وحدة الإحياءدراسات عامة

نظرية المعرفة ومسؤولية العارف.. في المنظور الإسلامي

مقدمة

عندما نفكر في قضية المعرفة البشرية، يواجهنا سؤال عريض مفاده: هل مسؤولية الإنسان تثبت بعد تحصيل المعرفة، أم أن مسؤوليته تبدأ مع عملية التحصيل المعرفي ذاتها، وتستمر بالضرورة بعدها؟

 هذا هو الإشكال الذي سوف أحاول مستعينا بالله الإجابة عليه، في إطار معطيات المنظور الإسلامي، وتحديدا انطلاقا من مبدإ استخلاف الإنسان في الأرض، الذي يقوم على أسس عظيمة هي الإرادة والعلم والتكليف، أو بالتعبير المعاصر:الحرية والمعرفة والمسؤولية، وأعيد صياغة التساؤل الإشكالي، ما هو حجم وأبعاد مسؤولية الذات العارفة في المنظور الإسلامي.

أولا: المعرفة ركن أساسي لاستخلاف الإنسان في الأرض

وسوف نتناول هذه الحقيقة من خلال عدة محاور هي:

1.العلم أول مجال الاستخلاف

لقد علم الله آدم، عليه السلام، الأسماء كلها، مباشرة بعد تحميله أمانة الاستخلاف في الأرض: ﴿وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ (البقرة: 30-31) .

يرى الألوسي في تفسيره “أن المراد بالأسماء صفات الأشياء ونعوتُها وخواصُها، لأنها علامات دالة على ماهياتها، فجاز أن يعبر عنها بالأسماء، ثم يقول: “والحق عندي.. وهو الذي يقتضيه منصب الخلافة ..، وهو أنها أسماء الأشياء علوية أو سفلية جوهرية أو عرضية، ويقال لها أسماء الله تعالى.. باعتبار دلالتها عليه، وظهوره فيها غير متقيد بها، ولهذا قالوا: إن أسماء الله تعالى غير متناهية، إذ ما من شيء يبرز للوجود من خبايا الجود، إلا وهو اسم من أسمائه تعالى وشأن من شؤونه عز شأنه، وهو الأول والآخر والظاهر والباطن”[1].

وأرى أن هذا الرأي يقترب بنا أكثر نحو الفهم الأنسب لحادث الاستخلاف وسياقه العام، حيث يبدو أن تعليم آدم الأسماء كلها، يشمل كل ما ذكره المفسرون مما له ارتباط معين بالعلم المتعلق بماهية الاستخلاف، باعتباره أمانة وتكليفا لبني آدم، وبالصفات والأسماء الكاملة للمستخلف وهو الله تعالى، وخصائص ومهام المستخلَف وهو الإنسان، والعلم بحقائق المستخلَف فيه وهو الرسالة الإلهية أو بعبارة أخرى المعرفة الشرعية، وطبيعة الحياة الأرضية.

وهذا العلم المرتبط بالمسؤولية وما تقوم عليه من حرية واختيار، جديد كل الجدة على الملائكة، الذين لم يكن لهم عهد سابق به، ولذلك أقروا بعجزهم عن معرفته حتى علمهم إياه آدم، عليه السلام، ويمكن القول بأن “مدار هذه الأسماء كلها، على حقيقة الاستخلاف وأساس الحرية والمسؤولية اللتين يقوم عليهما، وثنائيات الحق والباطل، والهداية والضلال، والإيمان والكفر، والصلاح والفساد، والطاعة والعصيان، واللذة والألم، والعقاب والثواب، والنور والظلام، والخير والشر، والقطع والظن، والظاهر والباطن، واليقين والشك.. وكل الثنائيات التي برزت وترسخت باستخلاف آدم في الأرض، وفي إطارها يتجه الإنسان نحو معرفة الله، وعبادته، والسير على نهجه أو مخالفة شرعه ومعاكسة هديه.. وكلها متقابلات ترتبط بعلاقة معينة تصلها بمسؤولية الإنسان الاستخلافية على الأرض”[2].

يقول الإمام ابن قيم: “إن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لما اقْتَضَت حكمته وَرَحمته إِخْرَاج آدم وَذريته من الْجنَّة أعاضهم أفضل مِنْهَا وَهُوَ مَا أعطاهم من عَهده.. وَلما كَانَ هَذَا الْعَهْد الْكَرِيم، والصراط الْمُسْتَقيم، والنبأ الْعَظِيم، لَا يُوصل إليه أبدا إِلَّا من بَاب الْعلم والإرادة؛ فالإرادة بَاب الْوُصُول إليه وَالْعلم مِفْتَاح ذَلِك الْبَاب المتوقف فَتحه عَلَيْهِ، وَكَمَا لكل إنسان إِنَّمَا يتم بِهَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ همة ترقيه، وَعلم يبصره ويهديه”[3].

وتعتبر المعرفة حالة تفاعلية بين مضمون معرفي معين وبين الذات، التي تتخذ موقفا موافقا لاتجاه معناه أو مخالفا له تماما، عندما يعرض عليها فتختار بكامل حريتها ومسؤوليتها الانحياز له أو ضده، كما هو واضح من خلال تضارب ردود أفعال الناس تجاه خطاب الوحي المنزل إليهم. ﴿وَآَتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ (الجاثية: 16)  فرغم بيان مضمون ما ينزل من الوحي على البشر، ووضوح حجته ومقصوده، واعتيادهم الوفاق ووحدة الفهم وعدم الفرقة فيما سبق، فإنهم اختلفوا حول الوحي بين مصدق به ومكذب له، بغيا من عند أنفسهم وتجاوزا للحق المبين.

فمجال العلم تعلما واستيعابا وفهما، قبل الانتقال إلى طور الاحتكام إليه في تشكيل التصورات الفكرية والمواقف المبدئية المترتبة عليه، وتسخيره في إعمار الأرض واستغلال خيراتها، هو المجال الأول لممارسة مهمة الاستخلاف.

2. طلب العلم أول الواجبات الشرعية

قبل التصور الفكري والفعل السلوكي في مختلف ميادين الحياة، توجد المعرفة الموجهة والمحددة للغاية من كل موقف وكل خلق أو عمل تقدم عليه النفس وتلتزم به، فكل المسؤوليات التي يمارسها الإنسان فوق الأرض ويعبر بها عن حريته ونظرته لنفسه وللكون من حوله، إنما تتأسس على ما توفر لديه من المعرفة البشرية والشرعية.

ومن هذا المنطلق فإن العلم الذي يحتل هذه المكانة السامية في حياة البشر، يعد من أوجب الواجبات وأولها على الإطلاق، كما يحمل على ذلك خطاب الشرع مدعوما بالدوافع الفطرية وأحكام العقل.

فقد دعا الكتاب والسنة إلى طلب العلم بالله، والبحث عن المغزى من الوجود الإنساني في هذه الحياة، والذي حدده الوحي في معرفة الله، وغايته من خلق الإنسان والكون من حوله؛ ففي القرآن خاطب الله رسوله ومن خلفه البشرية قائلا: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ﴾ (محمد: 20) وعرفنا بحقيقة الحياة الدنيا: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ﴾ (الحديد: 20). وكل الخطاب القرآني يدور حول تعريف الآدميين بمن خلقهم ولأية مهمة وما هو المصير المحتوم: ﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ (هود: 14) ، وهي القضايا الشاغلة للعقل منذ وجد إنسان فوق الأرض.

وفي الحديث النبوي: “طلب العلم فريضة على كل مسلم”[4].

وقد سئل الفضيل بن عياض عن معنى الحديث فقال: “كل عمل كان عليك فرضاً فطلب علمه عليك فرض، وما لم يكن العمل به عليك فرضاً فليس طلب علمه عليك بواجب”[5] .

وقال البيضاوي: “المراد من العلم هنا مالا مندوحة للعبد عن تعلمه، كمعرفة الصانع والعلم بوحدانيته، ونبوة رسوله، وكيفية الصلاة، فإن تعلمه فرض عين”[6].

وركز علماء آخرون على كون الحرص على طلب العلم وتنمية القدرة على التفكير هو أوجب الواجبات؛ فالقاضي أبو بكر الباقلاني يرى أن أول شيء يجب على المكلف هو النظر الموصل للمعرفة، وقيل أول ما يجب علي المكلف هو القصد، وقيل أول ما يجب على المكلف هو اعتقاد وجوب النظر، ويرى إمام الحرمين أن أول ما يجب على المكلف هو تفريغ القلب من الشواغل والتوجه للعلماء للأخذ الصحيح عنهم[7].

وفي هذا الصدد يقول الفقيه ابن عاشر:

أول واجب على من كلفا          ممكنا من نظر أن يعرفا

الله والرسل بـالصفات           مما عليه نصب الآيات[8].

وفي ذات المعنى يقول الإمام اللقاني:

فكل من كلف شرعا وجبا       عليه أن يعرف ما قد وجبا

لله والجائـز والممتنعا          ومثل ذا لرسله فاسـتمعا

إذ كل من قلد في التوحيد      إيمانه لم يخل من ترديد[9]

وبين الإمام الغزالي اختلاف الناس في العلم، الذي هو فرض على كل مسلم، إلى أكثر من عشرين فرقة؛ فعند المتكلمين هو علم الكلام، إذ به يدرك التوحيد، ويعلم به ذات الله سبحانه وصفاته. وعند الفقهاء هو علم الفقه إذ به تعرف العبادات والحلال والحرام، وما يحرم من المعاملات وما يحل. وعند المفسرين والمحدثين هو علم الكتاب والسنة، إذ بهما يتوصل إلى العلوم كلها. وعند المتصوفة المراد به علم العبد بحاله ومقامه من الله، عز وجل، و العلم بالإخلاص وآفات النفوس. وقيل العلم بما بني عليه الإسلام من الأركان الخمسة.

ثم استخلص بأن العلم الواجب ينقسم إلى علم معاملة وعلم مكاشفة، وليس المراد بهذا العلم إلا علم المعاملة، والمعاملة التي كلف العبد العاقل البالغ العمل بها ثلاثة: اعتقاد، وفعل، وترك، وأن أول واجب على من بلغ تعلم كلمتي الشهادة، وفهم معناهما وهو قول لا إله إلا الله محمد رسول الله[10].

فالعلم الواجب في المرتبة الأولى على الإنسان، هو ما تتوقف عليه سعادته في الدنيا وفي الآخرة بصفته الفردية والجماعية، و بعبارة أخرى هو العلم الذي لا يغنيه معرفة غيره له، وإنما يلزمه أن يتعلم حقائقه بنفسه، ويوقن بها ويلتزم العمل على هديها.

ثانيا: العلاقة بين المعرفة والذات الإنسانية

وقبل التطرق لهذه العلاقة المتينة بين المعرفة والذات العارفة، نبين أولا مصادر المعرفة في المنظور الإسلامي:

1. مصادر المعرفة في المنظور الإسلامي

مصادر المعرفة، في منظور الإسلام، ثلاث، هي الوحي والفطرة والعقْل. فالوحي يقوم بوظائفَ ثلاثٍ هي:

أ. تقديم أخبار صادقة عن مَجاهيل الغيب، ومطالبة العقل والحواس الاستيقان من صدق هذه الأخبار.

ب. إقامة معالم تحدِّد مسارات العقْل والحواسِّ عبر الغيب المجهول؛ بُغْيَة حفظها من الجنوح إلى ميادين معرفيَّة وهْمية لا وجود لها.

ج. تنقِية الخبرات البشريَّة من الوهم والخرافة التي أفرزتْها المنهجيَّات المعرفيَّة الخاطئة.

أمَّا العقل والحواسُّ فهما أداتا السَّير المعرفي في الأرض، واكتشاف “الحقائق” الدنيوية، وتأكيد الحقائق الدينية[11].

ونظر القلْب عند ابن تيمية يعني العمل العقلي مضافًا إلى عمل الحواسِّ؛ لأنَّ العقل عنده فعلٌ من أفعال القلْب وليس كائنًا مستقلاًّ، ويقول أيضًا: “والنَّظَر جنس تحته حقٌّ وباطل، ومحمودٌ ومذْموم”[12]. فعن طريق النظر في آيات الله المسطورة في كتابه والمنشورة في الكون يحصل المكلف المعارف الأساسية لممارسة مهام الاستخلاف في الأرض؛ فيتجه بها نحو إثبات وجود الله، والإيمان بدينه والسير على نهجه، أو يتجه بها نحو الكفر به تعالى، وجحود دينه والاعتراض على تعاليمه، يقول تعالى:

ـ ﴿أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ. وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ. تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ﴾ (ق: 6-8) .

ـ ﴿قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ (يونس: 101) .

ـ ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (العنكبوت: 19) .

وأما الفطرة، فهي المصدر الثاني للمعرفة، ومن مقتضياتها إلى جانب الحث على الصلاح والاستقامة والفضيلة، أن تميل أحيانا إلى بعض الدنايا والنقائص. يؤكد لنا ذلك الراغب الأصفهاني، الذي يرى أن الإنسان مفطور في أصل الخلقة على أن يصلح أفعاله وأخلاقه، وعلى أن يفسدها، وأنه ميسر له اتباع طريق الخير والشر، وإن كان منهم من هو بالجملة إلى أحدهما أميل، وعلى تمكنه من السبيلين دل الله بقوله: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾، وقوله تعالى: ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾؛ أي عرفناه الطريقين، وكما أنه مفطور على اكتساب الأمرين في ابتدائه، مفطور على أنه إذا تعاطى أحدهما إن خيرا وإن شرا ألفه فإذا ألفه تعوده، وإذا تعوده تطبع به وإذا تطبع به صار له طبعا وملكة، فيصير فيه بحيث لو أراد أن يتركه لم يمكنه[13].

فالمعرفة الفطرية تابعة لإرادة النفس، ومسؤوليتها عن التجاوب معها، وتمثلها في الرأي والسلوك، سواء ما كان منها يقود في اتجاه الفضيلة أو يدفع نحو الرذيلة.

والمصدر الثالث للمعرفة العقل، حيث فرق الإمام الغزالي فيما يصدر عنه من المعارف بينما هو ضروري وأصله الفطرة، وما هو مكتسب بالتعلم، فقال: “أما العقلية فنعني بها ما تقضي بها غريزة العقل، ولا توجد بالتقليد والسماع، وهي تنقسم إلى ضرورية لا يدرى من أين حصلت وكيف حصلت كعلم الإنسان بأن الشخص الواحد لا يكون في مكانين، والشيء الواحد لا يكون حادثا قديما، موجودا معدوما معا، فإن هذه علوم يجد الإنسان نفسه منذ الصبا مفطورا عليها… وعلوم مكتسبة وهي المستفادة بالتعلم والاستدلال وكلا القسمين قد يسمى عقلا”[14].

فأحكام العقل منها ما هو قطعي، لا مجال فيه للاختلاف بين الناس، ومنها ما يتأثر بأحوال النفس المنتجة لها، وتكون تابعة لما تختاره من توجهات معينة في الحياة، فتصير مسؤوليتها عنها ثابتة واضحة.

ومن المعلوم أن مذاهب بشرية معروفة، اعتبرت كل فكر إنما ينتج عن الظروف التي تبلور في أجوائها، وأنها هي من ألهم العقل التفكير على نحو ما ينسجم معها، دون أن يتمكن من تجاوز إملاءاتها، أو يستطيع التصرف فيها بما يحقق استقلال نظرته ومواقفه عن الإذعان الكامل لها، ولقد عبر الشاعر العربي قديما عن تقيده بمواقف وأفكار قبيلته فقال:

َومَا أَنَا إِلَّا مِنْ غَزِيَّةَ إِنْ غَوَتْ        غَوَيْتُ وَإِنْ تَرْشُدْ غَزِيَّةُ أَرْشُدِ

وأما كارل ماركس في العصر الحديث، فزعم في ماديته في كتابه “رأس المال” بأن حركة الفكر ليست إلا انعكاسا لحركة المادة، منقولة إلى دماغ الإنسان ومتحولة فيه. وظهر الكلام عن تاريخية الفكر، والتي يقصد بها ارتباط كل فكر بالظروف التاريخية المحتضنة له، بل والمولدة له[15].

وهذا غلو في الاعتراف بما للواقع المادي المحيط بالفكر من تدخل في تشكيله، والذي لا يقع إلا في حدود نسبة معينة، لا تلغي أبدا مسؤولية الإنسان عن صنع معارفه المتعلقة بدائرة توجهه في دروب الحياة.

فمثل هذه التفسيرات تحاول نفي مسؤولية الإنسان عن جزء لا يستهان به من معارفه إذا لم يكن كلها، وهو ما اعتبره انتقاصا من المكانة الاستخلافية للإنسان الذي بوأه الخالق موقع السيادة على نفسه وعلى الكون من حوله، كما يعد من الأغاليط الشائعة في فكر الآدميين وسلوكهم، الذي يتخذ صورة تنظيرات علمية أو مقولات عامية، نزوعهم إلى تبرئة أنفسهم مما هم ملزمين به من مسؤوليات طبعا وخلقة.

2. انحرافات العارف في التعامل مع المعرفة

تتعدد انحرافات العارف في استقبال المعرفة والتعامل معها على مستويات نذكر من أهمها ما يلي:

أ. القصد المبيت للرفض والاعتراض

كثيرا ما يكون رفض العارف للمعرفة، وإنكار مقتضياتها الدلالية، مبنيا على مجرد الرفض، لاعتبارات بعيدة عن مراميها ومحتوياتها، يستند فيها إلى خلفيات مسبقة، تمثل حاجزا بين عقله وما تتضمنه من حقائق واضحة، بل وقادرة على جعل تلك الحقائق تنقلب في إدراكه رأسا على عقب، كأن تتكون لديه نظرة خاطئة عن شخص أو طائفة أو منظومة فكرية ما، فيحاكم الخطاب الصادر عن هذه الجهات بناء على تصور قبلي مغلوط، يفقده القدرة على السماع والتفكير.

 وقد وصف لنا القرآن نماذج لمثل هذه الأمزجة المجحفة في حق ما يلقى إليها من معارف: ﴿وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا. الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا﴾ (الكهف: 96-97)، ويسوق شهادة الرافضين لكلام الله على أنفسهم بأنهم محجوبون أصلا عن مجرد الاستماع: ﴿كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ. وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آَذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ﴾ (فصلت: 2-4) .

فالتواصل عند غياب الاستعداد للسماع يكون متعذرا، وبالتالي يصير التبليغ مستحيلا، ولهذا شرط الله تعالى على رسوله، عليه السلام، القيام بالتذكير عند احتمال نفعه فحسب، ﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى. سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى﴾ (الأعلى: 9-10) ، إذ التذكير لا يثمر الخشية إلا في القلوب المتجاوبة معه.

ب. رفض المعرفة بعد تبين صحتها واتجاهها

قد يحصل أن يتبين العارف صحة اتجاه خطاب ما، وأنه حق لا يشوبه باطل، ورغم ذلك يرفضه بقوة، ويتخذ لرفضه حججا يوقن أنها واهية، يحاول بها تسويغ موقفه أمام الآخرين، وإسكات صوت ضميره وخداع نفسه.

وفي هذه الحالة تتأكد بوضوح مسؤولية النفس، عن المعارف التي تتبناها وتسير على نهجها، فليس الخطأ البشري ناتجا دائما عن جهل أو سوء فهم، وإنما ينشأ غالبا عن وعي وبصيرة وإرادة صريحة لا غبار عليها.

ولقد أبرز القرآن هذه الحالة مرارا، لفضح حقيقة المعترضين على هديه، ﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آَيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ. وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ (النمل: 13-14) .

 وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ (فصلت: 16)؛ بمعنى أن الله هداهم هداية تعليم وتعريف كامل وتام لا نقص فيه، ثم فضلوا سلوك نهج التعامي والإعراض، والمخالفة لما هدوا إليه وثبت عندهم بيانه.

فهذا الموقف النفسي من المعارف ومصادرها، هو الذي يؤطر التحصيل المعرفي ويرسم له وجهة واضحة المعالم، ويحسم كيفية الاستفادة العلمية ودرجة الفهم والاستيعاب.

ج. تأويل المضامين بخلاف مقاصدها

قد تتلقى النفس مضمونا معرفيا وتبدي تقبلها له، ثم تعمد إلى تأويله على نحو يبتعد به عن مقاصده، ويشذ به عن سياقه، رغم ما يتصف به من الوضوح.

فالتأويل الموجه كان دائما مطية لفاسدي النية، الذين لا يخضعون للمضمون القرآني، وإنما يخضعونه لأهوائهم كلما وجدوا سبيلا إلى ذلك، فيسخرونه في أغراض واتجاهات مخالفة تماما لطبيعته، ولمقتضياته الفكرية والسلوكية.

والخائضون في التأويل المنحرف والمحرف، إنما يرومون الانسلاخ من أحكامه، وما يلزمهم به من تكاليف اعتقادية وسلوكية: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ (ءال عمران: 7).

فالنص الشرعي بطبيعته، يقدم توجيهاته الهادية لمن يسعى في طلبها، ويفسح مجالا لمن يريد تجاوزها وتغيير اتجاهها ومعانيها الصحيحة عن طريق التأويل الفاسد؛ “فالتأويل الذي يوافق ما دلت عليه النصوص وجاءت به السنة ويطابقها هو التأويل الصحيح، والتأويل الذي يخالف ما دلت عليه النصوص وجاءت به السنة هو التأويل الفاسد”[16].

فمضمون الوحي يكرس حرية العارف ويفرض عليه الاضطلاع بمهمة الفهم والتأويل بكامل مسؤوليته.

د. تحصيل المعرفة والكسب الإنساني

عندما ينظر الإنسان إلى مختلف الظواهر البارزة في الكون، وإلى المعارف المسطورة في الكتب، أو ينصت إلى الخطابات التي تفد على مسامعه، فإن فهمه لها على نحو معين قد يتفق مع مقتضاها وقد يختلف معه، بحيث يكون ذلك الفهم منه هو الخطوة الأساس لممارسة المسؤولية المعرفية.

وهذه المسؤولية تشمل مدى صدق المتعلم في طلب الحق والتجرد عن الأهواء الذاتية الصادة عنه، ومدى الاستعداد للعمل بمقتضيات العلم المحصل، والوقوف عند حكمها، والصبر على احتمال تبعاتها، يقول ابن القيم: “صحة الفهم وحسن القصد من أعظم نعم الله التي أنعم بها على عبده، بل ما أعطي عبد عطاء بعد الإسلام أفضل ولا أجل منهما، بل هما ساقا الإسلام، وقيامه عليهما، وبهما يأمن العبد طريق المغضوب عليهم الذين فسد قصدهم وطريق الضالين الذين فسدت فهومهم، ويصير من المنعم عليهم الذين حسنت أفهامهم وقصودهم، وهم أهل الصراط المستقيم الذين أمرنا أن نسأل الله أن يهدينا صراطهم في كل صلاة”[17].

 وقد أكد القرآن أن الله تعالى، يمنح حقائق المعارف لمن جد في طلبها بصدق وإخلاص، وراض نفسه على حب الحق والالتزام به فكرا وشعورا وسلوكا: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (العنكبوت: 69) ؛ ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (البقرة: 281) . فلا علم بدون فهم حتى قيل “العلم هو الفهم والدراية، وليس الإكثار والتوسع في الرواية”.[18]

وبالمقابل إذا ساء قصد الشخص، وانعدم صدقه في البحث عن الصواب والحكمة، فإن الله تعالى يصرفه عن الحق بعد انجلائه إلى الضلال، ويزين له فهمه المعوج، ويمد له في مجال الانخداع برأيه، والاستمرار على نهجه الخاطئ أمدا طويلا: ﴿أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ﴾ (فاطر: 8). ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ (النساء: 114).

فالفهم أساس العلم الذي ينبني عليه العمل، وينتج عنه الصلاح والفلاح، فالعارف الناكب عن الحق المجانب لسبيله، لا يعي أنه قد مكر به عندما يتبع الباطل فتستحسنه نفسه، وأنه هو المسؤول عن سوء الفهم لأنه المتسبب الرئيسي فيه.

ﻫ. مخالفة العمل للعلم

المعارف النافعة تكون دالة على الأعمال، الصالحة للإنسان الفرد والجماعة في الدنيا والآخرة، والعلم إنما يستمد قيمته بقدر بيانه للعمل الواجب، الذي يحتاجه الناس في معاشهم ومعادهم وترتقي به نفوسهم وأوضاعهم المختلفة.

وتتميز المعرفة الشرعية بكونها ذات طبيعة عملية، فنجد القرآن يخلع على مضامينه لباس العمل، الذي يتخذ صور معتقدات تستقر في القلب، وعبادات وأخلاق تنجزها الجوارح بتوجيه أيضا من القلب، وتعبئة نفسية شاملة.

فقد ربط القرآن بين العلم به والاستقامة على نهجه المبين: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ (هود: 112) ، وأعتبر الإيمان الحق هو ما ترجم إلى سلوك: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ. الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ. أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ (الأنفال: 2-4). كما أعاب على من حصل العلم ولم يتبعه بما يقتضيه من العمل، فقال تعالى: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ (البقرة: 43).

ولهذا الاعتبار كان الإمام مالك بن أنس، يكره الخوض في مسائل العلم، التي لا ينبني عليها عمل.

فقد تتوفر للمرء أسباب تحصيل العلم، ويصبح فيه مبرزا، لكن تمثله بالأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة ضعيف أو منعدم، وهو ما يدل، مرة أخرى، على أن العلم ما لم يقترن بعزم صادق على الاهتداء به، ومجاهدة النفس على التزام نهجه، فإنه لا ينفع العارف به، وإنما يصير حجة عليه، فليحقه الخزي والخسران.

ثالثا: مسؤولية العارف عن معرفته

تقتضي الطبيعة الاستخلافية للإنسان أن تحتكر نفسه الدور الأول في صناعة مختلف أحواله، سواء منها ما تعلق بذاته أو بيئته الاجتماعية والكونية، فهو الذي يمسك بزمام القرار في شتى جوانب وجوده الأرضي، بحيث يرجع إليه الحسم في كل شؤونه، وعلى رأسها المعرفة التي تؤطر سلوكه وتوجهه.

1. حرية الذات تجاه سلطان العلم

لما استخلف الله الإنسان في الأرض، أخضع له نفسه وطاقاتها، وسخر له كل شيء ليتصرف فيه بمحض إرادته واختياره، بما في ذلك العلوم والمعارف سواء كانت منزلة أو مكتسبة، فأضحى يطوعها لمشيئته كيف يشاء، ولا تملك أبدا حمله على ما لا يرتضيه من الغايات والأهداف والنتائج، بل إن النفس بإمكانها أن تقلب الأباطيل حقائق، والحقائق أباطل، وتصنع من اللاشيء شيئا عظيما، كأن تتخذ من هواها إلها تسعى في مرضاته، قال تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ (الجاثية: 22).

  وما يستوقفني أكثر في هذه الآيات، هو أن النفس عندما تطلب الانحراف، لا يمنعها منه ما يبلغها من العلم الشرعي، بل تمضي في ضلالها وغيها وتخليطها إلى أبعد الحدود.

 فقوله تعالى: ﴿وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ﴾؛ يحتمل قولين: أحدهما؛ وأضله الله لعلمه أنه يستحق ذلك، والآخر وأضله الله بعد بلوغ العلم إليه وقيام الحجة عليه، والثاني يستلزم الأول ولا ينعكس[19].

 وقال تعالى على لسان يوسف، عليه السلام، وهو يخاطب المشركين: ﴿مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف: 40).

 فالآلهة التي يعبدها المشركون من دون الله، لا تعدو كونها أسماء خلعوها عليها من تلقاء أنفسهم، فصارت لها رهبة وقداسة في قلوبهم، أو أصناما صنعوها بأيديهم، وتوجهوا إليها بالقرابين وفروض الطاعة والعبادة.

﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ (البقرة: 88)، ﴿الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ (البقرة: 145)، ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِين. يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ﴾ (النحل: 82-83).

 فالمتلقون للقرآن اتسعت هوة الخلاف بينهما اتساعا شديدا، يتأكد من خلاله دور الذات في تشكيل نتيجة معرفية، مبنية على الاختيار الواعي للنفس، التي ترى الحق فتذعن له، وتتقبله على أنه واجب عليها تصديقه والرضى به، أو أنها ترى في قرارة نفسها أنه الحق، ولكنها ليست مستعدة لقبوله والعمل بمقتضياته، وتظن أن مصلحتها المسايرة لأهوائها تكمن في رفضه وتكذيبه، كما أكدت آيات أخرى.

2. تدخل الذات العارفة في تحصيل المعرفة وتكييفها مع خصوصياتها

 عندما تتلقى النفس معلومات من مصادر خارجية تخضعها لطبيعتها الخاصة، وتصوغها صياغة جديدة تنسجم مع خصوصياتها وتتأثر بها إلى أبعد الحدود، فمرادات النفس وأهواؤها والمعتقدات والعادات المترسخة فيها تظل فاعلة في تكييف المعلومات الواردة عليها، شعر الإنسان بذلك وقصده أم لم يشعر. ويتجلى ذلك في مختلف مراحل تحصيل العلم بدءا من الفهم، وانتهاء بالعمل الذي يترتب عنه، بحيث يكون لكل نفس طريقتها في الإدراك والاستيعاب، الذي لا يرجع إلى درجة الفطنة والذكاء فحسب، وإنما يرجع أساسا إلى اختياراتها ومزاجها وباقي أحوالها الخاصة.

 وأكثر ما يبرز دور النفس في بناء المعرفة الشخصية، عندما يتعلق الأمر بالعلوم التي تسمح بالموقف الفردي، أو تسعى إلى تكوينه، وعلى رأسها الدين الإلهي، حيث تتدخل جميع أحوال النفس إلى جانب الذكاء والمعرفة المحصلة سابقا، كما يتجلى لنا من حديث النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: “مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا، فكان منها نقية قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجاذب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصابت منها طائفة أخرى، إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به”[20]. فهذا الحديث يلفت النظر إلى اختلاف النفوس في استقبال العلم والانتفاع به، ويقرر، تبعا لذلك، دورها الكبير في توجيه الفهم والإدراك.  إن الإدراك الذاتي للمعارف الشرعية، قد يتأثر بنفسية الشخص ومزاجه وأخلاقه الثابتة، وما أمده به الوسط الاجتماعي من أفكار ومعتقدات وعادات سائدة في بيئته، عليه أن يوطن نفسه على مناهضتها والانعتاق من ربقتها.

يقول الإمام الغزالي في هذا الموضوع: “فإن المطيع القاهر لشهواته، المتجرد للفكر في حقيقة من الحقائق، قد لا ينكشف له ذلك لكونها محجوبة عليه باعتقاد سيق إليه في ضد الحق منذ الصبا على سبيل التقليد، والقبول بحسن الظن يحول ذلك بينه وبين حقيقة الحق، ويمنع من أن ينكشف في قلبه خلاف ما تلقفه من ظاهر التقليد، وهذا أيضا حجاب عظيم به حجب أكثر المتكلمين والمتعصبين للمذاهب، بل أكثر الصالحين المتفكرين في ملكوت السماوات والأرض، لأنهم محجوبون باعتقادات تقليدية، جمدت في نفوسهم ورسخت في قلوبهم وصارت حجبا بينهم وبين درك الحقائق”[21].

 ومما يستعان به على مواجهة المؤثرات الخارجية المانعة لإبصار الحقائق وتمييزها عن الأباطيل والضلالات، مجاهدة النفس طلبا للاستقامة على الدين، وملازمة الدعاء برؤية الحق حقا ناصعا، ورؤية الباطل باطلا سافرا، وعرض ما التبس من الأمور على القلب والفطرة السليمة، فهي بفضل الله غالبا ما تنشرح للطاعات وتتضايق من الآثام. فعن وابصة بن معبد أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال له: “جئت تسألني عن البر والإثم؟ قلت نعم. فجمع أصابعه الثلاث فجعل ينكت بها في صدري ويقول: يا وابصة استفت نفسك، البر ما اطمأن إليه القلب واطمأنت إليه النفس، والإثم ما حاك في القلب وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس”[22].

 فهذا، إذن، من رسول الله، عليه الصلاة والسلام، للمسلم بأن يستفتي قلبه، فيما يعرض له من أمور الحياة، التي ليس فيها دليل قوي، أو تعددت فيها آراء العلماء وتقاربت حجيتها، بحيث يمكنه أن يترك ما يحيك في نفسه إلى ما تطمئن إليه، وترتاح لفعله، بعيدا عن مطاوعة الهوى. قال حسان بن أبي سنان: “ما رأيت شيئا أهون من الورع دع ما يريبك إلى ما لا يريبك”[23].

 فقد فطر الله النفس على معرفة كليات الحق والفضيلة، والنفور من شوائب الباطل والرذيلة، وزودها بميزان ذاتي تزن به كل ما يعرض عليها من علوم وظواهر وأفعال، لتستحسن حسنها وتستقبح قبيحها في ضوء تعاليم الشرع التي تزيد من دقة الميزان النفسي وحساسيته[24]. قال الغزالي: “فمن تعلم من رسل الله ووزن بميزان الله فقد اهتدى، ومن عدل عنها إلى الرأي والقياس فقد ضل وتردى”[25].

 فالإنسان مسؤول عن إعمال فكره، في كل ما يقدم له من العلم والمعاملات داخل البيئة الاجتماعية، يقول ابن القيم: “التفكير يوجب له من انكشاف حقائق الأمور وظهورها له، وتميز مراتبها في الخير والشر ومعرفة مفضولها من فاضلها وأقبحها من قبيحها، ومعرفة أسبابها الموصلة إليها. وما يقاوم تلك الأسباب ويدفع موجبها، والتمييز بين ما ينبغي السعي في تحصيله، وبين ما ينبغي السعي في دفع أسبابه. والفرق بين الوهم والخيال المانع لأكثر النفوس من انتهاز الفرص بعد إمكانها، وبين السبب المانع حقيقة فيشتغل به دون الأول. فما قطع العبد عن كماله وفلاحه وسعادته العاجلة والآجلة قاطع أعظم من الوهم الغالب على النفس، والخيال الذي هو مركبها بل بحرها الذي لا تنفك سابحة فيه، وإنما يقطع هذا العارض بفكرة صحيحة وعزم صادق يميز به بين الوهم والحقيقة”[26].

  فما أكثر المدركات التي يحصل انبهار النفس بها، فيعظم قدرها ويجل شأنها في اعتبار الملبس عليه، وهي في حقيقة الأمر باطل محض، ووهم عريض اكتسب قيمة في نظر الإنسان لخلل في نفسه وانحراف في إرادتها، تماما كما تختفي بعض الألوان الطبيعية في نظر المصاب بعمى الألوان، وتستحيل حلاوة العسل مرارة في الفم العليل.

وكما تنعكس حال النفس إذا حادت عن الهدى على حقائق العلم الشرعي بالخفاء والانطماس، فإن مآلها إذ لزمت الحق والاستقامة عليه، هو أن يزداد علمها بالله وحقائق دينه. قال تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (البقرة: 281).

 قال الإمام القرطبي في شرح هذه الآية: “وعد من الله تعالى بأن من اتقاه علمه، أي يجعل في قلبه نورا يفهم به ما يلقى إليه، وقد يجعل الله في قلبه ابتداء فرقانا أي فيصلا يفصل به بين الحق والباطل، ومنه قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا﴾”[27].

 فالتقوى صفة للنفس قائمة على إرادة الاستقامة على الدين والإحساس بالمسؤولية عند كل خطوة يخطوها الإنسان في حياته، والتزام الخشية إزاء ما يجلب غضب الله وعذابه، وهي حالة تدفع دوما إلى العمل الصالح، وإخضاع النفس لشرع الله والحذر من اتباع الهوى، الأمر الذي يعين على إبصار القلب لحقائق الدين ناصعة جلية.

وإذا استوفت النفس شرط التقوى، استحقت من الله العون والسداد والهداية، فيفتح عليها من أبواب معرفته على قدر حزمها وعزمها، ومجاهدة النفس في طاعة الله. قال عمر بن عبد العزيز: “إنما قصر بنا عن علم ما جهلنا تقصيرنا في العمل بما علمنا، ولو عملنا ببعض ما علمنا لأورثنا علما لا تقوم به أبداننا”[28].

 فالتعليم الإلهي لعباده المتقين، والمستقيمين على صراطه المستقيم، يكون بالدرس والنظر، ويكون هبة من الله وإلهاما من غير الأسباب المعلومة.

 قال تعالى عن موسى عليه السلام والعبد الصالح: ﴿فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا. قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا﴾ (الكهف: 65-66).

وقد استدل بعض العلماء بهذه الآية على تعليم الله أولياءه من غير الأنبياء، وكان أبو يزيد وغيره يقول: “ليس العالم الذي يحفظ من كتاب، فإذا نسي ما حفظه صار جاهلا، إنما العالم الذي يأخذ علمه من ربه أي وقت شاء بلا حفظ ولا درس، وهذا هو العلم الرباني وإليه الإشارة بقوله تعالى: ﴿وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا﴾ مع أن كل علم من لدنه ولكن بعضها بوسائط تعليم الخلق فلا يسمى ذلك علما لدنيا، بل اللدني ينفتح في سر القلب من غير سبب مألوف من خارج”[29].

 وأرى أن أنفع سبب في تحصيل علم الهداية والرشاد، هو ما يتحقق في النفس من إقبال على الله وإنابة إليه، واستعداد للعمل بعلمه. فإن تحقق هذا الشرط النفسي أولى وأجدى لاستحقاق تعليم الله وتسديده، أكثر من تحقق الأسباب المادية للتعلم من اقتناء الكتب وأدوات الدرس واختيار المعلمين والانتساب إلى المدارس ودور العلم.

خاتمة

إن البحث في مسؤولية العارف من منظور إسلامي، يمكن أن يشكل مدخلا متميزا لنظرية المعرفة الإسلامية، التي لم تحظ بالاهتمام اللازم من طرف العلماء والمفكرين الإسلاميين، رغم رسوخ الأمة الإسلامية في مجال العلوم النقلية والعقلية منذ أربعة عشر قرنا، ورغم توفر المعرفة الإسلامية على مزايا عديدة، على رأسها ربانية مصدر الوحي الخاتم، والمؤطر للإبداع في مختلف المعارف والفنون، وخلود لغة القرآن التي استوعبت التراث الإسلامي، الذي يمثل اليوم أرضية خصبة لبناء نظريات إسلامية في مختلف مجالات الفكر والثقافة والإنجاز الحضاري.

الهوامش

[1]. الألوسي، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، المحقق: علي عبد الباري عطية، بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1415ﻫ، 1/226.

[2]. انظر مقالنا: الاستخلاف في الأرض نحو رؤية كونية قرآنية، ضمن أعمال الندوة العلمية الدولية: القرآن الكريم ورؤية العالم: مسارات التفكير والتدبير، التي نظمتها الرابطة المحمدية للعلماء، يومي 5 و6 شعبان 1435ﻫ موافق لـ5 و6 يونيو 2014م بالرباط، سلسلة ندوات علمية 07، مطبعة المعارف الجديدة، ط1، (1436ﻫ/2015م)، ص307.

[3]. ابن قيم الجوزية، مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية أهل العلم والإرادة، تحقيق: علي حسن عبد الحميد الحلبي، المملكة العربية السعودية: دار ابن عفان، ط1، (1416ﻫ/1996م)، 1/46.

[4]. أبو عمر يوسف بن عبد البر، جامع بيان العلم وفضله، بيروت: دار الكتب العلمية، د. ط، د. ت، 1/27.

[5]. أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب البستي المعروف بالخطابي، معالم السنن، حلب: المطبعة العلمية، ط1، (1351ﻫ/1932م)، 4/186.

[6]. السيوطي، الهندي، الدهلوي، البوصيري، الكنكوهي، النعماني، شروح سنن ابن ماجه، تحقيق: رائد بن أبي علفة، ط1،  2007، ص20.

[7]. انظر موقع منتدى التوحيد:

http://altwhed.yoo7.com/t21-topic

[8]. عبد الواحد بن عاشر، المرشد المعين على الضروري من علوم الدين، مصر: مكتبة القاهرة، د، ط. ود. ت، ص2-3.

[9]. الأبيات للشيخ إبراهيم اللقاني من قصيدة جوهرة التوحيد. انظر: الشيخ علي بن محمد التميمي الصفاقسي، تقريب البعيد لجوهرة التوحيد، تحقيق: الشيخ لحبيب بن الطاهر، مجلة الزيتونة، ص17.

[10]. انظر: أبو حامد الغزالي، إحياء علوم الدين، بيروت: دار المعرفة، د. ط، ود. ت، 1/14.

[11]. ماجد عرسان الكيلاني، نظرية المعرفة في التربية الإسلامية، بحث مقدم للمؤتمر الرَّابع للبحث العلمي في الأردن، المنعقد يوم السبت 7 /11/2009، ص37. منشور بموقع الألوكه:

www.alukah.net

[12]. ابن تيمية، الفتاوى، “كتاب السلوك”، ج10، ص486

[13]. انظر: الراغب الأصفهاني تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين، تقديموحواشي: أسعد السحمراني، دار النفائس، ط1، (1408ﻫ/1988م)، ص153.

[14]. انظر: إحياء علوم الدين، م، س، 3/15.

[15]. عبد السلام محمد الأحمر، جولات تفكر في مسؤولية الفكر، منشورات جريدة ميثاق الرابطة رقم 02، ط1، (1433ﻫ/2012م)، ص163-164.

[16]. ابن قيم الجوزية، الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة، المحقق: علي بن محمد الدخيل الله، الناشر: الرياض: دار العاصمة/المملكة العربية السعودية، ط1، 1408ﻫ، 1/187.

[17]. ابن قيم الجوزية، إعلام الموقعين عن رب العالمين، بيروت: دار الكتب العلمية، د. ط، (1417ﻫ/1996م)، 1/69.

[18] – الجامع (2/174)

[19]. ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، تحقيق: محمد حسين شمس الدين، بيروت: دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون، ط1، 1419ﻫ، 4/282.

[20]. صحيح البخاري، العلم، باب: فضل من علم وعلم وصحيح مسلم الفضائل، باب: بيان مثل ما بعث به النبي من الهدي والعلم.

[21]. أبو حامد الغزالي، معارج القدس في مدراج معرفة النفس، بيروت: دار الآفاق الجديدة، ط2، 1975، ص95.

[22]. أخرجه أحمد في مسند وابصة بن معبد الأسدي تحت رقم 18021 و18023 ولمسلم حديث في معناه.

[23]. صحيح البخاري البيوع باب تفسير المشبهات.

[24]. قال أفلاطون: إن كل ما يتعلمه الإنسان هو في قرارة نفسه وإن تجارب هو ما يحيط به من الخارج ما هي إلا أسباب تساعده ليصير عالما في نفسه (العقيدة والفكر الإسلامي، ص124).

[25]. أبو حامد الغزالي، القسطاس المستقيم، بيروت: دار المشرق، قدم له وذيله وأعاد تحقيقه: فيكتور شلحتط، ط2، 1986، ص43.

[26]. ابن قيم الجوزية، مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة، بيروت: دار الكتب العلمية، 1/181.

[27]. أبو عبد الله محمد القرطبي، الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمن من السنة وآي الفرقان، تحقيق أحمد عبد العليم البردوني، القاهرة: دار الشعب القاهرة، ط2، 1372ﻫ، 3/262.

[28]. المصدر نفسه، 10/242.

[29]. إحياء علوم الدين، م، س، 3/23.

Science
الوسوم

ذ. عبد السلام الأحمر

• عضو المكتب التنفيذي للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق