مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلامدراسات وأبحاثدراسات عامةمفاهيم

وظيفة الزواج في تحقيق الاستخلاف في الإسلام

نادية الشرقاوي

 

يتخذ مفهوم الزواج  داخل النسق المعرفي للمنظومة الإسلامية وضعا خاصا، فقد أولى الشرع الإسلامي اهتماما كبيرا لهذا المفهوم، ولكل ما يرتبط به ويكمله، كاختيار كلا الطرفين (الرجل والمرأة) للشريك الآخر، وتربية الأبناء ورعايتهم، والمحافظة على مؤسسة الأسرة وحمايتها… ووصفه الله عز وجل بالميثاق الغليظ فقال سبحانه وتعالى:﴿وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا﴾[1]، وجعله سنة من سنة الأنبياء والمرسلين فقال تعالى:﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً﴾[2]، كما حث عليه النبي صلى الله عليه وسلم ونهى عن تركه، فقال:” النكاح من سنتي، ومن لم يعمل بسنتي فليس مني”[3].

ويقوم الزواج في الإسلام على مجموعة من المبادئ الأساسية والقواعد التي تنظمه، وتضمن له الاستمرارية، بهدف إعفاف النفوس، وصيانة الأعراض وحفظ الأنساب، ومن بين هذه المبادئ الأساسية:

المساواة، فالرجل والمرأة متساويان في أصل الخلق، وكلاهما ينتسبان إلى أصل واحد ومنشأ واحد كما قال تعالى:﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾[4]، فالإسلام ينظر إلى الخليقة البشرية على أنها وحدة إنسانية متساوية متكاملة لا حظ فيها للفوارق اللونية أو العرقية أو العنصرية، وليس ثمة لأحد مبرر لادعاء السمو على بعض لأن مقياس التفاضل واحد هو التقوى، وعليه فالعلاقة بين المرأة والرجل تقوم على أساس المساواة الكاملة في التكوين ووحدة الخلق والإيجاد والأصل والمنشأ لقوله تعالى:﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾[5].

إشاعة المودة والرحمة وتحقيق السكن في العلاقات الاجتماعية بين الرجل والمرأة، لقوله تعالى:﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾[6]، فهذه المفاهيم تجمع بين الحب والرعاية والتسامح والغفران والطمأنينة والاستقرار، وكلها معاني ضرورية لبناء العلاقة الزوجية السوية وصنع مناخ أسري مناسب يمنح الأبناء ما يحتاجونه من أمان ورعاية لكي يحققوا الغاية العظمى التي خلقوا من أجلها.

تحقيق العدل والمساواة في الحقوق والواجبات، لقوله تعالى:﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾[7]، فقد أعطى الإسلام للواجبات والحقوق الزوجية قيمة كبيرة، واعتبرها من العبادات التي يثاب على حسن أدائها كل من الزوجين في الدنيا والآخرة، فـ”لا ضرر ولا ضرار” بين الزوجين، إذ لا يميز الشرع الكريم في الحقوق بين الرجل والمرأة، بل يؤكد على عدم هضم حقوقها لقول النبي صلى الله عليه وسلم:”ألا واستوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان لكم”[8]، كما أمر الله سبحانه وتعالى بحسن معاشرة الزوجة فقال:﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾[9] ونهى عن الإساءة إليها فقال تعالى:﴿ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ﴾[10]، وحسن الخلق مطلب من المطالب الشرعية، والزوجة أولى الناس بالمعاملة الطيبة وحسن الخلق قال عليه الصلاة والسلام: “خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي”[11]، فحسن الخلق يجمع فضائل الأخلاق ومنه عدم تكليف الزوجة ما لا تطيق من المسئوليات، يقول محمد عبده “منحت شريعتنا السمحاء إلى النساء حقوقاً لا تنقص عن حقوق الرجل في الزواج، لها الحق مثله في أن تتأكد بنفسها من إمكان تحقق آمالها، وما علينا إلا أن نسمع صوت شريعتنا ونتبع أحكام القرآن الكريم، وما صح من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأعمال الصحابة لتتم لها السعادة في الزواج، جاء في الكتاب العزيز ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾، وكان ابن عباس يقول، اتباعاً لهذه الآية الكريمة «إني أحب أن أتزين لامرأتي كما أحب أن تتزين لي (…)»، وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم «أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وألطفهم بأهله»”[12]

وتظهر الأهمية البالغة للزواج في الإسلام في العناية الخاصة والفريدة التي أولاها له الشارع في كل مراحله بدءا من مرحلة التعارف أو الخطبة، هذه العناية تدل على قيمة هذا الميثاق الغليظ ودوره العظيم في بناء المجتمع الكبير من خلال المجتمع الصغير “الأسرة”، فانطلاقا من دائرة الأسرة التي تشكل النواة الأولى لتنشئة الأفراد وتكوين المجتمع وتوسيع دائرة التعارف بين المسلمين على اختلاف أجناسهم، تظهر الوظائف المنوطة للزوجين بدءا من تربية الأبناء وترسيخ القيم الأخلاقية التي يكون صلاح المجتمع رهينا بصلاحها، وبواسطتها يتم الحفاظ على مؤسسة الأسرة واستقرارها ويضمن الحقوق لكل الأطراف المكونة لها.

فلم يحصر التشريع الإسلامي غاية الارتباط بين الرجل والمرأة في الوظيفة البيولوجية التي تتجلى في التكاثر وإنجاب الذرية، بل جعلها تمتد لتشمل توفير البيئة الصالحة لكل منهما للقيام بأكبر المهام التي من أجلها خلق الإنسان وهي مهمة الاستخلاف والعمران الحضاري وإيجاد أجيال تحقق رسالة الوجود في عبادة الله، وبما أن المرأة والرجل على حد سواء في الخلق وفي التكريم وفي التكليف وفي المشاركة وفي الحساب وفي الجزاء…، فكلاهما أهلٌ لهذه المسئولية المنوطة بهما، وكلاهما أيضا متساو في عاقبة القيام بهذه الوظائف المشتركة ثوابا وعقابا.

وإذا كان أساس العلاقة بين الزوجين مبنيا على الأسس الصحيحة التي وضعها الإسلام، فإن الزواج بلا شك سيؤدي وظيفته الأساسية المتمثلة في تحقيق الاستخلاف في الأرض امتثالا لقوله تعالى:﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ ﴾[13]، فتحقيق رسالة الاستخلاف واستمرار الحياة وتحقيق العبودية لله تعالى في الأرض يحتاج بلا شك إلى التوالد من خلال الزواج الذي شرعه الله تعالى، وفي إطار الزواج يستمر تعمير الأرض واستخلاف الله للإنسان ذكرا وأنثى.

نشر بتاريخ 19/03/2012

——————————————————————————–

[1] سورة النساء، الآية 21.

[2] سورة الرعد، الآية 38.

[3] رواه ابن ماجة

[4] سورة النساء، الآية 1.

[5] سورة الحجرات، الآية 13

[6] سورة الروم، الآية 21.

[7] سورة البقرة، الآية: 228.

[8] أخرجه الترمذي، كتاب الرضاع، باب ما جاء في حق المرأة على زوجها:1163.

[9] سورة النساء، الآية 19.

[10] سورة الطلاق، الآية 6.

[11] رواه الترمذي وصححه.

[12] محمد عبده، الأعمال الكاملة، تحقيق محمد عمارة، (خمسة مجلدات)، دار الشروق، القاهرة، ط. 2، 2006، ص 72-73.

[13] سورة الأنعام، الآية 165.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق