مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

وقفات مع حديث: “مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع ، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر ، وفرقوا بينهم في المضاجع “

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحابته أجمعين.

وبعد؛

فإن تربية الأطفال على الصلاة وتعليمهم وتمرينهم عليها وإرشادهم إلى محاسن الآداب أمر مطلوب وهو في غاية من الأهمية، ليعتادوها ويتمرنوا عليها فتكون أسهل عليهم بعد البلوغ وأقل نفورا منها، قال صلى الله عليه وسلم: “مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع“، ولأهمية هذا الحديث  ارتأيت أن أقف معه لاستخراج بعض الفوائد منه وفق ما يلي:

أولا: تخريج الحديث: أخرجه بهذا اللفظ من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب: متى يؤمر الغلام بالصلاة، رقم: 495[1]، وأخرجه أحمد في مسنده، رقم:  6467[2].

قال ابن الملقن : ” هذا الحديث صحيح “[3] .

ثانيا: مستفادات من الحديث.

يستفاد من هذا الحديث مجموعة من الفوائد والمقاصد والآداب والأحكام،  وهي كالآتي:

* فيه مشروعية أمر الأولاد، ذكورا كانوا أو إناثا بالصلاة إذا بلغوا سبع سنين، وهو سِنُّ التمييز، وتأديبهم عليها إذا بلغوا عشر سنين، والتفريق بينهم في المضاجع حينئذ؛ لأنها تنتشر فيها الشهوة[4].

*فيه أن الأولاد ليسوا بمكلفين فلا يتجه عليهم الوجوب، وإنما الطلب متوجه على أوليائهم أن يعلموهم ذلك، فهو مطلوب من الأولاد بهذه الطريق، وليس مساويا للأمر الأول، وهذا إنما عرض من أمر خارج، وهو امتناع توجه الأمر على غير المكلف وهو بخلاف القصة التي في حديث الباب، والحاصل أن الخطاب إذا توجه لمكلف أن يأمر مكلفا آخر بفعل شيء كان المكلف الأول مبلغا محضا، والثاني مأمور من قبل  الشارع [5].

*فيه أن الصبي يعود على الصلاة من السابعة إلى العاشرة ثلاث سنوات، بالترغيب وبالترهيب، وبإعطاء الهدايا، وصحبته إلى المسجد، ثلاث سنوات، فإذا بلغ العاشرة، يعتادها ويكون خيرا طيبا نقيا، وإن لم يتعود عليها ضرب ضرب تأديب، قال الطيبي: “يعني إذا بلغ أولادكم سبع سنين فأمروهم بأداء الصلاة؛ ليعتادوها ويستأنسوا بها. فإذا بلغوا عشرا ضربوا على تركها، وفرقوا بين الأخ والأخت مثلا في المضاجع؛ لئلا يقعوا فيما لا ينبغي؛ لأن بلوغ العشر مظنة الشهوة وإن كن أخوات. أقول: إنما جمع بين الأمر بالصلاة، والفرق بينهم في المضاجع في الطفولية تأديبا ومحافظة لأمر الله كله؛ لأن الصلاة أصلها وأسبقها، وتعليما لهم بين الخلق، وأن لا يقفوا مواقف التهم، فيتجنبوا محارم الله كلها”[6].

قال ابن بشير: ” ويؤمر الصبيان بالصلاة لسبع سنين على جهة التمرين للصلاة؛ لأن الصلاة متكررة. فإن لم يعودوها في الصغر شق عليهم في الكبر ملازمتها. وهذا السن فيه مبادئ التميز غالبا. وإذا بلغ عشر سنين تأكد أمرهم بها وعوقبوا على تركها معاقبة ناجزة بالضرب كما ورد في الحديث. ويؤمرون بالتزام شروطها من الطهارة وستر العورة كما يؤمر بها البالغون. فإن صلوا بغير ذلك أمروا بالإعادة. وهل يعيدون أبدا كالبالغين؟ أو ما لم تطل الأيام؟ قولان: الإعادة أبدا إلحاقا لهم بحكم الكبار البالغين، والقول الثاني أن الأمر بالصلاة ليس عليهم؛ لأنهم مكلفون، بل للتمرين، فإذا طالت الأيام، فإنما يفتقرون إلى أداء صلاة الوقت لا قضاء ما فات”[7].

*المراد بالضرب في الحديث  هو الذي يحصل به التأديب بلا ضرر، فلا يجوز للأب أن يضرب أولاده ضربا مبرحا، ولا يجوز أن يضربهم ضربا مكررا لا حاجة إليه، بل إذا احتاج إليه مثل ألا يقوم الولد للصلاة إلا بالضرب فإنه يضربه ضربا غير مبرح بل ضربا معتادا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر بضربهم لا لإيلامهم ولكن لتأديبهم وتقويمهم[8].

*أنه صريح في أن الخطاب من الشرع للولي لا للصبي خلافا لمن قال بخطاب الصبي من الشارع، ولعله مبني على أن الأمر بالشيء أمر بذلك الشيء[9].

*أن الصبي والولي مندوبان مأجوران وقيل: المأجور الولي فقط ولا ثواب للصبي على فعله، وإنما أمره بالعبادة على سبيل الإصلاح كرياضة الدابة لحديث “رفع القلم عن ثلاث”، وعليه فقيل ثوابه لوالديه قيل: على السواء وقيل: ثلثاه للأم والصحيح أن الصغير لا تكتب عليه السيئات وتكتب له الحسنات، والصواب رواية ابن وهب أن التفرقة في المضاجع لعشر لا عند الإثغار خلافا لابن القاسم، ومعنى التفرقة عند ابن حبيب أنه لا يتجرد أحد منهم مع أبويه ولا مع غيرهم إلا على كل واحد منهم ثوب حائل، وعند اللخمي يفرش لكل واحد فراش على حدة سواء كانوا ذكورا أو إناثا أو مختلفين، وقد علمت أن حكم التفرقة الاستحباب ، فإذا لم تحصل التفرقة وتلاصقا بعورتيهما من غير حائل بينهما فإنه مكروه، والمخاطب بذلك الولي وظاهره ولو مع قصد اللذة ووجودها ، وأما ملاصقة البالغين لعورتيهما من غير حائل بينهما فحرام ، وأما بغيرها من جسديهما فمكروه، فإن تلاصق البالغان بعورتيهما مع وجود حائل بينهما فمكروه، أي: ولم يحصل قصد اللذة أو وجودها وإلا حرم وإن تلاصق بالغ وغيره بعورتيهما من غير حائل أو بحائل ، فإنه يجري الحكم في البالغ على ما مر ولا حرمة على غيره، وإنما يكره ذلك إن كان ممن يؤمر بالتفرقة والمرأتان كالرجلين فيما مر[10].

والحاصل أن  الصبي، يؤمر بالصلاة على وجه  التعليم والتأدب والتربية، ليعتادها ويتمرن عليها في سن السابعة، فيكون ذلك أسهل عليه بعد البلوغ.

***************

هوامش المقال:

[1]   سنن أبي داود(1/ 133).

[2]   مسند أحمد(11 /284).

[3]   البدر المنير في تخريج الأحاديث والأثار الواقعة في الشرح الكبير 3 /238.

[4]   تطريز رياض الصالحين(ص: 215).

[5]   فتح الباري 9/ 348 .

[6]   شرح الطيبي على مشكاة المصابيح3/ 871.

[7]    التنبيه على مبادئ التوجيه(1/ 501).

[8]   شرح رياض الصالحين(3 /174).

[9]   الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني1 /179.

[10]   شرح مختصر خليل للخرشي(1/ 222).

****************

جريدة المصادر والمراجع:

تطريز رياض الصالحين، لفيصل بن عبد العزيز بن فيصل ابن حمد المبارك الحريملي النجدي تحقيق: عبد العزيز بن عبد الله بن إبراهيم الزير آل حمد، دار العاصمة للنشر والتوزيع، الرياض،ط1، 1423 هـ ـ 2002 م.

سنن أبي داود، سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو الأزدي السجسْتاني، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، صيدا – بيروت.

شرح السنة، للحسين بن مسعود البغوي، تحقيق : شعيب الأرناؤوط – محمد زهير الشاويش، المكتب الإسلامي ـ دمشق ـ بيروت ـ 1403هـ ـ 1983م.

شرح الطيبي على مشكاة المصابيح المسمى بـ (الكاشف عن حقائق السنن) لشرف الدين الحسين بن عبد الله الطيبي تحقيق: عبد الحميد هنداوي، مكتبة نزار مصطفى الباز مكة المكرمة ـ الرياض،ط1، 1417 هـ ـ 1997 م.

شرح مختصر خليل للخرشي، دار الفكر، بيروت.

فتح الباري شرح صحيح البخاري لأحمد بن علي بن حجر أبي الفضل العسقلاني الشافعي،  دار المعرفة – بيروت ، 1379

الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني، لأحمد بن غنيم بن سالم النفراوي تحقيق: رضا فرحات، مكتبة الثقافة الدينية .

مسند الإمام أحمد بن حنبل، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرون، مؤسسة الرسالة،ط2، 1420هـ ، 1999م

 المنهل العذب المورود شرح سنن الإمام أبي داود، لمحمود محمد خطاب السبكي، تحقيق: أمين محمود محمد خطاب، مطبعة الاستقامة، القاهرة ـ مصر،ط1، 1351 – 1353 هـ.

البدر المنير في تخريج الأحاديث والأثار الواقعة في الشرح الكبير، لابن الملقن سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن أحمد الشافعي المصري  تحقيق:  مصطفى أبو الغيط، وعبد الله بن سليمان، وياسر بن كمال، دار الهجرة للنشر والتوزيع ـ الرياض ـ السعودية،ط1، 1425هـ ـ2004م.

التنبيه على مبادئ التوجيه، لأبي الطاهر إبراهيم بن عبد الصمد بن بشير التنوخي المهدوي، تحقيق: الدكتور محمد بلحسان، دار ابن حزم، بيروت ـ لبنان،ط1، 1428 هـ ـ 2007 م.

*راجع المقال الباحث: يوسف أزهار.

Science

عبد الفتاح مغفور

  • أستاذ باحث مؤهل بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق