مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةمفاهيم

نظام المطابقة في الخطاب المتطرف

نظام المطابقة هو النظام الذي تستعمل الاستعارة فيه من أجل المطابقة بين مفاهيم، أو أحداث، أو وقائع ملازمة لشر متفق عليه، أو خير متفق عليه، أو أشخاص اقترنت سيرتهم بشر مُطْبِق، أو خير مطلق، وبين ما يَفترض المستعمل أنه يناظره في الزمن الحالي.
والغالب على الذي هو شر متفق عليه، أو هو خير لا شك فيه، أن يكون قد استمد تلك الصفة من الدين، دون أن يكون لهذا الأمر علاقة بقوة تدين الشخص أو رقة دينه. فإن لفظ فرعون مثلا هو في قوة الموضوع لمفهوم كلي، هو التجبر والظلم والطغيان، لا ينازع في ذلك من ضعفت عاطفته الدينية، لأنه اكتسب قوة باشتهاره بهذه الصفة صح بها أن يؤول بوصف، وينعت به. وبذلك أمكن أن يستعار، مع أنه اسم علم، ولا استعارة في العلمية إلا بهذا الشرط. لذلك اعتبره النحاة، والبلاغيون اسم جنس تأويلا. وذلك كما في كل الأعلام المشهورة بنوع من الوصف. وتصح المطابقة به بتجريده من الإضافة أو تغييرها. فإن الأصل فيه أن يقال: فرعون موسى. فهذه هي الإضافة التي للإيضاح. فإذا أسقطها المتكلم، مشيرا إلى شخص، أو معلقا على صورة، قائلا: هذا فرعون. أو غَيَّرَهَا بإضافة موهمة للمطابقة، أي مطابقة المعنى الموضوع في اسم الجنس المؤول للمعنى الذي يريده المتكلم، فقد نقلها من الإيضاح إلى الإيهام، وأمكنه نقل المعاني المودعة فيها إلى المستعار له، مخفيا بذلك كل تناقض يمكن أن يكشفه البحث في لوازم المعنى. ومثال ذلك أن يوصف بلد معين بأنه فرعون العصر. وهذه من الاستعارات المتداولة جدا. فإن لوازم هذا المعنى الظاهرة هي الظلم والتجبر والاستبداد. غير أن المشابهة هنا ضعيفة، لأنها قائمة بين بلد وشخص، وبين ديموقراطية حديثة وبين تسلط مطلق، وبين نظام دستوري حديث وبين من كان يقول: أنا ربكم الأعلى، وبين حرية وبين استعباد. ولذلك فإن المطلوب هنا هو إيهام التطابق، والتصديق به، وليس حقيقةَ وجوده. وييسر هذا الأمر شيآن:

 

 

نظام المطابقة هو النظام الذي تستعمل الاستعارة فيه من أجل المطابقة بين مفاهيم، أو أحداث، أو وقائع ملازمة لشر متفق عليه، أو خير متفق عليه، أو أشخاص اقترنت سيرتهم بشر مُطْبِق، أو خير مطلق، وبين ما يَفترض المستعمل أنه يناظره في الزمن الحالي.

والغالب على الذي هو شر متفق عليه، أو هو خير لا شك فيه، أن يكون قد استمد تلك الصفة من الدين، دون أن يكون لهذا الأمر علاقة بقوة تدين الشخص أو رقة دينه. فإن لفظ فرعون مثلا هو في قوة الموضوع لمفهوم كلي، هو التجبر والظلم والطغيان، لا ينازع في ذلك من ضعفت عاطفته الدينية، لأنه اكتسب قوة باشتهاره بهذه الصفة صح بها أن يؤول بوصف، وينعت به. وبذلك أمكن أن يستعار، مع أنه اسم علم، ولا استعارة في العلمية إلا بهذا الشرط. لذلك اعتبره النحاة، والبلاغيون اسم جنس تأويلا. وذلك كما في كل الأعلام المشهورة بنوع من الوصف. وتصح المطابقة به بتجريده من الإضافة أو تغييرها. فإن الأصل فيه أن يقال: فرعون موسى. فهذه هي الإضافة التي للإيضاح. فإذا أسقطها المتكلم، مشيرا إلى شخص، أو معلقا على صورة، قائلا: هذا فرعون. أو غَيَّرَهَا بإضافة موهمة للمطابقة، أي مطابقة المعنى الموضوع في اسم الجنس المؤول للمعنى الذي يريده المتكلم، فقد نقلها من الإيضاح إلى الإيهام، وأمكنه نقل المعاني المودعة فيها إلى المستعار له، مخفيا بذلك كل تناقض يمكن أن يكشفه البحث في لوازم المعنى. ومثال ذلك أن يوصف بلد معين بأنه فرعون العصر. وهذه من الاستعارات المتداولة جدا. فإن لوازم هذا المعنى الظاهرة هي الظلم والتجبر والاستبداد. غير أن المشابهة هنا ضعيفة، لأنها قائمة بين بلد وشخص، وبين ديموقراطية حديثة وبين تسلط مطلق، وبين نظام دستوري حديث وبين من كان يقول: أنا ربكم الأعلى، وبين حرية وبين استعباد. ولذلك فإن المطلوب هنا هو إيهام التطابق، والتصديق به، وليس حقيقةَ وجوده. وييسر هذا الأمر شيآن:

أولهما: كون قوة الاستعارات كامنة في كونها لا يطلب فيها استقصاء أوجه المشابهة. فهي تقوم على أبرز هذه الأوجه فقط. لذلك لا يمكن للمتلقي أن يستنكر غياب الأوجه الأخرى. 

وثانيهما: كوننا نحب اختزال الرذائل في أسماء الأجناس المؤولة، كما نحب اختزال الفضائل بها. فنحن كما نحب اختزال الرذائل في فرعون، وأبي جهل، ومن إليهما، نحب تصور العدل في شخص عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، واسترجاع الثغور في شخص صلاح الدين الأيوبي، والشجاعة في خالد بن الوليد، وعلي بن أبي طالب، رضي الله عنهما، لذلك يعتبر الطعن في هؤلاء الأعلام طعنا في بناء استعاري متوارث، والشكُّ فيما كانوا عليه من خصال شكا في تصورنا لأنفسنا، لأننا نختزل تصورنا لأنفسنا، وتصورنا لغيرنا بالاستعارة. والذي يزعم أنه يبحث عن الحقيقة هنا يبحث عنها حيث لا ينبغي البحث عنها، لأنه يبحث عن الحقيقة في الاستعارة، وقيام الاستعارة على وضع اللفظ في غير ما وضع له لعلاقة المشابهة مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الحقيقي.

ومن أمثلة ذلك أيضا إطلاقهم اسم: غزوة نيويورك الكبرى، على ما صنعوه من تدمير لبرجي مانهاتن يوم:11 سبتمبر 2001. فإن استعمال هذا الاسم على سبيل مطابقته لاسم: غزوة بدر الكبرى، لا يراد به الحقيقة، وإنما يراد به استحضار لوازم المعاني الموجودة في الاسم الأول. وهي كونها شرعية، وكون الرسول صلى الله عليه وسلم قائدها، وكون الطعن فيها وفي أسبابها ونتائجها غير ممكن عند من يدين بالإسلام، وكون من يقف في غير صف أهلها كافرا، وكون من قاتل فيها من أهل الملة على حق، وكون المقتول فيها منهم شهيدا، وكونها أول غزوة فصل الله تعالى فيها بين الحق والباطل. فإذا صحت هذه اللوازم، وتمت المطابقة بها، أمكن عدها بهذا الوصف مرتبة في سلسلة الغزوات النبوية، كأحد، والخندق، والفتح، وحنين، وغيرها. وهذا أمر يحققه الاستعمال البلاغي وحده، ولا يمكن تحقيقه بغيره، لأنه استعمال لا يُسأل فيه صاحبه عن الخلل الواقع في التطابق بعدم وجود غزوة نيويورك الصغرى كما وجدت غزوة بدر الصغرى في السنة الرابعة للهجرة، إذ أصل العبارة في الاستعمال البلاغي: غزوة نيويورك الكبرى التي تشبه غزوة بدر الكبرى. فهو استعمال قائم على قوة التشبيه لا على قوة الحقيقة.

الدكتور محمد الحافظ الروسي

  • رئيس مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق