مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكمعالم

نموذج من استخدام الشفرات السرية في الأندلس والمغرب العربي (حساب القلم الفاسي)

في القرن السابع الهجري بدأت المصادر العربية تتناقل طريقة سرية في كتابة الأرقام بحيث لا يفهمها إلا فئات محدد من آحاد العلماء، اشتهرت فيما بعد باسم “القلم الفاسي”، نسبة إلى مدينة فاس المعروف، ونسبت إليها لكثرة استخدامها بين علماء فاس.

والقلم الفاسي طريقة مُبتكَرة تَعتمد على وضع رموز خاصة للأرقام الآحاد والعشرات والمئات وآحاد الآلاف وما فوقها، إلى ما لا نهاية له، وهذه الطريقة في الأساس اخترعها العلماء في بلاد المغرب الأقصى بقصد التعمية والإلغاز، والتعمية عُرفت في التراث الإسلامي والمقصود بها “تحويل نص واضح إلى نص غير مفهوم باستعمال طريقة محددة، يستطيع مَن يعرفها أن يعود ويفهم النص”..

واستخدم الفاسيون تلك الطريقة – في المقام الأول – في تقييد التَّرِكات، بغرض مَنْع التَّلاعب والتزوير فيها.

هذه نماذج من مقال للأستاذ محمد الفاسي بمجلة مجمع اللغة العربية المصري بعنوان « حساب القلم الفاسي » صورةً من وثيقة تقسيم تَرِكة كُتبت بالقلم الفاسي.

ولئن كان القلم الفاسي قد اشتُهر وارتبط بتقييد التركات وما يُخشى وقوع التزوير فيه، فإن استخدامه لم يكن مقتصرًا على تلك الوثائق، بل استخدمه العلماء والنُّسَّاخ في تأريخ المخطوطات، ومثال لذلك كتاب «طبقات الأطباء » لابن جُلجُل (ت بعد 377هـ) الذي نشره الأستاذ فؤاد سيد كانت نُسْخته مؤرَّخة بحساب القلم الفاسي، وقد استعان بالعلامة حسن حسني عبد الوهاب (ت 1388هـ/1968م) لحلِّ تعميتها.

أيضا من المخطوطات المؤرّخة به:

– نسخة كتاب الشفا للقاضي عياض المحفوظة بخزانة القرويين برقم (1865)،فقد أُرِّخت بحساب القلم الفاسي في سنة (1144هـ).

– نسخة فيها المجلدة الثانية من « كتاب الأفعال » لمؤلِّف غير معروف برقم (1242) في الخزانة نفسها، وهي مؤرخة سنة (449هـ)، وعليها تحبيسُ السلطان سيدي محمد بن عبدالله العلوي في سنة (1175هـ)، وقد كُتب تاريخ التحبيس بالقلم الفاسي.

ولم يتوقفْ استخدام القلم الفاسي عند ذلك، بل ربّما استُخدم في تعمية الرسائل السرية على المستوى الدبلوماسي والعسكري (في بلاد المغرب)، وقد رَجَّح الدكتور عبدالهادي التَّازي أن يكون هذا الاستخدام قد بدأ في (رجب1322هـ = سبتمبر 1904م) أو قبل ذلك، ثم أعيد استخدامه في ذلك التاريخ [ « تقديم مخطوطة مغربية حول المراسلات بواسطة الأرقام العربية »،  مقال بمجلة مجمع اللغة العربية المصري (51/196).].

أما استخدام القلم الفاسي للمرة الأولى فيمكن الجزم بأن ذلك كان قبل عام (669هـ) وهي سنة وفاة الصُّوفي المعروف أبي محمد عبدالحق بن إبراهيم بن محمد بن نصر الأندلسي، الشهير بابن سَبْعِين، فقد ذكر المقَّري في ترجمته لهذاالأخير نقلًا عن الشَّريف الغَرْناطي – أن ابن سَبْعِين « كان يكتب عن نفسه:

ابن

 يعني الدارة التي هي كالصفر، وهي في بعض طُرق المغاربة في حسابهم سبعون؛ وشُهِر لذلك بابن دارةَ – ضَمّن فيه البيت المشهور:

… … … … …       محا السَّيفُ ما قال ابنُ دارَةَ أجْمَعا» اهـ([1])

والظاهر أن ابن سَبْعِين كان يُعجبه التفنُّن في ذكر اسمه ونسبه، فقد ذكر في آخر كتابه «الإحاطة» ما نصّه: «هذا تقييد قيل فيه الحق، وظهر فيه الحق، وأملاه عبد الحق، وبالضرورة أن الفرع محمولٌ على الشجرة، وبالاتفاق قامت شُهرة الواضع من ضرب سبعة في عشرة»، و(7×10)، إشارة إلى شُهرته بابن سَبْعِين.

وقد نقل د. قاسم السامرائي عن بعض المستشرقين أن الأرقام الفاسية استُخدمت في الأندلس في القرنين السادس والسابع للهجرة، فإن صحَّ ذلك فيكون القرن السادس أقدم تاريخ لاستخدام الحساب الفاسي.

وقد ألَّف العلماء مؤلَّفات خاصة في هذا القلم نظمًا ونثرًا، من ذلك:

– « الاقتضاب من العمل بالرُّومي في الحساب »، لابن البَنَّاء المراكشي (‏ت‏721‏ هـ). منه نسخة في الخزانة العامة بالرباط تحت رقم [ق416]، ضمن مجموع، من ( ص: 425 – 432). وأخرى بخزانة ابن يوسف بمراكش تحت رقم 2/478، ضمن مجموع.

– « رَشْم الزِّمام »،  لعبد الرحمن بن محمد الفاسي الشهير بابن العربي. منه نسخة في خزانة ابن يوسف بمراكش تحت رقم 2/478، ضمن مجموع.

– « وجوه قريبة في الحساب والزِّمام »، لمؤلف غير معروف، منه نسخة في خزانة ابن يوسف بمراكش تحت رقم 2/478، ضمن مجموع.

– « كتاب فيه رَشْم الزِّمام وشرحه »، لمؤلِّف غير معروف، منه نسخة في خزانة ابن يوسف بمراكش تحت رقم 2/478، ضمن مجموع.

– « صور القلم الرُّومي وأعماله ومبدأ صورة آحاده »، لمحمد بن أحمد ابن محمد الصَّبّاغ (ت1076هـ)، منه نسخة في الخزانة الملكية بالمغرب برقم (11/12032)، ضمن مجموع.

والقلم الفاسي يُعرف أيضًا بِرَشْم الزِّمام، وبالقلم الرُّومي.

– أما « إرشاد المتعلِّم والنَّاسي في صِفة أشكال القلم الفاسي »،  لأحمد ابن العياشي سْكِيرج (ت1363هـ)، وهو شرح منظومة عبد القادر الفاسي (ت1091هـ) فسيأتي الكلام عنه بعد أسطر.

وإن كان القلم الفاسي لم يكن يستخدمه – يوم كان يُستخدم – إلا القُضاة والعُدول، فمع مرور الوقت وقلّة مستخدميه لم يَعد يعرفُه أحدٌ، إلا الواحد بعد الواحد من أهل العلم، يقول الأستاذ محمد الفاسي: « هذا، وإن القلم الفاسي لم يبقَ أحدٌ يَعرفه من عُدول فاس وقُضاتِها، وفي الماضي كان كل مَن يدلي برسم عَدْلي لدى أحد القُضاة يبدأ هذا الأخير بالتعريف بالعدلَيْن الموقِّعَيْن عليه، وبالقاضي الذي جعل عليه علامته، ثم يَنظر في أشكال القلم الفاسي ويُصدِّق على الكلِّ بما يُسمَّى «الإكمال»، أي: يجعل الوثيقة معمولا بها».

وصرَّح من قبله الشيخ أحمد سْكِيرج أن القلم الفاسي «قليل الدوران بين العدول المتقدِّمين، ولا يَعرفه غالبًا إلا مَن له ممارسة وبحث واعتناء بالأمور»، وقد قال ذلك في سنة (1316هـ)، وهي السنة التي ألَّف فيها «إرشاد المتعلِّم والنَّاسيفي صفة أشكال القلم الفاسي».

نماذج رموز القلم الفاسي

رموز الآحاد 

رموز العشرات

رموز المئات

رموز آحاد الآلاف

ويُلاحظ أنها رموز الآحاد هي هي، مع إضافة خط صغير تحت الرمز

رموز عشرات الآلاف

ويُلاحظ أنها رموز العشرات هي هي، مع إضافة خط صغير تحت الرمز

رموز مئات الآلاف

ويُلاحظ أنها رموز المئات هي هي، مع إضافة خط صغير تحت الرمز

  • وكلما أردنا أن نزيد في الأعداد زِدنا خطًّا تحت الرمز، فإن أردنا آحاد الملايين (أي: ألف ألف، وألفي ألف،. .. إلخ)، استخدمنا رموز آحاد الآلاف مع زيادة خط تحتها، هكذا: 
  • وإن أردنا عشرات الملايين (أي: عشرة آلاف ألف، وعشرون ألف ألف،. .. إلخ)، استخدمنا رموز عشرات الآلاف مع زيادة خط تحتها، هكذا:
  • وإن أردنا مئات الملايين (أي: مئة ألف ألف، ومئتي ألف ألف،. .. إلخ)، استخدمنا رموز مئات الآلاف مع زيادة خط تحتها، هكذا:

رموز الكسور

ويُلاحظ أنها رموز الآحاد نفسها مع إضافة خط معقوف لأسفل، بأسفل يسار الرمز.

رمز الصفر

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الهوامش:


[1]–  نفح الطيب (2/196)، والدارة في حساب القلم الفاسي ترمز إلى سبعين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق