مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكشذور

وجوه الترجيحات(2)

يقول الإمام الحافظ أبو بكر بن حازم الهمذاني (ت584هـ) مُبيناً وجوه الترجيح:

الوجه الرابع: أن يكون راوي أحد الحديثين لما سمعه كان بالغا والثاني كان صغيرا حالة الأخد، فالمصير إلى حديث الأول أولى لأن البالغ أفهم للمعاني وأتقن للألفاظ وأبعد من غوائل الاختلاط وأحرص على الضبط وأشد اعتناء بمراعاة أصوله من الصبي، ولأن الكبير سمعه في حالة لو أخبر به لقبل منه بخلاف الصبي.

ولهذا بعض أهل المعرفة بالحديث لما ذُوكِر في أصحاب الزهري رجح مالكا على سفيان بن عيينة لأن مالكا أخذ عن الزهري وهو كبير وابن عيينة إنما صحب الزهري وهو صغير دون الاحتلام.

فان قيل فعلى هذا يجب أن يقدم من تحمل شهادة وهو بالغ على من تحملها صغيرا، قلت إنما لم يعتبر هذا الترجيح في باب الشهادة لأن الشهادة إخبار عن معنى واحد، وذلك المعنى لا يتغير ولا يختلف معرفته باختلاف الأحوال صغيرا أو كبيرا، وليس كذالك الرواية، فإنه يراعي فيها الألفاظ والأحوال والأسباب لتطرق الوهم إليها والتغيير والتبديل، ويختلف ذلك بالكبر والصغر، فيبالغ في مراعاتها لذلك.

 

الوجه الخامس: أن يكون سماع أحد الراويين تحديثا وسماع الثاني عرضا، فالأول أولى بالترجيح اذ لا طريق أبلغ من النطق في الثبوت، ولهذا قدم بعضهم عبيد الله بن عمر في الزهري على ابن أبي ذئب؛ لأن سماع عبيد الله تحديث وسماع ابن أبي ذئب عرض، وهذا مذهب أهل العراق و البصريين والشاميين وأكثر المحدثين، وأما مالك وأهل الحجاز أكثرهم ذهبوا إلى أن لا فارق بين العرض والقراءة، وإليه مال الشافعي أيضا.

 

الوجه السادس: أن يكون أحد الحديثين سماعا أو عرضا والثاني يكون كتابة أو وجادة أو مناولة، فيكون الأول أولى بالترجيح لما تخلل هذه الأقسام من شبهة الإنقطاع لعدم المشافهة، ولهذا رجح حديث ابن عباس في الدباغ: (أيما إهاب دبغ فقد طهر) على حديث عبد الله بن عكيم: (لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب)؛ لأن هذا كتاب وذاك سماع.

كتاب الاعتبار في بيان الناسخ والمنسوخ من الآثار،

الصفحة:10- 11.

الطبعة الثانية،

 مطبعة دائرة المعارف العثمانية،

 حيدر آباد، 1359هـ.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق