مركز الدراسات والبحوث في الفقه المالكيغير مصنف

نظم الدر في اختصار المدونة

نظم الدر في اختصار المدونة

لعبد الله بن عبد الرحمن بن عمر الشارمساحي أبي محمد المصري (ت669ﻫ)

       حظيت المدونة الكبرى بمكانة لم يحظ بها كتاب في المذهب، ونالت من العناية والاهتمام ما لم ينله مصدر آخر في الفقه المالكي بعد الموطإ، حتى عدها بعضهم الأصل الثاني بعده، واعتبرها المالكية «أشرف ما ألف في الفقه من الدواوين»، و«أصل المذهب وعمدته» كما جاء عن الحطاب في مواهبه (1/34)، واصطلحوا عليها بـ«الأم»، ولإبراز منزلتها واعتمادها يقول عنها ابن رشد الفقيه (ت520ﻫ): «أصل علم المالكيين، وهي مقدمة على غيرها من الدواوين بعد موطإ مالك رحمه الله، ويروى أنه ما بعد كتاب الله أصح من موطإ مالك، ولا بعد الموطإ ديوان في الفقه أفيد من المدونة». المقدمات (1/44 ـ 45).

    ولا أدل على الحظوة والمكانة التي احتلتها المدونة بين غيرها من الأمهات والدواوين، من كثرة الجهود التي بُذِلت حولها من شروح، وتعليقات، وتقييدات، وحواش، واختصارات.

ومن أبرز هذه الاختصارات:

   كتاب «نظم الدر في اختصار المدونة» لعبد الله بن عبد الرحمن بن عمر الشَّارِمْسَاحي أبي محمد المصري (ت669ﻫ)، الذي يعد من أحسن وأجود مختصرات المدونة، من حيث تقسيمه وتبويبه، وأسلوبه، فجاء بذلك مطابقا لاسمه، قال فيه ابن فرحون: «له كتاب نظم الدر في اختصار المدونة اختصرها على وجه غريب وأسلوب عجيب من النظم والترتيب؛ ولذلك سماه: نظم الدر، وهي تسمية طابقت مسماها». الديباج (ص: 232  [290])،  والتحلية نفسها حلاه بها الفقيه الحجوي، إذ قال: «له اختصار المدونة على وجه غريب، سماه: “نظم الدر”، طابق مسماه». الفكر السامي (ص: 565).

   وعن موضوع المختصر والجديد الذي أتى به، واسمه، يقول مؤلفه في مقدمته: «هذا كتاب قصدت ـ مستعينا بالله تعالى ـ إلى تلخيص محصول المدونة من الأحكام، على وجه يقرب تناوله، ويسهل تناقله، وأسعفت فيه بكتاب الموارث، والقسم الفرضية، وكتاب الجامع للآداب الشرعية، وما ضمناه لمقدمته من المهمات الدينية، وما أوردناه في كتاب الطهارة والصلاة مما يجري مجرى القواعد الكلية، وأحلت في تتبع فوائده بالإيضاح والتمهيد على شرحه الملقب بالتنبيهات، وعلى شرحه الملقب بالتمهيد، فانتظم بفضل الله تعالى مستوفيا لفوائد الكتاب، مع ما ذكرناه من الزوائد بيمن أساليبه الغر، ولقبته لذلك بـ”نظم الدر”». نظم الدر في اختصار المدونة (ص:55).

   وكتاب الدر لم يكتف فيه مؤلفه بالاختصار  فحسب، وإنما جاء فيه بإضافات جديدة، زيادة على حسن التبويب والترتيب والتقسيم، والتعليق، وقد بين محقق الكتاب موضوع المختصر وتقسيمه ومنهجه في الاختصار، قائلا: «أبدع الشارمساحي في تقسيمه لكتاب نظم الدر، حتى بدا حقا “مطابقاً لمسماه”؛ فسهّل بذلك على الباحث الوصول للمعلومة، وأعطى الكتاب تفرداً بحسن ترتيبه عن بعض الكتب التي اشتغلت بشرح المدونة واختصارها والتعليق عليها، فقد بدأ الكتاب بمقدمة جامعة قسمها إلى ثلاثة فصول، الأول: في فضل العلم وآدابه، والفصل الثاني: فيما تعلّمُه فرض عين، وما تعلمه فرض كفاية، والفصل الثالث: فيما عدا ذلك من المأمورات والمنهيات القلبية والقولية، ثم بدأ باختصاره للمدونة، فقسمها على أبواب الفقه، مبتدئاً بكتاب الطهارة، ومنهياً اختصاره بكتاب الأقضية، وقسم الكتب إلى أبواب وفصول، وله بعد ذلك تقسيمات فرعية أخرى…

   وآخر كتاب اختتم به كتابه: كتاب الجامع، وقسمه إلى أبواب….

   ولم يقتصر حسن ترتيب كتاب نظم الدر على أسلوب مؤلفه في تقسيم الكتاب، بل إضافة إلى ذلك، فإنه مازال يعيد ترتيب مسائل المدونة وكذلك تهذيب البرادعي». نظم الدر (ص: 34).

    ومما يجدر التنويه به في هذا السياق أن هناك جملة من النقول عن الإمام الشارمساحي لمجموعة من العلماء كالشيخ زروق، والحطاب، وابن غازي، وغيرهم، تدل على تقدمه ومكانته في العلم.

   وقد تول المؤلف ـ رحمه الله ـ شرح كتابه بنفسه في شرحين، قال عنه الحجوي: «وشرحه بشرحين» الفكر السامي (ص: 565)، قال أستاذنا الدكتور محمد العلمي في كتابه الدليل التاريخي معلقا على كلام الحجوي: «ولعلهما «التنبيهات» و«التمهيد»، المحال عليهما في قول المؤلف السابق».

   وقد صدَر الكتاب عن دار ابن حزم بعنوان: «نظم الدر في اختصار المدونة»، لعبد الله بن عبد الرحمن بن عمر الشارمساحي أبي محمد المصري (ت669ﻫ) بتحقيق ذ خالد محمد عبد الجبار الحوسني، ط 1، سنة 1434ﻫ ـ 2013م، وتقع هذه الطبعة في مجلد واحد، يبلغ مجموع عدد صفحاته (774) صفحة من القطع الكبير.

بقلم الباحث: عبد القادر الزكاري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق