو أحد أقطاب مدينة مراكش ورجالاتها السبعة المشهورين في القرن السادس الهجري، عُرف بالولاية والصلاح، و جسد مقام الرضى والتسليم بأفعاله وأقواله، حتى غدا مدرسة للصبر يغبطه عليها العارفون، ويتوق إليها المريدون، لذلك نجده قد تعددت ألقابه وأسماؤه، وتوحدت معانيها وتجسدت في أعلى مقامات الصبر، حيث لقب بدءً بـ: “المبتلى” و “أبو يعقوب” و “مول الغار”، وما هي إلا ألقاب تدل على مدى صبره ورضاه على ابتلاء الله له بمرض استعصى علاجه، وقد مَسّه الضُر وهو في ريعان شبابه، فسَخّر عُمره للعبادة والاعتكاف بغار خارج باب أغمات بنفس المدينة الحُبلى بالأولياء والصلحاء.

   إنه أبو يعقوب يوسف بن علي الصنهاجي، اكتفت أهم المصادر التي ترجمت له، بالإشارة إلى ولادته بمراكش، فهو عربي من أصول يمنية، “واحد من أوتاد المغرب في وقته، على حالة تامة من الورع والزهد، كبير الشأن”،[1] ابتُليَ بمرض الجُدام في شبابه، فلزم المدينة ولم يغادرها حتى دُفن بها، كان رجلا فاضلا تقيا صابرا، لم ينل منه الجزع أثناء مرضه شيئا، بل زاده تقربا وحُبا لله، إذ ظل راضيا، محتسبا، شاكرا ولله عابدا، مما زاده تقديرا، وتوقيرا “وقد أبدى من مقام الرضى ما استحيا منه كل عارف وغار…، وهذا أعلى المراتب كلها فهو في النهاية العليا من المعرفة”.[2]

   كان رحمة الله عليه كريما منفقا على الفقراء، رغم قلة حيلته، و عُسر رزقه، وهذا دليل على صلاحه وعلو مقامه، حيث لم يكتف بحيازة مقام الصبر، بل حاز وفاز بمقامات أخرى، كمقام الحمد والشكر، إلى جانب الجود والكرم، يقول ابن الزيات في التشوف: “كان سيدي يوسف بن علي كبير الشأن فاضلا، صابرا راضيا سقط بعض جسده في بعض الأوقات فصنع طعاما كثيرا للفقراء شكرا لله تعالى على ذلك.

يقول رحمة الله عليه:

                                  ” تَعوّدت مَسَّ الضُّر حتى أَلِفته

                                                 وأسْلمني طول البلاء إلى الصبر”.[3]

   لم تذكر المصادر مراحل تلقي سيدي يوسف بن علي علم التصوف، لكن يكفيه فخرا أنه أخذه وتعلمه من شيخ رفيع القدر هو: أبو عصفور (ت583هـ)، تلميذ الشيخ أبا يعزى (ت572هـ)، وكلاهما شيخين جليلين.

   توفي رحمة الله عليه عام “(593هـ/ 1196م) ودفـن خارج باب أغمات عند رابطة الغار”.[4] حيث بني ضريح حوله، واستمرت الوفود في زيارته بغرض التبرك به والترحم عليه إلى يومنا هذا، …”وهو منهج السلف في الإيمان بالزيارة للتذكرة والاعتبار والترحم على الأولياء”.[5]

الهوامش:

 [1] – درر الحجال في مناقب سبعة رجال، محمد الصغير الإفراني، دراسة وتحقيق: حسن جلاب، ط1/2000م، المطبعة والوراقة الوطنية-مراكش، ص:131

[2] – المصدر السابق، ص.ص:130-133.

[3] – التشوف إلى رجال التصوف، لابن الزيات التادلي، تحقيق: علي عمر، الناشر: مكتبة الثقافة الدينية، ط1/2006- القاهرة، ص:253.

[4] – المصدر السابق، ص:253.

[5] – بحوث في التصوف المغربي، حسن جلاب، ط1/1995، مراكش، ص:81.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق