وحدة الإحياءدراسات وأبحاث

نظرية حفظ الكليات من جانبي الوجود والعدم في الواقع المعاصر.. دراسة مقاصدية

تتأسس نظرية حفظ كليات الشريعة على دعامتين: الأولى: دعامة الحفظ من جانب الوجود، والثانية: دعامة الحفظ من جانب العدم، وذلك ما استقرأه فقهاء وأصوليو الأمة وعلى رأسهم أبو إسحاق الشاطبي، من مظان الخطاب الشرعي، غير أنه ما بين مطالب الخطاب المختصة وخصوصيات التمثل المتعينة مساحات تعود على ضرورات التنزيل والتطبيق بالمراجعة والتكييف حتى تتحقق المقاصد وتتشخص المصالح في مواقع الوجود البشري.

تحاول هذه الدراسة أن تقرا جهد الوسع ملامح تلك المساحات وسماتها، وساعية إلى بيان إمكانات ذلك التمثل للخطاب الشرعي من حيث حفظ الكليات الشرعية بدعامتي جانب الوجود وجانب العدم. وهو ما لن يتسنى إلاّ بمحاولة الإجابة على التساؤلات التالية:

ما هي علاقات جانبي الوجود والعدم في حفظ كليات الشريعة في مواقع الحضور البشري؟ وكيف يتم تنزيل جوانب الحفظ على الواقع المعاصر؟ وما هي السياقات المعتبرة وأبعادها في ذلك التنزيل؟ 

أولا: في معنى حفظ كليات الشريعة من جانبي الوجود والعدم

1. في معنى حفظ الكليات من جانب الوجود

المقصود بحفظ كليات الشريعة من جانب الوجود مراعاتها في تشريع الأحكام بما يقيم أركان تلك الكليات، ويثبت قواعدها؛ أي أن الشريعة وضعت أحكاما شرعية، وأرست تقريرات فقهية تدور في جوهرها على سبيل الإجمال على حفظ أصول كبرى ضرورية، اشتهرت لدى الأصوليين بكليات الشريعة. وهي المعروفة بكلية الدين والنفس والنسل والعقل والمال.

وهذه الكليات الضرورية تقوم عليها الحياة الإنسانية، بحيث إذا اختلت واحدة منها عادت عليها بالإخلال، واستمرت الحياة على الفساد في الدنيا والخسران في الآخرة، يقول أبو إسحاق الشاطبي: “فأما الضرورية: فمعناها أنها لابد منها في قيام مصالح الدارين، بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة، بل على فساد وتهارج وفوت حياة، وفي الأخرى فوت النجاة والنعيم، والرجوع بالخسران المبين [1]“، ويسلك الخطاب الشرعي في حفظ تلك الكليات الضرورية مسلكين: الأول: مراعاة حفظها من حيث الدعوة إلى إقامتها والعمل على تثبيتها في مواقع الوجود البشري، وهو ما نعته أبو إسحاق بمراعاتها من جانب الوجود، والثاني: ما يدفع عنها الاختلال والفساد وهو مراعاتها من جانب العدم حسب الشاطبي يقول رحمه الله: “والحفظ لها يكون بأمرين: أحدهما ما يقيم أركانها ويثبت قواعدها وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب الوجود[2].”

لذلك، فإن في إقامة تلك الكليات واعتبارها استقامة للدنيا، وجريان مستمر لوجودها، وتلك هي فكرة حفظ الكليات من جانب الوجود.

2. في معنى حفظ الكليات من جانب العدم

والمقصود بحفظ مقاصد الشريعة من جانب العدم مراعاة حفظ تلك الكليات الكبرى والمقصودة في النظر الفقهي فهما وتطبيقا وتنزيلا، بما يدرأ عنها الاختلال ويرفع عنها الخرم الذي قد يلحقها في الواقع الوجودي للإنسان، وهو الجانب الثاني الذي ذكره الشاطبي في أمري الحفظ حيث قال: “والثاني ما يدرأ عنها الاختلال الواقع أو المتوقع فيها، وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب العدم[3].”

وعليه، فإن صيانة تلك الكليات وحفظها كما يكون من جانب الوجود يكون من جانب العدم، ليكتمل الحفظ وتنتهي المراعاة، وتسلك الشريعة في ذلك مسلكين هامين: الأول احترازي احتياطي، وذلك بدرء ما قد يلحق بها من اختلال متوقع بحسب المآل، وبدرء ما يلحقها من اختلال واقع بحسب الحال، خشية إلحاق صنوف العدم بوجودها.

ثانيا: نطاقات جانب الوجود والعدم في حفظ الكليات

تتوزع نطاقات النظر الفقهي في تشريع الأحكام على أبواب كبرى تشكل ناظما اجتماعيا في مواقع الوجود البشري، وهاته الأبواب تعرف عند الفقهاء بباب العبادات والعادات والمعاملات وأخيرا الجنايات، فما هي النطاقات المتعينة في حفظ تلك المقاصد الشرعية من جانب إثباتها ووجودها في واقع الإنسان؟ وما هي تلك المتمثلة في حفظ تلك المقاصد من جانب خرمها واختلال الوجود فيها؟

1. نطاقات جانب الوجود في حفظ الكليات

أ. نطاق العبادات في حفظ كلية الدين

أما نطاق العبادات الذي تتمثل فيه تجليات العلاقة بين الإنسان وخالقه من حيث العبادة والتوجيه تروم مراعاة حفظ كلية الدين، “والمقصود من العبادات كلها إجلال الإله وتعظيمه ومهابته والتوكل عليه والتفويض إليه[4]“؛ إذ كل شعيرة من الشعائر من صلاة وزكاة وصوم، وغير ذلك مما يقصد به إقامة الدين والتمكين له، يقول أبو إسحاق: “فأصول العبادات راجعة إلى حفظ الدين من جانب الوجود، كالإيمان والنطق بالشهادتين والصلاة والزكاة والصيام والحج وما أشبه ذلك[5].”

ب. نطاق العادات في حفظ كليتي النسل والمال

كما تتوجه نطاق العادات بكل صورها في الحياة الإنسانية وما يجري مجراها من مأكولات ومشروبات وملبوسات ومسكونات إلى حفظ كليتي النسل والمال، يقول الشاطبي: “والعادات راجعة إلى حفظ النفس والعقل من جانب الوجود أيضا كتناول المأكولات والمشروبات والملبوسات والمسكونات وما أشبه ذلك[6]” وتلك فروع وأمثلة تقاس عليها غيرها من جزئيات أخرى تدخل تحت حكمها العام.

ج. نطاق المعاملات في حفظ كليتي النسل والمال

يندرج العمل الإنساني المتفاعل داخل التجمع البشري ضمن العلاقات الإنسانية الرامية إلى حفظ الجنس البشري، تزاوجا وتناسلا، وكذا تحريك التداول القيمي المادي بقصد قضاء الحاجات الاجتماعية التي تضمن استمرار الحياة الإنسانية وتقويمها، لذلك فقد شرع التزاوج بأركانه وحبب إليه بشروطه الشرعية بما تعتريه الأحكام المختلفة، كما شرعت البيوع بكل أشكالها وانتقالات الأموال واستثمارها، وتداول المنافع المالية المتقومة بمقابل أو غير مقابل، وكذا العقود بشتى صنوفها لأجل استقرار الحياة المالية بين الناس، يقول أبو إسحاق في موافقاته: “والمعاملات ما كان راجعا إلى مصلحة الإنسان مع غيره، كانتقال الأملاك بعوض أو غير عوض، بالعقد على الرقاب أو المنافع أو الأبضاع[7].”

2. نطاقات جانب العدم  في حفظ الكليات

حتى تكتمل وجوه حفظ كليات الشريعة يلزم تسييجها من الجانب المقابل، الذي تأتي منه عوامل الاختلال وأسباب  الخرم، ومجمل ذلك يندرج في باب ما سماه الفقهاء بباب الجنايات، حيث يتم إبطال كل المفاسد الناجمة عن المساس بتلك المقاصد، يقول أبو إسحاق: “والجنايات ما كان عائدا على ما تقدم بالإبطال، فشرع فيها ما يدرأ ذلك الإبطال ويتلافى تلك المصالح، كالقصاص والديات للنفس، والحد للعقل، وتضمين قيم الأموال والقطع والتضمين للمال وما أشبه ذلك[8].” وقد قصدت الشريعة بتشريع الحدود تعميم المصلحة في الحياة البشرية أفرادا وجماعات، لذلك فإن “الحدود زواجر وضعها الله تعالى للردع عن ارتكاب ما حظر، وترك ما أمر به لما في الطبع من مغالبة الشهوات الملهية عن وعيد الآخرة بعاجل اللذة، فجعل الله تعالى من زواجر الحدود ما يردع به ذا الجهالة حذراً من ألم العقوبة، وخيفة من نكال الفضيحة ليكون ما حظر من محارمه ممنوعاً، وما أمر به من فروضه متبوعاً فتكون المصلحة أعم والتكليف أتم[9].”

كما تنقسم صور الزواجر عن ارتكات المحظورات الشرعية العائدة بالإبطال على كليات الشريعة إلى ضربين حدود وتعزيرات، يقول الماوردي في أحكامه السلطانية: “وإذا كان كذلك فالزواجر ضربان: حد وتعزيز؛ فأما الحدود فضربان: أحدهما ما كان من حقوق الله تعالى، والثاني ما كان من حقوق الآدميين، فأما المختصة بحقوق الله تعالى فضربان: أحدهما ما وجب في ترك مفروض. والثاني ما وجب في ارتكاب محظور (…) والتعزير تأديب على ذنوب لم تشرع فيها الحدود، ويختلف حكمه باختلاف حاله وحال فاعله، فيوافق الحدود من وجه وهو أنه تأديب استصلاح، وزجر يختلف بحسب اختلاف الذنب[10].”

ثالثا: نظائر جانبي الوجود والعدم في حفظ الكليات

1. جانبي الوجود والعدم ودلالتي الأمر والنهي

لمبحثي دلالتي الأمر والنهي عند الأصوليين وثاقة دقيقة في النظر الفقهي والمقاصدي لمسلكي الإقامة والتثبيت الوجوديين للأحكام الشرعية، وجلب المصالح الإنسانية، وكذا لمسلكي الحياطة والحماية العدمية لتلك الأحكام والمصالح، ومعنى ذلك “أن الطلب الإلهي بمقتضى كونه طلبا لفعل أو طلبا لترك إدا ما ثبت أنه طلب معتبر يثبت به أي حكم شرعي فإنه يكون مسلكا لإثبات المقصد الشرعي[11]“، لذلك تفرعا ذينك المبحثين إلى مطالب عديدة مختصة تنظر في دقائق قلما يثار الانتباه إليها.

فنجد أهل الأصول قد توسعوا في دلالة الأمر محققين في دلالات مفهوم الخطاب الأصولي فقالوا: هل الأمر بالشيء نهي عن ضده؟[12]، يقول المازري في هذا الشأن: “وهذا هو المطلوب في الفقه، وهو معرفة ما يحل وما يحرم إلى غير ذلك من الأحكام، فإذا ثبت تحريم الضد، فالمحرم منهي عنه بلا خلاف، فقد ثبت النهي عن ضد المأمور به، وهذا هو المطلوب المقصود في الفقه[13].” ويقول أبو يعلى البغدادي: “الأمر بالشيء نهي عن ضده من طريق المعنى، سواء كان له ضد واحد، أو أضداد كثيرة، وسواء كان مطلقا أو معلقا، بوقت مضيق؛ لأن من أصلنا: أن إطلاق الأمر يقتضي الفور[14]“؛ بمعنى هل المفهوم من دلالة الأمر ورعاية مصلحته تقتضي وتستلزم تمثل فهم النهي عن أضداد الأمر ودرء المفاسد الناجمة عنه؟ وفي هذا المعنى يقول ابن تيمية: “فإن الأمر والنهي وإن كان متضمنا لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة فينظر في المعارض له، فإن كان الذي يفوت من المصالح أو يحصل من المفاسد أكثر لم يكن مأمورا به، بل يكون محرما إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته[15].”

وقالوا أيضا هل النهي عن الشيء أمر بضده[16]؟ أي هل طلب الكف عن فعل شيء يفهم منه على وجه الاقتضاء الحث على فعل مقابله؟ والحرص على المصلحة المرجوة من الكف من جهة ومن الحث من جهة ثانية؟ وإلى هذا المعنى يشير العز في قواعده قائلا: “ولو تتبعنا مقاصد ما في الكتاب والسنة، لعلمنا أن الله أمر بكل خير دقه وجله، وزجر عن كل شر دقه وجله، فإن الخير يعبر به عن جلب المصالح ودرء المفاسد، والشر يعبر به عن جلب المفاسد ودرء المصالح، وقد قال تعالى: ﴿فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره. ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره﴾ (الزلزلة: 8-9) وهذا ظاهر في الخير الخالص والشر المحض[17].”

2. جانبي الوجود والعدم وقاعدة الأمر بالمعروف والنهي المنكر

يدخل النظر الفقهي في حفظ المقاصد الشرعية من جانبي الوجود والعدم في صلب القاعدة القرآنية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، “والمعروف ما يجب فعله أو يحسن، والمنكر ما يجب تركه[18]“؛ إذ أن كل الأحكام الشرعية الداعية إلى إقامة الحياة الإنسانية من حيث مراعاة المقاصد، وتثبيت أركانها وتفعيلها تجمعها الدعوة إلى ما هو معروف، كما أن الأحكام الشرعية الناهية عن ما يخدش تلك الإقامة والإخلال بالحياة البشرية من حيث تعطيل تلك المقاصد الكبرى وتحويلها إلى مفاسد، تدخل في باب النهي عن المنكر الذي يعطل تلك المصالح. “والمعروف تعبير عن ضمير المجتمع الإسلامي الصالح، والمنكر تعبير عما يرفضه ضمير المجتمع الإسلامي الصالح، والتذكير بهما هو واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر[19]” وقد أسهب العلماء في الحديث عن قاعدة الحسبة  معتبرين المعروف ما دعت الشريعة إليه بصيغ الأمر المختلفة والمنكر ما حذرت منه بصيغ النهي المتعددة، قال الماوردي: “أكد الله زواجره بإنكار المنكرين لها، فأوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ليكون الأمر بالمعروف تأكيدا لأوامره والنهي عن المنكر تأييدا لزواجره؛ لأن النفوس الأشرة ألهتها الصبوة عن اتباع الأوامر، وأذهلتها الشهوة عن تذكار الزواجر، فكان إنكار المجالسين أزجر لها وتوبيخ المخاطبين أبلغ فيها[20].”

وقاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تجمع القسم الأعظم من الشريعة في حفظ تلك الكليات، كما تنسجم تمام الانسجام مع دلالات الحفظ من جانبي الوجود والعدم، وبذلك يمكن القول إنها التطبيق العملي والتمثل الوجودي لحفظ الكليات من كلا الجانبين، يقول أحمد الريسوني: “ومما يجدر ذكره في هذا السياق أن الفريضة الكبرى التي جاء بها الأنبياء، وحملوها لأتباعهم من بعدهم، وهي فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر  ما هي إلا تعبير آخر عن جلب المصالح ودرء المفاسد، فلا يعد المعروف معروفا إلا لما فيه من صلاح ومصالح، ولا يعد المنكر منكرا إلا لما فيه من الفساد والمفاسد[21]“، ويؤكد هذا النظر ابن تيمية في سياسته الشرعية بقوله: “وهذا القسم الذي ذكرناه من الحكم في حدود الله وحقوقه، ومقصوده الأكبر هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالأمر بالمعروف، مثل الصلاة والزكاة والصيام والحج والصدقة والأمانة وبر الوالدين وصلة الأرحام وحسن العشرة مع الأهل والجيران ونحو ذلك فالواجب على ولي الأمر أن يأمر بالصلوات المكتوبات جميع من يقدر على أمره، ويعاقب التارك بإجماع المسلمين، فإن كان التاركون طائفة ممتنعة قوتلوا على تركها بإجماع المسلمين، وكذلك يقاتلون على ترك الزكاة والصيام وغيرهما، وعلى استحلال ما كان من المحرمات الظاهرة المجمع عليها كنكاح ذوات المحارم والفساد في الأرض ونحو ذلك، فكل طائفة ممتنعة عن التزام شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة يجب جهادها حتى يكون الدين كله لله باتفاق العلماء[22].”

3. جانبي الوجود والعدم وقاعدة درء المفاسد أولى من جلب المصالح

يعمل التحقيق المقاصدي في تأسيس الكليات وحفظها ثباتا وقياما من حيث الوجود على النصوص الشرعية والأحكام النظرية في الشريعة من حيث أصولها وقواعدها، كما يشتغل على حمايتها من الاختلال والتكفل بتحقيق التوازن صيانة وحياطة، من حيث مؤثرات العدم ودواعيه على المناطات الشرعية والأصول الفقهية من حيث المبدأ والورود، وهذا كله إنما مبادئه وضروراته وفق أمرين اثنين:

الأول: من حيث المبدأ والنظر، ويعني ذلك أن القواعد التي قررها أهل الأصول بداية لها متعلقات شرعية في انفصال تام عن الواقع وتحقيقات مناطاتها الوجودية في التمثل البشري.

الثاني: من حيث التراخي، ويعني ذلك أن الأصل في الورود الشرعي للنصوص القرآنية والحديثية يبقى ساريا في مواقع الوجود الإنساني، إما في تلازم تام بين جانبي الوجود والعدم، أو في تراخ خاص بينهما أو تقديم لأحدهما على الآخر في حالات أخرى.

لكن علاقة جانبي الوجود والعدم في حفظ الكليات المقاصدية مع القاعدة المرتبطة بمبدأي المصلحة والمفسدة قد تثير إشكالات متعددة، خاصة إذا انتبهنا إلى قاعدة “درء المفاسد أولى من جلب المصالح” على الخصوص، يقول أبو حامد الغزالي في هذا السياق: “ومقصود الشرع من الخلق خمسة: وهو أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة[23]“،  فما هي الفروق الجوهرية في تنزيل القاعدة وجانبي الوجود والعدم في حفظ المصالح الشرعية وكلياتها؟

أولا: إن قاعدة درء المصالح أولى من جلب المصالح تضبط النظر بالمبدأ العام والتصور الشامل لمراعاة مقاصد الشريعة من جانب الوجود وجانب العدم، وفي ذلك يقول ابن عبد السلام: “ومن تتبع مقاصد الشرع في جلب المصالح ودرء المفاسد، حصل له من مجموع ذلك اعتقاد أو عرفان بأن هذه المصلحة لا يجوز إهمالها وأن هذه المفسدة لا يجوز قربانها[24].”

ثانيا: أن قاعدة درء المفاسد أولى من جلب المصالح تتنزل على سبيل الفور في الترجيح بين أحداهما حسب الأولوية على الأخرى، أما التصور العام للمقاصد من جانب الوجود والعدم فهو تصور من حيث المبدأ في حفظ الكليات.

ثالثا: أن قاعدة درء الفاسد أولى من جلب المصالح استمر جريانها مع مجرى حفظ الكليات من جانبي الوجود والعدم، ولا يوجد واسع فرق بينهما إلا من حيث الحالات والمآلات، فالأصل في الكليات الحفظ من جانب الوجود أولا ثم يدرأ عنها الاختلال من جانب العدم، فدرء المفاسد يجري أولا قبل جلب المصالح بحسب مواقع الوجود حيث تثبت الكليات وتقوم ودرء خوارمها عنها ومختلاتها أولى حينها.

رابعا: النظر المقاصدي من جانب الوجود والعدم في الواقع المعاصر

1. جانبي الوجود والعدم، تلازم أو تتابع

إن التأسيس النظري لتشريع حفظ المقاصد وتمثلها في مواقع الوجود البشري يستلزم الاشتغال على مسلكين متوازيين:

الأول: وهو الإقامة وتتجه نحو تثبيت المقاصد والأهداف وترسيخ الأركان وقواعدها، لكن تثبيت تلك القواعد والأركان يتطلب استمرار قيامها ودوام مصالحها واستقامة الحياة فيها إلى ما يحافظ على تلك الاستقامة وذلك الثبات، حتى لا تعتريهما عوادي الإخلال ودواعي الخرم، وذلك مسلك آخر هو مسلك الاحتياط والحماية.

غير أن الإشكال الذي يحتاج إلى تحرير في هذا المقام هو: هل الاشتغال على هذين المسلكين يكون بصورة تلازمية استصحابية؟ أم أنه بالإمكان الاقتصار على مسلك الإقامة؟ أي جانب الوجود في حفظ المقاصد، ثم بعد ذلك توجيه النظر إلى ما به الحفاظ على مصالح المطلوب حمايتها من كل ما يمس قيامها واستمرار وجودها؟

يصعب القطع بالنظر في المسألة؛ لأن الاجتهاد في مواقع الوجود البشري بتحقيق مناطاته يتطلب إرجاع ذلك النظر بحسب الحالات والمآلات، وفي هذا السياق المرتبط بحفظ المقاصد الشرعية بدرء المفاسد المدفوعة وجلب المصالح المعتبرة، يتوقف الغزالي وهو يحرر مسألة الحسبة في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر معلنا توفير فسحة تأمل واجتهاد قبل النظر في هذا الإشكال فقال: “فهذه دقائق واقعة في محل الاجتهاد وعلى المحتسب إتباع اجتهاده في ذلك كله ولهذه الدقائق نقول: العامي ينبغي له أن لا يحتسب إلا في الجليلات المعلومة كشرب الخمر والزنا وترك الصلاة، فأما ما يعلم كونه معصية بالإضافة إلى ما يطيف به من الأفعال ويفتقر فيه إلى اجتهاد، فالعامي إن خاض فيه كان ما يفسده أكثر مما يصلحه، وعن هذا يتأكد ظن من لا يثبت ولاية الحسبة إلا بتعيين الوالي؛ إذ ربما ينتدب لها من ليس أهلاً لها، لقصور معرفته أو قصور ديانته فيؤدي ذلك إلى وجوه من الخلل[25].”

بصرف النظر عن السياقات المختلفة للزمن التاريخي وأحوال المخاطبين بالتشريع إبان مرحلة الغزالي، وما تضمنه من إجابات مرتبطة بتلك السياقات، فإن النص يوفر لدينا أحقية السؤال في زمننا التاريخي المعاصر الذي تشعبت قضاياه ومسائله. لذلك يتطلب، في رأينا، النظر في استثمار البعد المقاصدي من جانب الوجود والعدم في مواقع الوجود الإنساني ضرورة تحرير الفروق بين مستويات عدة تختلف فيها تطبيقات مراعاة المقاصد من الجانبين من مستوى لآخر.

2. تمثل النظر المقاصدي من جانبي الوجود والعدم

أ. على مستوى الفرد

يمثل الخطاب الموجه للفرد ضمن الخطاب الشرعي جزءًا كبيرا يحمل في معانيه ودلالاته تقصيدا شرعيا في حفظ الكليات العظمى التي تعمل الشريعة على صيانتها، وذلك بحسب ما تتيحه له قدراته النفسية وطاقاته الشخصية، وأغلب تلك التوجيهات الشرعية تروم جانب إقامة وتثبيت الكليات على وجه يضمن حضورها من جانب الوجود، أكثر من استهدافها نطاق الحرص على طلب حمايتها وصيانتها من التعرض للاختلال من جانب العدم. وذلك لأن خطاب الأفراد على سبيل الانفراد له طابع تأسيسي وقيامي أكثر منه تغييري تقويمي إلا ما كان من تذكير بما يعطل فيه جانب التأسيس والقيام، لانعدام توفر شرط سلطة قادرة على فرض استقامة الحياة في حفظ تلك الكليات من جانب الوجود، خصوصا في الوقت المعاصر التي تغيب فيه السلط العليا التي تتكفل بضمان سلطة الفرد في قيامه بواجب حماية الكليات من جانب العدم.

وبناءً عليه، فإن غياب مكنة الفرد المسلم يتوجب عليه النظر في اتجاه ما يضمن قيام تلك الكليات الشرعية التي تقوم عليها الشريعة من جانب وجودها وقيامها وثباتها، بناء وتأهيلا وتربية عليها، حتى تتحقق استقامة الحياة العملية أكثر من توجيه نظره صوب جانب اختلالها ودروسها؛ لأن البناء يسبق الإصلاح والتغيير. وذلك باب العدل مع النفس التي تحدث عنه الماوردي في أدبه قائلا: “فأما عدله في نفسه فيكون بحملها على المصالح، وكفها عن القبائح، ثم الوقوف في أحوالها على أعدل الأمرين من تجاوز أو تقصير. فإن التجاوز فيها جور والتقصير فيها ظلم، ومن ظلم نفسه فهو لغيره أظلم ومن جار عليه فهو على غيره أجور[26].”

أما ما يدخل تحت سلطة الفرد النفسية فذلك متاح من باب الضرورة مقاومة كل ما يمس تلك الكليات في نفسه واختلال وجودها، وفي الخطاب الشرعي نصوص كثيرة تدل على ذلك منها:

قوله تعالى: ﴿قد اَفلح من زكاها. وقد خاب من دساها﴾، (الشمس: 9-10)، وقوله سبحانه: ﴿فمن كان يرجواْ لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا﴾ (الكهف: 105) إلى غير ذلك من النصوص القرآنية.

ب. على مستوى الأسرة

يشكل بناء مؤسسة الأسرة الإطار الحاضن للفرد الذي تحدثنا عن خصائصه ومقوماته في حفظ كليات الشريعة على مستواه الذاتي، فتكون بذلك الأسرة قد نضج وعيها الفكري والشرعي لما ينبغي لها القيام به من جانب الوجود، ومن جانب العدم على مستوى الفرد، لكن واجباتها تجاه حفظ المقاصد الشرعية باعتبارها مؤسسة من الأفراد تتغير عن سابقها، وذلك من حيث امتلاكها سلطة تقديرية عند سنين معينة في التوجيه والتنبيه وكذا التقويم والعقاب.

ولا ريب أن الزمن المعاصر يتطلب من الأسرة المسلمة امتلاك فقه حضاري يمكنها من فهم مجريات الأحداث والتطورات العالمية، حتى تستوعب المتغيرات والمستجدات، وتبني على أساسها مشروعها التثبيتي والقيامي لمقاصد الشريعة وكلياتها، في مواقع الوجود الإنساني، فقها وتنزيلا، إضافة إلى معرفة المداخل التوجيهية في الحفاظ على تلك الكليات من جانب اختلالها، حتى لا يصل الأثر إلى عدمها، ولعل مسألة التربية لها أهميتها القصوى في تلك المداخل من حيث توجيه الأطفال وتحذيرهم وتنبيههم وحتى عقابهم بالقدر المناسب مخافة الإخلال بكليات الشريعة. ويشمل عمل الآباء في تأهيل الأبناء كافة الكليات: فالدين: بتلقينهم الشهادتين تفهيما وتعليما، وتربيتهم على إقامة الصلاة وتدريبهم على الصوم حتى يتمم تأهيلهم لصيام رمضان، وغير ذلك من الشعائر الحافظة لقيم التدين والتعبد في نفوسهم وحياتهم، قال الزمخشري: “وينهى الصبيان عن المحرمات حتى لا يتعودوها كما يؤخذون بالصلاة ليمرنوا عليها[27].” والنفس: بتربيتهم على حرمة النفس البشرية وتوجيههم إلى عدم الاعتداء على نفوس الغير وكذا حمايتهم وتجنيب تعرضهم للخطر، والنسل: وذلك بتربيتهم السوية على الفهم السليم للقضايا الجنسية، وتجنيبهم لكل ما يقربهم من أشكال الفساد الأخلاقي، وتأهيلهم للزواج عند توفر الشروط اللازمة، وتثقيفهم بمعرفة الأخطار الناجمة عن ذلك بما في ذلك الأمراض الجنسية. والعقل: بتعليمهم وتثقيفهم بما ينفعهم في الحياة المعاصرة، وإرشادهم للوجهة العلمية الصحيحة، وتجنيبهم ما يخدش صفاء فطرتهم السليمة، من أخطار الأفكار الهدامة والأيديولوجيات المنحرفة، وإبعادهم عما يكدر صفو عقولهم من مسكرات وأقراص مهلوسة وأنواع الخمور… والمال: بترشيدهم والإنفاق عليهم وتعليمهم سبل الإنفاق الحسن وما يعودهم عليهم بالنفع بحسب الأولويات والضرورات. وقد ذهب العز بن عبد السلام إلى أبعد من ذلك من ضرورة تقديم عمل الآباء على الأمهات في النظر في مصالح من تحت تصرفهم بما في ذلك الأبناء فقال: “ويقدم الآباء على الأمهات في النظر في مصالح أموال المجانين والأطفال وفي التأديب وارتياد الحرف والصناعات؛ لأنهم أقوم بذلك وأعرف به من الأمهات، وكذلك يقدم في ولاية النكاح القارب على الموالي والحكام…[28].”

وتلك مهمة عظمى للأسرة يتوجب عليها الاضطلاع بها حتى يتأهل الأفراد والأسرة لصيانة الكليات وحفظها على مستوى المجتمع، كما أنه على الأب أن “يأخذ ولده بمبادئ الآداب ليأنس بها وينشا عليها فيسهل عليه قبولها عند الكبر لاستئناسه بمبادئها في الصغر لأن نشوء الصغير على الشيء يجعله متطبعا ومن أغفل في الصغر كان تأديبه في الكبر عسيرا[29].”

ج. على مستوى المجتمع

يعتبر التجمع البشري الكبير داخل القطر الواحد رصيدا إنسانيا كبيرا يجمع ضمن جزئياته عددا هائلا من المؤسسات الأسرية والعناصر الفردية، كما تعظم من جانبه واجبات حفظ المقاصد الكلية بكل تجلياتها، بالنظر إلى تطور القضايا المستجدة وتوالي المسائل من حين لآخر، وتزايد المستجدات التي تواجه المجتمع. بل “إن البعد الاجتماعي في الواقع الراهن أصبح على درجة كبيرة من التوسع، حتى كاد شأن الفرد بالمعنى الخالص لم يبق له وجود في الحياة الحديثة[30].”

ويمثل الخطاب الجماعي في النصوص الشرعية مساحة واسعة بالنظر إلى قيومية الدين في الشأن العام، الجماعي، ولأهمية الجماعة الكبرى في قيامة الحياة الدينية وتثبيتها في المجتمع، كما لها تأثيرها العميق في إحداث اختلال يودي بالأمن الديني في المجتمع.

وإذا انحصرت مكونات المجتمع القديم في مؤسسات معينة، كالأسرة والقبيلة وبعض المجموعات الحرفية والاجتماعية البسيطة، فإن الوقت المعاصر تعددت هذه المكونات وتنوعت صورها وأشكالها، بحيث أصبح لها من التأثير ما يحدث تغييرا واسعا على مستوى المجتمع وفي أوقات محدودة ووجيزة، فهناك هيئات نقابية بكل أنواعها الحرفية والمهنية والسياسية والإعلامية… وهناك جمعيات المجتمع المدني والجمعيات غير الحكومية والجمعيات الثقافية ومجموعات الفايسبوك والاتصالات المختلفة، بإمكانها تغيير الرأي العام وإعادة تشكيل وعيه، ولنا في ما حدث أخيرا في بلاد مصر وتونس وغيرها شاهدا ودليلا.

كل هذه المكونات الجديدة والمستحدثة خلقت لدى المجتمع آليات ووسائل مناسبة وجديدة في ضرورة استثمارها للقيام بمهام حفظ المقاصد الشرعية، وإقامة أركانها وتثبيتها من جانب الوجود، وبنفس القدر يمكنها استثمارها في حماية تلك المقاصد وصيانتها من الإخلال بها من جانب العدم.

أما في علاقة المجتمع مع مؤسسة السلطة، فيرى الغزالي أن لها التعريف والنصح معه بعدما حدد مراتب عدة في نظام الحسبة فقال: “وأما الرعية مع السلطان فالأمر فيها أشد من الولد فليس لها معه إلا التعريف والنصح” أما الرتبة الثالثة وهي السب والتعنيف وما وراءها من أشد الدرجات فيرى أن “ذلك محظور ورد النهي عنه كما ورد النهي عن السكوت على المنكر فقد تعارض فيه أيضاً محذوران والأمر فيه موكول إلى اجتهاد منشؤه النظر في تفاحش المنكر ومقدار ما يسقط من حشمته بسبب الهجوم عليه وذلك مما لا يمكن ضبطه[31].”

د. على مستوى الدولة  

لمؤسسة الدولة أو ما يسمى بالسلطة السياسية أهمية كبرى في حفظ المجتمع وأفراده في كلياتهم الشرعية العليا التي جاءت الشريعة لمراعاتها في الحياة البشرية، وذلك لامتلاكها سلطة مكنها منها أفراد المجتمع للقيام بواجب الردع والضرب على أيدي المفرطين في تلك الكليات؛ “لأن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جزء من سياسة الدولة الإسلامية الحاكمة بما أنزل الله، فهي ليست مجرد جهد شخصي من المتطوعين أصحاب النوايا الطيبة[32].”

وكما أن للفرد والأسرة والمجتمع نطاقات متعينة في التكفل بحفظ المقاصد الشرعية من جانبي الوجود والعدم، فإن لمؤسسة الدولة أيضا نطاقات ومجالات واسعة ليست في متناولهم وليست في مقدورهم، تتكفل بها السلطة السياسية وهي في أغلب حالاتها ما تتوازى فيها المطالب المختصة بحفظ الكليات من جانب الوجود والمثالب المتعينة في ضمان حماية تلك الكليات من جانب العدم.

وقد أجمل الماوردي مهام السلطة[33] في هذا الشأن حين قال: “الذي يلزم سلطان الأمة من أمورها سبعة أشياء: أحدهما: حفظ الدين من تبديل فيه، والحث على العمل به من غير إهمال له. والثاني: حراسة البيضة والذب عن الأمة من عدو في الدين أو باغي نفس أم مال، والثالث: عمارة البلدان باعتماد مصالحها، وتهذيب سبلها ومسالكها،  والرابع: تقدير ما يتولاه من الأموال بسنن الدين من غير تحريف في أخذها وإعطائها، والخامس: معاناة المظالم والأحكام بالتسوية بين أهلها واعتماد النصفة في فصلها، والسادس: إقامة الحدود على مستحقها من غير تجاوز فيها، ولا تقصير عنها. والسابع: اختيار خلفائه في الأمور أن يكونوا من أهل الكفاية فيها والأمانة عليها[34].”

لكن أهم ما تتميز به الدولة في هذا السياق مسؤوليتها العظمى في درء المفاسد الواردة على الأفراد أو الأسرة أو المجتمع، مستعينة بما توافر لديها من استطاعة وقدرة في استثمار الجانب الزجري للقوة إذا اقتضى الأمر ذلك، وهو ما اصطلح عليه الفقهاء بباب الجنايات التي حددتها الشريعة لدفع المفاسد المقترفة. وفي هذا المعنى يقول أبو حامد: “فاعلم أن الزجر إنما يكون عن المستقبل، والعقوبة تكون على الماضي، والدفع على الحاضر الراهن. وليس إلى آحاد الرعية إلا الدفع وهو إعدام المنكر، فما زاد على قدر الإعدام فهو إما عقوبة على جريمة سابقة أو زجر عن لاحق. وذلك إلى الولاة لا إلى الرعية. نعم الوالي له أن يفعل ذلك إذا رأى المصلحة فيه[35].”

وإن من القضايا الكبرى داخل مجتمع ما لا يمكن امتلاك ناصية حلولها والخوض فيه إلا بتدخل السلطة العليا، سواء تعلق الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر، كفتح باب الجهاد بقصد حماية الدين وحفظه وإجراء الحدود وتنفيذها بهدف صيانة الأموال والنفوس والأبضاع.

وفي هذا النص لابن تيمية إشارات تنبه إلى هذا المعنى؛ “فالمقصود الواجب بالولايات: إصلاح دين الخلق الذي متى فاتهم خسروا خسرانا مبينا ولم ينفعهم ما نعموا به في الدنيا وإصلاح ما لا يقوم الدين إلاّ به من أمر دنياهم وهو نوعان: قسم المال بين مستحقيه، وعقوبات المعتدين، فمن لم يعتد أصلح له دينه ودنياه، ولهذا كان عمر بن الخطاب يقول: إنما بعثت عمالي إليكم ليعلموكم كتاب ربكم وسنة نبيكم ويقيموا بينكم دينكم، فلما تغيرت الرعية من وجه والرعاة من وجه تناقضت الأمور، فإذا اجتهد الراعي في إصلاح دينهم ودنياهم بحسب الإمكان كان من أفضل أهل زمانه وكان من أفضل المجاهدين في سبيل الله[36].”

ﻫ. على مستوى الأمة

تواجه الأمة في الوقت المعاصر تحديات كبرى بالنظر إلى تشخيص حالها وواقعها، مما يرفع من شأن مهامها وواجباتها على صعيد حفظ الكليات الشرعية ضمانا واستمرارا في الوجود وتأهيلا للمهمة العظمى مسؤولية الشهود الحضاري. فكل علمائها مدعوون للانخراط في دعوات الوحدة الفقهية والعقدية، ورأب الصدع بين أبنائها، وإعادة تشكيل وعيهم بالتحديات الحضارية الكبرى وخاصة الدينية وإقامة الحياة الإسلامية في علاقاتهم الاجتماعية.

ويبقى الشهود الثقافي نهاية التكليف الإلهي للإنسان وغاية استحقاقات الوفاء بالأمانة المعروضة عليه، ثم إن الأمة بما هي مستأمنة في الوجود والكون بحكم مقتضيات الوسطية ومستلزمات الخيرية ﴿وكذلك جعلناكم أمة وسطا، لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا﴾ (البقرة: 142). فهي أيضا مستأمنة على البلاغ والبيان للأمم الأخرى عملا بالميثاق الإلهي المأخوذ ومقتضيات الشهادة الإنسانية المتعينة. سيرا على الهدي القرآني لقوله تعالى: ﴿وإذ اَخذ الله ميثاق النبيئين لما ءاتيناكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم  لتومننَّ به ولتنصرنه. قال ءآقررتم وأخذتم على ذلكم إصري، قالوا أقررنا، قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين﴾ (ءال عمران: 80).

كما أن التقصيد الإنساني التكليفي الدائر حول هذه الغايات الكبرى من الوجود البشري لا تمر إلا عبر تمثلات واقعية وتشخيصية للقيم الإنسانية المطلوب العناية بها والاهتمام بقدرها؛ لأنها لا محالة  تخدم بدورها حفظ الكليات الضرورية في استمرار الحياة وقيامها[37].

وتضل قضايا الأمة المركزية في صلب ذلك التفاعل كقضية فلسطين التي لا ينبغي أن تغيب من أذهان أفراد الأمة والعمل قدر المستطاع بالإسهام في تحريرها بدءًا بأشكال المقاطعة وانتهاءً بدعم الحركات التحررية.

خامسا: دواعي أولوية جانب الوجود في النظر المقاصدي

1. غياب التمكين

في الزمن الذي تغيب فيه الأمة عن الفعل الحضاري المستند إلى التمكين الثقافي بكل أشكاله وصوره، يتعذر عليها العمل على حفظ الكليات الشرعية ومقاصدها العامة من جانب العدم؛ لأن التمكين بما فيه من نضج تربوي لأفرادها ومؤسساتها، وبناء ثقافي لمؤسساتها هو الذي يضمن حصول الاستمرار في ذلك من جانب الوجود كما يستمر ذلك الحفظ على مستوى العدم. وفي هذا السياق نستحضر حديث النبي، صلى الله عليه وسلم، يقول فيه: “إن الله لا يعذب الخاصة بذنوب العامة حتى يرى المنكر بين أظهرهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكرونه[38].”

وفيما يشبه هذا الوضع للأمة في الوقت المعاصر نستدعي هنا نصا للماوردي يتحدث فيه عن حفظ الكيات من جانب العدم في حال المكنة والتمكين يقول رحمه الله: “فَلاَ يَخْلُو حَالُ فَاعِلِي الْمُنْكَرِ مِنْ أَحَدِ الأمرين: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونُوا آحَادًا مُتَفَرِّقِينَ، وَأَفْرَادًا مُتَبَدِّدِينَ، لَمْ يَتَحَزَّبُوا فِيهِ، وَلَمْ يَتَضَافَرُوا عَلَيْهِ، وَهُمْ رَعِيَّةٌ مَقْهُورُونَ، وَأَفْذَاذٌ مُسْتَضْعَفُونَ، فَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّ أَمَرَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيَهُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ، مَعَ الْمُكْنَةِ وَظُهُورِ الْقُدْرَةِ وَاجِبٌ عَلَى مَنْ شَاهَدَ ذَلِكَ مِنْ فَاعِلِيهِ، أَوْ سَمِعَهُ مِنْ قَائِلِيهِ (…) وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ فِعْلُ الْمُنْكَرِ مِنْ جَمَاعَةٍ قَدْ تَضَافَرُوا عَلَيْهِ، وَعُصْبَةٍ قَدْ تَحَزَّبَتْ وَدَعَتْ إلَيْهِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي وُجُوبِ إنْكَارِهِ عَلَى مَذَاهِبَ شَتَّى فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَأَهْلِ الآثار: لاَ يَجِبُ إنْكَارُهُ والأولى بالإنسان أَنْ يَكُونَ كَافًّا، مُمْسِكًا، وَمُلاَزِمًا لِبَيْتِهِ، وَادِعًا غَيْرَ مُنْكِرٍ وَلاَ مُسْتَفَزٍّ[39].”

فأنت ترى ما للتمكين من أهمية في تشريع الأحكام وحفظ كلياتها في المجتمع، فحيث توفرت وجب العمل على ذلك، وحيث غابت وجب الكف عن ذلك مخافة الوقوع في المفسدة العظمى، بحسب تقديرات النظر الاجتهادي القائم على فقه مصالح الأمة.

لذلك، فإن أولوية الأمة في الزمن المعاصر تتجه صوب بناء فكر التمكين الثقافي بكل تجلياته حتى يتسنى لها الجواز إلى ما لا يمكن إدراكه في الحال، وذلك ما يعتبر عكوفا على استنفار كل أفرادها ومؤسساتها وعلمائها في سبيل تمثل الأحكام الشرعية الحافظة للمقاصد من جانب الوجود أساسا. وذلك ما تقرره الآية الكريمة: ﴿الَّذِينَ إِن مَكَّنَّاهُمْ فِي الاَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وءَاتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ، وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الاُمُورِ﴾ (الحج: 39)، وإلى هذا المعنى أشار القرطبي في تفسيره آية الحسبة في قوله تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِنكُمُ اُمَّـةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَامُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر،ِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (ءال عمران: 104) حيث قال: و”مِنْ” فِي قَوْله “مِنْكُمْ” لِلتَّبْعِيضِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْآمِرِينَ يَجِب أَنْ يَكُونُوا عُلَمَاء وَلَيْسَ كُلّ النَّاس عُلَمَاء. وَقِيلَ: لِبَيَانِ الْجِنْس، وَالْمَعْنَى لِتَكُونُوا كُلّكُمْ كَذَلِكَ. قُلْت: الْقَوْل الْأَوَّل أَصَحّ؛ فَإِنَّهُ يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر فَرْض عَلَى الْكِفَايَة، وَقَدْ عَيَّنَهُمْ اللَّه تَعَالَى بِقَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ إِنْ مُكَنَّاهُمْ فِي الاَرْض أَقَامُوا الصَّلَاة﴾ الْآيَة. وَلَيْسَ كُلّ النَّاس مُكِّنُوا[40].”

2. الترجيح بين المصالح

إن منتهى الترجيح بين المصالح المرجوة من النظر في حفظ المقاصد الكلية من جانب الوجود والمصالح المستهدفة من الاشتغال على جانب العدم، يتوقف عند الالتزام بتقديم أولوية النظر من جانب التثبيت والإقامة لما يجلب المصالح، قبل جانب الدفع والإبطال لما يؤدي إلى المفاسد، وفي ظل واقع الأمة الراهن يقتضي الميل إلى اعتبار جانب الوجود أكثر من مقابله، ويدعو إلى ضرورة إرجاء النظر من جانب العدم إلى حين توفير مجموعة من الشروط الفكرية والنفسية والاجتماعية والسياسية وغيرها في كثير التجليات، وحضورها الفعلي حتى يتم الوفاء بالحاجات والضرورات المسوغة للنظر من جانب العدم، أو في أحسن الأحوال الأخذ بمبدأ التكامل الكلي بحسب حضور المكنة وظهور القدرة اللازمة لذلك التكامل.

فالدولة المسلمة، مثلا، لا تسمح لها الشروط الآنية في الاشتغال على كلية حفظ الدين من جانب العدم على المستوى الخارجي؛ لأن إعلان الفتح في الوقت الراهن ضرب من المغامرة التي  تأتي على كل المكتسبات المتحققة من إعمال حفظ الدين من جانب الوجود، هذا على مستوى الدولة، (مع التشديد على أن التوسل بإعلان الفتح كأداة للدعوة ونشر الإسلام أمر فرضته حيثيات وشروط تاريخية لم تعد قائمة، ولا تنسجم، بالضرورة، مع المعيارية الإسلامية في حرية العقيدة وعدم الإكراه في الدين. بحيث أن تمام تحقق الدعوة إلى الله إنما يتأتى من خلال منظومة القيم الإسلامية في الحرية، والتسامح والمجادلة بالتي هي أحسن، والعدل..) ونفس الأمر بالنسبة للفرد المسلم المقيم بديار المهجر لا تسعفه شروطه النفسية والاجتماعية وحتى السياسية في العمل على حفظ الدين مع الآخرين من جانب العدم، كأن ينتقل من جانب الدعوة الإسلامية إلى إنزال عقوبات حتى لو كان باستطاعته على الغير، لما يحدثه ذلك من مفاسد كبرى عليه وعلى غيره وعلى الأمة أيضا، ولنا في فكر الفقهاء متسع فائدة في هذا الصدد في ما قرروه من شروط النهي عن المنكر يقول الشيخ ابن تيمية: “والرفق سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولهذا قيل ليكن أمرك بالمعروف بالمعروف ونهيك عن المنكر غير منكر، وإذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم الواجبات أو المستحبات لابد أن تكون المصلحة فيها راجحة على المفسدة؛ إذ بهذا بعثت الرسل ونزلت الكتب والله لا يحب الفساد[41].”

3. أسس شرعية ومنطقية

لأن هناك أسسا شرعية ودعائم ترتبط بالعقل والمنطق يستند عليها النظر في تقديم أولوية الاشتغال على جانب الوجود في حفظ المقاصد الكلية، فكان من الضروري الاعتماد على ذلك، وهذه الأسس منها ما هو معياري يعود لنصوص قرآنية وحديثية، ومنها ما هو مستند إلى المنطق ومنها ما هو عائد إلى المصلحة، وهو ما سيتم بيانه في المبحث الموالي.

سادسا: أسس تقديم جانب الوجود عن العدم

إن الدعوة إلى حفظ مقاصد الشريعة ومراعاة كلياتها تقتضي النظر في ذلك من جانبي الحفظ والحماية، فكان لزاما إحاطة ذلك بأحكام الأمر ودلالات النهي بشكل متواز حتى يتم ذلك الحفظ.

لكن هذه الدعوة تبقى واردة ومستمرة من حيث المبدأ الضروري المؤسس على كلية التمكين وظهور القدرة ،كما يقول الفقهاء، لكن وجود فراغ ملحوظ في جانب المكنة والسلطان في كيان الأمة لتمثل مبادئها الشرعية في واقعها يثير ذلك سؤال أولوية الجانب الحري بالاعتبار أكثر من الآخر؟ خصوصا وأن واقع الأمة المعاصر يتطلب تحقيقا دقيقا من شأنه توجيه النظر إلى الجانب الأجدى والأولى في تمثل المقاصد.

يرى صاحب هذه الورقة أن واقع الأمة المعاصر يتطلب منح الأولوية القصوى إلى جانب الوجود في حفظ المقاصد الكلية على جانب العدم، دون إغفال هذا الجانب كلما ظهرت القدرة واستتبت المكنة لدى الأمة أفرادا وجماعات؛ لأنها تحتاج إلى تربية وبناء مستوعب لقانون الظهور والحضور الفعلي،  ويتأسس هذا النظر على جملة من الأسس يمكن إيجازها في الآتي:

1. الأساس الشرعي

تشهد لتقديم النظر في حفظ المقاصد الشرعية من جانب الوجود على (غيره) جانب العدم نصوص قرآنية وحديثية كثيرة، من ذلك قوله تعالى:

أ. ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ اُمَّةٍ أُُخْرجَتْ لِلْنَّاسِ تَامُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُومِنُونَ بِاللَّهِ، وَلَوْ ـامَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ، مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ، وَأَكْثَرَهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (ءال عمران: 110).

ب. ﴿يُومِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ وَيَامُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَات، وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ (ءال عمران: 114).

ج. ﴿وَلْتَكُن مِنكُمُ اُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَامُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (ءال عمران: 104).

يظهر من هذه الآيات القرآنية أن مطالب التكليف الشرعي تبدأ من جانب إقامة قواعد الشريعة وبناء كلياتها حتى تستقيم الحياة وتتمثل الأحكام في مواقع الوجود البشري، ثم يليها الحرص على حفظ تلك الكليات من جانب ما تعود عليها بالإبطال والإخلال، ولعل الآية الأخيرة فيها ما يحث الأمة على الدعوة إلى الخير أولا ثم الأمر بالمعروف ثم النهي عن المنكر؛ لأنه قبل القيام بواجب النهي عن المنكرات لابد من سوابق الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف وفي ذلك ما يشير إلى تقديم حفظ الكليات من جانب الوجود قبل حمايتها من جانب العدم، وإن كاب لابد من استصحاب لوازم بعضهما البعض.

وكذلك قوله عز وجل: ﴿الَّذِينَ إِن مَكَّنَّاهُمْ فِي الاَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وءَاتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ، وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الاُمُورِ﴾ (الحج: 39) في الآية دلالة قوية إلى ضرورة تسخير المكنة والتمكين بإقامة الصلاة، وإشارة إلى تمثل التدين في الأمة وإيتاء الزكاة ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فذلك التتابع في التكاليف الشرعية يستصحب معه ضرورات الترتيب الزمني في حفظ الكليات من حيث تقديم البناء والأساس قبل الإصلاح والحماية. 

2.الأساس الاستقرائي

تتضافر نصوص شرعية كثيرة بما فيها القرآنية والحديثية على حصول معنى إعطاء أولوية النظر من جانب الوجود في حفظ المقاصد الكلية على جانب العدم، فإذا تعذر استكشاف القطع بذلك المعنى من نصوص على سبيل الانفراد فإن وروده يقينا باجتماع الجزئيات الحكمية على سبيل الإجمال؛ لأن للاجتماع من القوة ما ليس للافتراق في النصوص والآيات.

فإذا وجدنا الله سبحانه يحث على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في قوله سبحانه:

أ. ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ اُمَّةٍ أُُخْرجَتْ لِلْنَّاسِ تَامُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُومِنُونَ بِاللَّهِ، وَلَوْ ـامَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ، مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ، وَأَكْثَرَهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (ءال عمران: 110).

ب. ﴿يُومِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ وَيَامُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَات، وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ (ءال عمران: 114).

ج. ﴿وَلْتَكُن مِنكُمُ اُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَامُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (ءال عمران: 104).

د. ﴿اِنَّ اللّهَ اَشْتَرَى مِنَ الْمُومِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بأنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ، يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالاِنْجِيلِ وَالْقُرْءانِ، وَمَنْ اَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ، وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. التَّآئِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الاَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ، وَبَشِّرِ الْمُومِنِينَ﴾ (التوبة: 112-113).

ﻫ.. ﴿الَّذِينَ إِن مَكَّنَّاهُمْ فِي الاَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وءَاتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ، وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الاُمُورِ﴾ (الحج: 39).

و. ﴿وَالْمُومِنُونَ وَالْمُومِنَاتُ بَعْضُهُمُ أَولِيَآءُ بَعْضٍ، يَامُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُوتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ، اُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ، إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (التوبة: 72).

ز. ﴿يَا بُنَيّ أَقِمِ الصَّلاَةَ، وَامُرْ بِالْمَعْرُوفِ، وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ، وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ، إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الاُمُورِ﴾ (لقمان: 16).

فإننا حينها نقطع باستكشاف قوة أولوية العمل على حفظ الكليات الشرعية من جانب الوجود على جانب العدم. حسب الترتيب المذكور في الآيات القرآنية.

وإذا ألفينا تذكير رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في أحاديث عديدة بالعمل على ذلك مثل قوله عليه الصلاة والسلام: عن حُذيفة، رضي الله عنه، مرفوعاً: “والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم[42].”  وقوله صلى الله عليه وسلم: “مروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، قبل أن تدعوا فلا يُستجاب لكم[43].” فلن نقطع بأن جانب الوجود في حفظ الكليات مقدم في الاعتبار على جانب العدم.

إضافة إلى كل ما سبق، فإنه باستقرائنا للنصوص القرآنية والحديثية يظهر التأكيد في الخطاب الشرعي على جوانب البناء والوجود في حفظ المقاصد الكلية والجزئية، قبل الدعوة إلى حفظها من جانب العدم والإبطال؛ لأن ذلك يتناسق مع وصول الخطاب وتلقيه من المكلف قبل محاسبته وزجره. كما يجدر التنبيه إلى بعض الخصائص المنهجية والموضوعية التي وسمت الخطاب القرآني والحديثي كالافتتاح بالوعد والتعقيب بالوعيد، والبدء بالتحبيب والتثنية بالتحذير، والاستهلال بالأوامر والانتهاء بالنواهي، وتقديم ثواب الجنة ونعيمها وتأخير جزاء جهنم وشقائها، وتلك خصائص مميزة للخطاب القرآني وكذا الحديثي يلمسها القارئ والمتأمل على صعيد الموضوع والمنهج، وفي ذلك من التناغم مع مراعاة حفظ الكليات الشرعية بجانبيه المذكورين بما يؤكد ذلك النظر وتلك الرؤية.

3. الأساس العقلي

إن فكر بديهة العقل تنسجم مع ضرورة الاشتغال على جانب الوجود في إقامة الكليات الشرعية قبل الانتقال إلى التحذير والاحتياط من خرمها والإخلال بها؛ لأن إقامة أمر ما والتعريف به وبيان قيمته في مواقع الوجود البشري يسبق الخوف على انهياره وضياعه، وهو ما يشبه حال بناء بيت والعمل على توفير كل شروط إنجازه يسبق التحذير من إسقاط جدرانه والمساس بثباته. ثم إن خصوصية الأمر القرآني بأن يأمر المرء بالمعروف وينهى عن المنكر؛ “يقتضي إتيان الأمر وانتهاءه في نفسه؛ لأن الذي يأمر بفعل الخير وينهى عن فعل الشر يعلم ما في الأعمال من خير وشر، ومصالح ومفاسد، فلا جرم أن يتوقاها في نفسه بالأولوية من أمره الناس ونهيه إياهم[44].”

كما أن الله، سبحانه وتعالى، المتصف بالرحمة والحكمة، وأن شريعته إنما جاءت رحمة للعباد وتخفيفا عليهم ولأجل مصلحتهم، وتقديم حفظ مقاصدها الكلية من جانب العدم على جانب الوجود فيه مشقة واقعة وعسر زائد لن يستطيع معها الإنسان تحملا، فكان من الجواز العقلي أن يعتبر الأخذ بحفظ الكليات من جانب الوجود أولى.

لذلك، فإن الله، سبحانه وتعالى، قبل أن يحذر من عقوبة ترك الصلاة وتوعد الساهي عنها والمستخف بها، أمر بإقامتها وحث عليها وعرف عبادتها ومقاصدها، وكذلك باقي الشعائر الأخرى، فكان ذلك منطق تصدقه الضرورة العقلية.

4. المصلحة

تتحقق المصلحة الشرعية في منهجية التشريع في مراعاة عملية التدرج واعتبار فقه الأولويات لضمان إنجاز المعنى والمطلوب منها في مواقع الوجود الإنساني، وكذا في مقامات دار خلوده، لذلك فإن جنس تلك المصالح تتبدى أساسا فيما نحن فيه من خلال مراعاة المقاصد الشرعية والكلية من جانب الوجود، من حيث الدعوة إليها والتحسيس بها، والتنبيه إلى محققاتها حتى تثبت أمورها وتقوم شؤونها في نفوس الناس وعقولهم، ويتمثلونها في تصرفاتهم ومواقفهم، وبعد ذلك يتم اللجوء إلى النهي عن إغفالها والتحدي من اختلالها وما ينتج عن ذلك من اختلال الحياة الإنسانية من عبث وتصرفات غير سليمة تفضي إلى مفاسد تنأى بالحياة الإسلامية عن المرجو والمقصود.

سابعا: في فقه السياق بين جانبي الوجود والعدم

ينتظم الخطاب الشرعي الموجه للإنسان في سياق خاص، يستصحب معه في توجيهاته مجموعة أبعاد فقهية تجعل منه خطابا نوعيا يراعي خصوصيات المخاطبين وفق الظرف المتعين، الأمر الذي ييسر على الإنسان معرفة خطوط البداية في تنزيل خصوصيات الخطاب في مواقع الوجود الإنساني، كما يفتح له سبل النظر في حفظ المقاصد سواء من جانب الوجود أو من جانب العدم. ولعل تحقيق النظر في أبعاد سياق الخطاب الشرعي يمكن من فقه أولوية النظر في حفظ المقاصد وفق الوضع الإنساني وظروفه.

1. سياق المخاطِب

يلزم فقه النظر من جانب الوجود أو من جانب العدم في حفظ كليات الشريعة أن يراعي سياق الخطاب من حيث مصدره وأصوله، فسياق الخطاب الإلهي ثابت أصيل ضمن السياقات المعتبرة في تنزيل المقاصد، وتمثلها على ضوء فهم النصوص وإدراك أسرارها، لذلك فإن الخطاب الإلهي موجه إلى العباد في أصوله، ومن متعلقات ذلك حصول الاستعباد المستصحب للرحمة في تمثل الأحكام الشرعية، بما في ذلك التكليف الشرعي من حيث القدرة والوسع، وهو ما جسده الخطاب الإلهي: ﴿لا يكلف الله نفسا اِلا وسعها﴾ (البقرة: 285)، وفي مثل هذا يقول الرازي في محصوله: “إنه تعالى كريم غني والعبد محتاج فقير، وإذا وقع التعارض بين هذين الجانبين كان التحامل على جانب الكريم الغني أولى منه على جانب المحتاج الفقير[45].” كما أنه من متعلقات ذلك أيضا، تفضل من المخاطب بالتدرج والانتقال من الأسهل فالأسهل والأيسر فالأيسر وتلك سنة تنزل الأحكام، وتمثل روحها من صميم ذلك، وما نحن فيه جنس من المذكور يقتضي أولوية النظر المقاصدي من جانب الوجود حتى تقوم الكليات الشرعية على جانب العدم. طلبا للتيسير المؤصل والتدرج المبين والوسع المعتبر في خطاب الرحمة، ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾ (الاَنبياء: 106).

2. سياق الظرف

إن ظروف الحياة الإنسانية تحكم طبيعة المنهج العام الذي ينبغي سلوكه في تمثل الأحكام الشرعية وإقامة كلياتها العامة، والحفاظ عليها من كل ما يخدش قوامها، والأمة فيما تعيشه اليوم من بعد شبه كلي عن تمثل أحكام الدين تستوجب منها البدء في تصريف الأحكام الشرعية من جانب الوجود أولا على سبيل التغليب قبل الاشتغال بتصريفها من جانب العدم.

فإذا كان الظرف التاريخي للخلافة الراشدة مثلا انتهت إليها رياسة الدين في الحياة البشرية فهما وتمثلا وتنزيلا في الواقع، كما اكتملت عنده تجليات النظر في مقاصد الشريعة وحفظ ثباتها من جانب الوجود، فإن تجليات النظر إليها من جانب العدم بدت واضحة وظاهرة على مستوى الأفراد والمؤسسات والدولة كما تفصح عن ذلك الشواهد التاريخية.

لذلك، فإنه لسياق الظرف سواء كان زمنيا أو كان مكانيا له تأثيره الخاص، واشتراطه ضمن تكوين الرؤية المناسبة في إدراك المقاصد الكلية، إن على مستوى جانب الوجود، أو على مستوى جانب العدم. وفي بيان قول الله عز وجل: ﴿لا يضرّكم من ضل إذا اَهتديتم﴾ (المائدة: 107). سئل ابن مسعود، رضي الله عنه، عن تفسير هذه الآية فقال: “إن هذا ليس زمانها إنها اليوم مقبولة، ولكن قد أوشك أن يأتي زمانها تأمرون بالمعروف فيصنع بكم كذا وكذا وتقولون فلا يقبل منكم، فحينئذ عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم[46].”

3. سياق المخاطَب

من حيث المبدأ الأصلي أتى الحطاب الإلهي مراعيا الطبيعة الإنسانية التي ليس في استطاعتها تحمل ما لا طاقة لها به، فلم يجعل عليه في الالتزام بتعاليم الدين من حرج، أو مشقة تخرجه عن قيمة الوفاء بالعهود الموكولة إليه.

أما من حيث الواقع المتغير الذي يتفاعل معه الإنسان، فإن الخطاب الإلهي يتوجه بخطاب أكثر خصوصية يضع في الاعتبار الإكراهات والتحديات التي تواجهه في تمثل الأحكام الشرعية، لذلك فإن خصوصية النظر في حفظ الكليات الشرعية لها سياقاتها الخاصة مع المخاطب في ظل تلك الشروط الموضوعية والواقعية، من حيث اعتبار جوانب الوجود وجوانب العدم، وعليه فإن القدرة والاستطاعة والوسع كما هو بين في تغيير المنكر مؤشرات سياقية في التكليف الشرعي. وذلك ما تحمله دلالات قوله تعالى: ﴿ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به﴾ (البقرة: 285) من معاني الرحمة واليسر ومن مقاصد المصلحة ورفع الحرج في قوله عز وجل: ﴿وما جعل عليكم في الدين من حرج﴾ (الحج: 76).

خاتمة

يستلزم، إذن، تقريب النظر في تمثل الخطاب الشرعي لمراعاته الكليات العامة فقه الهوة المتراوحة ما بين الاتساع والتضييق بين خصوصيات المخاطب وسياقاته الظرفية حتى تكتمل شروط نظرية الحفظ الكامل للكليات المتعينة.

وقد تبين أن وجوه الحفظ سواء من جانب الوجود أو من جانب العدم بتعدد وتنوع المسويات السياقية للمخاطب، فلخطاب الفرد والأسرة وجوه وكذا لخطاب الدولة والأمة أيضا وجوه مغايرة.

إضافة إلى ذلك فإن الورقة قد لامست جانبا مهما في فقه تلك السياقات، وهو ضرورة وأولوية الاعتبار لمطلب القوة والسلطة أو ظهور القدرة كما يسميها الفقهاء في تمثل الخطاب الشرعي، وتنزيل مقتضياته، مما يستدعي تشغيل المقاصد بحسب الحالات والمآلات، وبحسب المصالح والمفاسد المترتبة عن تصرفات وأفعال المكلفين سواء من جانب الوجود أو من جانب العدم.  

الهوامش


[1]. الشاطبي، أبو إسحاق إبراهيم بن موسى، الموافقات في أصول الشريعة، تحقيق عبد الله دراز، بيروت: دار الكتب العلمية، لبنان، 1414/1994،  2/7.

[2] . الموافقات، م، س، 2/7.

[3] . المصدر نفسه.

[4] . ابن عبد السلام، العز، قواعد الأحكام في مصالح الأنام، بيروت: دار الجيل، ط2،( 1400ﻫ/1980م)، ص240.

[5] . الموافقات، م، س، 2/7.

[6] . المصدر نفسه، 2/8.

[7]. المصدر نفسه.

[8]. الموافقات.

[9]. الماوردي، أبو الحسن علي بن محمد، الأحكام السلطانية والولايات الدينية، بيروت: دار الكتب العلمية، لبنان، د. ط، ص275.

[10]. المصدر نفسه، ص276-293.

[11]. النجار، عبد المجيد، مقاصد الشريعة بأبعاد جديدة،، بيروت: دار الغرب الإسلامي، لبنان، ط1، 2006، ص28-29.

[12]. الغزالي، أبو حامد، المستصفى في علم الأصول، تحقيق عبد السلام عبد الشافي. بيروت: دار الكتب العلمية، لبنان، ط1، (1413ﻫ/1993م)، 1/154وكذا الآمدي، سيف الدين، الإحكام في أصول الأحكام، تعليق عبد الرزاق عفيفي. بيروت: المكتب الإسلامي، لبنان، ط2، 1406.1/210 وانظر أيضا الرازي، فخر الدين، المعالم في أصول الفقه، تحقيق عادل أحمد عبد الموجود، الشيخ علي محمد عوض. مصر: دار المعرفة، 1414/1994، ص71.

[13]. المازري، أبو عبد الله التميمي، إيضاح المحصول من برهان الأصول، دراسة وتحقيق عمار الطالبي، دار الغرب الإسلامي، ط1، 2001، ص225.

[14]. الحنبلي، لأبي يعلى محمد بن الحسين الفراء البغدادي، العدة في أصول الفقه، تحقيق أحمد بن علي المباركي. الرياض:  م ع س، ط2، (1410ﻫ/1990م)، 1/243، 244.

[15]. ابن تيمية، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تحقيق أبو عبد الله بن سعيد رسلان، أضواء السلف، مصر (1990ﻫ/1419م)، ص29.

[16]. انظر الإحكام للآمدي، م، س، 1/230.

[17]. المصدر نفسه، ص227.

[18]. العوا محمد سليم، الفقه الإسلامي في طريق التجديد، سلسلة شرفات، منشورات الزمن، سفير الدولية للنشر، ط2008، ص405.

[19]. المصدر نفسه، ص405.

[20]. المارودي، أبو الحسن بن علي بن محمد، أدب الدنيا والدين، الشركة الجزائرية اللبنانية، ط1، (1427ﻫ/2006م)، ص93.

[21]. الريسوني أحمد، الكليات الأساسية للشريعة الإسلامية، منشورات حركة التوحيد والإصلاح، طوب برس الرباط، ط1، ص64-65.

[22]. ابن تيمية، تقي الدين أبو العباس، السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية، الشركة الجزائرية اللبنانية، ط1، (1427ﻫ/2006م)، ص66 .

[23]. المستصفى، م، س، 1/417.

[24]. قواعد الأحكام، م، س، ص227.

[25]. الغزالي، أبو حامد، إحياء علوم الدين، بيروت: دار الكتب العلمية، لبنان، ط1، 2008، 2/394.

[26]. أدب الدنيا والدين، م، س، ص139-140.

[27]. الزمخشري، أبو القاسم جار الله محمود بن محمد، الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، الدار العلمية للطباعة والنشر، 1/453.

[28]. قواعد الأحكام في مصالح الأنام، م، س، ص60.

[29]. أدب الدنيا والدين، م، س، ص230.

[30]. النجار، عبد المجيد. في المنهج التطبيقي للشريعة الإسلامية تنزيلاً على الواقع الراهن. الرياض: دار النشر الدولي، ط1، (1415ﻫ/1994م).

[31]. إحياء علوم الدين، م، س، 2/392.

[32]. الصلابي، علي، فقه النصر والتمكين، في القرآن الكريم، بيروت: دار المعرفة، لبنان، ط4، (1427ﻫ/2004م) ص481.

[33]. لمزيد من التفصيل ينظر الدولة الإسلامية، بين التراث والمعاصرة، توفيق الواعي، بيروت: دار ابن حزم، لبنان، ط1، (1416ﻫ/1996م)، ص252.

[34]. أدب الدنيا والدين، م، س، ص136.

[35]. إحياء علوم الدين، م، س، 2/407.

[36]. ابن تيمية، السياسة الشرعية، م، س، ص26.

[37]. لمزيد من التفصيل ينظر القيم الإنسانية في ضوء التدافع الحضاري المعاصر، الحسان شهيد، مجلة التسامح، ع28، ص222-223.

[38]. رواه الإمام أحمد في مسنده.

[39]. أدب الدنيا والدين، م، س، ص93-95.

[40]. القرطبي، أبو عبد الله محمد بن احمد،  الجامع لأحكام القرآن، بيروت: دار الفكر، لبنان، (1415ﻫ/1995م)،  2/157.

[41]. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، م، س، ص44.

[42]. متفق عليه.

[43]. رواه أحمد.

[44]. ابن عاشور، الطاهر. التحرير والتنوير. الدار التونسية للنشر، ط1984، ج22، ص165.

[45]. الرازي، فخر الدين. المحصول في علم الأصول. تحقيق طه جابر العلواني. بيروت: مؤسسة الرسالة، لبنان، ط2، (1412ﻫ/1992م) ، 2/576.

[46]. انظر إحياء علوم الدين، م، س، 2/379.

Science

د. الحسان شهيد

أستاذ التعليم العالي، كلية أصول الدين وحوار الحضارات، تطوان-المغرب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق