مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةغير مصنف

نسيم الفجر في استمرار ليلة القدر للعلامة محمد الحسن الحجوي الثعالبي ج2

بسم الله الرحمن الرحيم

 


 بقلم الباحث: عبد الفتاح مغفور*

الجزء الثاني من المقال

فقد سبق وأن تناولت في الجزء الأول من هذا المقال قسم التقديم، والشق الأول من النص المحقق من هذه الرسالة، وسأتناول في هذا الجزء الثاني الشق الثاني من النص المحقق، وهو كالآتي:

الجواب:

بعد الديباجة رعاكم الله أما رؤياكم فإنها من مشمولات قوله عليه السلام: “ذهبت النبوة وبقيت المبشرات”([1]الرؤيا الصالحة، وأما رفع ليلة القدر ففي روح البيان: “ودل كلام الله على ثبوت ليلة القدر، فمن قال: إن فضلها كان لنزول القرآن يقول: انقطعت، فكانت مرة، والجمهور على أنها باقية آتية في كل سنة فضلا من الله”([2]) هـ ولفظ القرآن العظيم لا يدل على انقطاعها بل قد يؤخذ الاستمرار من تَنَزّل الملائكة؛ إذا ظاهر المضارع الاستمرار، وهكذا قوله تعالى:  ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾  ([3])، وقد يرد المضارع لحكاية الصورة العجيبة، وسياق الآتين يأباه، والغالب الأول، وتنزل الملائكةِ  بعده عليه السلام لا بُعْدَ فيه، بل الحديث الصحيح يؤيده، وهو قوله عليه السلام: “يتعاقب فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار”([4]) والذي يقول بأن جبريل  هو المراد بالروح يحتاج إلى دليل؛ إذ الروح له إطلاقات فهو مشترك، وتعيين جبريل هنا يحتاج إلى دليل، وقد حكى المفسرون في الروح هنا أقوالا انظرها في روح البيان([5]) وغيره. وهناك أحاديث في الصحيح/3/تدل على استمرارها كحديث عائشة: “تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان”([6])، وهو في البخاري.

وحديث ابن عمر في الصحيحين مرفوعا: “أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر”([7])

وحديث ابن عباس مرفوعا: “التمسوها في العشر الأواخر من رمضان” في البخاري[8]، في أحاديث أخرى في الصحاح يضيق عنها هذا الجواب، وأنتم على علم منها.

ومنها حديث الصحيحين: “كنت أُرِيت هذه الليلة ثم أنسيتها، وقد رأَيتُني أسجد في ماء وطين، فالتمسوها في العشر الأواخر” إلى أن قال: ” فو كَف المسجد فبصرت عيناي رسول الله ﷺ، وعلى جبهته أثر الماء والطين من صبيحة إحدى وعشرين”([9]).

وهذه الأحاديث تدل على أنها لم تلزم في الليلة التي أنزل فيها القرآن بعينها من رمضان، وأنها تنتقل، وأي فائدة في الأمر بالتماسها؟ لو كانت خاصة بتلك الليلة بعينها؛ إذ يكون التماسها عبثا؛ لأنها مضت، ولم يكن إذ ذاك مسلم إلا النبي صلى الله عليه وسلم وحده، أو معه واحدا واثنان على أن الذي يظهر من أحاديث الصحاح أنها تنتقل في خصوص العشر الأواخر، أو السبع الأواخر من رمضان خاصة، ولا أعدل بما في الصحيح شيئا.

 وروى أبو داود عن ابن عمر مرفوعا أنه عليه السلام سئل عن ليلة القدر فقال: “إنها في كل رمضان”([10]) /4/

نعم القائل بالانقطاع يستدل بحديث البخاري: ” تلاحى رجلان” وفي آخره “فرفعت”([11]فإن ظاهره أنها رفعت، ولم يبق لها حكم، ولكن لأجل الجمع بين الأحاديث يؤول بأنه رفع تعيين بدليل قوله آخر هذا الحديث: في التاسعة والسابعة والخامسة، ولو كانت رفعت لم يبق معنى لالتماسها على أن الذي يظهر من ابن السلطان ([12]) في المرقاة: أن القول يرفعها لبعض الشيعة.

نعم ورد في مسلم حديث أبي بن كعب أنها في رمضان، وأنها في العشر الأواخر وأنها ليلة سبع وعشرين، ثم حلف لا يستثني أنها ليلة سبع وعشرين.

قال زِرُّ بن حُبَيش راوي الحديث، فقلت لأُبي بأي شيء تقول ذلك؟ فقال: بالعلامة أو بالآية أو بالأمارة التي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها تطلع يومئذ بيضاء لا شعاع لها ([13]) هـ

فهذا الحديث، وإن اعتمده العامة، وبعض أهل العلم في تعيينها ليلة سبع وعشرين لكنه لا دليل فيه لكل عام.

وإنما الحديث نفسه يدل على أن ذلك كان لسنة بعينها؛ إذ لا يعقل لزوم هذه الأمارة كل ما كانت ليلة سبع وعشرين؛ إذ كثيرا ما تطلع الشمس فيها على غير تلك الحال، أو قد يكون الغيم أو المطر، والسنة القمرية تعتريها الفصول الأربعة، فالحديث نفسه دال على أنها في العشر الأواخر من رمضان من غير تعيين في كل سنة بليلة السابع العشرين كما هو واضح والله أعلم.

وقيده بالرباط أواخر ربيع الأول النبوي عام 1354محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي. 

******************

جريدة المصادر والمراجع:

الأعلام، لخير الدين الزركلي الدمشقي. دار العلم للملايين. ط15: 2002 م.

التأليف ونهضته بالمغرب في القرن العشرين لعبد الله الجراري، مطبعة النجاح الجديدة البيضاء،ط1 1406هـ ـ 1985م.

خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر، لمحمد أمين بن فضل الله بن محب الدين بن محمد المحبي الحموي الأصل، الدمشقي (ت: 1111هـ)، دار صادر ـ بيروت

الدراسات القرآنية بالمغرب في القرن الرابع عشر الهجري لإبراهيم الوافي، مطبعة النجاح الجديدة، ط1 (1420 هـ / 1999 م. 

روح البيان، لإسماعيل حقي بن مصطفى الحنفي الخلوتي، دار الفكر ـ بيروت

سنن الترمذي، تحقيق وتعليق أحمد محمد شاكر ومحمد فؤاد عبد الباقي، وإبراهيم عطوة، منشورات شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي – مصر ط3، 1395 هـ ـ 1975 م

صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل (ت:256هـ). الطبعة الهندية.

صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت

الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي للجوي الثعالبي الجعفري الفاسي، دار الكتب العلمية -بيروت-لبنان، 1416هــ 1995م

مختصر العروة الوثقى فهرست محمد بن الحسن الحجوي. مطبعة الثقافة سلا المغرب الأقصى، 1357 هـ /1938م.

 

هوامش المقال:

([1]) أخرجه البخاري في كتاب التعبير، باب المبشرات، رقم: 6990، (9/1)، وأخرجه الترمذي في كتاب الرؤيا، باب ذهبت النبوة وبقيت المبشرات. رقم: (2272)، (4 /533)

([2]) روح البيان (10 /483)

([3]) الدخان الآية: الآية 3 

([4]) أخرجه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة، باب فضل صلاة العصر، رقم: (555)، (1 /264)

([5]) روح البيان (10 /482ـ483)

([6]) أخرجه البخاري في كتاب فضل ليلة القدر، باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشـر الأواخر، رقم: (2017)، (1 /920)

([7]) أخرجه البخاري في كتاب فضل ليلة القدر، باب التماس ليلة (باب التمسوا ليلة) القدر في السبع الأواخر، رقم: (2015)، (1 /919)، وأخرجه مسلم في كتاب الصيام، باب فضل ليلة القدر والحث على طلبها وبيان محلها وأرجى أوقات طلبها، رقم: (1165)، (2 /822).

([8])أخرجه في كتاب فضل ليلة القدر، باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر، رقم: (2021)، (1 /922)

([9]) أخرجه البخاري في كتاب فضل ليلة القدر، باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر، رقم: (2018)، (1/921)،وأخرجه مسلم في كتاب الصيام، باب فضل ليلة القدر والحث على طلبها وبيان محلها وأرجى أوقات طلبها، رقم: (1168)، (2 /827).

([10]) أخرجه في السنن، في باب [من قال هي] في كل رمضان، رقم: (1387)، (1 /441)

([11]) أخرجه البخاري في كتاب فضل ليلة القدر، باب رفع معرفة ليلة القدر لتلاحي الناس رقم:(2023) (1 /923)

([12])هو: علي بن محمد (سلطان)،نور الدين الملّا الهروي المعروف بالقاري: فقيه حنفي، من صدور العلم في عـصره، ولد في هراة وسكن مكة،وأخذ بها عن الأستاذ أبى الحسن البكرى، والسيد زكريا الحسين، والشهاب أحمد بن حجر الهيثمي،وغيرهم.له تآليف منها: “شرح مشكلات الموطأ”، “شرح الشفاء”، “شرح مشكاة المصابيح”. توفي رحمه الله سنة (1014 هـ). خلاصة الأثر(3 /185)، الأعلام (5 /12).

([13]) أخرجه مسلم في كتاب الصيام، باب فضل ليلة القدر والحث على طلبها وبيان محلها وأرجى أوقات طلبها، رقم: (762)، (2 /828).

*راجعت المقال الباحثة: خديجة أبوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق