مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

وددت أني قد رأيت إخواننا

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا  محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

إن أحب الناس إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو أحب إلينا من أنفسنا، ومن والدينا، كيف لا؟ وقد اعتبر من يأتي بعده إخوانه؛ لإيمانهم به صلى الله عليه وسلم، حتى وإن لم يروه، ولا يتحقق ذلك إلا بعد الموت، وقد تمن النبي صلى الله عليه وسلم رؤية من يأتي بعده من أمته، فقال صلوات ربي وسلامه عليه: (وددت أني قد رأيت إخواننا)، وهذه مجموع طرق هذا الحديث، مع تخريجها، وبعض ما يستفاد من الحديث.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، خرج إلى المقبرة، فقال: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله، بكم لاحقون، وددت أني قد رأيت إخواننا، فقالوا: يا رسول الله، ألسنا بإخوانك؟ قال: بل أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد).

هذا الحديث رواه بهذا اللفظ: مالك في: الموطأ[1]، وقوت الصلاة، جامع الوضوء، رقم الحديث: 82/29، ومسلم في الصحيح[2]: كتاب: الطهارة، باب: استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء، رقم الحديث: 249، وأحمد في: المسند[3]، رقم الحديث: 7993، ورقم: 9292، وابن ماجه في: السنن[4]: كتاب: الزهد، باب: ذكر الحوض، رقم الحديث: 4306، والنسائي في: السنن[5]: كتاب: الطهارة، حلية الوضوء، رقم الحديث: 143.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وددت أني لقيت إخواني، قال: فقال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أوليس نحن إخوانك؟ قال: أنتم أصحابي، ولكن إخواني الذين آمنوا بي، ولم يروني).

هذا الحديث رواه بهذا اللفظ: أحمد في: المسند[6]، رقم الحديث: 12579.

وعن أنس رضي الله عنه،  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  (متى ألقى أخواني؟ قالوا: يا رسول الله ألسنا أخوانك ؟ قال: بلى أنتم أصحابي، وإخواني الذين آمنوا بي ولم يروني).

هذا الحديث رواه بهذا اللفظ: أبو يعلى في مسنده[7]، رقم الحديث: 3390، والطبراني في المعجم الأوسط[8]، رقم الحديث: 5494.

وعنه أيضا رضي الله عنه، قال: كنا في بيت عائشة رضي الله عنها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليتني لقيت إخواني فإني أحبهم، فقال أبو بكر رضي الله عنه: أليس نحن إخوانك؟ قال: لا، أنتم أصحابي، وإخواني الذين لم يروني، وآمنوا بي وصدقوني وأحبوني، حتى أنى أحب إلى أحدهم من والده وولده، ألا تحب يا أبا بكر قوما أحبوك بحبي إياك؟ قال: بلى يا رسول الله. قال: فأحبهم ما أحبوك بحبي إياك).

هذا الحديث رواه بهذا اللفظ: أبو نعيم الأصبهاني في: فضائل الخلفاء الأربعة[9]، رقم الحديث: 34، والديلمي قريب من هذا اللفظ في: فردوس الأخبار[10]، رقم الحديث: 8290.

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ليتني أرى إخواني وردوا الحوض، فأستقبلهم بالآنية فيها الشراب، فأسقيهم من حوضي قبل أن يدخلوا الجنة، فقيل له: يا رسول الله، أولسنا إخوانك؟ قال: أنتم أصحابي، وإخواني من آمن بي ولم يرني، إني سألت ربي أن يقر عيني بكم، وبمن آمن بي ولم يرني).

هذا الحديث رواه بهذا اللفظ: أبو نعيم في: حلية الأولياء[11].

وعن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (إني لمشتاق إلى إخواني، فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله ألسنا إخوانك؟ قال: لا، أنتم أصحابي، إخواني قوم آمنوا بي ولم يروني).

هذا الحديث رواه بهذا اللفظ: المتقي الهندي في: كنز العمال[12]، رقم الحديث: 37899.

هذه طرق وألفاظ حديث: (وددت أني قد رأيت إخواننا)، وقد بسط العلماء الكلام في شرح هذا الحديث، وهذه بعض أقوالهم مبثوثة في كتبهم الحديثية.

إن إخوان النبي صلى الله عليه وسلم غير أصحابه، وأصحابه: الذين رأوه، وصحبوه مؤمنين، وإخوانه: الذين آمنوا به، ولم يروه[13]، وتمن منه صلى الله عليه وسلم لرؤية من يأتي بعده من أمته، وقد علم أنه لا يراهم إلا بعد الموت[14]، وهذا التمني جائز؛ لاسيما في باب الخير، ولقاء الفضلاء والأخيار، الأولياء في الله، لم ينف بذلك أخوتهم، ولكنه ذكر مرتبتهم الزائدة بالصحبة واختصاصهم بها، ولم تحصل لأولئك بعد، فوصفهم بالأخوة، في فضل مَنْ يأتي، ومَنْ في آخر الزمان، إلى أنه قد يكون فيمن يأتي بعد الصحابة مَنْ هو أفضل ممن كان في جملة الصحابة[15]، ولما تمنى صلى الله عليه وسلم أن يرى أمته في الجنة، استفهمه أصحابه وقالوا: ألسنا بإخوانك؟ فقال: بل أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد؛ فدل هذا على أن الأخوة: اسم عام، يدخل فيها من شاهده وغيرهم من أمته، والصحبة اسم خاص، وهو لمن رأى النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه[16]، فأراد صلى الله عليه وسلم أن ينقل أصحابه من علم اليقين، إلى عين اليقين، فيراهم هو وهم معه[17]، ولما تمنى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا يكون، والتمني هو: تعلق الإرادة بما في المستقبل، والأسف: تعلق الإرادة بالماضي، ولها التمني لا يجوز إلا في أمور الدين[18]، وأن أهل الدين والإيمان والعلم والفضل إخوانه صلى الله عليه وسلم في كل وقت وحين.

إن هذه الألفاظ الستة، من الطرق الست:  الأول من حديث: أبي هريرة رضي الله عنه: (وددت أني قد رأيت إخواننا)، والثاني من حديث: أنس رضي الله عنه: (وددت أني لقيت إخواني)، والثالث من حديث: أنس رضي الله عنه: (متى ألقى أخواني)، والرابع: من حديث: أنس رضي الله عنه: (ليتني لقيت إخواني)، والخامس: من حديث: عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (ليتني أرى إخواني)، والسادس: من حديث: عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه: (إني لمشتاق إلى إخواني) إنما سمى رسول الله عليه وسلم إخوانه للذين جاءوا من بعدهم ولم يروه وآمنوا به، فاشتاق إليهم، وودد أن يراهم، ونحن كذلك إخوان النبي صلى الله عليه وسلم، ونشتاق له صلوات ربي وسلامه عليه لرؤيته إذا يوم لقائه، فعسى الله تعالى أن يكتب لنا ذاك اللقاء بمشيئته سبحانه وتعالى.

*****************

هوامش المقال:

[1] ) الموطأ رواية يحيى الليثي 2 /38.

[2] ) صحيح مسلم 1/ 218.

[3] ) المسند 13 /373، 15/ 167.

[4] ) السنن 2 /1439.

[5] ) السنن الكبرى 1 /130.

[6] ) المسند 20 /38.

[7] ) المسند 6/ 118.

[8] ) المعجم الأوسط 5 /341.

[9] ) فضائل الخلفاء الأربعة وغيرهم ص: 54.

[10] ) فردوس الأخبار 5/ 401.

[11] ) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء 7 /255-256.

[12] ) كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال 14 /48.

[13] ) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد 20/ 243-244.

[14] ) المنتقى شرح الموطأ 1 /69.

[15] ) إكمال المعلم بفوائد مسلم 2/ 48.

[16] ) تفسير الموطأ 1/ 140-141.

[17] ) شرح الموطأ 1 /149.

[18] ) القبس في شرح موطأ مالك 1/ 153.

****************

جريدة المراجع

إكمال المعلم بفوائد مسلم لأبي الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبى، تحقيق: يحيى إسماعيل، دار الوفاء للطباعة، المنصورة-مصر، الطبعة الثالثة: 1426 /2005.

تفسير الموطأ لأبي المطرف عبد الرحمن بن مروان القَنَازِعي، تحقيق: عامر حسن صبري، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قطر، دار النوادر، الطبعة: الأولى، 1431 /2013.

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر القرطبي، تحقيق ج20: سعيد أحمد أعراب، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الرباط- المغرب، 1409 /1989.

حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني، مطبعة الخانجي، القاهرة- مصر، دار الفكر، بيروت- لبنان، 1416 /1996، نسخة مصورة عن طبعة السعادة، مصر ، 1394 /1974.

السنن الكبرى لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي النسائي، تحقيق: حسن عبد المنعم شلبي، إشراف: شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى: 1421/ 2001.

السنن لأبي عبد الله محمد بن يزيد ابن ماجه القزويني، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية، مصر.

شرح موطأ الإمام مالك لمحمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني المصري، تحقيق: طه عبد الرءوف سعد، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة- مصر، الطبعة الأولى: 1424 /2003.

فضائل الخلفاء الأربعة وغيرهم لأبي نعيم الأصبهاني لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني، تحقيق: صالح بن محمد العقيل، دار البخاري، المدينة المنورة- السعودية، الطبعة الأولى: 1417/ 1997.

القبس في شرح موطأ مالك بن أنس لأبي بكر محمد عبد الله بن العربي المعافري، تحقيق: محمد عبد الله ولد كريم، دار الغرب الإسلامي، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى: 1992.

كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال لعلاء الدين علي بن حسام الدين المتقي الهندي البرهان فوري، اعتناء: بكري حياني، وصفوة السقا، الرسالة العالمية، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى: 2012 /1433 مصورة.

المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت-لبنان.

المسند لأبي يعلى أحمد بن علي بن المثُنى الموصلي، تحقيق: حسين سليم أسد، مكتبة الرشد ناشرون، الرياض- السعودية، دار المأمون للتراث، دمشق- سوريا، الطبعة الأولى: 1430/ 2009.

المسند لأحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، تحقيق: جماعة من الباحثين، إشراف: عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى: 1421 /2001.

المعجم الأوسط أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني، تحقيق: طارق بن عوض الله بن محمد، وعبد المحسن بن إبراهيم الحسيني، دار الحرمين، القاهرة- القاهرة.

المنتقى شرح موطأ الإمام مالك لأبي الوليد سليمان بن خلف بن سعد الباجي الأندلسي، مطبعة السعادة، مصر، الطبعة الأولى: 1332.

الموطأ لمالك بن أنس بن مالك بن عامر الأصبحي المدني، تحقيق: محمد مصطفى الأعظمي، منشورات مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية، أبو ظبي- الإمارات، الطبعة الأولى: 1425/ 2004.

*راجعت المقال الباحثة: خديجة ابوري

Science

يوسف أزهار

  • باحث بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسير ة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق