مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةدراسات عامة

نفي التساوي في القرآن الكريم من خلال بعض النماذج [الحلقة الثالثة]

نماذج في نفي التسوية بين المسلمين والكافرين في القرآن الكريم:

ومنها نفي التسوية بين حال المسلمين وحال المجرمين نحو قوله تعالى: «أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ  مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ». [القلم: 36]، وقد نفى سبحانه وتعالى المساواة بين حال المسلمين الذين آمنوا به وأسلموا وجوههم له، وحال المجرمين الذين كفروا به وأجرموا في حقه.

وفاء التفريع تقتضي أن هذا الكلام متفرع على ما قبله من استحقاق المتقين جنات النعيم، ومقابلته بتهديد المشركين بعذاب الدّنيا والآخرة، ولكن ذلك غير مصرح فيه بما يناسب أن يتفرع عليه هذا الإنكار والتوبيخ فتعيَّن تقدير إنكار من المعرض بهم ليتوجه إليهم هذا الاستفهام المفرع، الاستفهام وما بعده من التوبيخ، والتخطئة، والتهكم على إدلالهم الكاذب، مؤذن بأن ما أنكر عليهم ووبخوا عليه وسُفهوا على اعتقاده كان حديثاً قد جرى في نواديهم أو استسخروا به على المسلمين في معرض جحود أن يكون بَعث، وفرضهم أنه على تقدير وقوع البعث والجزاء لا يكون للمسلمين مزية وفضل عند وقوعه .[1].

وقد نبه سبحانه وتعالى في هذه الآيات على نفي جميع ما يمكن أن يتعلقوا به في تحقيق دعواهم؛ حيث نبه جل شأنه على نفي الدليل العقلي بقوله تعالى: «مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُون» [القلم: 36]، وعلى نفي الدليل النقلي بقوله سبحانه: «أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ». [القلم: 37]، وعلى نفي أن يكون الله تعالى وعدهم بذلك ووعد الكريم دين بقوله سبحانه: «أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا» [القلم:39]، وعلى نفي التقليد الذي هو أوهن من حبال القمر بقوله عز وجل: «أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء» [القلم:41] وقيل المعنى أم لهم آلهة عدوها شركاء في الألوهية تجعلهم كالمسلمين في الآخرة.[2].

وأما الهمزة في «أفنجعل» للاستفهام الإِنكاري، فرع إنكار التساوي بين المسلمين والكافرين على ما سبق من اختلاف جزاء الفريقين فالإِنكار متسلط على ما دار بين المشركين من القول عند نزول الآية السابقة أو عند نزول ما سبقها من آي القرآن التي قابلت بين جزاء المؤمنين وجزاء المشركين كما يقتضيه صريحاً قوله : « مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ».

وإنكار جعل الفريقين متشابهين كناية عن إعطاء المسلمين جزاء الخير في الآخرة وحرمان المشركين منه، لأن نفي التساوي وارد في معنى التضاد في الخير والشر في القرآن وكلام العرب قال تعالى: «أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لاَّ يَسْتَوُون» [السجدة : 18]، وقال: «لاَ يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ» [الحشر: 20]، وقال: «أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّار» [سورة ص: 28].[3].

وقوله: «أفنجعل المسلمين كالمجرمين» كلام موجه إلى المشركين وهم المقصود بـ «المجرمين»،  عُبر عنهم بطريق الإِظهار دون ضمير الخطاب لما في وصف «المجرمين» من المقابلة ليكون في الوصفين إيماء إلى سبب نفي المماثلة بين الفريقين، والمعنى: لا تحكمون أنكم مساوون للمسلمين في جزاء الآخرة أو مفضلون عليهم. وفي هذه الآية لون من ألوان البديع هو الطباق بين المسلمين والمجرمين.

ومن أمثلته كذلك  نفي المساواة بين حال المؤمنين العاملين للصالحات وحال المفسدين في الأرض، وبين حال المتقين وحال الفجار، وهو ما قاله تعالى في سورة (ص): «أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ» [ص: 28]، وقد نفى الله المساواة بين حال الذين آمنوا به وبرسوله (ص) وبما جاء في كتابه، وعملوا صالحا في الحياة الدنيا، وحال الذين أفسدوا في الأرض بمعتقداتهم وأفعالهم، كما نفى المساواة بين حال من كان شعارهم التقوى في طاعته والإيمان به، وحال من كان شعارهم الفجور في معصيته والكفر به.

ويذكر الزمخشري أنَّ «أَمْ» منقطعة[4]،  أفادت إضراباً انتقالياً وهو ارتقاء في الاستدلال على ثبوت البعث وبيان لما هو من مقتضى خلق السماء والأرض بالحق، بعد أن سيق ذلك بوجه الاستدلال الجُمليّ، وقد كان هذا الانتقال بناء على ما اقتضاه قوله: «ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا» [سورة ص: 27] فلأجل ذلك بني على استفهام مقدر بعد «أم»  وهو من لوازم استعمالها، وهو استفهام إنكاري. والمعنى: لو انتفى البعث والجزاء كما تزعمون لاستوت عند الله أحوال الصالحين وأحوال المفسدين. [5].

والهمزة لإنكار التسوية بين الفريقين ونفيها على أبلغ وجه وآكده، وبل للإضراب الانتقالي من تقرير أمر البعث والحساب بما مر من نفي خلق العالم باطلا إلى تقريره وتحقيقه بإنكار التسوية بين الفريقين، أي بل أنجعل المؤمنين المصلحين كالكفرة المفسدين في الأرض التي جعلت مقرا لهم كما يقتضيه عدم البعث وما يترتب عليه من الجزاء، لاستواء الفريقين في التمتع في الحياة الدنيا بل أكثر الكفرة أوفر حظا منها من أكثر المؤمنين، لكن ذلك الجعل محال مخالف للحكمة فتعين البعث والجزاء حتما لرفع الأولين إلى أعلى عليين ورد الآخرين إلى أسفل سافلين.[6].

والتشبيه في قوله: «كالمُفْسِدِينَ» للتسوية، والمعنى: إنكار أن يكونوا سواء في جعل الله، أي إذا لم يُجاز كل فريق بما يستحقه على عمله، فالمشاهد في هذه الحياة الدنيا خلاف ذلك فتعين أن يكون الجزاء في عالم آخر وهو الذي يسلك له الناس بعد البعث. وقد أُخذ في الاستدلال جانبُ المساواة بين الذين آمنوا وعملوا الصالحات وبين المفسدين في الأرض، لأنه يوجد كثير من الفريقين متساوِينَ في حالة الحياة الدنيا في النعمة أو في التوسط أو في البؤس والخصاصة، فحالة المساواة كافية لتكون مناط الاستدلال على إبطال ظن الذين كفروا بقطع النظر عن حالة أخرى أولى بالدلالة، وهي المقابلة بين فريق المفسدين أولي النعمة وفريق الصالحين أولي البؤس، وعن حالة دون ذلك وهي فريق المفسدين أصحاب البؤس والخصاصة وفريق الصالحين أولي النعمة لأنها لا تسترعي خاطر الناظر.[7]، و «أم» الثانية منقطعة أيضاً ومفادها إضراب انتقال ثان للارتقاء في الاستدلال على أن الحكمة الربانية بمراعاة الحق وانتفاع الباطل في الخلق تقتضي الجزاء والبعثَ لأجله، ومعنى الاستفهام الذي تقتضيه «أم» الثانية: الإِنكار كالذي اقتضته «أم» الأولى. وهذا الارتقاء في الاستدلال لقصد زيادة التشنيع على منكري البعث والجزاء بأن ظنهم ذلك يقتضي أن جعل الله المتقين مُساوين للفجّار في أحوال وجود الفريقين، وتقريره مِثلَ ما قُرّر به الاستدلال الأول.

ونفي المساواة بين الفريقين، هو كناية عن مجازاة المسلمين خيرا في الآخرة، وحرمان الكافرين منه، ومن المحسنات البديعية التي اشتملت عليها الآية هي المقابلة بين المؤمنين والمفسدين في الأرض، والمتقين والفجار.

ومن أمثلته نفي المساواة بين حال من وعده الله الوعد الحق في الآخرة وحال من متعه في الحياة الدنيا، نحو قوله تعالى: «أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ» [القصص: 61]، وقد نفى الله تعالى المساواة بين حال من وعده الله حسن الثواب الدائم في الآخرة وحال من متعهم من الكافرين بحطام الدنيا الزائل، ثم هو يوم القيامة  من المجازين على أعمالهم في العذاب.

 ومعنى الفاء الأولى ترتيب إنكار التشابه بين أهل الدنيا وأهل الآخرة على ما قبلها من ظهور التفاوت بين متاع الحياة الدنيا وما عند الله تعالى؛ أي أبعد هذا التفاوت الظاهر يسوي بين الفريقين وقوله تعالى: «ثم هو يوم القيامة من المحضرين» عطف على متعناه داخل معه في حيز الصلة مؤكد لإنكار التشابه مقوله كأنه قيل كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم نحضره أو أحضرناه يوم القيامة للنار أو العذاب، وغلب لفظ المحضر في المحضر لذلك والعدول إلى الجملة الإسمية قيل للدلالة على التحقق حتما.[8].

وأما «مَن» الأولى فتفيد الذين وعدهم الله الوعد الحسن وهم المؤمنون، و«مَن» الثانية فتفيد جمع الكافرين. والاستفهام مستعمل في إنكار المشابهة والمماثلة التي أفادها كاف التشبيه؛ فالمعنى أن الفريقين ليسوا سواء إذ لا يستوي أهل نعيم عاجل زائل وأهل نعيم آجل خالد، وجملة «فهو لاقيه»  معترضة لبيان أنه وعد محقق، والفاء للتسبب.[9].

ومن أمثلته أيضا نفي المساواة بين حال من أنار الله بصيرته وأسلم بعد الكفر وحال من بقي في ظلمات الكفرقوله جلا وعلا: «أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِى النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ» [الأنعام: 122]، ففي الآية نفى الله المساواة بين حال من كان ضالا فهداه الله إلى الإيمان، وأنار بصيرته بنور الإسلام والقرآن وبين حال من استقر في ظلمات الكفر لا يفارقها.

فالواو في قوله  «أو من كان ميتاً»  عاطفة لجملة الاستفهام على جملة: « وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُون » [الأنعام : 121] لتضمّن قوله: «وإن أطعتموهم»  أنّ المجادلة، المذكورة من قَبْلُ، مجادلة في الدّين: بتحسين أحوال أهل الشّرك وتقبيح أحكام الإسلام الّتي منها: تحريم الميتة، وتحريم ما ذُكر اسم غير الله عليه. فلمّا حَذر الله المسلمين من دسائس أولياء الشّياطين ومجادلتهم بقوله : ( «وإن أطعتموهم إنَّكم لمشركون» [الأنعام: 121] أعقَب ذلك بتفظيع حال المشركين، ووصَفَ حسن حالة المسلمين حين فارقوا الشّرك، فجاء بتمثيلين للحالتين، ونفَى مساواة إحداهما للأخرى: تنبيها على سوء أحوال أهل الشّرك وحسنِ حال أهل الإسلام.[10].

وقد ضمت الآية استعارات ما بين الموت للضلال، والحياة للهداية، والنور للإسلام، والظلمات للكفر.

 والهمزة للاستفهام المستعمل في إنكار تَماثل الحالتين: فالحالة الأولى: حالة الّذين أسلموا بعد أن كانوا مشركين، وهي المشبّهة بحال مَن كان ميّتاً مودَعاً في ظلمات، فصار حيّاً في نورٍ واضح، وسار في الطّريق الموصّلة للمطلوب بين النّاس، والحالة الثّانية: حالةُ المشرك وهي المشبّهة بحالة من هو في الظلمات ليس بخارج منها، لأنَّه في ظلمات.

ويرى الشيخ الطاهر ابن عاشور أن نفي المشابهة هنا معناه نفي المساواة، ونفي المساواة كناية عن تفضيل إحدى الحالتين على الأخرى تفضيلاً لا يلتبس، فذلك معنى نفي المشابهة كقوله: «قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ»  [الرعد: 16] وقوله:  «أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لاَّ يَسْتَوُون» [السجدة : 18] . والكاف في قوله: « كمن مثله في الظلمات»  كاف التّشبيه، وهو تشبيه منفي بالاستفهام الإنكاري [11]، ويشير صاحب الطراز إلى أن «الإحياء، والإماتة، هنا مجاز فى العلم والجهل، وأن المقصود من الآية، تفاوت ما بين الحالتين، بين من أحياه الله تعالى بالعلم، وبين من أماته الله تعالى بالجهل، كما أن من كان فى الظلمة ليس حاله كحال من هو فى النور، يتصرف ويتقلب».[12].

ومن أمثلته نفي المساواة بين حال المؤمن وحال الفاسق قوله تعالى: «أَفمَنَ كَانَ مُؤْمِنا كَمَنَ كَانَ فَاسِقًا لاَّ يسْتَوُونَ» [السجدة: 18]، وقد نفى الله المساواة في الآخرة بين حال المسلم  وحال الفاسق.

يقول تعالى ذكره: أفهذا الكافر المكذّب بوعد الله ووعيده، المخالف أمر الله ونهيه، كهذا المؤمن بالله، والمصدّق بوعده ووعيد، المطيع له في أمره ونهيه، كلا لا يستوون عند الله يقول: لا يعتدل الكفَّار بالله، والمؤمنون به عنده، فيما هو فاعل بهم يوم القيامة. وقال: «لا يَسْتَوُونَ» فجمع، وإنما ذكر قبل ذلك اثنين: مؤمنا وفاسقا؛ لأنه لم يرد بالمؤمن: مؤمنا واحدا، وبالفاسق: فاسقا واحدا، وإنما أريد به جميع الفسَّاق، وجميع المؤمنين بالله[13]. وأفمن استفهام بالهمزة مستعمل في إنكار المساواة بين المؤمن والكافر كما يشير إلى ذلك الشيخ الطاهر ابن عاشور، وهو إنكار بتنزيل السامع منزلة المتعجب من الفرق بين جزاء الفريقين في ذلك اليوم فكان الإنكار موجها إلى ذلك التعجب في معنى الاستئناف البياني[14].

ومن أمثلته نفي المساواة بين حال الذين آمنوا وعملوا الصالحات وحال من اكتسبوا السيئات نحو قوله تعالى:« أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُواْ السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ» [الجاثية:21] ففي الآية نفى الله المساواة بين حال الكافرين الذين اكتسبوا السيئات وحال المؤمنين الذين عملوا الصالحات في الحياة أو بعد الممات.

فحرف « أم»  للإضراب الانتقالي، والاستفهام الذي يلزم تقديره بعد «أمْ»  استفهام إنكاري، والتقدير: لا يحسب الذين اجترحوا السيئات أنهم كالذين آمنوا لا في الحياة وفي في الممات. و«الذين اجترحوا السيئات»  في نقل عن ابن عباس: أنهم المشركون وإنما عبر عنهم بذلك لما في الصلة من تعليل إنكار المشابهة والمساواة بينهم، وبين الذين آمنوا وعملوا الصالحات عند الله في عالم الخلد، ولأن اكتساب السيئات من شعار أهل الشرك إذ ليس لهم دين وازع يزعهم عن السيئات ولا هم مؤمنون بالبعث والجزاء، فيكون إيمانهم به مرغباً في الجزاء، ولذلك كثُر في القرآن الكناية عن المشركين بالتلبس بالسيئات كقوله: «وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِين» إلى قوله: «أَلاَ يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُون لِيَوْمٍ عَظِيم» [المطففين: 1 -5 ].[15].

ويرى الطاهر ابن عاشور أن ظاهر تركيب الآية في قوله: «سواء محياهم ومماتهم»  داخل في الحسبان المنكور فيكون المعنى: إنكار أن يستوي المشركون مع المؤمنين لا في الحياة ولا بعد الممات، فكما خالف الله بين حالَيْهم في الحياة الدنيا فجعل فريقاً كفرة مسيئين وفريقاً مؤمنين محسنين، فكذلك سيخالف بين حاليهم في الممات فيموت المشركون على اليأس من رحمة الله إذ لا يوقنون بالبعث ويلاقون بعد الممات هول ما توعدهم الله به، ويموت المؤمنون رجاء رحمة الله والبشرى بما وُعدوا به ويلاقون بعد الممات ثواب الله ورضوانه [16]. وقد طابق في الآية بين محياهم ومماتهم، والسيئات والصالحات.

وختاما وكما أسلفنا كانت هذه بعض من نماذج نفي التساوي في القرآن الكريم، فالنفي يؤتى به لنقض فكرة وإنكارها، وتستخدم فيه أدوات للدلالة عليه وذلك ما لمسناه في آيات القرآن الكريم التي عرضنابعضا منها في هذا المقال، بالإضافة إلى الاعتماد على أساليب؛ كأسلوب الاستفهام الإنكاري الذي هو أداة نفي المساواة بين حال المسلمين وحال الكافرين على سبيل المثال، وذلك لما« في الإستفهام  من توضيح الحكم وتأكيده، ما ليس في الخبر التقريرىّ، الذي يجىء بالحكم صريحا مواجها، يلقى به إلقاء، على سبيل الإلزام والتحكم!.ففى الأسلوب الاستفهامى، دعوة إلى العقل أن ينظر في هذه القضية، وأن يشارك في الحكم المناسب لها، وفي البحث عن الحيثيات التي تدعم هذا الحكم وتسنده، «أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً؟». هذه هى القضية، فماذا يؤدّى إليه النظر فيها؟ ولأي طرفي الخصومة فيها يحكم العقل؟أهما على سواء، فلا فاضل ولا مفضول؟ ذلك بعيد، إذ لو كانا على حال واحدة من جميع الوجوه، لكانا شيئا واحدا، ولم يكونا شيئين متقابلين، وإذ كان الأمر كذلك، فهما غير متساويين، هذه بديهة لا تحتاج إلى كثير من النظر، ولهذا جاء قوله تعالى: «لا يَسْتَوُونَ» جوابا مطلقا، على هذه البديهة إنهما غير متساويين، هذا ما لا سبيل إلى المماراة أو الخلاف فيه»[17].

فالنص القرآني نص مقدس ليس بمقدور أي كان بيانه، والدليل قوله تعالى: «وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ».[آل عمران: 7].

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

[1] التحرير والتنوير، 29/91.

[2] روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني الألوسي، 15/39 .

[3] التحريرو التنوير، 29/92.

[4] الكشاف، 4/90.

[5] التحرير والتنوير، 23/249.

[6] روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، 12/181.

[7] التحرير والتنوير، 23/249-250.

[8] روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، 20/402.

[9] التحرير والتنوير، 20/155.

[10] التحرير والتنوير، 8/43.

[11] التحرير والتنوير، 8/44.

[12] الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز، يحيى بن حمزة بن علي بن إبراهيم، الحسيني العلويّ الطالبي الملقب بالمؤيد باللَّه  3/184.

[13] جامع البيان في تأويل القرآن، محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري،20/187 .

[14] التحرير والتنوير، 21/231.

[15] التحرير والتنوير،25/351-352.

[16] التحرير والتنوير، 25/353.

[17] التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم يونس الخطيب، 11/621-622.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق