مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

هل رمضان اسم من أسماء الله؟

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

إن عظم شهر رمضان ومنزلته عند الله تعالى، قد جاءت الأحاديث الصحيحة الدالة على ذلك، وأغنت عما سواها مما هو مشهور على الألسنة بين الناس مما هو ضعيف، من ذلك: أن رمضان اسم من أسماء الله، بدلالة أربعة أحاديث:

الحديث الأول: عن عائشة رضي الله عنها قالت: «قلت يا رسول الله: ما معنى رمضان؟ فقال رسول الله: يا حميراء لا تقولي: رمضان، فإنه اسم من أسماء الله تعالى، ولكن قولي: شهر رمضان».

هذا الحديث أخرجه: ابن أبي الصقر في مشيخته، رقم الحديث: 52[1]، وأورده السيوطي في: اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة[2].

الحديث الثاني: عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تسموا شهر رمضان: رمضان، فإن رمضان اسم من أسماء الله، فانسبوه إليه كما نسبه لكم في القرآن».

هذا الحديث أخرجه: الديلمي في: الفردوس بمأثور الخطاب، رقم الحديث: 7518[3].

الحديث الثالث: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يقولن أحدكم: صمت رمضان، وقمت رمضان، ولا صنعت في رمضان كذا وكذا، فإن رمضان اسم من أسماء الله عز وجل العظام، ولكن قولوا: شهر رمضان، كما قال ربكم في كتابه».

هذا الحديث أخرجه: تمام الرازي في: الفوائد، رقم الحديث: 241[4]، وابن عساكر في: تاريخ دمشق[5]، وأورده السيوطي في: اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة[6].

الحديث الرابع: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقولوا: رمضان، فإن رمضان اسم من أسماء الله، ولكن قولوا: شهر رمضان».

هذا الحديث أخرجه: ابن عدي في: الكامل[7]، والبيهقي في: السنن الكبرى[8] من كتاب: الصيام، باب: ما روي في كراهية قول القائل جاء رمضان وذهب رمضان، والديلمي في: الفردوس بمأثور الخطاب[9].

وقد ضعفه العلماء، ومنهم من حكم عليه بالوضع، وهذه أقوالهم فيه: قال ابن أبي حاتم (المتوفى سنة: 327هـ): “قال أبي: هذا خطأ، إنما هو قول أبي هريرة”[10].

وقال ابن عدي (المتوفى سنة: 365هـ) عن يحيى بن معين: “أبو معشر المديني ضعيف، يكتب من حديثه الرقاق، وكان رجلا أميا يُتَّقى إذ يروي من حديثه المسند”[11].

وقال البيهقي (المتوفى سنة: 458هـ): “هكذا رواه الحارث بن عبد الله الخازن عن أبي معشر وأبو معشر هو: نجيح السندي، ضعفه يحيى بن معين وكان يحيى القطان لا يحدث عنه وكان عبد الرحمن بن مهدي يحدث عنه والله أعلم … وروي ذلك عن مجاهد والحسن البصري، والطريق إليهما ضعيف، وقد احتج محمد بن إسماعيل البخاري في الصحيح في جواز ذلك بالحديث (إذا جاء رمضان)”[12].

وقال ابن العربي (المتوفى سنة: 543 هـ): “هذا ضعيف سندا ومعنى، أما طريقه فلم يصح، وأما معناه فساقط لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا جاء رمضان، وهذا يدل على أنه اسم من أسماء الشهر”[13].

وقال ابن الجوزي (المتوفى سنة: 597هـ): “هذا حديث موضوع لا أصل له، وأبو معشر اسمه: نجيح، كان يحيى بن سعيد يضعفه، ولا يحدث عنه ويضحك إذا ذكره. وقال يحيى بن معين: إسناده ليس بشيء. قال المصنف: قلت: ولم يذكر أحد في أسماء الله تعالى رمضان، ولا يجوز أن يسمى به إجماعا”[14].

وقال ابن القطان (المتوفى سنة: 628 هـ): “محمد بن أبي معشر لا تعرف له حال، بل لم أجد له ذكرا، غير أني أرى  أبا أحمد يروي عن علي بن سعيد عنه، وعن محمد بن هارون عنه، وعن  شعيب الذارع عنه، ولا ينبغي أن يقبل حديثه حتى تعرف حاله، فأما أبوه فقد وثقه قوم وضعفه آخرون، وإنما يغلِّط أبا محمد في مثل هذا، ذكْرُ أبي أحمد للحديث في باب أبي معشر، فيظن أن ذلك منه تبرئة  لابنه الراوي له عنه ، فاعلم ذلك”[15].

وقال النووي (المتوفى سنة: 676 هـ): “قولهم: إنه اسم من أسماء الله تعالى ليس بصحيح، ولم يصح في شيء، وإن كان قد جاء فيه أثر ضعيف، وأسماء الله تعالى توقيفية لا تطلق إلا بدليل صحيح، ولو ثبت أنه اسم لم يلزم منه كراهة”[16].

ودفعا لحديث أبي معشر الضعيف، وهو الحديث الأول، فقد عقد الإمام البخاري بابا في صحيحه[17]، سماه: “باب هل يقال رمضان أو شهر رمضان؟ ومن رأى كله واسعا، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان) وقال: (لا تقدموا رمضان)”، وهو الباب الخامس من كتاب الصوم.

وقد تناول كثير من العلماء هذه الترجمة بالشرح، ومراد البخاري رحمه الله من هذه الترجمة.

فقد قال الباجي (المتوفى سنة: 494هـ): “رأيت القاضي أبا الطيب الطبري قال: يقال: صمت رمضان؛ لأن المعنى معروف فإذا وصف بالمجيء، لا يقال: جاء رمضان حتى يقال: جاء شهر رمضان للإشكال فيه، قال القاضي أبو الوليد: والصواب أن ذلك جائز فقد روي ذلك من غير ما طريق صحيح”[18].

وقال ابن حجر (المتوفى سنة: 852هـ): “كذا للأكثر على البناء للمجهول، وللسرخسي والمستملى: هل يقول أي: الإنسان. قوله: ومن رأى كله واسعا؛ أي: جائزا بالإضافة وبغير الإضافة، وللكشميهني: ومن رآه بزيادة الضمير”[19].

وقال أيضا: “وقد يتمسك للتقييد بالشهر بورود القرآن به حيث قال: ﴿شهر رمضان﴾[20]، مع احتمال أن يكون حذف لفظ: شهر من الأحاديث من تصرف الرواة، وكان هذا هو السر في عدم جزم المصنف بالحكم”[21].

وقد اعترض ابن حجر عن سبب ترجمة البخاري التي عقدها: “باب هل يقال رمضان أو شهر رمضان؟”، فجاء ما نصه: “قال (ح): أشار البخاري بهذه الترجمة إلى حديث ضعيف أخرجه ابن عدي من طريق أبي معشر في المقبري عن أبي هريرة رفعه: (لا تقولوا رمضان فإن رمضان اسم من أسماء الله تعالى، ولكن قولوا: شهر رمضان).

قال (ع): هذا عجيب؛ لأن لفظ الترجمة من أين تدل على هذا، ومن قال: إن البخاري اطلع على هذا الحديث حتى يرده بهذه الترجمة”[22].

ومحصل الكلام: أن رمضان اسم من أسماء الله تعالى ليس بصحيح، استنادا للحديث المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ضعيف، ولم يصح في ذلك شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ذلك أن أسماء الله تعالى توقيفية، لا تطلق إلا بدليل صحيح.

*********************

هوامش المقال:

[1] ) مشيخة أبي طاهر ابن أبي الصقر ص: 126.

[2] ) اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة 2 /98.

[3] ) الفردوس بمأثور الخطاب 5 /25.

[4] ) الفوائد 1/ 104.

[5] ) تاريخ مدينة دمشق 72 /144.

[6] ) اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة 2 /97-98.

[7] ) الكامل في ضعفاء الرجال 7 /2517.

[8] ) السنن الكبرى 8 /407.

[9] ) الفردوس بمأثور الخطاب 5 /52.

[10] ) العلل لابن أبي حاتم ص: 628.

[11] ) الكامل في ضعفاء الرجال 7 /2516.

[12] ) السنن الكبرى 8/ 407-408.

[13] ) المسالِك في شرح مُوَطَّأ مالك 2 /474، وانظر تخريج حديث: (إذا جاء رمضان) في هامش المحقق رقم: 3.

[14] ) الموضوعات 2/187.

[15] ) بيان الوهم والإيهام في كتاب الأحكام 3/ 234.

[16] ) المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج 7 /188.

[17] ) صحيح البخاري 3 /25.

[18] ) المنتقى شرح الموطأ 2/ 35.

[19] ) فتح الباري بشرح صحيح البخاري 4 /96.

[20] ) سورة البقرة، الآية: 185.

[21] ) فتح الباري بشرح صحيح البخاري (4 /96).

[22] ) انتقاض الاعتراض في الرد على العيني في شرح البخاري 2 /45.

****************

المراجع

انتقاض الاعتراض في الرد على العيني في شرح البخاري لأحمد بن علي ابن حجر العسقلاني، تحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي،صبحي بن جاسم السامرائي، مكتبة الرشد، الرياض- السعودية، الطبعة الأولى: 1413 /1993.

بيان الوهم والإيهام في كتاب الأحكام لعلي بن محمد بن عبد الملك ابن القطان الفاسي، تحقيق: الحسين آيت سعيد، دار طيبة، الرياض، الطبعة الأولى: 1418/ 1997.

تاريخ مدينة دمشق لعلي بن الحسن بن هبة الله ابن عساكر، تحقيق: عمرو بن غرامة العمروي، دار الفكر، بيروت- لبنان، 1415/ 1995.

السنن الصغرى لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي النسائي، تحقيق: اعتناء: محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الثانية: 1429 /2008.

السنن الكبرى لأحمد بن الحسين بن علي الخراساني البيهقي، منشورات مركز البحوث والدراسات العربية والإسلامية بدار هجر، القاهرة، الطبعة الأولى: 1432 2011.

الصحيح لمحمد بن إسماعيل البخاري، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة، بيروت، الطبعة الأولى: 1422، مصورة عن الطبعة الأميرية، بولاق، 1311.

العلل لابن أبي حاتم لعبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس الرازي، تحقيق: فريق من الباحثين، مكتبة الملك فهد الوطنية، الرياض، الطبعة الأولى: 1427 /2006.

فتح الباري بشرح صحيح البخاري لأحمد بن علي ابن حجر العسقلاني، المطبعة الكبرى الأميرية، بولاق- مصر، الطبعة الأولى: 1300.

الفردوس بمأثور الخطاب لشيرويه بن شهردار بن شيرويه الديلمي، تحقيق: السعيد بن بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى: 1406/ 1986.

الفوائد لتمام بن محمد الرازي، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى: 1412 /1992.

الكامل في ضعفاء الرجال لعبد الله بن عدي بن عبدالله الجرجاني، دار الفكر، بيروت، 1404 /1984.

اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة لعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، دار المعرفة، بيروت- لبنان، (د-ت).

المسالك في شرح موطأ مالك لمحمد بن عبد الله بن العربي المعافري، اعتناء: محمد بن الحسين السُّليماني، عائشة بنت الحسين السُّليماني، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى: 1428 /2007.

المسند لأحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، تحقيق: أحمد محمد شاكر، دار الحديث، القاهرة، الطبعة: الأولى: 1416 /1995.

مشيخة أبي طاهر ابن أبي الصقر لمحمد بن أحمد بن محمد ابن مفلح اللخمي، تحقيق: الشريف حاتم بن عارف العوني، مكتبة الرشد، الرياض- السعودية، الطبعة الأولى: 1418 /1997.

المنتقى شرح الموطأ لسليمان بن خلف بن سعد الباجي، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة، مصور عن مطبعة السعادة، مصر، الطبعة الأولى: 1332.

المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج ليحيى بن شرف بن مري النووي، دار إحياء التراث العربي، بيروت- لبنان، الطبعة الثانية: 1392.

الموضوعات لعبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي، تحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان، المكتبة السلفية، المدينة المنورة- السعودية، الطبعة الأولى:1386/ 1966- 1388/ 1968.

Science

يوسف أزهار

  • باحث بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسير ة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق