مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلامأعلام

نساء فقيهات (5) حفصة بنت سيرين: حياتها وفقهها (الجزء الثاني).

 

_ حياتها العلمية:

كانت حفصة بنت سيرين واسعة العلم، متعددة الفنون؛ فمما اشتهرت به:

  • دراسة القرآن الكريم:

حفظت حفصة القرآن الكريم وهي ابنة اثنتي عشرة سنة، وكانت عارفة بكتاب الله قراءة وتفسيرا؛ حتى إن أخاها محمد بن سيرين -وهو أحد أبرز علماء عصره- كان يحيل إليها إذا أعيته المسألة؛ “فقد روى ابن أبي الدنيا عن هشام بن حسان أنه قال: كان إذا أشكل على محمد بن سِيرين شيء من القرآن يقول: اذهبوا فسلوا حفصة كيف تقرأ”[1].

  • رواية الحديث الشريف:

اشتهرت مترجَمتنا برواية الحديث الشريف، وشهد لها علماؤه بالتوثيق؛

قال يحيى بن معين: “ثقة، حجة”.

وقال العجلي : “بصرية، ثقة”.

وقال الذهبي في المعين في طبقات المحدثين: ” حفصة بنت سيرين كبيرة القدر”[2] .

كما ذكرها ابن حبان في كتاب” الثقات”.

  • شيوخها:

روت حفصة بنت سيرين عن: أنس بن مالك، وأم عطية الأنصارية، وأبي ذبيان خليفة بن كعب، والربيع بن زياد الحارثي، ورفيع أبي العالية الرياحي، وخيرة أم الحسن البصري، والرباب أم الرائح.

ويبدو أنها كانت تكثر الأخذ عن أم عطية رضي الله عنها؛ فروت عنها: في الصلاة والجنائز والزكاة والطلاق والجهاد.

ولقد أحصينا روايات حفصة بنت سيرين عن أم عطية رضي الله عنها في الصحيحين، فوجدناها على النحو الآتي:

 

 

 

 

 

 

صحيح البخاري

·     كتاب الوضوء، باب التيمن في الوضوء والغسل، رقم الحديث:167.
·     أبواب العيدين، باب إذا لم يكن لها جلباب في العيد، رقم الحديث: 980.
·     كتاب الجنائز، باب يبدأ بميامن الميت، رقم الحديث:1255.
·     كتاب الجنائز، باب مواضع الوضوء من الميت، رقم الحديث:1256.
·     كتاب الجنائز، باب نقض شعر المرأة، رقم الحديث:1260.
كتاب الجنائز، باب: هل يجعل شعر المرأة ثلاثة قرون؟،رقم الحديث:1262.
كتاب الجنائز، باب اتباع النساء الجنائز، رقم الحديث: 1278.
·     كتاب الزكاة، باب: قدر كم يعطى من الزكاة والصدقة، ومن أعطى شاة، رقم الحديث:1446.
·     كتاب الزكاة،باب إذا تحولت الصدقة، رقم الحديث:1494.
·     كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب قبول الهدية، رقم الحديث: 2579.
·     كتاب تفسير القرآن، باب ﴿إذا جاءك المؤمنات يبايعنك﴾ [الممتحنة: 12]، رقم الحديث: 4892.
 

صحيح مسلم

·     كتاب صلاة العيدين، باب ذكر إباحة خروج النساء في العيدين إلى المصلى وشهود الخطبة، مفارقات للرجال، رقم الحديث: 890.
·     كتاب الجنائز، باب في غسل الميت، رقم الحديث: 939.
·     كتاب الجهاد والسير، باب النساء الغازيات يرضخ لهن ولا يسهم، والنهي عن قتل صبيان أهل الحرب، رقم الحديث:1812.

 

  • تلامذتها:

لحفصة تلامذة كثر منهم: إياس بن معاوية بن قرة المزني، وأيوب السختياني، وخالد الحذاء، وعاصم الأحول، وأخوها محمد بن سيرين، وعبد الله بن عون، وعبد الملك بن أبي بشير، وقتادة، وهشام بن حسان، وأبو نعامة العدوي، وعائشة بنت سعد البصرية، وروى لها الجماعة[3].

  • العلم بالفقه:

اتفقت كلمة أهل العلم على فقه حفصة؛ فقد روي عن إياس بن معاوية أنه قال: “ما أدركت أحدا أفضله على حفصة بنت سيرين.. فذكروا له الحسن وابن سيرين، فقال: أما أنا فلا أفضل عليها أحدا”.

وقال الذهبي: ” كانت عديمة النظير في نساء وقتها، فقيهة صادقة فاضلة كبيرة القدر”[4] وبمثل قوله جاءت عبارات الصفدي في “الوافي بالوفيات”.

وقال ابن كثير: “كانت فقيهة عالمة، من خيار النساء”[5].

ولقد نص ابن كثير على أن حفصة كانت إحدى أهم تلميذات أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها؛ جاء في البداية والنهاية: “لم يكن في النساء أعلم من تلميذاتها؛ عمرة بنت عبد الرحمن، وحفصة بنت سيرين، وعائشة بنت طلحة”.

والمتأمل لرواياتها واختياراتها يجدها تكثر الأخذ عن نسيبة بنت الحارث؛ أم عطية الأنصارية رضي الله عنها، وكثيرا ما ترجع إلى قولها وترجح بالنقل عنها؛ فمن أمثلة ذلك: أن حفصة بنت سيرين قد عدلت عن القول بمنع النساء من الخروج يوم العيد إلى المصلى، لما استوثقت جواز ذلك من أم عطية رضي الله عنها؛ فقد روى البخاري عنها أنها قالت: “كنا نمنع جوارينا أن يخرجن يوم العيد، فجاءت امرأة، فنزلت قصر بني خلف، فأتيتها، فحدثت أن زوج أختها غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثنتي عشرة غزوة، فكانت أختها معه في ست غزوات، فقالت: فكنا نقوم على المرضى، ونداوي الكلمى، فقالت: يا رسول الله، أعلى إحدانا بأس إذا لم يكن لها جلباب أن لا تخرج؟ فقال: «لتلبسها صاحبتها من جلبابها، فليشهدن الخير ودعوة المؤمنين» قالت حفصة: فلما قدمت أم عطية أتيتها فسألتها: أسمعت في كذا وكذا؟ قالت: نعم بأبي، وقلما ذكرت النبي صلى الله عليه وسلم إلا قالت: بأبي قال: ” ليخرج العواتق ذوات الخدور – أو قال: العواتق وذوات الخدور، شك أيوب – والحيض، ويعتزل الحيض المصلى، وليشهدن الخير ودعوة المؤمنين “قالت: فقلت لها: الحيض؟ قالت: نعم، أليس الحائض تشهد عرفات، وتشهد كذا، وتشهد كذا”[6].

 

  • من اختياراتها الفقهية:
  • المسألة الأولى: القدر الذي تقصره المرأة في الحج؛

اختلف الفقهاء في قدر ما تقصره المرأة من رأسها؛ وقالت حفصة بنت سيرين: “المرأة التي قعدت تأخذ نحو الربع، وفي السبّابة أشارت بأنملتها تأخذ وتقلل”[7].

  • المسألة الثانية: تغسيل الميت بالخطمي؛

الخِطْمِيُّ والخَطْمِيُّ: “ضرب من النبات يغسل به. وفي الصحاح: يغسل به الرأس؛ قال الأزهري: هو بفتح الخاء، ومن قال خطمي، بكسر الخاء، فقد لحن”[8].

ولقد اختلف الفقهاء في جواز تغسيل الميت بالخطمي؛ فقد سئلت عائشة رضي الله عنها عن ذلك فقالت: “لا تعفنوا ميتكم، وكره ابن سيرين غسله بالخطمي إلا أن لا يجدوا سدراً”. وذهبت حفصة بنت سيرين إلى إعماله؛ قال ابن المنذر: “وقالت حفصة بنت سيرين: يجعل الخطمي”[9].

  • المسألة الثالثة: استحبابها الحجاب للقواعد من النساء.

عن عاصم الأحول قال:”كنا ندخل على حفصة بنت سيرين وقد جعلت الجلباب هكذا: وتنقبت به فنقول لها: رحمك الله قال الله تعالى: ﴿وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ﴾ هو الجلباب. قال: فتقول لنا: أي شيء بعد ذلك؟ فنقول: ﴿وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ﴾ فتقول: هو إثبات الحجاب”[10].

 

[1] مرآة الزمان في تواريخ الأعيان، سبط ابن الجوزي (11/48).

[2]ص:36.

[3] ينظر: تهذيب الكمال في أسماء الرجال، المزي (35/152).

[4]تاريخ الإسلام، الذهبي (7/65).

[5] البداية والنهاية، ابن كثير (9/302).

[6]أبواب العيدين، باب إذا لم يكن لها جلباب في العيد، رقم الحديث: 980.

[7] الإشراف على مذاهب العلماء، ابن المنذر (3/360).

[8] لسان العرب، ابن منظور، مادة (خطم).

[9] الإشراف على مذاهب العلماء، ابن المنذر(2/316).

[10]السنن الكبرى، البيهقي، كتاب النكاح، باب ما جاء في القواعد من النساء، رقم الحديث: 13534.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق