مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةدراسات عامة

نظرات في الوقف والابتداء، الوقف وعلاقته بالمعنى

 

وأورِدُ بعون الله – فيما يلي – نماذِجَ من الوقف الذي ارتضاه العلماء، رابِطاً بينه وبين المعنى المُناسِبِ لَه المترتِّبِ عليه :
1-وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ (1)(صل) كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هذَا الذي رُزِقْنا مِن قَبْلُ (2) (صل) وأُتوا به متشابِها (3) (صل) ولَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
*     الوقف هنا جائز ولكنّ الوصل أولى، الوقف ههنا هو توقّف عند جزء منأجزاء وصف الجنّة، ثمّ استئناف الوصف بقولِه كلّما، وفي الوقف استراحة، أمّا الوصل فهو أولى لأن فيه وصل جزء ثانٍ بجزء أوّلٍ من المشهد العامّ ، والدّليل اللّغويّ على أنّ الوصلَ أولى أنّ جملة “كلّما رُزِقوا منها من ثمرة رزقا قالوا…” هي في محلِّ نصبٍ صفةٌ ثانية للجنّات، والصّفة الأولى للجنّات هي جملة “تجري من تحتها الأنهار” والتّقدير : أن لهم جنّاتٍ جارِيةً من تحتِها الأنهار، ومقولاً فيها هذا الذي رزقنا من قبلُ، حينَما يُرزقون من ثَمَرِها، فيكون تتابع الصفتين أو النّعتينِ اللذيْن نُعِتَتْ بِهما الجنّاتُ أولى من انقطاعِ بعضِهِما عن بعض [والله أعلم]
*     والشّيء نفسُه يُقالُ ههنا، يجوز الوقف لأنّه انتهى قولُهُم وهو: “هذا الذي رُزقْنا من قبلُ” ثمّ بدأ كلام له تعلّقٌ بما قبلَه على جهة الإحالةِ والوصفِ ، أما أولوية الوصل فتأتي من جهة أنّ جملةَ “أُتوا بِه متشابِها” حملة في محلّ نصب حال، أي تصف هذه الجملةُ حالةَ القائلينَ للكلام السّابقِ، أي: قالوا ذلك الكلام مأتياً لهم رزقٌ متاشبِه ، أو قالوا ذلك الكلام وهم مأتيٌّ لهم رزقٌ متشابِه، فالوصل أولى لأنه وصل للحال (جملة أُتوا) بصاحب الحال (ضمير الفاعل في قالوا) [والله أعلم]
* أمّا الوقف على “وأتوا به متشابها” فمن أجل الفصل بين جزء من المعنى العامّ، وهو تشابه الأرزاق والثّمار، وجزء ثانٍ وهو “ولهم فيها أزواج”، أمّا أولويّة الوصل فمن أجل علاقة العطف بين الجزء الأول والجزء الثاني، فجملة “ولهم فيها أزواج…” معطوفة على جملة “أتوا به متشابها”، والمعْطُوفُ بواو العطف (أي الجملة الثانية)، هُوَ تَابِعٌ يَتَوَسَّطُ بَيْنَهُ و بَيْنَ مَتْبُوعِهِ (الجملة الأولى) أَحَدُ حُرُوفِ العَطْفِ ، ووصل المعطوف بالمعطوف عليه ربط للتّابع بالمتبوع وتشريك بينهما 
 2- إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا (1) ( ج ) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ (2) ( صل ) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَـذَا مَثَلاً (3) ( م ) يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً  (4) ( ج ) وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ (5) ( ج ) أُولَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ
*  الوقفُ هُنا جائِزٌ جَوازاً مُسْتَوِيَ الطّرفيْنِ، وليس الوصْلُ بأوْلى لأنّه بالوقفِ على “فَما فَوقها” ينتهي معنى مُجْمَلٌ عامٌّ هو ضربُ المثلِ بأحْقرِ المَخلوقاتِ، وأمّا قولُه “فأمّا الذين آمنوا…” فهو تفْصيلٌ لِما أجْمِلَ سابِقاً، وقد جاء حرفُ أمّا الذي يُفيدُ الشَّرْطَ والتَّفْصيلَ لكي يربِطَ التّفصيلَ اللاحِقَ بالإجْمالِ السّابِق 
*    الوقف هنا جائز والوصل أولى لأنّ الوصْلَ يُفيدُ رَبْطَ المَعْطوفِ “وأمّا الذين كَفَروا…” بالمعطوفِ عليه “فأمّا الذين آمنوا…” ، وإيرادُ الجُمْلَتَيْنِ المُعْطوفةِ إحداهُما على الأخرى هو إيرادٌ للكلامِ التّفصيلِيّ بِرُمّتِه 
*    الوقفُ ههنا لازِمٌ لأنّنا لَو وصَلْنا لترتَّبَ على الوصْلِ أي يكونَ “مضلّ” جزءاً من تساؤلِهِم أي داخِلاً في كلامِهِم، بينما هو جزء من كلام الله تعالى في الرّدّ عليهم، فإذا وصلنا اعتقد السامع أنّ المثل الذي ضربَه الله تعالى مُضِلٌّ وأنّه من كلامِهِم ومن زعمِهِم . والله عزّ وجلّ لا يضرِبُ الأمثال للتضليل بل لبيانِ الهدايةِ، فلا بدّ من الوقف، وعليه تكون جملة يُضلّ به استئنافِيّةً أي فيها استئنافٌ للكلام بعد توقّف وقد أعربَ اللّغويّون والمفسِّرون جملَةَ (يُضلّ) خَبراً لمبتدإ محذوفٍ تقديره “ذاك” أي ضرب الأمثال ولو كانت حقيرةً ، فالجملة خبر و ليست صفةً للمثلِ، لذلك يتعيّن الوقف لقطع اللاحق عن السّابِقِ لفظاً وإعرابا وعدمِ تعلُّقِه بِه
*     الوقف على “كثيرا” جائزٌ ، لأنّ جملةَ “وما يُضلّ…” معطوفةٌ على التي قبلَها “يُضلّ به…” ويجوز الوقف ههنا جوازا مستوِيَ الطّرفينِ و لا يُفضّل عليه الوصل، لأنّ المعنى انتهى بالوقوفِ على “كثيرا” وجاءت جملة “وما يضل به…” لإضافة معنى إلى معنى سابق يشبهه شَبَهَ تنسيق، فاجتمع المَعْنيانِ اجتِماعَ عطفٍ وتناسُقٍ ، لا يُفضّل الوصل لأنّه لا يترتّب على عدمه إخلال بالمعنى
*     الوقف على “ويُفسدون في الأرض” جائز جوازاً مستوِي الطّرفين من دونِ تفضيل أحدِهِما على الآخَر؛ فقد ذُكِرَ أنّ الفاسقينَ مُضلّونَ بضربِ المثلِ، وكلُّ ما جاء بعد “الفاسقين” فهو نعوت وصفات جاءت على هيئة أفعال: الذين ينقضون – ويقطعون – ويُفسدون، وهي نعوتٌ معطوفٌ بعضُها على بعض، وتتنزّل كلُّها منزلة الوصل الواحد فلذلك ينبغي سردُها جميعا من دون توقّف، فإذا انتهينا إلى آخر فعل من أفعالِ الفاسقين، وجدنا أنفُسَنا بالخيارِ: إمّا أن نقف وإمّا أن نصل، لأنّ قوله : “أولئك” إشارة للفاسقين بكلّ ما وُصِفوا به من أفعالٍ شنيعة ، وكأنّ أنفاس القارئ تتلاحق من تعداد هذه الأفعال والصّفاتِ، فجاءت أخيرا الإشارة العامّةُ إليهم باسم إشارة “مبتدأ” تُفيد الحُكم بخسرانِهم، فقد جاءت هذه الجملة لتسدل الستار على المشهد وذلك بالحكم العادل عليهم: أولئك هم الخاسرون، وهذه جملة مكوّنة من مبتدإ (أولئك) وضمير فصل (هم) و (الخاسرون) خبر للمبتدإ أولئك  
3- و إِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَـذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ (1) ( ج )  وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ
*الوقف والوصف مستويان ههنا ، ولكلٍّ معنى، فإذا وقفنا فلأنّ مقولَ القولِ انتهى ، أي قُلْنا كلاماً مفاده ادخلوا وكُلوا وادخلوا الباب وقولوا، ثمّ جاءت جملةٌ اعتراضيّة هي “سنزيد المحسنين” اعترضت بين شيئين متلازمَيْن هما “نغفر لكم خطاياكم” و “فبدّل الذين ظلموا قولا…” وهذِه الأخيرة “فبدّل” معطوفة على “قلنا” ، فجاء الاعتراض [أو الاستطراد] واقعاً بين المعطوف عليه “قلنا” والمعطوف “بدَّلَ” ، ولهذا جاز الوقف على خطاياكم لأنه ستأتي جملة معترِضةٌ بين جملتينِ مُتطالِبَتَيْنِ لتوكيدِ الكلامِ السّابِق ، وهو مزيد من الإنعامِ على المُحسنين فضلا عن نعمة الأكل الرّغَد وغفران الخطايا ، جاء الاعتراض لتوكيد المعنى السّابق، وتميُّزُ هذا المعنى المُؤكِّدِ يقتضي الوقف على ما قبلَه ، من جهة ، و كونُه توكيدا لِما قبلَه يقتضي ربطه بِه بالوصل لا الوقف ، فاستوى الوقف والوصل من هاتين الجهتيْنِ  
4-وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ (صل) فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً (صل) قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ ( صل ) كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ
* هذا مشهد واحد كبير، مقسَّمٌ إلى أقسامٍ؛ فأما المشهَد العامّ فهو سعيُ موسى لقومِه وما نجم عن السّعي من نِعمٍ، وأمّا أقسامه أو أجزاؤه فهي: 1-انفجار عيون الماء بعد الاستسقاء، 2-اهتداء كلّ أناس إلى مشارِبِهم، 3-التذكير بأنّ هذه أرزاق الله فينبغي أن يعقبها شكر النعم لا الإفساد في الأرض.وهذه الأقسام الثلاثة يمكن الوقف عليها لأنها متمايزة، ولكنّ وصلَ بعضِها ببعض أولى لأنّها أحداثٌ أو حلقاتٌمتسلسلة، وإذا قُرئت بتواصُل حوفِظ على المعنى العامِّ مجتمِعاً في الذّهن وعند السّامع والقارئ .
5-وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا ( صل ) قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ (ج) اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ (قلى) (*) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ (*) (قلى) ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) يجوز الوقف والوصل، ولكنّ الوقف أولى، لأنّ اسم الإشارة (ذلك) يُشيرُ إلى ما لحِقَهُم من عقاب (ضَرْب الذّلّة – البَوْء بالغضب) فالإشارة إلى معنى مجتمِع ، ويقتضي هذا الأمر استئنافاً بعد وقف ، حتّى يتبيَّنَ لَنا أنّنا أمام استنتاج أو تعليل دلّ عليه حرفُ الباء (بِأنّهم كانوا يكفرون- بِما عصوا، أي بسبب كفرهِم وبسببِ عِصيانهم واعتدائهِم) ، وجاء هذا الاستنتاج أو التعليل قائما بذاتِه، بعد وقفٍ ليتبيّن ويتميَّزَ ، فحَسُنَ الوقف .

وأورِدُ بعون الله – فيما يلي – نماذِجَ من الوقف الذي ارتضاه العلماء، رابِطاً بينه وبين المعنى المُناسِبِ لَه المترتِّبِ عليه :1-وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ (1)(صل) كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هذَا الذي رُزِقْنا مِن قَبْلُ (2) (صل) وأُتوا به متشابِها (3) (صل) ولَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ

    الوقف هنا جائز ولكنّ الوصل أولى، الوقف ههنا هو توقّف عند جزء منأجزاء وصف الجنّة، ثمّ استئناف الوصف بقولِه كلّما، وفي الوقف استراحة، أمّا الوصل فهو أولى لأن فيه وصل جزء ثانٍ بجزء أوّلٍ من المشهد العامّ ، والدّليل اللّغويّ على أنّ الوصلَ أولى أنّ جملة “كلّما رُزِقوا منها من ثمرة رزقا قالوا…” هي في محلِّ نصبٍ صفةٌ ثانية للجنّات، والصّفة الأولى للجنّات هي جملة “تجري من تحتها الأنهار” والتّقدير : أن لهم جنّاتٍ جارِيةً من تحتِها الأنهار، ومقولاً فيها هذا الذي رزقنا من قبلُ، حينَما يُرزقون من ثَمَرِها، فيكون تتابع الصفتين أو النّعتينِ اللذيْن نُعِتَتْ بِهما الجنّاتُ أولى من انقطاعِ بعضِهِما عن بعض [والله أعلم]

    والشّيء نفسُه يُقالُ ههنا، يجوز الوقف لأنّه انتهى قولُهُم وهو: “هذا الذي رُزقْنا من قبلُ” ثمّ بدأ كلام له تعلّقٌ بما قبلَه على جهة الإحالةِ والوصفِ ، أما أولوية الوصل فتأتي من جهة أنّ جملةَ “أُتوا بِه متشابِها” حملة في محلّ نصب حال، أي تصف هذه الجملةُ حالةَ القائلينَ للكلام السّابقِ، أي: قالوا ذلك الكلام مأتياً لهم رزقٌ متاشبِه ، أو قالوا ذلك الكلام وهم مأتيٌّ لهم رزقٌ متشابِه، فالوصل أولى لأنه وصل للحال (جملة أُتوا) بصاحب الحال (ضمير الفاعل في قالوا) [والله أعلم]* أمّا الوقف على “وأتوا به متشابها” فمن أجل الفصل بين جزء من المعنى العامّ، وهو تشابه الأرزاق والثّمار، وجزء ثانٍ وهو “ولهم فيها أزواج”، أمّا أولويّة الوصل فمن أجل علاقة العطف بين الجزء الأول والجزء الثاني، فجملة “ولهم فيها أزواج…” معطوفة على جملة “أتوا به متشابها”، والمعْطُوفُ بواو العطف (أي الجملة الثانية)، هُوَ تَابِعٌ يَتَوَسَّطُ بَيْنَهُ و بَيْنَ مَتْبُوعِهِ (الجملة الأولى) أَحَدُ حُرُوفِ العَطْفِ ، ووصل المعطوف بالمعطوف عليه ربط للتّابع بالمتبوع وتشريك بينهما 
 2- إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا (1) ( ج ) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ (2) ( صل ) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَـذَا مَثَلاً (3) ( م ) يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً  (4) ( ج ) وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ (5) ( ج ) أُولَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ*  الوقفُ هُنا جائِزٌ جَوازاً مُسْتَوِيَ الطّرفيْنِ، وليس الوصْلُ بأوْلى لأنّه بالوقفِ على “فَما فَوقها” ينتهي معنى مُجْمَلٌ عامٌّ هو ضربُ المثلِ بأحْقرِ المَخلوقاتِ، وأمّا قولُه “فأمّا الذين آمنوا…” فهو تفْصيلٌ لِما أجْمِلَ سابِقاً، وقد جاء حرفُ أمّا الذي يُفيدُ الشَّرْطَ والتَّفْصيلَ لكي يربِطَ التّفصيلَ اللاحِقَ بالإجْمالِ السّابِق

  الوقف هنا جائز والوصل أولى لأنّ الوصْلَ يُفيدُ رَبْطَ المَعْطوفِ “وأمّا الذين كَفَروا…” بالمعطوفِ عليه “فأمّا الذين آمنوا…” ، وإيرادُ الجُمْلَتَيْنِ المُعْطوفةِ إحداهُما على الأخرى هو إيرادٌ للكلامِ التّفصيلِيّ بِرُمّتِه

   الوقفُ ههنا لازِمٌ لأنّنا لَو وصَلْنا لترتَّبَ على الوصْلِ أي يكونَ “مضلّ” جزءاً من تساؤلِهِم أي داخِلاً في كلامِهِم، بينما هو جزء من كلام الله تعالى في الرّدّ عليهم، فإذا وصلنا اعتقد السامع أنّ المثل الذي ضربَه الله تعالى مُضِلٌّ وأنّه من كلامِهِم ومن زعمِهِم . والله عزّ وجلّ لا يضرِبُ الأمثال للتضليل بل لبيانِ الهدايةِ، فلا بدّ من الوقف، وعليه تكون جملة يُضلّ به استئنافِيّةً أي فيها استئنافٌ للكلام بعد توقّف وقد أعربَ اللّغويّون والمفسِّرون جملَةَ (يُضلّ) خَبراً لمبتدإ محذوفٍ تقديره “ذاك” أي ضرب الأمثال ولو كانت حقيرةً ، فالجملة خبر و ليست صفةً للمثلِ، لذلك يتعيّن الوقف لقطع اللاحق عن السّابِقِ لفظاً وإعرابا وعدمِ تعلُّقِه بِه*     الوقف على “كثيرا” جائزٌ ، لأنّ جملةَ “وما يُضلّ…” معطوفةٌ على التي قبلَها “يُضلّ به…” ويجوز الوقف ههنا جوازا مستوِيَ الطّرفينِ و لا يُفضّل عليه الوصل، لأنّ المعنى انتهى بالوقوفِ على “كثيرا” وجاءت جملة “وما يضل به…” لإضافة معنى إلى معنى سابق يشبهه شَبَهَ تنسيق، فاجتمع المَعْنيانِ اجتِماعَ عطفٍ وتناسُقٍ ، لا يُفضّل الوصل لأنّه لا يترتّب على عدمه إخلال بالمعنى  الوقف على “ويُفسدون في الأرض” جائز جوازاً مستوِي الطّرفين من دونِ تفضيل أحدِهِما على الآخَر؛ فقد ذُكِرَ أنّ الفاسقينَ مُضلّونَ بضربِ المثلِ، وكلُّ ما جاء بعد “الفاسقين” فهو نعوت وصفات جاءت على هيئة أفعال: الذين ينقضون – ويقطعون – ويُفسدون، وهي نعوتٌ معطوفٌ بعضُها على بعض، وتتنزّل كلُّها منزلة الوصل الواحد فلذلك ينبغي سردُها جميعا من دون توقّف، فإذا انتهينا إلى آخر فعل من أفعالِ الفاسقين، وجدنا أنفُسَنا بالخيارِ: إمّا أن نقف وإمّا أن نصل، لأنّ قوله : “أولئك” إشارة للفاسقين بكلّ ما وُصِفوا به من أفعالٍ شنيعة ، وكأنّ أنفاس القارئ تتلاحق من تعداد هذه الأفعال والصّفاتِ، فجاءت أخيرا الإشارة العامّةُ إليهم باسم إشارة “مبتدأ” تُفيد الحُكم بخسرانِهم، فقد جاءت هذه الجملة لتسدل الستار على المشهد وذلك بالحكم العادل عليهم: أولئك هم الخاسرون، وهذه جملة مكوّنة من مبتدإ (أولئك) وضمير فصل (هم) و (الخاسرون) خبر للمبتدإ أولئك  
3- و إِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَـذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ (1) ( ج )  وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ*الوقف والوصف مستويان ههنا ، ولكلٍّ معنى، فإذا وقفنا فلأنّ مقولَ القولِ انتهى ، أي قُلْنا كلاماً مفاده ادخلوا وكُلوا وادخلوا الباب وقولوا، ثمّ جاءت جملةٌ اعتراضيّة هي “سنزيد المحسنين” اعترضت بين شيئين متلازمَيْن هما “نغفر لكم خطاياكم” و “فبدّل الذين ظلموا قولا…” وهذِه الأخيرة “فبدّل” معطوفة على “قلنا” ، فجاء الاعتراض [أو الاستطراد] واقعاً بين المعطوف عليه “قلنا” والمعطوف “بدَّلَ” ، ولهذا جاز الوقف على خطاياكم لأنه ستأتي جملة معترِضةٌ بين جملتينِ مُتطالِبَتَيْنِ لتوكيدِ الكلامِ السّابِق ، وهو مزيد من الإنعامِ على المُحسنين فضلا عن نعمة الأكل الرّغَد وغفران الخطايا ، جاء الاعتراض لتوكيد المعنى السّابق، وتميُّزُ هذا المعنى المُؤكِّدِ يقتضي الوقف على ما قبلَه ، من جهة ، و كونُه توكيدا لِما قبلَه يقتضي ربطه بِه بالوصل لا الوقف ، فاستوى الوقف والوصل من هاتين الجهتيْنِ  
4-وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ (صل) فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً (صل) قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ ( صل ) كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ* هذا مشهد واحد كبير، مقسَّمٌ إلى أقسامٍ؛ فأما المشهَد العامّ فهو سعيُ موسى لقومِه وما نجم عن السّعي من نِعمٍ، وأمّا أقسامه أو أجزاؤه فهي: 1-انفجار عيون الماء بعد الاستسقاء، 2-اهتداء كلّ أناس إلى مشارِبِهم، 3-التذكير بأنّ هذه أرزاق الله فينبغي أن يعقبها شكر النعم لا الإفساد في الأرض.وهذه الأقسام الثلاثة يمكن الوقف عليها لأنها متمايزة، ولكنّ وصلَ بعضِها ببعض أولى لأنّها أحداثٌ أو حلقاتٌمتسلسلة، وإذا قُرئت بتواصُل حوفِظ على المعنى العامِّ مجتمِعاً في الذّهن وعند السّامع والقارئ .
5-وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا ( صل ) قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ (ج) اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ (قلى) (*) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ (*) (قلى) ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ

 يجوز الوقف والوصل، ولكنّ الوقف أولى، لأنّ اسم الإشارة (ذلك) يُشيرُ إلى ما لحِقَهُم من عقاب (ضَرْب الذّلّة – البَوْء بالغضب) فالإشارة إلى معنى مجتمِع ، ويقتضي هذا الأمر استئنافاً بعد وقف ، حتّى يتبيَّنَ لَنا أنّنا أمام استنتاج أو تعليل دلّ عليه حرفُ الباء (بِأنّهم كانوا يكفرون- بِما عصوا، أي بسبب كفرهِم وبسببِ عِصيانهم واعتدائهِم) ، وجاء هذا الاستنتاج أو التعليل قائما بذاتِه، بعد وقفٍ ليتبيّن ويتميَّزَ ، فحَسُنَ الوقف .

 

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. انا الشيخ رمزى قشطة من قطاع غزة امام مسجد انهيت دورة عليا فى التلاوة والتجويد ولاحظ الشيخ عندى ملكة فى معرفة الوقف والابتداء تتجاوز علامات الوقف فى المصحف ويمر على الكثير منها وانا اقرء المصحف لكن اريد ان اتأكد انى انا بأسير فى الطريق الصحيح أم لا من هذه التى اريد ان اتأكد منها مثلا قرأت قوله تعالى من سورة البقرة اية ١٤٨ فاستبقوا الخيرات ثم وقفت ثم عدت وقرأت فاستبقوا الخيرات اين ما تكونوا ثم وقفت ثم عدت وقرأت اين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا ارجوا اجابة واضحة منك يا فضيلة الشيخ فى اقرب وقت وعندى مثل هذه الامثله كثير.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق