مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلامأعلام

نساء مفسرات (2) نفيسة بنت الحسن: حياتها وعنايتها بالتفسير.(1)

  • مولدها ونسبها ونشأتها:

      هي السيدة نَفِيسَة[1] بنت الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب – رضي الله عنهم – ولدت سنة خمس وأربعين ومائة بمكة، على أن مقامها بها لم يطل، فقد ولي والدها الحسن بن زيد (168ه) المدينة للمنصور[2]، سنة تسع وأربعين ومائة، وعلى هذا فقد عاشت السيدة نفيسة في المدينة المنورة في واحدة من أزهى عصورها العلمية.

جمعت السيدة نفيسة بين شرف النسب ورفعة المنشأ؛ فقد كان والدها شيخَ بني هاشم في زمانه، وكان عالما بالحديث[3]. ومما تنقله المصادر أن نفيسة كانت شديدة الملازمة لوالدها فحفظت عنه القرآن الكريم في سن مبكرة، ولعل هذا ما ستظهر آثاره جلية في تكوينها العلمي.

  • زواجها:

   تزوجت السيدة نفيسة من قريبها إسحاق بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب –رضي الله عنهم-، ورزقت منه القاسم وأم كلثوم .

ولقد كان إسحاق من علماء الحديث كذلك؛ قال المزي: “روى له البخاري في كتاب”القراءة خلف الإمام” وغيره، والترمذي، وابن ماجه”[4].

  • مقامها بمصر ووفاتها بها:

انتقلت السيدة نفيسة إلى مصر مع زوجها -في القول الراجح- فأقامت بها إلى أن ماتت في شهر رمضان سنة ثمان ومائتين من غير خلاف في وفاتها، ويقال: إنها حفرت قبرها، وآخر ما قرأت فيه: {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: 12]، وخرجت روحُها فيه.

  • علمها بالحديث وتصدرها للتدريس:

ليس يقطع بأن تنبت التربة الحسنة ثمارا طيبة، ولكن الأغلب أن يكون للمرء تأثر بالبيئة التي ترعرع فيها، وربما كان لذلك أثر في تكوينه العلمي و الفكري.

إن حياة السيدة نفيسة في المدينة المنورة موئل السنة، وبين أب وزوج محدثين، ومن نسل ينتهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كلها قرائن تُومئ إلى علمها بالحديث النبوي الشريف وعنايتها به، وهذا ما تؤكده نصوص كثيرة؛ فمن ذلك ما ذكره صاحب “السلوك في طبقات العلماء والملوك” أن الإمام الشافعي: “سافر فدخل مصر سنة تسع وتسعين ومائة، فأدرك بها الست نفيسة، والناس إذ ذاك يحضرون منها مجلسا ويروون عنها الحديث من وراء ستر، فحضر مجلسها وأخذ عنها، فهي معدودة في شيوخه[5]. و جاء في وفيات الأعيان أن الإمام الشافعي، حضر إلى نفيسة وسمع عليها الحديث[6]. ومما نُقل عن ابن حجر أنه لما قدم الإمام الشافعي إلى مصر ” وُصِفَتْ له [السيدة نفيسة]، فتوجه هو وعبد الله بن عبد الحكم لزيارتها”. ولاشك أن امرأة يجلس إليها الناس- مع ما يتطلبه الانبراء للتدريس في تلك المرحلة من نبوغ ونضج –  لهي على حظ كبير من العلم. أما أن يقصدها علماء كالشافعي وعبد اللَّه بن عبد الحكم، فتلك شهادة أخرى تدل على أنها قد حازت معرفة خاصة أوعزت إليهم بالجلوس إليها حتى لَتُعَدُّ من شيوخهم.

وصِلةُ السيدة نفيسة بالإمام الشافعي مشتهرة؛ فزيادة على ما ذكرناه، أورد أهل التراجم أنها كانت تكرمه، وكان يسألها الدعاء، وربما صلى بها في شهر رمضان. فلما مات أمرتهم أن يحضروا بجنازته إليها، فصلَّت عليه.

                                                                       (يتبع…)

[1] بِفَتْح النُّون، وَكسر الْفَاء، وَسُكُون الْمُثَنَّاة تَحت، وَفتح السِّين الْمُهْملَة.

[2] إلا أن أبا جعفر عزله بعدها بخمس سنين، وسجنه، فلما ولي المهدي، أطلقه، وأكرمه، ورد عليه أمواله، وحج معه، فتوفي بالحاجر.

[3] ممن روى عنه: ابنه إسماعيل، وزياد بن خيثمة، وعبد الرحمن بن أبي الزناد، ومالك بن أنس، ومحمد بن إسحاق بن يسار، وله رواية في سنن النسائي.

[4] تهذيب الكمال في أسماء الرجال، جمال الدين المزي، تحقيق: بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة (2/361).

[5]  محمد الجندب السكسكي الكندي، تحقيق:محمد بن الحسن الحوالي، مكتبة الإرشاد (1/160).

[6] وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان،ابن خلكان، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر (5/-424-423) (بتصرف).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق