مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةغير مصنف

هل يقال رمضان أو شهر رمضان؟

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد

وعلى آله وصحبه أجمعين

 

 

إنجاز: يوسف أزهار

 

عقد الإمام البخاري بابا في صحيحه سماه: باب هل يقال: رمضان، أو شهر رمضان؟ ومن رأى كله واسعا، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان)، وقال: (لا تقدموا رمضان)، وهو الباب الخامس من كتاب الصوم[1].

وقد تناول كثير من العلماء هذه الترجمة بالشرح، وما مقصد البخاري رحمه الله من إيرادها، فقد قال الحافظ الباجي (ت494هـ): “رأيت القاضي أبا الطيب الطبري قال: يقال: صمت رمضان؛ لأن المعنى معروف فإذا وصف بالمجيء، لا يقال: جاء رمضان حتى يقال: جاء شهر رمضان للإشكال فيه، قال القاضي أبو الوليد: والصواب أن ذلك جائز فقد روي ذلك من غير ما طريق صحيح”[2].

وقال الحافظ النووي (ت676هـ): “إذا دخل رمضان؛ فيه دليل للمذهب الصحيح المختار الذي ذهب إليه البخاري والمحققون: أنه يجوز أن يقال: رمضان من غير ذكر الشهر بلا كراهة، وفي هذه المسألة ثلاثة مذاهب:

قالت طائفة: لا يقال: رمضان على انفراده بحال، وإنما يقال: شهر رمضان، هذا قول أصحاب مالك، وزعم هؤلاء أن رمضان اسم من أسماء الله تعالى، فلا يطلق على غيره إلا بقيد.

وقال أكثر أصحابنا وابن الباقلاني: إن كان هناك قرينة تصرفه إلى الشهر فلا كراهة، وإلا فيكره، قالوا: فيقال: صمنا رمضان، قمنا رمضان، ورمضان أفضل الأشهر، ويندب طلب ليلة القدر في أواخر رمضان، وأشباه ذلك، ولا كراهة في هذا كله، وإنما يكره أن يقال: جاء رمضان، ودخل رمضان، وحضر رمضان، وأحب رمضان، ونحو ذلك.

والمذهب الثالث مذهب البخاري والمحققين: أنه لا كراهة في إطلاق رمضان بقرينة وبغير قرينة وهذا المذهب هو الصواب، والمذهبان الأولان فاسدان؛ لأن الكراهة إنما تثبت بنهي الشرع ولم يثبت فيه نهي”[3].

وقال الحافظ ابن حجر (ت852هـ): “كذا للأكثر على البناء للمجهول،  وللسرخسي والمستملي: هل يقول أي: الإنسان. قوله: ومن رأى كله واسعا؛ أي: جائزا بالإضافة وبغير الإضافة، وللكشميهني: ومن رآه بزيادة الضمير”[4]، وقال أيضا: “وقد يتمسك للتقييد بالشهر بورود القرآن به حيث قال: ﴿شهر رمضان﴾[5]، مع احتمال أن يكون حذف لفظ: شهر من الأحاديث من تصرف الرواة، وكان هذا هو السر في عدم جزم المصنف بالحكم”[6].

إنما كان البخاري أراد بالتبويب المذكور دفع ما رواه أبو معشر نجيح المدني عن سعيد المقبري عن أبي هريرة مرفوعا: (لا تقولوا: رمضان، فإن رمضان اسم من أسماء الله، ولكن قولوا: شهر رمضان).

هذا الحديث أخرجه ابن عدي في الكامل، والبيهقي في السنن الكبرى من كتاب الصيام، باب ما روي في كراهية قول القائل: جاء رمضان: وذهب رمضان، والديلمي في الفردوس بمأثور الخطاب[7].

وهذه أقوال العلماء في الحديث سندا ومتنا، فقد قال الحافظ ابن أبي حاتم (327): “قال أبي: هذا خطأ، إنما هو قول أبي هريرة”[8].

وقال الحافظ ابن عدي (ت365هـ) عن يحيى بن معين: “أبو معشر المديني ضعيف، يكتب من حديثه الرقاق، وكان رجلا أميا يُتقى إذ يروي من حديثه المسند … لا أعلم يروي عن أبي معشر بهذا الإسناد “[9].

وقال الحافظ البيهقي (ت458هـ): “هكذا رواه الحارث بن عبد الله الخازن عن أبي معشر وأبو معشر هو نجيح السندي، ضعفه يحيى بن معين، وكان يحيى القطان لا يحدث عنه، وكان عبد الرحمن بن مهدي يحدث عنه والله أعلم … وروي ذلك عن مجاهد، والحسن البصري، والطريق إليهما ضعيف، وقد احتج محمد بن إسماعيل البخاري في الصحيح في جواز ذلك بالحديث (إذا جاء رمضان)”[10].

وقال العلامة ابن العربي (ت543هـ): “هذا ضعيف سندا ومعنى، أما طريقه فلم يصح، وأما معناه فساقط لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا جاء رمضان، وهذا يدل على أنه اسم من أسماء الشهر”[11].

وقال الحافظ ابن القطان (ت628هـ): “محمد بن أبي معشر لا تعرف له حال، بل لم أجد له ذكرا، غير أني أرى  أبا أحمد يروي عن علي بن سعيد عنه، وعن محمد بن هارون عنه، وعن  شعيب الذارع عنه، ولا ينبغي أن يقبل حديثه حتى تعرف حاله، فأما أبوه فقد وثقه قوم وضعفه آخرون، وإنما يغلِّط أبا محمد في مثل هذا، ذكْرُ أبي أحمد للحديث في باب أبي معشر، فيظن أن ذلك منه تبرئة  لابنه الراوي له عنه ، فاعلم ذلك”[12].

قال الحافظ النووي (ت676هـ): “قولهم: إنه اسم من أسماء الله تعالى ليس بصحيح، ولم يصح في شيء وإن كان قد جاء فيه أثر ضعيف، وأسماء الله تعالى توقيفية لا تطلق إلا بدليل صحيح، ولو ثبت أنه اسم لم يلزم منه كراهة”[13].

ولحديث أبي معشر طرق أخرى، فقد أخرج تمَّام فى الفوائد عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يقولن أحدكم: صمت رمضان، وقمت رمضان، ولا صنعت في رمضان كذا وكذا، فإن رمضان اسم من أسماء الله عز وجل العظام: ولكن قولوا: شهر رمضان، كما قال ربكم عز وجل في كتابه)[14].

وأخرج الديلمي في الفردوس بمأثور الخطاب، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسموا شهر رمضان: رمضان، فإن رمضان اسم من أسماء الله، فانسبوه إليه كما نسبه لكم في القرآن) [15]. 

وأخرج ابن أبي الصقر في مشيخته، عن عائشة قالت: قلت يا رسول الله ما معنى رمضان؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا حميراء لا تقولي: رمضان فإنه اسم من أسماء الله تعالى ولكن قولي شهر رمضان)[16].

وقد احتج البخاري لجواز قول: رمضان من غير ذكر الشهر، بعدة أحاديث ذكرها في الباب، وقد ترجم النسائي لذلك أيضا فقال: “الرخصة في أن يقال لشهر رمضان: رمضان” من كتاب الصيام، ثم أورد حديث أبي بكرة مرفوعا: (لا يقولن أحدكم: صمت رمضان ولا أقمته كله)، وحديث ابن عباس: (إذا كان رمضان فاعتمري فيه؛ فإن عمرة في رمضان تعدل حجة)[17]، فأما الحديث الأول فقد أخرجه ابن خزيمة في صحيحه، وأما الحديث الثاني فقد أخرجه أحمد في مسنده، والبيهقي في كبراه[18].

والحاصل أن ما ذهب إليه البخاري وغيره، هو ما مال إليه أكثر المحدثين في جواز قول: رمضان بدون إضافته للشهر، ومستندهم في ذلك ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما من الأحاديث التي لا يسمح المقام لسردها، لكن أشرت إلى بعضها في المقال.

 ******************

جريدة المراجع

1- بيان الوهم والإيهام في كتاب الأحكام لأبي الحسن علي بن محمد بن عبد الملك ابن القطان الفاسي، تحقيق: الحسين آيت سعيد، دار طيبة، الرياض، الطبعة الأولى: 1418 /1997.

2- السنن الصغرى لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي النسائي، اعتناء: محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الثانية: 1429 /2008.

3- السنن الكبرى لأبي بكر أحمد بن الحسين بن علي الخراساني البيهقي، منشورات مركز البحوث والدراسات العربية والإسلامية بدار هجر، القاهرة، الطبعة الأولى: 1432 /2011.

4- شرح صحيح مسلم لأبي زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي، تحقيق: عصام الصبابطي، حازم محمد، عماد عامر، دار الحديث، القاهرة، الطبعة الرابعة: 1422 /2001.

5- صحيح ابن خزيمة لأبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري، تحقيق: محمد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثالثة: 1424 /2003.

6- الصحيح لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة، بيروت، الطبعة الأولى: 1422، مصورة عن الطبعة الأميرية، بولاق، 1311.

7- علل الحديث لابن أبي حاتم لأبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس الرازي، تحقيق: فريق من الباحثين، مكتبة الملك فهد الوطنية، الرياض، الطبعة الأولى: 1427 /2006.

8- فتح الباري بشرح صحيح البخاري لأبي الفضل أحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني،  مكتبة ابن تيمية، القاهرة، 1429 /2008، مصور عن طبعة بولاق، مصر، 1300.

9- الفردوس بمأثور الخطاب لأبي شجاع شيرويه بن شهردار بن شيرويه الديلمي، تحقيق: السعيد بن بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى: 1406 /1986.

10- الفوائد لأبي القاسم تمام بن محمد الرازي، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى: 1412 /1992.

11- الكامل في ضعفاء الرجال لأبي أحمد عبد الله بن عدي بن عبدالله الجرجاني، تحقيق: يحيى مختار غزاوي، دار الفكر، بيروت، 1404 /1984.

12- لسان الميزان لأبي الفضل أحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني، اعتناء: عبد الفتاح أبو غدة، دار البشائر الإسلامية، بيروت، الطبعة الأولى: 1423 /2002.

13- المسالك في شرح موطأ مالك لأبي بكر محمد بن عبد الله بن العربي المعافري، اعتناء: محمد بن الحسين السُّليماني، عائشة بنت الحسين السُّليماني، دار الغَرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى: 1428 /2007.

14- المسند لأبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، تحقيق: أحمد محمد شاكر، دار الحديث، القاهرة، الطبعة: الأولى: 1416 /1995.

15- مشيخة أبي طاهر ابن أبي الصقر لأبي طاهر محمد بن أحمد بن محمد الأنباري اللخمي، تحقيق: الشريف حاتم بن عارف العوني، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى: 1997.

16- المنتقى شرح الموطأ لأبي الوليد سليمان بن خلف بن سعد الباجي، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة، مصور عن مطبعة السعادة، مصر، الطبعة الأولى: 1332.

*******************

 

هوامش المقال

[1] ) صحيح البخاري (3 /25).

[2] ) المنتقى شرح الموطأ (2 /35).

[3] ) شرح مسلم (4 /201).

[4] ) فتح الباري بشرح صحيح البخاري (4 /96).

[5] ) سورة البقرة، الآية: 185.

[6] ) فتح الباري بشرح صحيح البخاري (4 /96).

[7] ) الكامل في ضعفاء الرجال (7 /2516)، والسنن الكبرى (8 /407)، والفردوس بمأثور الخطاب (5 /52).

[8] ) علل الحديث لابن أبي حاتم (ص: 628).

[9] ) الكامل في ضعفاء الرجال (7 /2516-2517).

[10] ) السنن الكبرى (8 /407-408).

[11] ) المسالِك في شرح مُوَطَّأ مالك (2 /474)، وانظر تخريج حديث: (إذا جاء رمضان) في هامش المحقق رقم: 3.

[12] ) بيان الوهم والإيهام في كتاب الأحكام (3 /234).

[13] ) شرح مسلم (4 /201).

[14] ) الفوائد (1 /104). في سنده: ناشب بن عمرو، قال البخاري: منكر الحديث، وقال الدارقطني: ضعيف. انظر لسان الميزان (3 /244).

[15] ) الفردوس بمأثور الخطاب (5 /25).

[16] ) مشيخة أبي طاهر إبن أبي الصقر (ص: 126). وفيه: “إسناد مظلم، والحديث موضوع”.

[17] ) سنن النسائي (ص: 336-337).

[18] ) صحيح ابن خزيمة (2 /997)، مسند أحمد (2 /490)، السنن الكبرى (9 /266).

راجع المقال الباحث: يوسف أزهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق