وحدة الإحياءشذور

نظرات في إصلاح علم بديع القرآن وتجديده

عانى علم بديع القرآن من العديد من المشكلات، يمكن تلخيصها ضمن العناصر الآتية:

ـ تضخم مصطلحاته وفنونه ومفاهيمه؛

ـ تفريع الأصول والأجناس إلى أنواع وفروع وجزئيات؛

ـ اضطراب العلاقة بين المفهوم والمصطلح، وقد تبدت أكثر في ظاهرتين اثنتين: كثرة المصطلحات للمفهوم الواحد، وكثرة المفاهيم للمصطلح الواحد؛

ـ إقحام مباحث لا صلة لها ببديع القرآن الكريم وافدة من علوم أخرى مثل المنطق وعلم الكلام وعلم التفسير وعلم النقد؛

ـ طغيان النسقية المنطقية في تحرير مفاهيم فنون البديع وأساليبها.

ـ ضعف اصطلاحية العديد من المفردات التي تحيل على “مفاهيم” فنية وبديعية في الخطاب القرآني[1].

 وفي سياق السعي إلى البحث في صيغ تجديد علم بديع القرآن، باعتباره وصلة وذريعة إلى استجلاء معاني القرآن الكريم وأسراره ولطائفه، يستطيع الدارس أن يخلص إلى أن المنهجية البيانية  مرشحة لتنجز بعض الأدوار الفعالة في هذا الاتجاه.

ونبادر إلى القول: إن المنهجية البيانية منهج شامل يستوعب مبادئ وعناصر، ويتبع أساليب وأدوات، ويرمي إلى مقاصد وأهداف. ولعل هذا الامتداد الثلاثي يقلص من حظوظ الظفر بتعريف جامع ومانع للمنهجية البيانية، ولكن، بغية التحديد التقريبي، نشير إلى أن المنهجية البيانية خطة تعتمد الذوق التدبري والتحليلي في إدراك مخاطبات القرآن، وتعتبر المحسنات البديعية، وغيرها، عنصرا فعالا في دلالة الخطاب، وأداة مساعدة على فهمه، وتنظر إلى الخطاب باعتباره بنية كلية، ليست الجمل، وما تحتويه من فنون وأساليب، إلا لبنات تخدم دلالته العامة ومقصديته التأثيرية في المتلقي.

وبهذا يتضح أن المنهجية البيانية نسقية في المفهوم والإجراء يقتضي كل واحد منهما صنوه ويستدعيه، ويتوقف الأول على غيره في تلاحم ظاهر وخفي. فهي تشترط الذوق البياني، ولا يقوم، عندها، تحليل سليم بدون اعتماد هذه الفعالية الإنسانية. وبما أن الخطاب القرآني يهدف إلى أن يتحول إلى أثر في نفوس الناس وقلوبهم وحياتهم، فإن ما يورده من فنون وأساليب إنما للإسهام في إنجاز هذه الفعالية المعتبرة، وبهذا تكون تلك الفنون مجرد أدوات وعناصر تساق إلى غايات أخر، ولا تساق إليها تلك الغايات.

إن مقصد العمل التفسيري، أولا وأخيرا، هو “الترجمة الحقيقية لهداية القرآن من خلال التفسير، ولا ينبغي أن تقتصر الهداية على كونها خطبة وعظية، أو حكمة فلسفية، أو نكتة بلاغية، أو حقيقة صوفية، أو مسألة فقهية، أو وجهة نحوية… إن الهداية القرآنية منهج شمولي متكامل ينفذ إلى كل مداخل النفس الإنسانية، فيسلم فيها القلب والفؤاد والعقل والجوارح لله تعالى…[2]“، وهو ما لاحظه الإمام العز بن عبد السلام في تأكيده بأن “الغرض من التفسير الوقوف على مقاصد القرآن المفيدة للأمور الدينية[3].”

وإن هذه المنهجية، في إطارها الشامل والدقيق، تمثل مطلبا جوهريا، بعد الهنات التي أشير إليها سابقا، إلا أن عناصرها وجزئياتها كانت واردة عند بعض البلاغيين القدماء، ومنهم من استثمرها في تحليل الخطاب القرآني، وهذا يمثل، وحده، دليلا كافيا على ضرورة اعتماد المنهجية البيانية، بديلا عن مختلف المنهجيات والنسقيات التي رامت دراسة بديع القرآن، والتي جاءت متأثرة بالثقافة الشخصية للمفسر والبلاغي، ودائرة في إطار اشتغالاتهما المعرفية التي قد لا تكون داخلة في أساسيات المهمة التفسيرية واهتمام جمهور الأمة. 

 المبحث الأول: خصائص المنهجية البيانية

 إن البحث في خصائص منهجية ما موقع، لا محالة، في مظنة التقعيد والتفريع والتصنيف، ولا يعقل، منطقيا، أن نستجير من نار التفريع والتشقيق والتنظير الذي وقعت فيه النسقيات السابقة، برمضاء تفريع جديد، وتقعيد من نوع آخر.

ولاجتناب الوقوع في هذا المحظور، فإن العناصر التي تقدم الدراسة على إيرادها إنما هي ملامح عامة تتراءى للمرء بطريق اللزوم؛ لأن أحدها يسوق إلى الآخر ويؤدي إليه، ثم إنها ليست كل الخصائص، فبإمكان دارسين آخرين، وفق منهجيات مغايرة، الوقوف على خصائص جديدة لهذه المنهجية البيانية.

 1. شرطية التدبر الذوقي البياني

أنفق البلاغيون جهدا كبيرا في التدليل على أن شرط الفهم الأدق لخطاب القرآن يتمثل في معرفة علوم البلاغة وضبط قوانينها وآلياتها، وكان أن استقر عندهم أنه “إنما يعرف فضل القرآن من عرف كلام العرب، فعرف علم اللغة وعلم العربية وعلم البيان، ونظر في أشعار العرب، وخطبها ومقاولاتها في مواطن افتخارها، ورسائلها وأراجيزها، وأسجاعها، فعلم منها تلوين الخطاب ومعدوله، وفنون البلاغة وضروب الفصاحة وأجناس التجنيس وبدائع البدائع، ومحاسن الكلام والأمثال، فإذا علم ذلك ونظر في هذا الكتاب العزيز، ورأى ما أودعه الله سبحانه فيه من البلاغة والفصاحة وفنون البيان، فقد أوتي العجب العجاب[4].”

ولكن هذا الشرط يحتاج إلى معاودة النظر فيه، خاصة إذا كانت العلوم البلاغية تحيل على ما انتهت إليه من قواعد وقوانين يغلب عليها طابع التقعيد والتفريع والتكثير، فلا يعقل أن نشرط فهم القارئ للقرآن بتحصيل تلك العلوم، وضبط أجزائها.

ثم إن هذا التضييق انتشر في العهود المتأخرة، أما في العهود الأولى للتفسير، فكان المعتمد على رصد شروط أخرى، وإن شرط أحدهم معرفة البلاغة والبيان، فلم يكن قصده بذلك ما انتهى إليه المتأخرون.

إن القرآن الكريم يختلف، جوهريا، عن مقاصد الشعر والأدب، فإذا كانت هذه الأخيرة تتواصل مع المتلقي من أجل التأثير فيه تأثيرا مخصوصا، يتصف بالآنية واللحظية والمتعة الفنية، فإن القرآن أنزل من أجل أن يتدبره عموم الناس، ولذلك، تكرر هذا الأمر، غير المشروط بأي ثقافة أو علوم، أربع مرات شمل القرآن الملكي والمدني، وخاطب به المسلمين وغيرهم.

لقد ذكر التدبر في القرآن في أربع آيات وهي:

ـ ﴿كتابٌ اَنزلناه إليك مباركٌ ليدبروا ءاياته وليتذكر أولوا الاَلباب﴾ (ص: 28).

ـ ﴿أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يات ءآباءهم الاَولين﴾ (المومنون: 69).

ـ ﴿أفلا يتدبرون القرءان أم على قلوبٍ اَقفالها﴾ (محمد: 25).

ـ ﴿اَفلا يتدبرون القرءان، ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا﴾ (النساء: 81).

وإن التأمل في هذه الآيات يهدي إلى استخلاص الملحوظات الآتية:

أ. إن الخطاب في الآيات موجه لمختلف الفئات، كفارا ومنافقين ومؤمنين، وهذا يدل على أن الناس جميعهم مطالبون بخلق التدبر في كتاب الله، ومحاولة فهمه فهما سليما بعيدا عن موانع التدبر والفهم، عسى أن يهتدي الكافر إلى عين الحق، ويدرك المنافق سوء اضطرابه وفتنته، ويزداد المؤمن إيمانا بصدق رسالة القرآن، وهذا العموم الذي يشمل المخاطبين يشاكله عموم يكتنف زمانهم ومكانهم، نلمس ذلك من خلال زمن نزول الآيات السابقة، فمنها سورتان مكيتان وهما «ص» و«المومنون» وسورتان مدنيتان، وهما: «محمد» و«النساء».

ب. ورد التدبر في الآيات الأربع بصيغة الفعل المضارع دلالة على أنه فعل متجدد، يتعين على الإنسان القيام به، فلا يمكن تصور فعل التدبر إلا في سياق الفعل المتواصل، ولم يرد في القرآن ذكر التدبر في صيغة المصدر المجرد، دلالة على أن لا يطمئن المرء إلى ما توصل إليه من نتائج التدبر، ويحصل في وهمه، أن ذلك منتهى ما تصل إليه الطاقة الإنسانية.

ج. تدل صيغة «تفعل» التي ورد عليها فعل التدبر في الآيات على مشقة التكلف ومعاناته، كما تبرز، بإيقاعها، معاني الاجتهاد من أجل دفع الكسل والتقليد، وتمزيق حجب الاتباعية والهوى التي تحول دون تدبر كتاب الله.

د. أشارت هذه الآيات إلى أهداف التدبر، فآية سورة محمد تشير إلى أن التذكر هدف جوهري من وراء التخلق بخلق التدبر في القرآن، والتذكر يسوق صاحبه إلى التخلي عن معاصي الفكر؛ مثل الكفر والإلحاد والشرك، ومعاصي السلوك؛ مثل الظلم والكبر والفسق، والتذكر ملازم للتفكر، بل بينهما علاقة تأثر وتأثير، يقول الفيروز آبادي: “والتذكر والتفكر منزلان يثمران أنواع المعارف وحقائق الإيمان والإحسان، فالعارف لا يزال يعود تفكره على تذكره، وتذكره على تفكره حتى يفتح قفل قلبه بإذن الفتاح العليم[5].”

ﻫ. كما أشارت تلك الآيات إلى شروط التدبر، وهي أن يكون لب الإنسان متيقظا منتبها، فأولوا الألباب هم أصحاب العقول والأفئدة التي قادها أصحابها إلى التبصر في كتابه الله المتلو وهو القرآن، وفي كتاب الله المجلو وهو الكون، في كلام الله وفعل الله… فكانت لهم بصيرة صدق يعرفون بها الحق فيهتدون، يقول ابن القيم: “المراد به؛ أي اللب، القلب الحي الذي يعقل عن الله، و(يوجه) سمعه، و«يصغي» حاسة سمعه إلى ما يقال له، وهذا شرط التأثر بالكلام[6].”

و. وأشارت الآيات إلى موانع التدبر، ومنها التقليد الذي دل عليه قوله تعالى: ﴿أم جاءهم ما لم يات ءاباءهم الاَولين﴾، إن القرآن يستنكر، هنا، موقف الكفار، ويسأل عن سبب امتناعهم عن تدبر كتاب الله، ويرجح أن يكون اتباعهم لآراء آبائهم، وجمودهم على تقاليد أسلافهم ومعتقداتهم سببا في تفويتهم لخير التدبر وفضائله العظيمة؛ إذ “التقليد تعطيل للمواهب؛ لأنه مجرد محاكاة عمياء، وفي ذلك قضاء على الذاتية والأصالة والشخصية العلمية[7].”

ز. إن الأمر المتكرر بتدبر القرآن يأتي، في منطوقه ومفهومه، دالا على الإطلاق، ولا حجة لمن يقيده بزمن معين، أو مكان محدد، أو يجعله حكرا على أشخاص مخصوصين، ومن المعلوم “أن المطلق يجري على إطلاقه، والخطاب عام لكل من يأتي منه الفهم والاجتهاد في كل عصر وبيئة، وهذا العموم الزماني والمكاني والإنساني من خصائص النص القرآني[8].”

لقد كان الهدف من وراء الوقوف على أقوال بعض العلماء والمفسرين في آيات التدبر إقرار حقيقة جوهرية، وهي أن الشروط الثقافية والمعرفية المتصلة بإحكام فنون البلاغة وعلومها لا تقوى على أن تتصدر الشروط المعتبرة في فهم كتاب الله، بالرغم من أهميتها الواضحة، إن الشرط الوحيد غير المقيد بقيود، يتمثل في فتح عقل الإنسان وقلبه لتدبر كتاب الله؛ لأنه كلام وارد من أجل التذكير والامتثال والتنفيذ، ولا ينبغي لهذه الأهداف الكبرى أن تضمر في ظل الاهتمام باقتناص هذا الفن البديعي أو ذاك، ونصب الآية شاهدا عليه، ثم تذويب أنوارها في ركام من الشواهد الشعرية المنسوبة للإنسان، ولو سمح العلماء بهذا الأمر، فليس لغاية أن يتحول القرآن شاهدا على البلاغة؛ إذ الأصل “أن القرآن كان علم البلاغة عند العرب، ثم صار بعدهم بلاغة هذا العلم” كما يقول بحق، مصطفى صادق الرافعي[9].

وهو ما أقره الزركشي، قديما، بعدما لاحظ إكثار القوم من تدوين فنون البلاغة القرآنية وبديعها، فقد ذهب إلى أن الأولين سكتوا عن الحديث عن علم المعاني والبيان والبلاغة؛ لأن “القصد من إنزال القرآن تعليم الحلال والحرام، وتعريف شرائع الإسلام وقواعد الإيمان، ولم يقصد منه تعليم طرق الفصاحة، فلهذا لم يتكلف السلف في ذلك[10].”

ولما تكلف اللاحقون، خرجوا بأعراف وتقاليد حولت الخطاب إلى مجموعة من الآيات الشاهدة على هذا الفن أو ذاك، وشرطوا معرفة القواعد والتعريفات، التي ولدت لاحقا، ليتم للمرء إدراك البيان القرآني، ونسوا أن “أصل الوقوف على معاني القرآن: التدبر والتفكر[11]“، كما أغفلوا أمرا هاما، وهو أن «التفسير الذي نطلبه اليوم هو فهم الكتاب من حيث هو دين يرشد الناس إلى ما فيه سعادتهم في حياتهم الدنيا وحياتهم الآخرة، وما وراء هذه من المباحث تابع له، وأداة أو وسيلة إلى تحصيله[12].”

وأهملوا أن هذا التدبر يعتمد الذوق الإنساني بالدرجة الأولى، وهو يرتكز إلى الخبرة الذاتية غير المقيدة بأي نوع من أنواع المعارف الفنية الدقيقة بفروعها ومصطلحاتها؛ لأن الذوق، في المفهوم الاصطلاحي، يطلق، من بين ما يطلق عليه، على “حذق النفس في تقدير القيم الخلقية والفنية كقدرتها على إدراك المعاني الخفية… بطريق الإحساس والتجربة الشخصية دون التقيد بقواعد معينة[13].”

بل إن القول بضرورة اعتماد الذوق في تدبر القرآن، دون الركون إلى قواعد المقعدين، وتفريعات المفرعين، وتصنيفات المصنفين، إنما يرتد بنا إلى أصل جوهري راعاه القرآن في مخاطباته، فالمقرر أن القرآن راعى الحسن الجمالي المشترك بين الناس، أولهم وآخرهم، بدويهم وحضريهم، وانساب أسلوبه ضمن أطر الحسن الإجمالي الذي يأخذ منه كل واحد بمقدار يقظة حاسة التدبر والذوق لديه، ولم يراع أعراف مجتمع دون آخر، و”حين شاءت حكمة الملك القدوس، عز شأنه، أن يخاطب الناس على قدر كلامهم، كان منه أن ضبط هذا الأصل البسيط والسر المشترك في كلامه، لا تلك القوانين والضوابط التي تتغير حسب تغير الذوق والعصر، والتي لا تستقر على حال واحدة.

والحقيقة التي ينبغي أن يتفطن لها أن مراعاة القوانين الاصطلاحية والتقيد بها، إنما هو دليل على العجز والجهل، وأما مراعاة الحسن الجمالي والقدر المشترك الذي لا يفوت في أي حال من أحوال الكلام، ولا في أي صفة من صفاته، ويرافق الكلام في لينه وشدته، ووهاده ونجاده، فمن دون إلمام بالقواعد الاصطلاحية، واستعمال للضوابط المعرفية إنما هو الإعجاز برأسه، الخارج عن حد الطوق البشري[14].”

ونتيجة هذه الخصيصة؛ فالملاحظ أن القرآن وزع في مجموع آياته “الجاذبية الصوتية وامتدادها، ولم يلتفت إلى البحر الطويل، والمديد أو غيرها، واهتم في الفواصل، بانقطاع النفس بالمدة واستقرار الوقف عليها، ولم يول شيئا لقواعد فن القافية[15].”

وقس على ذلك جميع القضايا التي حولتها البلاغة التقعيدية إلى أصول وقواعد وفروع وأنواع علقت عليها الحسن البلاغي، فألزمت القارئ يتمثلها إن هو رام إدراك سر الإعجاز القرآني.

وآلة هذا الإحساس التذوقي الفعال هو القلب، فمن أعمله فيه فقد صرف هذا العضو في وظيفته الجوهرية، ومن أغفل عنه، فقد أغفل دليل الطريق، وتاه فيما لا تحمد عقباه، ولأجل ذلك، فقد اعتبر عبد القاهر الجرجاني هذه الوظيفة للقلب بمثابة ما خلق له السمع والبصر، فالإخلال بوظيفة الأول كالإخلال بوظائف العضوين الآخرين.

 وانطلق في إرساء قواعد هذه المعادلة من قوله تعالى: ﴿اِن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب اَو اَلقى السمع وهو شهيد﴾ (ق: 37)؛ “أي لمن كان أعمل قلبه فيما خلق القلب له من التدبر والتفكر والنظر فيما ينبغي أن ينظر فيه، فهذا على أن يجعل الذي لا يعي ولا يسمع ولا ينظر ولا يتفكر كأنه قد عدم  القلب من حيث عدم الانتفاع به، وفاته الذي هو فائدة القلب والمطلوب منه كما جعل الذي لا ينتفع ببصره وبسمعه، ولا يفكر فيما يؤديان إليه، ولا يحصل من رؤياه ما يرى وسماع ما يسمع على فائدة بمنزلة من لا سمع له ولا بصر[16].”

وإيمانا منه بوظيفة التدبر القلبي في تذوق البيان، فقد عقد فصلا في خاتمة كتابه “دلائل الإعجاز”، جعله دليلا على أن “العمدة في إدراك البلاغة هو الذوق والإحساس الروحاني”.

وقد استوعب الطيبي كلام سابقيه في الموضوع، ولخصه في عبارة موجزة وهي أن “الإعجاز حاكمه الذوق[17]“، وليس قوانين البلاغة ومصطلحات القوم، وسلسلة الألقاب والتعريفات والتفريعات والتخريجات والاختلافات.

ومن أجل ألا تغيب هذه الوظيفة التدبرية، فإن أي إصلاح منهجي لبديع القرآن يتعين عليه أن يدمجها ضمن الشروط الأولى، والآليات الفعالة  ليكون التذوق البياني قادرا على أن يستفيد من خيره عموم الناس، بدل أن يظل محصورا في خانات ضيقة تستدعي قطع أشواط طويلة في إحكام القواعد وحفظ الأنواع والفروع، والوقوف على رسومها وفصولها، ومؤتلفها ومختلفها، مما يشوش على الذهن، ويكدر صفو التلقي.

وإذا كانت القاعدة تنص على أن الأمور بمقاصدها، فبنا أن نحسم الجواب في مقصدية التقعيد البلاغي، فإذا كان هدفه تيسير تفهيم خطاب القرآن للناس، فما يظن أن ذلك ممكن في ظل هيمنة نسقية التقعيد والتفريع والتكثير، واستدعاء آليات المنطق والجدل والكلام. وأما إذ كان الهدف هو إحكام القواعد، فإن ذلك يقع خارج مقصدية تدبر بديع القرآن، وكونه عائقا، أرجح، في التقدير، من أن يكون عاملا مساعدا.

وقد أنكر العلوي اليمني على علماء البيان اشتغالهم بالبديع باعتباره علوما مستقلة، وغاية مستقرة، وعاب عليهم إغفالهم للغاية المثلى من وراء أي اشتغال بلاغي، يقول: “والذي يقضى منه العجب هو حال علماء البيان، وأهل البراعة فيه عن آخرهم، وهو أنهم أغفلوا ذكر هذه الأبواب في مصنفاتهم بحيث إن واحدا منهم لم يذكره مع ما يظهر فيه من مزيد الاختصاص وعظيم العلقة؛ لأن ما ذكروه من تلك الأسرار المعنوية واللطائف البيانية من البديع وغيره، إنما كانت وصلة وذريعة إلى بيان السر واللباب، والغرض المقصود عند ذوي الألباب، إنما هو بيان لطائف الإعجاز، وإدراك دقائقه، واستنهاض عجائبه[18].”

وذلك كان مقصد الدراسة من إيلاء شرط التذوق التدبري أهميته العظمى، كي لا تختل الموازين، وتتحول الوسائل إلى غايات.

2. الاقتضاء المعنوي للفن البديعي

إن الحديث عن شرطية التدبر الذوقي لبيان القرآن، يسوق، حتما، إلى الإقرار بأن هذا الخطاب دلالي بالدرجة الأولى، يحمل معنى إلى المتلقي، ويدعوه إلى أن يتفاعل به، ويؤمن بمحتواه، ويعقل مدلولاته.

والنص القرآني نص معنوي، وكان بإمكانه أن يرد في صيغة خطابية أخرى، لكن الله، عز وجل، اختار، لحكمة يعلمها، ويُعَلِّمها العارفين به، أن ينزله بلسان عربي مبين، ومن مظاهر بيانه وإبانته ورود معانيه في أشكال فنية وأساليب بديعية كان لها الوقع الأكبر في نفوس العرب والمسلمين وآدابهم وفنونهم.

والخلاصة التي ينتهي إليها الباحث هي أن ما من فن بديعي ذكر في القرآن إلا وقد تطلبه المعنى، واقتضاه السياق، وحتمته الدلالة، مما ينفي عن ذلك الفن أي مظهر من مظاهر الشكلانية، ويجنبه تهمة الصبغة والزخرفية.

فالقرآن “يستعير حين يستعير، ويتجوز حين يتجوز، ويطنب ويوجز ويؤكد ويعترض ويكرر إلى آخر ما أحصي في البلاغة ومذاهبها؛ لأنه لو خرج عن ذلك لخرج من أن يكون معجزا في جهة من جهاته، ولاستبان فيه ثمة نقص يمكن أن يكون في موضعه ما هو أكمل منه وأبلغ في القصد والاستيفاء[19].”

وإن وجود تلك الفنون، بهذه الخصائص المذكورة، في الخطاب القرآني ليقدم أكبر خدمة لها، وينفي عنها مظاهر العرضية والحسن الشكلي الذي يقوم في وهم الواهم بإمكانية استغناء الأسلوب عنه، فقد اشتمل القرآن الكريم على قدر كبير من فنون البديع، “وقد جاءت فيه على نهجه المعجز، لا تختلف في سمو بلاغتها عن بقية الأساليب والصور القرآنية، والحكم على فنون البديع بالعرضية يعني اشتمال النظم القرآني على حلي عرضية، وهذا اتهام تدحضه البلاغة القرآنية العالية التي أعجبت الإنس والجن[20].”

فظهر، جليا، أن إيراد الفنون البديعية في القرآن، إنما هو من اقتضاءات المعنى، ومتطلبات الدلالة، بل إنها من مرتكزاتها ووسائلها التي لا غنى لها عنها.

ولا يمكن لهذه النظرة أن تضحى بديهية في الممارسة البلاغية إلا بعد أن ينقد تعريف البديع نقدا، ويعلى من شأن بعض التفاتات البلاغيين المؤسسة لنظرة علمية للبديع، والموفية له حقه في بناء الدلالة وخدمة مقاصد الخطاب.

وأول ما يعن لنا في هذا السياق؛ أن التعريف المدرسي لعلم البديع، وهو “علم يعرف به وجوه تحسين الكلام بعد رعاية تطبيقه على مقتضى الحال ووضوح الدلالة[21]” تعريف إشكالي، في اعتبار السبكي، احتمالي في إحالته على الدلالة المقصودة.

إن قولهم “بعد رعاية التطبيق”، أو “بعد رعاية المطابقة” محتمل لما يلي:

ـ فهو علم يعرف به وجوه التحسين ووجوه المطابقة والوضوح، وبما أن وجوه التطبيق (وهو علم المعاني عندهم)، ووجوه الوضوح (وهو علم البيان) سابقان على معرفة التحسين، فهذا يدل على أن البديع شامل للجزأين معا، وهما علما المعاني والبيان؛ لأن الرعاية لا تتم إلا بعد إحكامها ثلاثة.

ـ وإما أنه يحتمل كونه علما تعرف به، بعد معرفة التطبيق والوضوح، وجوه تحسين الكلام، فلا يكونان بهذا الاعتبار جزأين للبديع، وإنما مقدمتين له.

واعترف السبكي بأن استخراج هذه الاعتبارات من تعريفهم غير يسير، وحكم عليه بأنه “من الرسوم غير الحقيقية، لما فيه من التعدية التي هي أمر إضافي[22].”

وكان الرأي عنده أن البديع “منزل من العلمين السابقين، المعاني والبيان، منزلة الجزء من الكل أو النتيجة من المقدمتين”، وهذا يدل على أنه ليس أمرا عرضيا، بل هو أصل في صياغة المعاني، وبناء صرح الدلالات، لا يضعف شأنه عن الاستعارة والتشبيه والتقديم والتأخير وغيرها من المباحث التي تصنف، عادة، ضمن علم المعاني أو البيان.

ويعتبر الطيبي من الأعلام الذين جعلوا البديع أصلا في سلمية البلاغة، يتعالق مع صنويه تعالق الند للند، فقال: “ومرجعها؛ (أي البلاغة) إلى الاحتراز عن الخطأ في قوانين التركيب وفي طرق دلالتها وفي التحسين، وما يحترز فيه عن الأول علم المعاني، وعن الثاني علم البيان، وعن الثالث علم البديع[23].”

ويتعين الوقوف على اعتباره مرجع الاحتراز من الخطأ في التحسين داخلا في البلاغة وآيلا إليها، وليس خارجا عنها تستغني عنه بعلمي المعاني والبيان.

وقد كان ظرف “البعدية” الوارد في تعريف الخطيب القزويني لعلم البديع هاديا للتهانوي في اعتبار أن “الوجوه المحسنة البديعية لا تحسن بدون البلاغة، وإلا لكان كتعليق الدرر على أعناق الخنازير[24].”

وقد أنفق العلوي اليمني جهدا في تبديه إدماج فنون البديع في خدمة دلالة الخطاب ومراميه النفسية والتأثيرية، بل جعلها خلاصة البلاغة وزبدتها. يقول: “فاعلم أن علم البديع حاصله معرفة مقصود بلاغة الكلام وفصاحته، وهذا لا يحصل بتمامه وكماله إلا بإحراز ما سلف من العلوم الأدبية (علم اللغة، والتصريف، والإعراب، والمعاني، والبيان)، فهو خلاصتها وصفوها ونقاوتها، وهي وصلة إليه[25].”

إن هذا النص يؤكد منطلقات حاسمة، لو أخذت بها البلاغة التقعيدية، لجنبت هذا العلم مختلف الهنات، وذلك أنه يجعل البديع من البلاغة والفصاحة، بل يرتقي به إلى الذروة العليا؛ إذ يجعل علمي المعاني والبيان مجرد وصلة ووسيلة إليه، وقد ضرب لذلك مثالا عظيما ودالا يستحق استجلاء أبعاده وتذوق مراميه.

ومما يدل على أن البديع مندمج في خدمة الدلالة أن البلاغيين دأبوا على تناول فنون البلاغة تناولا عاما لا يخضع لتقسيم ثلاثي، ولا يلحق فنون البديع بالهوامش التي لا يلتفت إليها إلا بعد إبراز الدلالة التي تقوم بها وتؤديها فنون المعاني والبيان، وإذا كانت أمثلة ذلك كثيرة، فإننا نجتزئ ببعضها؛ لأن فيها غنية وكفاية.

لقد وردت أنواع البديع عندهم إلى جانب أنواع المعاني والبيان، وكانت كلها، عندهم طرقا لتأدية المعنى وتنويع أفانين القول فيه، ولم يكن لهم تصور بأن هذا ذاتي والآخر عرضي، لنستمع إلى الجرجاني وهو بصدد الكشف عن دقة الصناعة الأسلوبية في الخطاب، فقد سلك ضمن الوسائل المنجزة لذلك فنونا تدخل، عادة، ضمن البديع، لكنه اعتبرها أسس العملية الإبداعية. يقول: “واعلم أن مما هو أصل في أن يدق النظر ويغمض المسلك في توقي المعاني التي عرفت أن تتحد أجزاء الكلام ويدخل بعضها في بعض،  ويشتد ارتباط ثان منها بأول… وليس مما شأنه أن يجيء على هذا الوصف حد يحصره، وقانون يحيط به، فإنه يجيء على وجوه شتى، وأنحاء مختلفة، فمن ذلك أن تزاوج بين معنيين في الشرط والجزاء… ومنه التقسيم، وخصوصا إذا سميت ثم جملت، وتشبيه شيئين بشيئين…[26].”

فقد جمع في هذا النص إشارة إلى المزاوجة والتقسيم والجمع والتشبيه، ومن المعلوم أن بعضها داخل، عند المدرسيين، في خانة البديع، وبعضها الآخر آيل إلى البيان، ولم يكن لهذه التفرقة ذكر عند الجرجاني.

ووقف الزمخشري عند قوله تعالى: ﴿ألم، ذلك الكتاب لا ريب، فيه﴾ (البقرة: 1)،  ووقع على نكت جليلة لها تعلق بالفصل والوصل، والحذف والرمز والإشارة، والتقديم والتأخير والإيجاز، وساقها في مسلك تحليلي مندمج لا يفرق بينها سلطان الذاتية والعرضية، أو هيمنة الثالوث البلاغي؛ لأن منهجه هو “البحث عن وجوه البلاغة عن طريق تنوع الأساليب، سواء كانت بيانا أو معاني  أو بديعا، أو قضايا نحوية، تضفي على الأسلوب رونقا وجمالا[27].”

وحتى في عصر التقسيم، واستقلال مباحث المعاني والبيان والبديع، كنا نلمس أثرا من تداخل مباحثها وفنونها، ولا أدل على ذلك مما وقع للسكاكي، فقد عرض للالتفات والإيجاز والإطناب في علم البديع، وأشار إلى أنه سبق أن درسها في علم المعاني.

ولو حاولنا تتبع هذه الالتفاتات، لكان الأمر داعيا إلى إعادة النظر في التصنيف الثلاثي للبلاغة؛ إذ نصل، في آخر القسمة، إلى أن مجموعة كثيرة من الفنون البديعية يتنازع ملكيتها علما المعاني والبيان، ولن يبقى في حوزة علم البديع، بالتصنيف التقعيدي عند المتأخرين، إلا النزر اليسير الذي لا يتجاوز بضعة فنون.

لكن تيار البلاغة كان يجري في اتجاه الاستقلالية والتصنيف الثلاثي، ولم يصغ السمع إلى ما كان يقصده بعض الأعلام من وراء بعض نقودهم وملحوظاتهم وتنبيهاتهم، ولعل بعضها كان أعمق من بعض، ولربما كانت أنوار تلك اللمع تتضاءل وتختفي في زحمة تقليد اللاحقين للسابقين، والتسابق نحو التكثير والتفريع، ولو أنهم رعوا شرطية الاقتضاء المعنوي للفنون البديعية حق رعايتها، لكان للبلاغة شأن وشأو تسير بذكرهما الركبان.

وعندنا أن كلام حازم القرطاجني في الموضوع قابل لأن يكون قاعدة هادية نختم بها هذه التمهيدات النظرية، ونعرض، لنماذج تطبيقية تجلي، بطبيعتها، متانة العلاقة الوثيقة بين بنائية الأسلوب البديعي ودلالة الخطاب المسوق فيها. يقول حازم: “انظر مأخذا يمكنك معه أن يكون المعنى الواحد وتوقعه في حيزين، فيكون في كليهما فائدة، فتناظر بين موقع المعنى في هذا الحيز، وموقعه في الحيز الآخر، فيكون من اقتران التماثل، أو مأخذا يصلح فيه اقتران المعنى بما يناسبه، فيكون هذا من اقتران المناسبة، أو مأخذا يصلح فيه اقتران المعنى بمضاده، فيكون هذا مطابقة أو مقابلة، أو مأخذا يصلح فيه اقتران الشيء بما يشبهه، ويستعار اسم أحدهما للآخر، فيكون هذا من تشافع الحقيقة والمجاز[28].”

إن هذا النص يكشف حقيقة جوهرية وهي أن المعاني والمآخذ هي التي تستدعي ما يناسبها من الأساليب والفنون، ومن ثم، فإن نشأة تلك الفنون وتداولها لا ينبغي أن ينفصل عما يقتضيها ويتطلبها؛ إذ هي مقترنة بها، ومؤتلفة معها، ومندمجة في مكوناتها، بل هي “الأصول التي تقوم عليها فنون البديع والبلاغة عامة، تماثل ومناسبة ومقابلة ومطابقة… وغيرها من الفنون[29].”

3. إدراك البنية الكلية للخطاب

اتجه البحث البديعي، في غالبيته، إلى التناول الجزئي للآيات والشواهد، واعتمد، إلا نادرا، منهجية التجزيء اعتمادا كليا، واستند إلى “طابع إحصائي تراكمي عني فيه المؤلف بإحصاء أكبر قدر ممكن من أنواع بديع القرآن[30].”

وبالتالي، فإن منطق الإحصاء والتكثير مفض، لا محالة، إلى تجزيء الشواهد القرآنية، وإلحاق كل شاهد أو آية بما يناسب ذلك الفن البديعي الذي تم إحصاؤه، وتحديد مفهومه، فتحولت الوسيلة إلى غاية، وانحرف البحث البديعي في القرآن عن مقاصده التربوية والنفسية إلى تقعيد لمفهومات، واستشهاد بقرآن، خطاب الله لهداية البشرية، على صحة ذلك التقعيد وسلامته، وذلك باعتبار أن الآية، الشاهد الهدائي، شاهدة على الخلاف البلاغي والبديعي كذلك.

وإن في بديع القرآن مباحث صالحة لأن تكون مدخلا لتناول الآيات على ضوء البنية الشاملة للخطاب، ممثلا في المقطع أو السورة، مثل مباحث الاستهلال والتخلص والخاتمة، وكلها آيلة إلى ظاهرة التناسب، باعتباره إطارا جامعا لمختلف العناصر والجزئيات.

ويمكن لهذه المنهجية البنائية أن تتفرع، إجرائيا، إلى الخطوات الآتية:

1. إدراك المعنى الكلي للسورة، أو مضامينها المتراكبة.

2. تأمل الروابط بينها، وهي روابط معنوية بالدرجة الأولى، وقد لخص الزركشي أشكالها في قوله: “ومرجعها؛ (أي المناسبة)، والله أعلم، إلى معنى ما رابط بينها، عام أو خاص، عقلي أو حسي، أو خيالي، وغير ذلك من أنواع العلاقات، أو التلازم الذهني، كالسبب والمسبب، والعلة والمعلول، والنظيرين والضدين، ونحوه…[31].”

ومن المعلوم أن المناسبة التي تتحدث عنها دراستنا إنما تستصحب معها هذا الإطار المنهجي لتجيب عن سبب إيراد الفن البديعي داخل سياق معين، وألا يقتصر على تجزيئه، ودراسة شاهده ونوعه دراسة منفصلة مستقلة.

ومن أهم المحطات التي يمكن دراستها وفق هذه الخطة، نجد الاستهلال والتخلص والخاتمة.

لقد درست هذه الأنواع ضمن البديع، ولعل محاصرتها في هذه الخانة مشعر بزخرفيتها وصبغتها الظاهرة، في حين أن الأصل فيها نهوضها بأعباء خدمة الدلالة وانسجام الخطاب. ومن ثم، فلا يمكن لهذه الأنواع أن تدرس دراسة سليمة إلا باعتبار وظيفتها المعنوية، أما أن تُجتزأ، ويستشهد بها عليها مستقلة عن لاحقها وسابقها، فأمر يعتريه بعض القصور.

ومن عجب أنك ترى القوم يقرون بوظيفية استهلال القصيدة، وحسن التخلص فيها وخاتمتها ممثلة في أغراض معنوية وتأثيرية في المتلقي الذي قد يكون ممدوحا أو غيره، لكنهم عجزوا، إلا ما اتضح بجلاء عند بعضهم، عن تعدية هذا التصور إلى خطاب القرآن، والعكوف على استجلاء العلاقات بين الافتتاح ومضمون الخطاب، حتى إن بعض علماء الدراسات القرآنية استبعد مقولة الترابط التناسبي بين آيات القرآن، وكنا نود ألا يقع منه ذلك، وقد تعرض صنيعه لنقد من قبل بعض البلاغيين..

 يقول الإمام العز بن عبد السلام، بعد أن أبرز فائدة ارتباط الكلام بعضه ببعض: “وهذا بشرط أن يقع الكلام في أمر متحد، فيرتبط أوله بآخره، فإن وقع على أسباب مختلفة لم يشترط فيه ارتباط أحد الكلامين بالآخر، ومن ربط ذلك، فهو متكلف لما لم يقدر عليه إلا بربط ركيك يصان عن مثله حسن الحديث فضلا عن أحسنه[32].”

وقد علل موقفه بأن القرآن نزل على الرسول متفرقا، زمنيا، بسنين طويلة، ومستوعبا، مضمونيا، أحكاماً ومسائل شرعت لأسباب مختلفة، وهذا الاستغراق الزمني والمضموني ينفي، بنظره، إمكانية ربط بعضه ببعض.

ومع ذلك، فإن ما يتوفر عند بعضهم من تلميحات وإضاءات قابل لأن يمثل إطارا منهجيا مناسبا، مما يفرض على الدارس عرضها ليشفع النظر بالتطبيق، والتدبر بالتحليل. وسيقتصر على براعة الاستهلال.

لقد درس هذا الفن في منحيين، انحصر أولهما في التعريف به، وتقديم شاهده من القرآن، بينما تجاوزه المنحى الثاني إلى إدراك العلاقات الكامنة بين الاستهلال في بعض السور ومضامينها وقضاياها.

وفي سياق الاتجاه الأول، يقف الدارس على تعريفات الاستهلال، من مثل “ابتداء المتكلم بمعنى ما يريد تكميله[33]“، أو “أن يشتمل أول الكلام على ما يناسب حال المتكلم فيه[34]“، أو “أن يضمن الاستهلال معنى ما سيق الكلام لأجله، ليكون الابتداء دالا على الانتهاء[35].”

وبعضهم لا يقتصر على هذا، بل يستحضر البعد التنبيهي في الاستهلالات، إيقاعا ومضمونا؛ لأنها “توقظ السامعين للإصغاء إلى ما يرد بعدها[36]“، وقد غدا هذا البعد شرطا توجيهيا للأدباء؛ إذ ينبغي “أن يؤتي فيه بأعذب اللفظ وأرقه وأجزله وأسلسه، وأحسنه نظما وسبكا، وأصحه معنى وأوضحه وأخلاه من التعقيد والتقديم والتأخير الملبس[37]“، وما تخصيصها بذلك إلا لأنها “أول ما يطرق السمع من الكلام، فإذا كان الابتداء لائقا بالمعنى الوارد بعده، توفرت الدواعي على سماعه[38].”

أما الاتجاه الثاني، فقد نحا منحى تطبيقيا تحليليا، وسعى إلى الكشف عن دور الاستهلال في أداء المعنى وتعالقه بمضمون الخطاب، وإن لم يغفل قضية التنبيه الإيقاعي والمضموني، ولم يهمل الشروط اللائقة بفصاحة الاستهلال وبلاغته.

ولمثل هذا الاتجاه، يتعين على الجهود أن تصرف؛ لأنه مجال خصب لتطبيق قاعدة اقتضاء المعنى للفن البديعي، ومناسبة لإبراز انسجام الخطاب داخل بنيته الكلية العامة.

ومن نماذج  ذلك سورة البقرة، فقد استهلت بقوله تعالى: ﴿ألم، ذلك الكتاب لا ريب، فيه﴾، وبالاستناد إلى الخطوات المنهجية التي سطرها السيوطي في إحدى قواعده، والتي لخصها في قوله نسبة إلى بعض المتأخرين: “الأمر الكلي المفيد لعرفان مناسبات الآيات في جميع القرآن هو أنك تنظر إلى الغرض الذي سيقت له السورة، وتنظر ما يحتاج إليه ذلك الغرض من المقدمات[39].”

 يمكن أن نتلمس سر افتتاح سورة البقرة بقضيتين جوهريتين وهما «الهداية» و«التقوى»، وإضافتهما إلى الكتاب الذي لا ريب فيه، وذلك أن مختلف أجزاء السورة إما أنها كاشفة لضلال طوائف من يقفون ضد الهداية أمثال المنافقين واليهود، ومفيلة لمعتقداتهم وشرائعم، وإما أنها، في مقابل ذلك، منشئة لأحكام تصورية وتشريعية تجسد حقيقة الهداية، وتجعل أصحابها متصفين بصفة التقوى، عندما يحققون شروطها ممثلة في الاهتداء بالكتاب المبين.

وإن رصد التشريعات الواردة في سورة البقرة، ومقاربة بعضها ببعض، يؤدي إلى صفة الانسجام، وانتفاء الريب والشك عن أصحابها؛ إذ لا تناقض تم، ولا تفاوت ولا اختلاف، بل هو صراط مستقيم، “كأنهم لما سألوا الصراط؛ (أي في سورة الفاتحة التي جاءت، في ترتيب المصحف، قبل سورة البقرة) قيل لهم: “الصراط الذي سألتم الهداية إليه هو الكتاب[40].”

 ومن نماذجه سورة النساء، فقد تبين للزمخشري كيف أن استهلالها بقوله تعالى: ﴿يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالًا كثيرًا ونساءً، واتقوا الله الذي تساءلون به والاَرحام، إن الله كان عليكم رقيبًا﴾ (النساء: 1) “مطابق لمعاني السورة[41].”

وبيان ذلك أن الابتداء ذكر فيه أمر هام وهو وحدة النفس الإنسانية، ورجوعها إلى أصل واحد رغم تعدد الأنساب والأحساب والأجناس، وهو أمر يدعو بمفرده إلى الالتزام بالتقوى؛ لأنه “يدل على النعمة السابغة عليهم، فحقهم أن يتقوه في كفرانها، والتفريط فيما يلزمهم من القيام بشكرها… وأن يتقوه فيما يتصل بحفظ الحقوق بينهم، فلا يقطعوا ما يجب عليهم وصله[42].”

ومن رحمة الله بهذه الإنسانية، الصادرة عن نفس واحدة، أنه لم يترك لها حرية التشريع الذي، إن حضرته الأهواء، أدى إلى عكس النتائج المرجوة، والمقاصد المرصودة، وإنما أسبغ عليهم نعمة التشريع المتعلق بالعلاقات بين عناصر هذه النفس الواحدة، خاصة الأمور المتعلقة بحفظ حقوق العنصر المرشح لأن يمارس عليه الظلم وهو النساء، ولأمر ما سميت السورة باسمهن. يقول السيوطي: “فانظر هذه المناسبة العجيبة في الافتتاح وبراعة الاستهلال، حيث تضمنت الآية المفتتح بها ما أكثرت السورة في أحكامه من نكاح النساء ومحرماته، والمواريث المتعلقة بالأرحام[43].”

إن براعة الاستهلال، هنا، لا تتعلق، مع وجودها، بلفت النظر إلى أمر ما، وصياغة المفردات في رونق لفظي جذاب، وذلك أن القصد، بالأصل لا بالتبعية، هو أن يلتفت وجدان المتلقي، ويهتز فؤاده، ويستيقظ عقله لتلقي كلمة الله الهادية له في أغوار النفس وآفاق الحياة، ليحيى حياة السلم الفعال والسلام الحقيقي غير الخاضع لزخرف الأقوال والأفعال.

والأمر نفسه مع فنون أخرى مثل “براعة التخلص” و”خواتم السور”

لقد أكدت الوقفة السابقة مع فن «براعة الاستهلال» أن المعالجة الدقيقة والتناول السليم لخطاب القرآن، إنما يتحققان وفق الرؤية المنهجية البيانية التي تنظر إلى الكلام نظرة بنائية كلية، تتعالق فيه عناصر الخطاب، وتتآزر لإنتاج الدلالة، وتمكين المتلقي من استيعاب المعنى دون عوائق.

والحقيقة أن الخطاب القرآني لا تنسجم أجزاؤه في هذه المستويات فقط، أي في مستوى انسجام الاستهلال مع الوسط، وتعالق الوسط بالخاتمة، بل إن الأصل فيه أن جميع آياته تربطها روابط معنوية وفنية تحتاج من المفسرين والبلاغيين تدبرا متواصلا، ونظرا متجددا، وصدق الإمام الرازي؛ إذ اعتبر بأن “أكثر لطائف القرآن مودعة في الترتيبات والروابط”، وأسهم بجهود في تنمية علم المناسبة في عصره، وعلى الدارسين المحدثين أن يواصلوا جهودهم من أجل تأصيل هذا العلم وتطوير آلياته، والانفتاح على معطيات العلوم المعاصرة في مجال انسجام الخطاب.

4. البديع والبلاغة: علاقة ترادف لا تَضَمُّنٍ

شهدت البلاغة نظرتين مختلفتين للعلاقة بين «البديع» و«البلاغة»، نظرة تقوم على أن بينهما عموما وخصوصا؛ إذ البلاغة عامة، والبديع خاص، وبالتالي فالعلاقة الناظمة لسلكهما هي علاقة التضمن، وذلك باندراج البديع الذي هو نوع أو قسم في البلاغة التي هي جنس بلغة السجلماسي، وأما النظرة الثانية، فتقوم على أنهما مترادفان، ويردان، في مختلف السياقات، بمعنى متقارب.

والراجح أن النظرة «الترادفية» نبتت في حقل البحث البلاغي نبتة متأصلة وقوية؛ لأن المعطيات الجزئية لذلك الحقل الممتد تشهد بأنها تتقاطع في كونها عناصر تمد الخطاب بمكونات فنية وجمالية ترفع مستواه إلى درجة الحسن فالإعجاز، وهي عناصر تتحد في قوتها الإمدادية، وقدرتها الجمالية، وليس بينها تراتبية في الأفضلية ذهنيا أو وجوديا، فالدور الذي يمكن أن يقوم به التشبيه أو الاستعارة هو نفسه الذي يتحمل مسؤولية إنجازه كل من الفصل والوصل، أو التقديم والتأخير، أو الطباق والجناس، وغيرها من  فنون القول وأساليب البيان.

ومن هذا المنطلق، فقد رفض الرافعي إيلاء بعض الأنواع ميزة متفردة، كأن يقال: “إن القرآن جاء بالاستعارة لأنها استعارة، أو بالمجاز لأنه مجاز، أو بالكناية لأنها كناية[44]“، ورد الأمر إلى نصابه مؤكدا أن الاقتضاء القرآني هو الذي يكسب مختلف الفنون ميزتها وليس العكس.

وإذا كان هذا ملحوظا في قراءة الخطابات الأدبية، فهو في مستوى دراسة خطاب القرآن أو كد؛ فلا يمكن، إذن، أن يعول على تلك الفنون النظرية، وحدها، في اكتناه أسراره، فما “علوم البلاغة كلها إلا بعض الوسائل في التنبيه إليه[45].”

ولعل هذه ميزة تحمد للنظرة الترادفية لكل من البديع والبلاغة.

أما النظرة «التضمنية»، فقد أخذت في الانتشار منذ أن شرع السكاكي في التقعيد لعلوم البلاغة، فلفظ «التحسين» الذي ورد عنده في آخر كلامه عن المعاني والبيان، افتنصه شراحه وأتباعه، وخاصة بدر الدين بن مالك، ففرقوا، بموجبه، بين البديع والبلاغة، وجعلوا الأول فرعا ثالثا، والثاني أصلا، صدر عنه فرعان آخران؛ هما علما المعاني والبيان.

ومن أجل إصلاح بديع القرآن وتجديد أطوراه وأدواره وإمداداته، فإن الأرجح أن يميل الدارسون إلى النظرة الأولى؛ لأنها تخلصهم، أصلا، من مشاكل وقضايا واعتراضات ليس من دور لها إلا أن تعيد إنتاج الخلافات القديمة.  وذلك أن الأصل دائما، هو ماذا أفاد ذلك الفن في إدراك المتلقي لأسرار الخطاب، أما أن يتساءل عن أصله وفصله، ونسبه وعشيرته، وهل هو فن من علم المعاني أو البيان أو البديع، وفي أي خانة صنفه العالم الفلاني وفي أي إطار أدخله أستاذه أو تلاميذه؟ فليس تحت هذه القضايا النظرية فائدة عملية، وقد نهينا، في سياق التخلق بآداب العلم والتعلم، عن الاشتغال بما ليس تحته عمل.

وللتمثيل، وهو تمثيل قد يكون فيه من السخرية المريرة أضعاف ما فيه من فوائد التمثيل، نشير إلى الإشكال المنهجي الذي غاب عن بعض الشراح، فخلطوا بين الأمور خلطا غير مقبول، فقد ذكر السكاكي فن الالتفات، وأشار إلى أنه سبق عرضه له في المعاني، وجاء صاحب «مواهب المفتاح»، فجعل الالتفات داخلا في علم البديع باعتبار أول، وفي علم البيان باعتبار ثان، وفي علم البديع باعتبار ثالث، فمن حيث اشتماله على نكتة وهي خاصية التركيب، يعد من علم المعاني، ومن حيث إنه إيراد المعنى الواحد في طرق مختلفة في الوضوح والخفاء، فهو من علم البيان، أما من حيث كونه يحسن الكلام ويزينه، فهو من علم البديع[46].

فكيف يمكن لطالب هذا العلم والمشتغل به أن يضبط أصوله وفصوله في ظل هذا الاضطراب الذي ليست له فوائد ترجع بالنفع على المتلقي القاصد لتدبر الخطاب القرآني؟

إن نشأة البلاغة العربية تقوم شاهدا على ضرورة فهم البديع باعتباره مرادفا للبلاغة، وهناك أدلة قوية تدعم هذه النظرة الترادفية:

أ. عندما تحدث الجاحظ عن البديع الذي استولى على بعض المحدثين في عصره، أورد له نماذج وشواهد تتعلق بالاستعارة والمجاز، وهما مبحثان ينتميان، لاحقا، إلى علم البيان، وعندما ذكر تعريف بعضهم للبلاغة، وحصرها في معرفة الوصل والفصل، فإن البلاغة، بهذا المعنى، تحيل على فن يصنف في دائرة المعاني، وقد أطلق على هذا بلاغة وبديع، فدل على ترادفهما.

ب. عندما ألف ابن المعتز كتابه «البديع»، جعله مشتملا على فنون مختلفة مثل الاستعارة والطباق والجناس، ورد الأعجاز على الصدور، والمذهب الكلامي، والالتفات، والاعتراض، وحسن الخروج، وتأكيد المدح بما يشبه الذم، وتجاهل العارف، والهزل الذي يراد به  الجد، وحسن التضمين، والتعريض، والكناية، والإفراط في الصفة، وحسن التشبيه، وحسن الابتداءات.

ولو حاولنا تصنيف هذه الفنون وفق الثالوث البلاغي المشهور، لاقتنص كل علم فنونا، مما يدل، في نهاية المحصلة، على أن ابن المعتز استعمل البديع بمعنى مرادف للبلاغة، وإلا كيف صح أن يجعل التشبيه من محاسن الكلام، وهو من صلب علم البيان؟ وكيف جاز له أن يجعل الطباق والجناس والمذهب الكلامي أصولا في البلاغة، مع أن النزعة التقعيدية أخرت ترتيبها، وجعلتها من المحسنات اللفظية أو المعنوية داخل علم البديع الذي لا يلتفت إليه إلا بعد رعاية المطابقة لمقتضى الحال.

ج. وقد تبعه في هذا النهج آخرون، ويكفي أن يعلم أنه، حتى مع الاتجاهات التصنيفية الإحصائية، كان يطلق مصطلح «البديع» مرادفا للبلاغة في أكثر من مناسبة، ومن ثم، فقد أدخل ابن أبي الإصبع، رائد التصنيف الإحصائي، الاستعارة والتشبيه ضمن البديع، وهما من البلاغة البيانية، وتحدث عن الفصل والوصل في باب «حسن التخلص»، والأول من المعاني، والثاني أدخله أصحاب النزعة التصنيفية ضمن البديع.

واستنادا إلى هذه المعطيات، فالراجح أن أحمد مطلوب لم يكن مبالغا حين أعلن بأن “البديع، في القرون الستة الأولى للهجرة، كان يدل على فنون البلاغة المختلفة[47].”

د. إن رائد البلاغة العربية، وهو عبد القاهر الجرجاني، كان متحررا من أي نزعة نحو التصنيف الثلاثي، أو التقعيد التراتبي لفنون البلاغة كلها، فقد “سلك المزاوجة والتقسيم والتشبيه المتعدد في سلك واحد، حين جعلها من النظم العالي الذي يتحد في الوضع ويدق فيه الصنع، فهو لا يفرق، في النظم، بين لون بديعي ولون بياني، طالما أن كلا منهما يزيد من حسن النظم ويرفع من شأنه ويعلي من قيمته[48].”

فهو القائل عن أحد التشبيهات بأنه “لم يطلب إلا لكثرة ما فيه من التفصيل[49]“، ومعلوم أن التشبيه، عند السكاكي وشراحه، في واد، والتفصيل في واد آخر.

إن الدراسة تقترح أن تظل العلاقة المنهجية بين مصطلحي «البديع» و«البلاغة» علاقة ترادفية، يمكن لأحدهما أن يحل محل الآخر في مختلف سياقات التداول ومساقات الاشتغال؛ لأن هذا البعد الترادفي مخلص لحقل البلاغة، لا محالة، من مختلف الطفيليات والأعشاب التي لم تنم نموا طبيعيا، ولا تتوفر على فائدة راجحة، وليس لها من وظيفة إلا أن تعيق تمثل البنية الجمالية لذلك الحقل، واكتناه أسرار الخطابات وفق أجهزتها التحليلية والإدراكية، ناهيك  عن أنه؛ أي البعد الترادفي، وسيلة لتجاوز إشكالات الأقدمين في التعريف والتفريع والتصنيف والتمثيل، والمرجو أن يأخذ الدرس البلاغي بهذا، فمتى أطلق مصطلح «البديع»، فالمراد به «البلاغة»، والعكس صحيح، وليتم إلغاء الإحالة الضيقة إلى القسم الثالث من أقسام البلاغة، فلم يقم التقسيم على أصل علمي، ولم يتفق على أنواع كل صنف، والخلاف منتج للخلاف، وموقع فيما ليس تحته عمل، وفيما لا غناء فيه لتحليل الخطاب القرآني، وتذوق بيانه المعجز.

 المبحث الثاني: منهجية الأصول والمحاور

 وإذ قد وضح، قدر ما أتاحه الفكر القاصر، وسوده القلم المفتقر، بعض خصائص المنهجية البيانية، فلا خلاف في كونها خصائص لا تفيد إلا أثناء مباشرة تحليل الخطاب، ولا تغني غناء نافعا إلا بين يدي تذوق البيان.

والسؤال المؤرق هو كيف السبيل إلى تعامل الباحث مع تلك الذخيرة المتنوعة من المفاهيم والمصطلحات، وأغلبها يقع فيه التباين، ويرد عليه الاشتراك والتداخل، ولا يجمعها، افتراضا، إلا مصطلح علم بديع القرآن؟

إن الإشكال واقع غير متوقع، والجواب عليه فرض عين على من جشم نفسه عناء البحث في هذا الموضوع سواء في ذلك من كان في مثل حداثة شأني، وقلة حيلتي، أو من حاز قدم صدق وضبط في هذا العلم الخطير.

وللإجابة على ذلك السؤال المؤرق، فقد ارتأت الدراسة أن تتناول الإشكال في مستويين: خصصت المستوى الأولى للحديث عن منهجية إعمال الأصول وإهمال الفروع، وأفردت المستوى الثاني لبسط القول في منهجية المحاور.

1. منهجية إعمال الأصول وإهمال الفروع

إن فكرة الأصول ترتد بالباحث إلى أصل علم البديع، والقضايا الكبرى التي أنتجها قبل مراحل التفريع والتكثير. ومن المعلوم أن أصل كل شيء “هو ما يفتقر إليه، ولا يفتقر هو إلى غيره”، وهو “ما يبنى عليه غيره، ولا يبنى هو على غيره[50]“، ومن ثم، فالأصل هو “المحتاج إليه، والفرع هو المحتاج[51].”

ولعل العلاقة بين الأصل والفرع، من هذا المنظور، هي تبعية الثاني للأول، ذهنيا ووجوديا ومكانيا، سواء تعلق الأمر بالمحسوسات، أو بالمسائل النظرية؛ لأن الفروع تبنى على الأصول، وتفرع عنها.

وإن إلحاق الفروع بالأصول مبدأ معمول به في القضايا العقلية والعلمية والاجتماعية، وبهذا الاعتبار، فإننا حين ننزل هذا المبدأ النظري على واقع بديع القرآن، فإننا نلمس، بوضوح زائد، أن من أسباب أزمته، تفريع أصوله وقضاياه الكبرى إلى فروع لا تنتهي من الصفات والألقاب والأنواع والأقسام، منها ما يستند إلى مسوغات تدعمها شواهد النصوص، ومنها ما جاء خاضعا ومستجيبا للقسمة العقلية التي قد لا يكون لها تحقق في واقع النصوص التي تعد منطلق الاشتغال البلاغي وغايته بالقصد الأول، والهدف الأساس.

ومنهم من جعل تلك الفروع، التي هي توابع، مفردة بأحكام وكأنها مقصودة لذاتها، علما بأن القاعدة تنص على أن “التابع لا يفرد بالحكم ما لم يصر مقصودا[52]“، وهذا ما قصده ابن الأثير بكلامه عندما رفض تقسيم الكناية إلى كناية وتمثيل، فقد علل رفضه بكون تلك الأقسام تؤول إلى أصل واحد، وليس في أحدها صفة خاصة تدعو إلى إفرادها بتلقيب مستقل. يقول: “وهذا التقسيم ليس بصحيح؛ لأن من شروط التقسيم أن يكون كل قسم منه مختصا بصفة خاصة تفصله عن عموم الأصل، كقولنا: الحيوان ينقسم أقساما منها الإنسان، وحقيقته كذا وكذا، ومنها الأسد، وحقيقته كذا وكذا، ومنها غير ذلك، وها هنا لم يكن التقسيم كذلك، فإن التمثيل على ما ذكر عبارة عن مجموع الكناية، وأما الإرداف فإنه ضرب من اللفظ المركب، إلا أنه اختص بصفة مختصة، وهي أن تكون الكناية دليلا على المكنى عنه ولازمة له[53].”

وإذا فتش المرء عن فائدة راجحة تتيح له فضل تدبر للخطاب القرآني، أو تمكنه من أداة نفسية يحصل له بها حسن الوقوع على سر من أسراره العظيمة، فإنه يرجح ألا معول على تلك الفروع في أداء هذه المهمة التدبرية والتذوقية، مما يدعو إلى مراجعة عاجلة لتلك الفروع التي أنتجت، بدورها، فروعا وأقساما أثقلت البحث البلاغي بألقاب وأنواع مرجوحة الفائدة، حتى غدا كالحقل من الأشجار والنبات الذي لا يعرف تشذيبا ولا تهذيبا.

ولكي لا يظل  الكلام  نظريا، فإن الدراسة تسوق النماذج الآتية، باعتبارها دليلا واضحا، ومن ثم، فإن القصد قد يحصل ببعضها دون بعض، والاجتزاء بنماذج منها مطلوب في مثل هذه المقامات، وهروع القارئ إلى القياس مندوب إليه في مثل هذه المناسبات، خاصة وأن مثل هذه الظواهر كثيرة، ولا وجه لاستيعابه، فلا أحسن من أن يكون قليله دالا على كثيره، وجملته مبينة عن تفسير الغرض من إثارة الإشكال ومغنية عن تفصيله.

أ. شجرة الجناس

تسللت نبتة التفريع للجناس منذ المباحث الإعجازية الرائدة، فهذا الإمام الرماني يقسمه إلى جناس مزاوجة للمشاكلة وجناس مناسبة، لتشابه الجزأين في الأصل الاشتقاقي أو الحرفي، وإن كان في تفريعه هذا محققا لهدف لو أخذ به البحث البلاغي لانتهى إلى اقتصاد مصطلحي ملحوظ، ولطبق فكرة المحاور تطبيقا ناجحا، وذلك أنه أدخل المشاكلة، المعدودة فنا مستقلا، بجميع أمثلتها وشواهدها من القرآن، ضمن جناس المزاوجة، وأكد على دورها الدلالي، فقد سبقت الإشارة إلى قوله في مشاكلة «الاعتداء» لـ«الاعتداء» في الآية الرابعة عشر من سورة البقرة. ويقول في قوله تعالى: ﴿ومكروا ومكر الله، والله خير الماكرين﴾ (ءال عمران: 53)؛ “أي جازاهم على مكرهم، فاستعير للجزاء على المكر اسم المكر لتحقيق الدلالة على أن وبال المكر راجع عليهم، ومختص بهم[54].”

والملاحظ أن هاجس التحليل الدلالي للفن البديعي “المشاكلة”، جعله لا يلتفت جهة قيد التناظر الموسيقي أو الصوتي أو الحرفي بين الكلمتين المتجانستين والمتشاكلتين، مما أفرط في تناوله أصحاب التصنيف الصناعي ومتأخرو الشراح.

وكان ابن المعتز قد قسم الجناس إلى تجانس يتم في تأليف الحروف والمعنى، وآخر في الحروف دون المعنى، إلا أن البحث البديعي لم يقف عند حد هذين النوعين، بل أضاف إليهما أنواعا شتى، فقد حصرها السكاكي في الأنواع الآتية:

1. التجنيس التام، 2. التجنيس الناقص، 3. التجنيس المذيل، 4. التجنيس المضارع أو المطرف، 5. التجنيس اللاحق، 6. التجنيس المزودج أو المكرر  أو المردد، 7. التجنيس المشوش، 8. التجنيس المشابه، 9. التجنيس المفروق، 10. التجنيس الاشتقاقي[55].

وقد جرد هذه الأنواع، ومثل لها بشواهد من القرآن والشعر، دون أن يبرز دورها في سياق الكلام، أو يلمح إلى وظيفتها في بناء الخطاب وتقوية تماسكه ودلالته.

وتبعه في ذلك الجم الغفير من الشراح والملخصين، ومن حق الباحث أن يتساءل عن فعالية هذه الأنواع، ووظيفتها، واقتضاء المعنى السياقي لها، وعن إيجابيات الإبقاء عليها في مباحث الدرس البلاغي.

ومن المؤكد أن نفور الطلبة والباحثين من الدرس البلاغي يرجع، في بعض جوانبه، إلى هذا الإكثار من الأنواع للظاهرة البديعية الواحدة.

ولا مخرج من هذا الوضع السلبي إلا باعتماد مقوم إعمال الأصول وإهمال الفروع، والإبقاء على مفهوم الجناس ومصطلحه أداة وحيدة قابلة للاندماج في آليات تحليل الخطاب وشرح معانيه، وتلمس العلاقات الدلالية، فضلا عن الإيقاعية، بين الكلمات المتجانسة التي سيقت مساقا واحدا يراعى فيه دلالة الخطاب، منظورا إليها من زاوية النص وأفق المتلقي.

وليقدم أصحاب التفريع ودعاة التشقيق جوابا واضحا عن الأسئلة الآتية: هل من اللازم على من يريد أن يفهم قوله تعالى: ﴿وجئتك من سبإٍ بنبإٍ يقينٍ﴾ (النمل: 22)، أو قوله: ﴿ويل لكل همزة لمزة﴾ (الهمزة: 1)، أو قوله: ﴿فأقم وجهك..﴾ (الروم: 42)، أن يتمثل، أولا، أنواع الجناس، ويضبط مؤتلفها ومختلفها، ويعلم أن في الآية الأولى جناسا مزدوجا أو مكررا أو مرددا، وهي، بالمناسبة، مصطلحات لنوع واحد، وأن في الآية الثانية جناسا لاحقا، وفي الثالثة جناسا اشتقاقيا؟!

إن أحداً من العقلاء لا يشترط ذلك، وأنى له أن ينهج هذا النهج، وبيان القرآن لا يتوقف على مثل هذه الأنواع والتفريعات التي نأسف، أشد الأسف، لاشتغال العقل المسلم بها حينا من الزمن.

بل كيف يمكن قول “حينا من الزمن”، ولا يزال كثير من المحدثين محافظين على تلك الشجرة الجناسية بكل أغصانها المورقة والذابلة، ولا تزال كتبهم شاهدة على أنهم لم يكلفوا أنفسهم عناء النقد المنهجي لظواهر التفريع والتقسيم، والدفاع، في المقابل، عن فكرة الأصول دون  الفروع.

فمع أن كتاب د. الشحات محمد أبو ستيت عبارة عن “دراسات منهجية في علم البديع[56]” ولمصطلح «منهجية» دلالته العلمية الخطيرة في هذا المقام، إلا أنه قام بإحصاء أنواع الجناس، واستغرق منه ذلك زهاء تسع صفحات، لو أنفقها في أمور منهجية لكان لكتابه فائدة مرجوة.

ومن المؤسف أنه ينتقل، فجأة، من ذكر تلك الأنواع إلى امتداح موقف الجرجاني الذي نفى أن يكون للجناس، مفصولا عن المعنى واقتضاءاته، أي اعتبار، ولم يكلف نفسه جهد القيام بالمعادلة الآتية:

إذا كان الجرجاني اعتبر الجناس كلية مرجوح الفائد، مردود القيمة؛ إذا لم يسهم في إغناء المعنى، ولم تقتضه دلالة السياق، فكيف جاز له، هو، أن يتوسع في ذكر أنواع الجناس، مع علمه بأنها لا تقوى على إثراء المعنى  إلا حين تكون جناسا مسوقا لخدمة أمر فوق الزخرف اللفظي، وليس حين يكون مجرد جناس من هذا النوع أو ذلك؟

وليس الأمر مقصورا على هذا الباحث، بل إنه ديدن فريق، وها هو أهم معجم معاصر في المصطلحات البلاغية لأحمد مطلوب ظل حاويا، في بطنه، أنواع الجناس التي جاءت رابية على الأربعين، ولم نجد فيه، مقابل ذلك، أي إشارة إلى أن هذا الوضع التكثيري غير طبيعي، فضلا عن أن يقدم منهجا تقويميا لإصلاح المبالغة والارتجال في صياغة أنواعه. وإن من جالس كتب د. أحمد مطلوب في النقد والبلاغة ليدرك بأنه أهل لتلك المهمة لو ندب نفسه إليها.

وقد أحسن د. أحمد محمد علي (عبده زايد) صنعا، حين تخلى عن إفراد باب للجناس في مؤلفه «دراسات في علم البديع»، واكتفى بدراسة بعض شواهده ضمن باب «المشاكلة»، وهو إسقاط منه للفرع دون الأصل، وليس لدراستنا عليه أي تعليق؛ إذ القاعدة تقول: “إذا سقط الأصل سقط الفرع، ولا عكس[57].”

على أن النظر المتسامح، والتدقيق المعرض عن إثارة شبهات توهم بثورة «مجانية» ضد التراث البديعي، مفضيان إلى أن تذهب دراستنا، في شأن شجرة الجناس، مذهبا وسطا، وذلك أن أصل الجناس، بمختلف أنواعه، يؤول إلى قسمين اثنين: جناس تام، وجناس ناقص.

وإن تعجب، فعجب مذهبا السجلماسي وابن البناء المراكشي، فقد سعيا إلى تنظيم أبواب البديع، وحرصا على تقنين أساليبه في منظومة اقتصادية ترفع البديع إلى مقام العلم المنضبط في مفاهيمه ومصطلحاته وأجناسه وأنواعه، ومع هذه الرغبة العلمية، والشرط العلمي اللازب، إلا أنهما استسلما لما كان قد نبت في ساحة البديع قبلهما من شجرة الجناس، فأخذ كل منهما يسرد ما عنَّ له من أنواعه وأقسامه المختلفة في الهيئة والحروف والترتيب، والتقارب في الاشتقاق وغيرها.

إن الهدف من هذه الوقفة تأكيد حقيقة ضرورة الإبقاء على أصل الجناس، وهو الجنس الكبير، ولنضف إليه، بنوع من التسامح، قسميه التام والناقص، خاصة في دراسة الخطاب القرآني المنزه عن مظاهر التكلف والتعامل والتصنع التي تبدو طافحة لمتذوقي النصوص الشعرية الواردة شواهد عند القوم.

ونحن، حين ندعو، إلى إبقاء وإلغاء، فلأن ما ثبت قدمه امتنع عدمه، والقدم الثابت للقسم الكبير فيتعين إعماله، والحداثة صفة لما ورد من أنواع وفروع، فليكن العدم، لحداثتها، ثابتا لها، والله أعلم.

ولنا في نهج ابن النقيب أسوة حسنة، حين اقترح أن يلحق باب الاشتقاق بالجناس، فقد ذكر تعريفه، وهو أن يجيء بألفاظ فيها أصل واحد في اللغة كقوله تعالى: ﴿فأقم وجهك..﴾ (الروم: 42)، ثم قال: “هذا الباب أولى بأن يكون من أجناس التجنيس[58].”

ب. شجرة المبالغة

إذا كانت المبالغة هي «تأكيد معاني القول» بنوع من الإفراط والإغراق، وهو وجه المناسبة بين “الأسامي الجمهورية والصنائع الناشئة[59]” في البلاغة وعلم البيان، فقد أضحت عنصرا من عناصر جودة الخطاب، وعمل الاتجاه الإدماجي مع ابن قتيبة والزمخشري، خصوصا، على إنصافها بالقول بوجودها في القرآن ومخاطبات العرب، وبالدعوة إلى قبول ذلك من الأدباء والشعراء، ما دام جاريا على مذاهب العرب في كلامهم، جائزا من حيث قدرة المتلقي على رد الكلام إلى نصابه، وفهمه فهما سليما.

 إلا أن البحث البلاغي لم  يقتصر على مصطلح «المبالغة»، بل فرع عنه أنواعا وأقساما، لو حاول الباحث جهده من أجل الوقوف على مسوغات تفريعها إلى تلك الأضرب، لما وجد لذلك أمرا ذا بال، باستثناء طغيان النسقية المنطقية التي تتعامل مع الظاهرة الأدبية تعاملا يتساوق مع القسمة العقلية القائمة على فرضيات الإمكان والوجود والجواز والاستحالة.

والناظر في مآلات درس المبالغة عند المتأخرين يرى ذلك جليا، فالخطيب القزويني يعرف أنواعها تعريفا تتحكم فيه مقولة الجواز والإمكان والاستحالة العقلية، يقول: “والمبالغة أن يدعى لوصف بلوغه في الشدة أو الضعف حدا مستحيلا، أو مستبعدا لئلا يظن أنه غير متناه في الشدة أو الضعف… وتنحصر في التبليغ والإغراق والغلو[60].”

وقبل شرح هذه المصطلحات الثلاثة، نشير إلى أن السجلماسي أخرج من أصل المبالغة أنواعا عديدة، فجعل منها جنسا متوسطا، وفرع منها أنواعا انتهت إلى الشجرة الآتية[61]     

ولا حاجة بنا، بعد تقديم النموذج والشاهد، إلى متابعة السجلماسي في تفريعه لبقية الأنواع.

وفي سعي الباحث إلى تلمس الفروق والمقومات الداعية، منطقيا، إلى إفراد كل نوع بمجاله المستقل، وتلقيبه بمصطلحه الخاص، فإنه لن يجد إلا الاعتبارات الآتية التي ذكرها القزويني، وفصل السجلماسي القول فيها تفصيلا.

ـ إذا كان الوصف المبالغ فيه ممكنا عقلا وعادة، فهو التبليغ.

ـ وإذا كان الوصف المبالغ فيه ممكنا عقلا لا عادة، فهو الإغراق.

ـ وإذا كان الوصف غير ممكن لا عقلا ولا عادة، فهو الغلو.

وقد ذكروا لكل نوع نماذجه وشواهده، غير أنهم لما ووجهوا بآيات ينطبق عليها وصف الغلو، باعتبار أن الوصف فيها غير ممكن لا عقلا ولا عادة، مثل قـوله تعـالى: ﴿يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نارٌ﴾ (النور: 35)، استدركوا، تحرزا منهم واحتراسا،  باللجوء إلى أن «فعل كاد» يجعل هذا النوع من الغلو مقبولا؛ لأنه أدخل عليه ما يقربه إلى الصحة[62].

يقول صاحب مواهب المفتاح: “فإن إضاءة الزيت إضاءة كإضاءة المصباح محال عقلا، فلو قيل في غير القرآن مثلا يضيء هذا الزيت بلا نار لرد، وحيث قيل «يكاد يضيء» أفاد أن المحال لم يقع، ولكن قرب من الوقوع مبالغة… فلفظ «كاد» لما دل على القرب، والقرب قريب من الصحة… جاءت المبالغة مقولة في الغلو[63].”

 علما بأن سياق الآية يوحي بالإمكان العقلي والوجودي؛ لأن الآية واردة في وصف عظمة نور الله ونور المؤمنين ونور الإيمان، ولأمر ما استدرك صاحب عروس الأفراح معلقا على شواهد الغلو عند القوم: “وفي جميع هذه الأمثلة وكونها من المستحيل عقلا نظر؛ إذ العقل لا يمنع أن يضيء الزيت[64].” ثم إن الآية تريد أن تنقل إلى المجال التصوري للمخاطبين تشبيها  لنور الله الذي وصل في نورانية حدا لا يمكن أن توازيه في محسوسات الإنسان إلا صورة الزيت المضيء دون أن تمسه النار.

إن القسمة المنطقية العقلية تحولت من دراسة للخطاب الأدبي في بعده الأسلوبي، إلى دراسة ماورائياته في قضايا العقل واشتغالات المنطق، ولذلك، فقد وجد السجلماسي نفسه مضطرا إلى الدفاع عن تلك القسمة العقلية بدل أن يهرع إلى تحليل النصوص، ويكشف عن جمالية المبالغة فيها. يقول: “فيوضع فيه  على الإفراط في الإخبار عن الشيء والوصف له، ومجاوزة الحقيقة فيه إلى المحال، والكذب المخترع لفرض المبالغة، وبالجملة، فهو؛ (أي الغلو) أن يكون المحمول ليس في طبيعته أن يصدق على الموضوع، وليس في طبيعة الموضوع ولا في وقت ولا على جهة أن يصدق عليه المحمول[65].”

ولو وقف عند الآية السابقة، لتبين له أن محمولها قابل لموضوعها؛ لأن السياق سياق امتداح نور الله، وهذا هو ما يطلب، بالقصد الأول، أن ينقل إلى فؤاد المتلقي، ويملأ كيانه ووجدانه، لا أن نتمحل القيود، ونتكلف قراءة فعل «كاد» قراءة نحوية لا تليق بالمقام.

ولو أن القوم ألغوا القسمة العقلية، ودرسوا الخطاب دراسة تذوقية متدبرة لبيانه المعجز، لكفوا أنفسهم، وغيرهم، مؤونة الاختلاف حول مذاهبهم في المبالغة ما بين مؤيد ورافض ومعتدل، ولما صرفوا النظر جهة إمكانية إدراجها ضمن محاسن الكلام أو إخراجها من حقل البيان.

والأغرب الأعجب أن المتأخرين أغفلوا فوائد الإعراض عن الخلاف حول القسمة العقلية، وحول وظيفية المبالغة بعد أن أشاد رواد البلاغة بقيمتها وأهميتها أمثال؛ ابن قتيبة والجرجاني والزمخشري وابن رشيق وغيرهم، وبدل أن يقنعوا بذلك، ويواصلوا تحليلهم لخطاب القرآن الكريم، مستندين في ذلك التحليل إلى ما جد في عصورهم من علوم ومعارف وقضايا مجتمعية وسياسية وأخلاقية، بدل أن ينهضوا بهذه المهام التفسيرية الحضارية، ليجلوا المقصد الأسمى من نزول القرآن إلى الإنسان، راحوا يبحثون عن قسمة عقلية أخرى، لم يذكرها القزويني وهي أن يكون الوصف ممكنا عادة لا عقلاً.

 يقول ابن يعقوب المغربي في «مواهب المفتاح» الذي جعله شرحا للتلخيص الذي هو إيجاز للإيضاح الذي هو شرح للمفتاح: “والتبليغ والإغراق مقبولان معا على الإطلاق لعدم ظهور الامتناع الكلي فيهما الموجب لظهور الفساد والكذب… ويلزم أن لا يكون ممكنا عادة أيضا؛ إذ لا يتصور أن يكون الشيء ممكنا عادة ممتنعا عقلا، ضرورة أن الممكن عادة يمكن عقلا، ولا ينعكس كليا؛ أي ليس كل ممكن عقلا ممكنا عادة؛ لأن دائرة العقل أوسع من العادة[66].”

وهو منطقي في تخريجه؛ لأن استيفاء القسمة بمختلف أجزائها باعث على ذكر ما يمكن عادة لا عقلا، إلا أن السـؤال هو: أين  هي شواهده، حتى لو افترضنا أن التراث البلاغي هو، في جملته وتفصيله، استمداد من الشواهد الأدبية والقرآنية، واستنباط منها؟؟. إن الشاهد غير موجود إلا أن يتكلف الشارح نظمه، كما تكلف غيره صناعة الشاهد الدال على وجود كثير من أنواع البديع، وتلك قضية أخرى.

إن هذه الشروط والمواصفات المنطقية لعناصر المبالغة وأنواعها حائلة، لا محالة، دون إدراك الأثر العميق لفن المبالغة في نفوس المتلقين للقرآن، ولا مخرج من هذه الأزمة إلا برد فروعها المختلفة، والإبقاء على مصطلح «المبالغة»، فهو، في أصل دلالته اللغوية والاصطلاحية، يحيل على المعاني والمفاهيم الواردة في التبليغ والإغراق والغلو..

 والأصل أن الأصل محكم على الفرع، وأن الفروع تلحق بأصولها، سيما إذا لم يكن للفرع ميزة تدعو إلى إفراده بحكم خاص، أو لقب مستقل، ففي قوله تعالى: ﴿يا أيها الذين ءامنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنودٌ فأرسلنا عليهم ريحًا وجنودًا لم تروها، وكان الله بما تعملون بصيرًا. اِذ جاءوكم من فوقكم ومن اَسفل منكم وإذ زاغت الاَبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا. هنالك ابتلي المومنون وزلزلوا زلزالًا شديدًا﴾ (الأحزاب: 9-11)، يتركب المعنى من مبالغة حاضرة مع كل لفظ حضورا قويا مساويا لقوة “الهول الذي روع المدينة، والكرب الذي شملها، والذي لم ينج منه أحد من أهلها، وقد أطبق عليها المشركون من قريش وغطفان واليهود من بني قريظة من كل جانب[67]“، وذلك بسبب غزوة الأحزاب أو الخندق.

وقد أسهمت عناصر كثيرة لإنجاز المبالغة في هذا المشهد القرآني باعتباره قيمة نفسية وأثرا وجدانيا.

ـ فهناك الصفات والنعوت مثل «الشديد» و«البصير».

ـ وهناك تصوير للمسلمين تصويرا شمل الأبصار والقلوب، الظواهر والبطون، وهو “تعبير مصور لحالة الخوف والكربة والضيق، يرسمها بملامح الوصف وحركات القلوب[68].”

ـ وهناك وصف للطريقة التي هلك بها جند الأحزاب.

– بالإضافة إلى عمق الأثر النفسي الذي تخلفه المفعولات المطلقة مثل «الظنونا» و«زلزالا»، مع ما يصاحب ذلك من إشباع للمد المساوق لامتداد الهول.

وليس في هذا المشهد الهادف إلى أن يوقظ حس المؤمن، ليدرك إدراكا عميقا ابتلاء الله للمؤمنين، ونصرته للثابتين على الحق، وقضائه على أعداء الدين… ليس في هذا المشهد المعتمد على أسلوب المبالغة ما يدفع إلى دراسته وفق منطق الجواز والإمكان، أو الاستحالة العقلية.

وقد يتوقف المغرمون بذلك عند قوله: ﴿وبلغت القلوب الحناجر﴾، فيقولون عنها إنها من باب الغلو، لاستحالة وقوع ذلك في العادة، مما دفع بأحد الدارسين المعاصرين إلى أن يتكلف مشقة إثبات القول إن لفظ القلب لا يرد في القرآن دائما للدلالة على المضغة المعروفة، وإنما هو “بالإضافة إلى أنه موضع الهداية كما تدل على ذلك غير آية، فإنه أيضا موضع الطمأنينة أو الخوف[69]“، واستدل على مذهبه بكلام لابن قتيبة والرازي. والأصل أن القرآن مبين بنفسه، فهو يريد التمثيل “لاضطراب القلوب ووجيبها، وإن لم تبلغ الحناجر حقيقة[70].”

إن فهم المشهد القرآني لا يتوقف إلا على قاعدة واحدة وهي: “أنه يصور نماذج البشر وأنماط الطباع، ويحفل بربط المواقف والحوادث بقدر الله المسيطر على الأحداث والأشخاص… ويقف عند كل مرحلة للتوجيه والتعقيب والربط بالأصل الكبير[71].”

وإذا ما تلقى المتلقي هذه الآيات على ضوء المعاني النفسية، والمقاصد التربوية، تجلت له حقيقة المبالغة تجليا نفسيا ينأى به، في تحليله لها، عن تفريعات القوم وتصنيفاتهم التي إن هي غدت العقل المفتون بالتقسيم المنطقي؛ لأنه أضحى من فتنة العصر حينئذ، وعلامة على تمكن المفسر والبلاغي وإحكامهما لصنعتها، فإنها لن تغذي حاسة التدبر، ولا تنشئُ قارئا متخلقا بخلق التدبر المأمور به، بطريق المنطوق، في أربع آيات من سور القرآن، مكيها ومدنيها، فضلا عن الآيات الأخرى التي توجه، بطريق المفهوم، إلى أن يأخذ جميع أصناف الناس حقهم من خلق التدبر في كتب الله، وتأمل معانيه، ويربأوا بأنفسهم أن يكونوا من الغافلين المعرضين عن فيوضات المعاني الربانية.

2. منهجية المحاور

إذا اتفق على أن بديع القرآن يعيش أزمة حقيقية، وإذا تم الإجماع على وجوب إصلاحه إصلاحا يسهم فيه الباحثون والدارسون، كل حسب طاقته وإمكاناته، فإن أهم المفاتيح التي تفتح لهم مجال الإصلاح الحقيقي والفعال هو أن يولوا أمر منهجية المحاور أبعادها التي تستحقها من حيث الأولوية والأهلية.

فقد يتفق على أن من خصائص المنهجية البيانية ما سبق ذكره، والتدليل على مشروعيته، وقد لا تجد من يخالفك الرأي في ضرورة إعمال الأصول قبل الفروع، لكن الخلاف يشب، من جديد، مع كل محاولة لتجميع فنون البديع داخل محاور محددة يكون بين نماذجها الجزئية تقاطع على مستوى واحد أو أكثر في التقارب والتشابه، وذلك بغية تنظيم حقل بديع القرآن وتصنيفه وترتيب قضاياه ترتيبا محكما.

ولعل في الاقتراحات التي تتداول في مؤلفات الدارسين والمعاصرين وأبحاثهم ما يقدم الدليل الواضح على ذلك.

وقبل الشروع في عرضها، لابد من إيراد معنى يتفق عليه بخصوص مفهوم منهجية المحاور.

إن منهجية المحاور هي دراسة بديع القرآن دراسة ترجع مختلف فنونه إلى محاور كبرى، وأقسام عامة يلاحظ في نسيجها صفات تقاربية في الدلالة والوظيفة بين فنون البديع قصد “التقليل من التعريفات وترادف المصطلحات وتداخل الأقسام[72].”

إن قيد «الإرجاع» تحرز من السقوط في مظنة ما عملت الدراسة  على نقد أوضاعه، وكشف اضطرابه، أما قيد «التقارب»، فهو تحرز من تعدد موازين الأوضاع، وتصنيف المحاور، وتأكيد على الميزان الوحيد الذي هو التقاطعات الموجودة، حقيقة وواقعا، بين تلك الفنون التي يراد إدماجها في محور واحد، أما قيد «التقليل»، فهو الهدف الذي أعلت هذه الدراسة من إجرائيته، وجعلته مناط تحقيق عملية الإصلاح الفوري والشامل لبديع القرآن، عسى أن يتلاحم، في جوانبه الإيجابية، مع إصلاحات أخرى تخص أسباب النزول، والنسخ، والقراءات، والتفسير لخدمة كتاب الله العزيز، وهو إصلاح فوق طاقة الأفراد؛ إذ يتعين أن تتعهد أمره مؤسسات علمية.

إن الهدف من اقتراح «المنهجية المحورية» أن تنتظم فنون البديع الجزئية داخل أطر وقواعد كلية تجمعها، وتوحد أمرها، وإذا أردنا التشبيه، فإن ما تروم المنهجية المحورية الوصول إليه هو أن يكون شبيها بالقواعد الفقهية، فمن المعلوم أن “القاعدة الفقهية هي حكم كلي مستند إلى دليل شرعي مصوغ صياغة تجريدية محكمة، منطبق على جزئياته على سبيل الاطراد أو الأغلبية[73]“، وتحت هذه القاعدة، تندرج جزئيات كثيرة، مثل قاعدة «اليقين لا يزول بالشك»، فهي تحتوي، بداخلها، جزئيات لها تعلق بالطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج والنكاح والطلاق…

ومثل قاعدة «الأمور بمقاصدها»، فهي تجري، بكليتها، على جزئيات عديدة، مثل “المعاوضات والتمليكات المالية والإبراء والوكالات، وإحراز المباحات والضمانات والأمانات والعقوبات[74].”

وهذا ما نريده للمنهجية المحورية؛ إذ لابد أن تكون هناك كليات ترد إليها الجزئيات المتشابهة والمتقاربة التي هي فنون وأساليب يجمعها ضابط واحد أو أكثر، وذلك من أجل الاستغناء عن منهج التجزيء والاستقلال بين مختلف فنون البديع، وهو منهج ثبت ضعفه، ودل الواقع، واقع الاشتغال والتدريس، على إرهاقه للبحث البلاغي وللطلبة والدارسين على حد سواء.

وقد يعترض على هذا الاقتراح بأن القواعد والكليات والمحاور لا يمكن أن تحيط بجميع الجزئيات، ثم هناك استثناءات لابد من أن تؤخذ بعين الاعتبار، وإلا وقع خلط جديد، وتداخل غير مفيد.

والمثير أن القواعد، في بعدها الفقهي، جاءت استجابة للحقيقة الواقعية، وهي أن الجزئيات غير منتهية، فالأحسن لها أن تكون آيلة إلى قاعدة كلية تجمع أمرها، وتوحد شأنها، وتنظم اشتغالها، ثم إن الاستثناء أمر ملحوظ، ولذلك، وضع المهتمون قيد «الأغلبية» في تعريفهم للقاعدة، كما أنه من المعلوم، عندهم، “أن أكثر قواعد الفقه أغلبية”، بمعنى أنها “قلما تخلو من استثناءات في فروع الأحكام التطبيقية[75].”

ولا يطمع دارسو البديع في أن تكون محاورهم مطردة اطرادا كليا، وسنتبين، من خلال الوقوف على بعض المقترحات المنهجية، أن ما من اقتراح محوري إلا ويتوجه إليه الاعتراض، ويقع عليه الاستدراك، وإذا كان شأن القواعد الفقهية أنها تعالج أعمالا وسلوكيات قد تكون نسبة الضبط فيها أعلى، فكيف بالبديع الذي يدرس لغة تحقق فيها الإعجاز، بل هي الإعجاز نفسه، وتضمنت مالا تنقضي عجائبه، ووردت في أساليب تتعدد فيها المعاني، وتذهب النفوس في إدراك آفاقها مذاهب شتى.

وبالإضافة إلى هذا المستوى المنهجي الأكاديمي، فإن فكرة المحاور تعد أمرا تربويا تعليميا؛ لأنها ستعطي للدرس البلاغي في الثانويات والجامعات دفعة جديدة نحو تجديد شأنه، وذلك بوصل الطلبة والباحثين بالقواعد الكلية، وصرفهم جهة تذوق النصوص، وتجنيبهم الانهماك في تمثل الجزئيات والفروع التي لا حصر لها.

وإذا كان الفقهاء قد مالوا جهة التقعيد الكلي تجنيبا لطلبتهم من الضياع في أنفاق الجزئيات والفروع، وهو ما يستدل عليه من كلام للسبكي، رحمه الله، عندما أعلن موقفه الواضح: “وإن تعارض الأمران؛ (أي دراسة القواعد ودراسة الفروع)، وقصر وقت طالب العلم عن الجمع بينهما، فالرأي لذي الذهن الصحيح الاقتصار على حفظ القواعد، وفهم المآخذ[76].”

فما أحوجنا إلى تعدية موقف السبكي، ولعله موقف كثير من فقهاء الأمة، إلى مجال الدرس البلاغي والبديعي ليشتغل أهله وطلبته بإحكام المحاور، وضبط الكليات.

الهوامش


[1]. محمد إقبال عروي، بديع القرآن: دراسة نقدية، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة الكويت، ط1، 2009.

[2]. زناد خليل، تفسير القرآن: إشكالية المفهوم والمنهج، مجلة المسلم المعاصر، عدد81، جمادى الأولى، 1417، أكتوبر 1996، ص15.

[3]. العز بن عبد السلام، الإشارة إلى الإيجاز في بعض أنواع المجاز، القاهرة: دار الحديث، ص217.

[4]. ابن النقيب، مقدمة تفسير ابن النقيب، تح: زكريا سعيد علي، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط1، 1995، ص12. وكان الكتاب ينسب خطأ إلى ابن القيم بعنوان: “الفوائد المشوق..”.

[5]. الفيروز آبادي، بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز، تح: محمد علي النجار، القاهرة: المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، ط 1393ﻫ، ج2، ص319.

[6]. ابن قيم الجوزية، بدائع الفوائد، بيروت: دار الكتاب العربي.

[7]. محمد فتحي الدريني، دراسات وبحوث في الفكر الإسلامي المعاصر، بيروت: دار قتيبة، ط1، 1988، ج1، ص216.

[8]. المرجع نفسه، ص216.

[9]. مصطفى صادق الرافعي، إعجاز القرآن والبلاغة النبوية، بيروت: دار الكتاب العربي، ط9، 1973، ص257.

[10]. الإمام الزركشي، البرهان في علوم القرآن، تح: محمد أبو الفضل إبراهيم، بيروت: دارا لفكر، ط3، 1980، ج3، ص311-312.

[11]. المرجع نفسه، ج2، ص180.

[12]. زناد خليل، تفسير القرآن: إشكالية المفهوم والمنهج، مجلة المسلم المعاصر، م، س.

[13]. جميل صليبا، المعجم الفلسفي، بيروت: دار الكتاب اللبناني، ط1، 1971، ص597-598.

[14]. ولي الدين الدهلوي، الفوز الكبير في أصول التفسير، ترجمه عن الفارسية: سلمان الحسيني الندوي، بيروت: دار البشائر الإسلامية، ط1، 1987، ص92.

[15]. المرجع نفسه، ص93.

[16]. الإمام عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، تح: محمود محمد شاكر، القاهرة: مطبعة المدني، ط3، 1992، ص304.

[17]. الإمام شرف الدين بن محمد الطيبي، التبيان في علم المعاني والبديع والبيان، تح: هادي عطية مطر الهلالي، بيروت: عالم الكتب، ط1، 1987، ص47.

[18]. العلوي اليمني، الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز، بيروت: دار الكتب العلمية، ط1980.

[19]. مصطفى صادق الرافعي، إعجاز القرآن والبلاغة النبوية، م، س، ص258.

[20]. الشحات أبو ستيت، دراسات منهجية في علم البديع، دار خفاجي للطباعة والنشر، مصر، ط:1، 1994، ص263.

[21]. ابن السبكي، عروس الأفراح، ضمن: شروح التلخيص، ج4، ص248.

[22]. المرجع نفسه، ص283.

[23]. شرف الدين بن محمد الطيبي، التبيان في علم المعاني والبديع والبيان، م، س، ص47.

[24]. التهانوي، كشاف اصطلاحات الفنون، وضع حواشيه: أحمد حسن سبج، بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1998، ج1، ص29.

[25]. العلوي اليمني، الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز، م، س، ج3، ص349.

[26]. الجرجاني، دلائل الإعجاز، م، س، ص73-75.

[27]. محمد الحجوي، البديع في التراث النقدي والبلاغي، م، س، ص159.

[28]. حازم القرطاجني، منهاج البلغاء وسراج الأدباء.

[29]. محمد الحجوي، البديع في التراث النقدي والبلاغي، م، س، ص218-219.

[30]. أحمد محمد علي (عبده زايد)، دراسات في علم البديع، مصر: مطبعة الأمانة، ط1، 1986، ص100.

[31]. الزركشي، البرهان في علوم القرآن، م، س، ج1، ص35.

[32]. العز بن عبد السلام، الإشارة إلى الإيجاز في بعض أنواع المجاز، القاهرة: دار الحديث، ص221.

[33]. ابن أبي الإصبع، تحرير التحبير، تح: حفني محمد شرف، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، ص178.

[34]. الإمام السيوطي، معترك الأقران في إعجاز القرآن، تح: أحمد شمس الدين، بيروت: دار الكتب العلمية، ج1، ص58.

[35]. شرف الدين الطيبي، التبيان في علم المعاني والبديع والبيان، م، س، ص456.

[36]. المرجع نفسه.

[37]. السيوطي، معترك الأقران، م، س، ج1، ص58.

[38]. ابن الأثير، المثل السائر، تح: أحمد الحوفي وبدوي طبانة، القاهرة: دار نهضة مصر، ج3، ص98.

[39]. السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، تح: محمد أبو الفضل إبراهيم، بيروت: المكتبة العصرية، ط1988، ج3، ص327.

[40]. المرجع نفسه.

[41]. الزمخشري، الكشاف، بيروت: دار الفكر، ط1، 1977، ج1، ص493.

[42]. المرجع نفسه.

[43]. السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، م، س، ص333.

[44]. الرافعي، إعجاز القرآن، م، س، ص258.

[45]. المرجع نفسه، ص259.

[46]. مواهب المفتاح، ضمن: شروح التلخيص، ج1، ص464.

[47]. أحمد مطلوب، معجم المصطلحات البلاغية وتطورها، مكتبة لبنان ناشرون، ط2، 1996 ص223.

[48]. الشحات محمد أبو ستيت، دراسات منهجية في علم البديع، مصر: دار خفاجي للطباعة والنشر، مصر، ط1، 1994، ص263.

[49]. عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة، م، س، ص181.

[50]. علي الجرجاني، التعريفات، تح: إبراهيم الأبياري، دار الكتاب العربي، ط، 1992، ص45، وانظر: كشاف اصطلاحات الفنون، ج1، ص114.

[51]. كشاف اصطلاحات الفنون، م، س، ص114.

[52]. الشيخ أحمد بن الشيخ محمد الزرقا، شرح القواعد الفقهية، دمشق: درا القلم، ط2، 1989، ص257.

[53]. ابن الأثير، المثل السائر، م، س، ص59-60.

[54]. الرماني، النكت في إعجاز القرآن، تح: محمد زغلول سلام ومحمد أحمد خلف الله، ضمن: ثلاث رسائل في الإعجاز، مصر: مطبعة المعارف، ط4، 1991، ص99.

[55]. السكاكي، مفتاح العلوم، تح: د. نعيم زرزور، بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1983، ص429-430.

[56]. صادر عن دار خفاجي، مصر 1994.

[57]. أحمد محمد علي، دراسات في علم البديع، مصر: مطبعة الأمانة، ط1، 1986، ص263.

[58]. ابن النقيب، مقدمة تفسير ابن النقيب، تح: زكريا سعيد علي، القاهرة: مكتبة الخانجي، ط1، 1995، ص458.

[59]. السجلماسي، المنزع البديع في تجنيس أساليب البديع، تح: علال الغازي، مكتبة المعارف، الرباط، ط1، 1980، ص271.

[60]. القزويني، الإيضاح في علوم البلاغة، ج6، ص6، وانظر: شروح التلخيص، ج4.

[61]. السجلماسي، المنزع البديع في تجنيس أساليب البديع، م، س.

[62]. الإيضاح، م، س، ج6، م، س، ص63.

[63]. مواهب المفتاح، ضمن: شروح التلخيص، ج4، ص462.

[64]. المرجع نفسه.

[65]. السجلماسي، المنزع البديع في تجنيس أساليب البديع، م، س، ص272-273.

[66]. مواهب المفتاح، م، س، ص361.

[67]. سيد قطب، في ظلال القرآن، بيروت: دار الشروق، ط9، 1980، ج5، ص2839.

[68]. المرجع نفسه.

[69]. عبد الواحد علام، البديع: المصطلح والقيمة، مكتبة الشباب، مصر، ط1990، ص111.

[70]. الزمخشري، الكشاف..”، م، س، ص253.

[71]. سيد قطب، في ظلال لقرآن، م، س، ج5، ص2835.

[72]. أحمد أبو زيد، دراسة ضمن ندوة: الدراسات المصطلحية والعلوم الإسلامية، الرباط: مطبعة المعارف الجديدة، ط1996، ج1، ص387.

[73]. محمد الروكي، نظرية التقعيد الفقهي، منشورات كلية الآداب بالرباط، البيضاء: مطبعة النجاح الجديدة، ط1، 1994، ص47، وانظر: تعريفات أخرى قريبة منه عند الشيخ مصطفى الزرقا في مقدمة: شرح القواعد الفقهية، ص33.

[74]. شرح القواعد الفقهية، م، س، ص47.

[75]. من مقدمة، شرح القواعد الفقهية، م، س.

[76]. السيوطي، الأشباه والنظائر، ج2، ص9-10.

Science

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق