وحدة الإحياءدراسات وأبحاث

واقع المسلمين بالغرب.. من أجل اجتهاد متنور لسياق متغير

تشكّل وجود المسلمين بالغرب عبر مسارات متعددة وخلال مراحل تاريخية متعاقبة ولغايات متنوعة: إما طلبا للرزق والأمن أو الدراسة أو ممارسة البحث العلمي وغير ذلك..

لكن هذا الوجود الإسلامي اليوم بالغرب تحول وانتقل من مخاض تجارب الانفعال والتفاعل مع واقع سوسيوثقافي واقتصادي وعقدي مغاير لهم: ومن معاناة مشاعر الإحباط والضعف والقلق والغربة والدونية الحضارية إلى الشعور بالاستقرار والاطمئنان وإلى الارتقاء في سلم الاندماج وأخلاق[1] المواطنة الإيجابية والفعالة (وخصوصا مع الجيل الثالث)، لكن المسلمين لهم هويتهم الخاصة وانتماءهم العقدي والثقافي والحضاري العريق والمتميز. لذلك لابد للاجتهاد الديني بصفة عامة، والاجتهاد الفقهي بصفة خاصة، أن يعتبر ويراعي هذه الخصوصيات من جهة ويراعي ما تقتضيه الظروف الحضارية من جهة أخرى. لأن الاجتهاد ينبغي أن يكون مبنيا على فقه الواقع كما هو مبني على فقه الأحكام؛ لذلك سنركز في هذه المساهمة على واقع المسلمين بالغرب وضرورة تدبير اجتهاد ديني ملائم لهذا السياق المتغير، وإعادة النظر في بعض المفاهيم الاجتهادية التي كانت صالحة لزمانها وتجاوزها مستجدات السياق الجديد والمتغير، وترجيح انتقاء وإنشاء مفاهيم اجتهادية أكثر تناسبا لهذا السياق لتحقيق معاني الرحمة والسِّعة واليسر ورفع الحرج والضرر عن الناس، ولتلميع صورة الإسلام والمسلمين التي تلوثت بفعل عوامل شتى من الغرب حتى أصبحوا يكنون العداء لنا ولدِيننا، ولهذا أصبح من واجبنا اليوم إعادة الاعتبار وتصويب وتحسين صورة المسلمين وصورة الإسلام بما ينفعنا وينفع البشرية جمعاء. وبذلك يلتزمون ببناء مواطنة أخلاقية قائمة على روحانية مسؤولة، وإصلاح باسم القيم العالمية والشرف الإنساني.

المنظور الفقهي الثنائي للعالم وصورة الإسلام بالغرب

يساهم تجديد النظر الفقهي الإسلامي بخصوص منظورنا للعالم والأرض والمعمورة في تصحيح صورة الإسلام، فمصطلحات دار الكفر ودار الإسلام أو دار الحرب ودار السلم تُرسخ لدى الآخر الصورة العدوانية لدين الإسلام، ويستغلها الإعلام المغرض من أجل تثبيتها ليصبح الإسلام منعوتا بالتطرف والدموية والإرهاب، واعتباره دينا إقصائيا يسعى دوما إلى تذويب الآخر وسحق هويته.

إن قتامة هذه الصورة التي أضحت للأسف نمطية تشكل مخيلة الغربيين وتؤطر مواقفه إزاءنا ويزيد من حدتها سلوكيات المسلمين أنفسهم، فما أحوجنا إلى نقد ذاتي يمكننا من مراجعة مسلماتنا والتمييز فيها بين الثابت والمتغير لكي نحصل القدرة على تبليغ الدين الخاتم وإظهار قيمه السمحة مؤسسين لكفايات اجتهادية قادرة على مواجهة التحديات الراهنة، ونصحح الأطروحة المزعومة لصراع الحضارات.

أصبح الخطاب الفقهي المعاصر مفتقدا للمبادرة والاستباق مكتفيا برد الفعل ومرددا لمقولات الماضي لم يخلع عنه ربقة التقليد ولم ينخرط في سياقه المعاصر.

إن الالتزام بقيم الإسلام وأخلاقه الرفيعة تؤدي بالمسلمين إلى تحقيق هوية إسلامية أوروبية تثري ثقافة المسلمين بالغرب وتساعدهم على مواجهة جميع التحديات[2].

ولعل الفكر المقاصدي يعتبر المدخل الأساسي لكل عمل اجتهادي يروم تحقيق المصالح الإنسانية؛ إذ التشريع نظر في الجزئيات على ضوء الكليات.

ومن ثم كان التصور الفقهي لجغرافيا العالم وتقسيم خريطته من أهم القضايا الإشكالية المرتبطة بالسياق والشروط الموضوعية والذاتية التي أفرزته، وساهمت في بناء مفاهيمه مما يستوجب التفكير في استحداث مفاهيم جديدة تناسب سياقنا المعاصر تستمد شرعيتها من مقاصد الشرع الحنيف وتتجاوز الفهوم القديمة والتي أملتها ظروف تاريخية معينة.

أصَّل الاجتهاد الفقهي مفاهيمه انطلاقا من الظروف التاريخية التي نظر فيها، وبقي النظر المعاصر محجوبا عن رؤية حقائق الواقع الراهن وتطوراته لم يتخلص من النظر القديم ولم يتجشم عناء التفكر في مقاصد الشريعة الخاتمة.

إن تقسيم المعمورة إلى دار الإسلام ودار الكفر أفرزته عوامل تاريخية شكلت نظر الفقهاء إلى العالم والواقع المعاصر في حاجة إلى توصيف جديد وإلى استنباط مفاهيم تتلاءم والتطورات الحاصلة في عالمنا اليوم، تأخذ بمبدأ الانفتاح والاندماج وليس الإقصاء والإلغاء حفاظا على روح الشريعة والحقيقة السمحة لرفع تُهمة العنف والحقد واعتباره دين شر وظلامية.

لقد كان الاجتهاد دائما مرتبطا بالواقع، والاجتهاد هو بذل المجتهد وِسعه في الطلب بالآلات التي تشترط فيه[3]. إلا أنه مع الأسف لم نستطع مواكبة الواقع المعاصر المتغير باجتهاد متنور. فدواعي تقسيم الفقهاء للمعمورة كان مرتبطا بولادة الكيان الإسلامي الجديد آنذاك الذي كان بحاجة إلى التميز عن العوالم الأخرى والمخالفة، حيث كان هاجس الفقهاء هو حماية العقيدة والبلاد الإسلامية؛ فهو كان وليد السياق التاريخي الذي تمخض عنه: “وأي فهم ودرس للنصوص الفقهية المتعلقة بالتقسيم الجغرافي للعالم بعيدا عن السياق الذي ولدت فيه سيؤدي إلى خلل وضعف في الاستنباط والتطبيق وخطأ في التأصيل الفقهي للأحكام المترتبة عليه، وبالتالي سيحول دون تكوين رؤية صحيحة وسليمة لحقيقة المنظور الفقهي للعالم، خصوصا وأنه لابد من التفريق بين الثابت والمتغير في الأحكام المستنبطة لدى الفقهاء، أو التفريق بين المسائل التي تحدث عنها الفقهاء كواقع حال ترتبط بمتغيرات الزمان التي تنطلق من الأصل لتتصل وتترجم بالعصر والواقع”[4]. وليس من المقبول شرعا وعقلا أن يتحول الاختلاف الفكري في مسائل الاجتهاد إلى صراع حقيقي مؤلم ومرير[5].

ظهور تسمية دار الإسلام في عهد الصحابي الجليل خالد بن الوليد في كتاب الصلح مع أهل الحيرة “وجعلت لهم أي شيخ ضعف عن العمل ما أقام بدار الهجرة ودار الإسلام، وإن خرجوا إلى غير دار الهجرة ودار الإسلام فليس على المسلمين النفقة عليهم”.

العوامل التي أدت إلى التقسيم الفقهي للعالم:

– الحاجة إلى التوحد حكاما ومحكومين ضد العدو حفاظا على كيان الأمة الإسلامية خصوصا وهي في بدأ تشكلها.

– ارتباط التقسيم بالولاية وما يترتب عنها من تطبيق الأحكام سواء بالنسبة للمسلمين أو غير المسلمين.

– التأصيل الفقهي لواقع العلاقات والمعاهدات بين المسلمين وغيرهم كالروم والفرس وكالأحكام المتعلقة بالسلم والحرب…

– ارتباط الأحكام الشرعية بالمسلمين على امتداد بلاد الإسلام.

ومن ثم فإن التقسيم للمعمورة كان مرتبطا بالواقع وليس نصيا. يتجلى ذلك من خلال:

– الاختلاف في الشروط والضوابط المحددة لدار الإسلام في صوغ التعريف بين الفقهاء سواء منهم القدماء أو المعاصرين.

– مراجعة الإرث الفقهي القديم وتمييز الثابت منه والمتغير.

– تجديد المفاهيم الفقهية التي كانت منطلقة من تصورات مرتبطة بواقع تاريخي معين ومعطيات سياق مخالف حتى يتمكن الخطاب الفقهي من مسايرة مستجدات الواقع المعاصر.

– لا يستند الاجتهاد الفقهي حول تقسيم العالم إلى نص قطعي الدلالة صريح العبارة بل هو محض اجتهاد قابل للتحليل والنقد، وليس أمرا حتميا مقدسا، لأن الإسلام دين عالمي منفتح على مختلف النوازل والطوارئ وله من الأصول والمبادئ ما يجعله صالحا لكل زمان ومكان.

ولعل السياق المعاصر وواقع المسلمين في بلدان الغرب يحتم علينا مراجعة مفاهيمنا ومنظوراتنا حول تقسيم العالم، لأن الأرض في الشرع واحدة مستخلف فيها الإنسان، وأنها كلها دار إسلام إما حقيقة أو حكما، ولذلك نستبدل مفهومي دار الدعوة ودار الاستجابة بمفهومي دار الإسلام ودار الكفر. (كما ذهب إلى ذلك العديد من العلماء).

إن دار الإسلام حقيقة وواقعا هي بلاد الاستجابة للدعوة، وأما حكما فهو باعتبار المستَقْبِل والمآل أي دار الدعوة. إننا نستطيع أن نستنتج  مما تقدم أن المسلمين في أوربا  وغيرها  من بلاد الغرب ليسوا في دار حرب، بل هم في دار دعوة إلى الله  تعالى، فالأرض دار للدعوة  إلى الله،  لأن  الدعوة هي الأصل في علاقاتنا مع غير المسلمين وليس الحرب والقتال[6].

المفاهيم الاجتهادية للسياق المتغير

يتمتع المسلمون في الغرب بحرية ممارسة شعائرهم بل بممارسة الدعوة لدين الإسلام من خلال المساجد ومختلف المراكز والمؤسسات الإسلامية، مع أن المسلمين يشكلون أقلية في معظم بلدان الغرب والتي تعرف هيمنة الدين المسيحي، بل حتى الأنظمة العلمانية تعتبر التدين حرية فردية وشخصية ينتهزها المسلم فرصة ليمارس اعتقاده بكل حرية، فحيثيات ومعطيات السياق المعاصر للمسلمين في الغرب أوجبت علينا مراجعة مفاهيمنا الفقهية المرتبطة بسياقاتها؛ خصوصا منها المتعلق بالعلاقة مع الغير أو الآخر المخالف متجاوزين التصنيفات التي لا تخدم في نهاية المطاف مصالح الإسلام والمسلمين في الغرب، وتؤجج نار الأحقاد والصراعات التي تستغل أبشع استغلال من طرف المتطرفين ضد التعايش الإنساني.

إن التطور الذي عرفه سياق العالم الإسلامي من دولة الخلافة إلى الدولة الوطنية يستدعي إجراء تعديلات للمفاهيم الفقهية تلائم مفهوم الدولة وتتجاوز مفهوم الدار الذي يقوم على أساس الحدود الجغرافية، وما ترتب عن هذا التطور من ظهور مفهوم المواطنة الذي هو عبارة عن منظومة من الحقوق والواجبات المدنية، لا تلغي الانتماء العقدي بصفة عامة، ولذلك يمنح الإسلام ببعده الروحي والأخلاقي معاني أشمل للمواطنة تتعالى عن الحدود الجغرافية وتؤمن بإنسانية الإنسان وترسخ مكتسبات الحق والقانون والانتماء المواطني في كل بلد.

إن الواقع والسياق المعاصر يؤكد أن ثمة حاجة ملحة إلى ضرورة مراجعة  المعنى التقليدي للنظر الاجتهادي والتوسيع من دائرة النظر الاجتهادي[7]، وهو الذي حذا بنا في مساهمتنا لمراجعة مفهوم الدار لأنه تترتب عنه أحكام وسلوكيات تسير عكس ما فيه صالح الإسلام والمسلمين، ويكتفي بالانكفاء والتقوقع والانطواء وإقصاء الغير وإلغائه والتعامل معه بكل أشكال العنف الرمزي والمادي. فلنتأمل هاته المفارقة الخطيرة التي تؤثر على مخيال المسلمين. ومنظورهم لغيرهم وهم مقيمون عندهم يزاولون شعائرهم ويتمتعون بكل حقوق المواطنة في البلد المضيف؛ مما ينتج عنه ردود أفعال تتهم دين الإسلام بالغلو والتطرف والعنصرية والإرهاب ومن ثم نكون قد خالفنا قاعدة ذهبية وهي جلب المصلحة ودفع المفسدة، أي جلب مصلحة الإسلام والمسلمين بالغرب ودفع مفسدة الإساءة لديننا الحنيف، ونكون بالتالي غير مواكبين لسياقنا وواقعنا الحالي كما عليه أسلافنا منخرطين في إشكالات عصرهم.

إن تغيير منظورنا للغرب وللآخر يترتب عنه بالضرورة تغيير مفاهيمنا وأحكامنا إزائه، ونكون أكثر إحراجا للمجحفين وأكثر إقناعا للمنصفين.

في العصر الحالي تفتح آفاقُ التعاون ما بين العالم الإسلامي والحضارات العالمية الأخرى خطوطاً عريضة في تاريخ الإنسانية، هذه الآفاق الطموحة مرتبطة بالمؤمنين، بالمحسنين، وبالذين يتضامنون في البحث عن الحقيقة مع الحكمة. نتحدث اليوم عن الآفاق في حيز المحيط الحاضر والقادم في المجتمعات الإسلامية والمجتمعات الغربية[8].

بعض آليات الاجتهاد المتنور

إن الاجتهاد يحتاج إلى حسن التصور للمسائل، وبقدر ما يستطيع المجتهد أن يتخيل المسائل بقدر ما يعلو اجتهاده، ولا يخفى أن التصور المبدع له الآن علوم قائمة بذاتها، وينبغي أن يضاف في أسسه إلى أصول الفقه في عصرنا الحاضر[9].

فمن البديهيات أن النص متناه والواقع غير مُتناه، والأسلاف، رحمهم الله، قد أبدعوا من المعارف والآليات ما يمكنهم من استثمار الدلالات الغنية للنص؛ باعتباره وحيا مؤيدا أتى لهداية الناس في كل زمان ومكان، ابتداء من معارف اللغة العربية إلى المعرفة بالقرآن والسنة وعلومهما إلى المعرفة بعلم المقاصد وعلم الخلاف ومكتسبات العلوم الإنسانية… فالنص ثابت والواقع متغير، والعقل المجتهد المتنور والمستبصر هو القناة التي تصل المتغير بالثابت؛ إذ الإشكال اليوم هو الحاجة الملحة أولا إلى منظور تكاملي للعلوم يصل علوم الوضع بعلوم الشرع يمكن المسلم المعاصر من مهارات الاستدلال وكيفيات استنباط الأحكام والاستنباط هو القياس وما أشبهه[10]، وأدوات التفريع والتخريج ومحاولة صياغة أساليبها المتعددة والمختلفة بطرق معاصرة على منوال ما فعل الأقدمون كالأسنوي في كتاب التمهيد.

قد نتمكن من معرفة آليات الاجتهاد ولكن تعوزنا المكنة من كيفياته. يقول أبو الحسن البصري في المعتمد: “يكون الإنسان من أهل الاجتهاد (…) إذا عرف الأدلة السمعية ومكنه الاستدلال بها”[11]. فالتمكن من الاستدلال هو سر بعث روح الاجتهاد “فالنظر بهذه الصناعة هي مباحث الأدلة وكيفية استعمالها”[12] كما يرى أبو الوليد ابن رشد في مختصر المستصفى، فلا يكفي إذن امتلاك آلات الاجتهاد دون معرفة كيفية الاستفادة والاستدلال وجهات الدلالة، كمن يعرف قواعد النحو ولا يعرف كيف يعرب، وهي التي حاول معالجتها ابن هشام في كتاب مغني اللبيب مثلا.

إن إدراك السياق باعتبار أهميته في فهم المعنى وتعيينه كما يقول التلمساني: “يتعين المعنى ويكون اللفظ نصا فيه بالقرائن والسياق لا من جهة الوضع”[13]، والتمكن من آليات الاجتهاد وكيفياته… يجعل المسلم اليوم متموقعا في عصره واعيا بتحدياته وإشكالاته وضغوطاته مستلهما تجارب الأسلاف الراسخين في العلم، والدين كانوا بحق رجال عصورهم مبدعين ومجتهدين. وأكتفي في سياق هذه المداخلة باستلهام تجربة الصحابي الجليل عمر الفاروق رضي الله عنه، وهو من هو في الشدة والحزم والورع والغيرة على دين الإسلام أن تشوبه شائبة أو يتسرب إليه أي نوع من الاستسهال في العمل به كيف اجتهد وواجه نوازل عصره وتحدياته.

والاجتهاد العمري[14] يعتمد على مقومات متنوعة لكنها متكاملة. أكسبت هذا المنهج خصوبة إبداعية غير مسبوقة وعطاءات اجتهادية متميزة. ويمكن إجمال هذه المقومات الأساسية في ما يلي:

المقوم الأول؛ فهم النصوص التشريعية في إطار مقاصدها وغاياتها وهذا الأساس صلب وصحيح لأنه يَربط النصوص التشريعية بمضامينها وبفهمها في الإطار المراد منها.

المقوم الثاني؛ فهم النصوص في إطار المصالح الجماعية ورعايتها وصيانتها وتقديمها على المصالح الفردية. والشريعة الإسلامية جاءت لدرء المفاسد ودفع الضرر عن الناس ورفع الحرج والضيق عنهم؛ إذ حيثما تحققت المصلحة مصلحة فيجب العمل على جلبها ورعايتها، وحيثما تحققت المفسدة مفسدة فيجب العمل على دفعها وسد أبوابها[15].

المقوم الثالث؛ فهم النصوص في ضوء التطورات الزمانية والمكانية والمستجدات الحياتية والتي هي سنة الله في الكون.

خاتمة

ها نحن اليوم أمام واقع جديد متميز (واقع المسلمين بالغرب) ويتطلب منا اجتهادا خصبا وفعالا على مستوى الخطاب الديني عامة والخطاب الفقهي خاصة للتجاوب مع النصوص الثابتة من جهة، ومع خصوصيات هذا السياق المتغير والجديد ومراعيا المقاصد الشرعية السَّمحة، ومستلهما المنهج العمري الرائد؛ فهذا الاجتهاد تم طرحه للاستلهام، لأنه زودنا بضوابط وموجهات للاجتهاد التشريعي المحكم الخصب والفعَّال في أرض الواقع، ولأن هذا الصحابي الجليل قد راعى تغير السِّياق واعتبر المتغيرات المستجدة في حياة المسلمين في عهده، كما راعى المصالح العامة للمسلمين، وأعطى للنصوص القطعية حيوية وخصوبة اجتهادية لتواكب بتطبيقاتها وأحكامها التغيرات والطوارئ والنوازل من أجل المصلحة العامة، واعتبار المقصد الشرعي ورفع الشدة ورفع الحرج ودفع الضرر عن الناس.

إننا مطالبون اليوم ببناء وصياغة وبلورة تدبير اجتهاد ديني وتشريعي متكامل وشمولي متين في ثوابته، ومتطور في متغيراته، وواقعي في تطبيقاته، وإنساني في آفاقه، ورحيم سمح ويسير في مواصفاته.

الهوامش

—————————————————————————–

1. Musulmans d’occident:Tariq Ramadan, construire et contribuer ;Ed: Tawhid, 2002
2. Ibid. p67.

3. أبو الوليد محمد بن رشد الحفيد، الضروري في أصول الفقه أو مختصر المستصفى، تقديم وتحقيق: جمال الدين العلوي، دار الغرب الإسلامي، ص137.
4. ياسر لطفي العلي، التقسيم الإسلامي للمعمورة.
5. قطب مصطفى سانو، لا إنكار في مسائل الاجتهاد.. رؤية منهجية تحليلية، دار ابن حزم، 2006، ص7.
6. الشيخ فيصل مولوي، الأسس الشرعية للعلاقات بين المسلمين وغير المسلمين، بيروت: دار الرشاد الإسلامية/ لبنان، ص103-105.
7. قطب مصطفى سانو، أدوات النظر الاجتهادي: المنشود في ضوء الواقع المعاصر، دار الفكر المعاصر، 2000، ص185.

8. L’Islam aujourd’hui, Revue périodique de l’organisation islamique pour l’education, les sciences et la culture.ISESCO:

المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة.”إيسيسكو”

9. علي جمعة، آليات الاجتهاد: القاهرة: دار الرسالة،  2004، ص98-99
10. أبو القاسم محمد بن أحمد بن جزي تقريب الوصول إلى علم الأصول، دراسة وتحقيق، عبد الله محمد الجبوري، الأردن: دار النفائس، ص101.
11.  المعتمد ج2، ص357.
12. مختصر المستصفى.
13. مفتاح الوصول ص: 57.
14. محمد فاروق النبهان، المدخل للتشريع الإسلامي، ص117.
15. أحمد الريسوني، نظرية المقاصد عند الإمام  الشاطبي، دار الأمان، 1991، ص347.

الوسوم

د. منير القادري

مدير المركز الأورو متوسطي لدراسة إسلام اليوم/باريس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق